مستقبل المال الرقمي قد يزدهر بدُون "بتكوين"

الأموال الرقمية قد تكون المستقبل
الأموال الرقمية قد تكون المستقبل المصدر: صور غيتي
Andy Mukherjee
Andy Mukherjee

Andy Mukherjee is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies and financial services. He previously was a columnist for Reuters Breakingviews. He has also worked for the Straits Times, ET NOW and Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا تعدُّ الفكرة القائلة بأنَّ الكثير من الاستخدام النقدي اليوم سيتحوَّل إلى الرموز الرقمية، فكرة غريبة أو مستبعدة، طالما أنَّك لا تبدأ في مساواة مستقبل المال مع بتكوين.

ومن المؤكَّد أنَّ الحكومات ستقترض بعض عناصر تقنية "دفتر الأستاذ الموزع" الذي يقف وراء العملات المشفرة الخاصة، لكنَّها سترغب بشدَّة في الاحتفاظ بالسيطرة على ما يتمُّ تداوله كأموال في اقتصاداتها. وإن كان بعضها فقط سينجح.

لا تتفاجأ إذا أصبحت المحفظة الإلكترونية على هاتفك الذكي في نهاية العقد الحالي، تشبه حساباً متعدد العملات. ولكن بدلاً من التعامل مع البنوك التجارية، فقد تكون أحد عملاء البنوك المركزية، أو مجموعة متعددة منها، في الواقع.

هل يبدو هذا أمراً بعيد المنال؟ بصرف النظر عن دولار "ساند الباهامي"، فلا توجد عملة رسمية على الإنترنت متداولة على نطاق واسع حتى الآن. ومع ذلك، فإنَّ روَّاد اليوان الرقمي يكتسبون زخماً مع سعي بكين إلى طرح محتمل يتزامن مع دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022. قد تكون السويد الدولة الرئيسية التالية التي تحذو حذوها. كما ليس لدى بنك اليابان خطط فورية، لكنَّه يعترف بإمكانية "زيادة الطلب العام" على النقد الرقمي الرسمي في المستقبل.

أداة لممارسة النفوذ العالمي

وفي الولايات المتحدة أيضاً، التي تتلاعب فقط بالمفهوم، يمكن لوسائل الدفع الرقمية التي لا تعتمد على الحسابات المصرفية التقليدية أن تزيد التضمين المالي لمستخدمي النقد، وفقاً لبحث نشره رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا رافائيل بوستيك وآخرون في سبتمبر 2020. تقول وزيرة الخزانة جانيت يلين، إنَّ الدولار الرقمي "يستحق النظر إليه بكل تأكيد".

وبمجرد دخول الصين والولايات المتحدة إلى المعركة، ستصبح الأموال الافتراضية أداة لممارسة النفوذ العالمي من خلال تقسيم العالم إلى كتل عملات جديدة. وذلك لأنَّ أيَّ رمز ستكون له استخدامات مزدوجة خارج حدود الدولة المصدِّرة. ويمكن استخدام الدولار أو اليوان الذي يظهر في محفظة الهاتف في إندونيسيا أو الهند - مدعوماً بوعد رسمي من دافعي الضرائب في الولايات المتحدة أو الصين - لشراء السلع أو الخدمات أو الأصول دولياً.

ويمكن أن ينتهي الأمر بهذه الأموال الجديدة بأن تحلَّ محل العملة المحلية في حياة الناس اليومية بالسهولة نفسها. وبرغم أنَّ هذا لا يختلف عن الدولرة التقليدية التي تحدث في البلدان المبتلاة بالتضخم، وتقلُّب أسعار الصرف، إلا أنَّ سهولة وإمكانية الوصول إلى النقد الرقمي الصادر عن البنك المركزي يمكن أن يتيح "الاستبدال بوتيرة أسرع وعلى نطاق أوسع"، وفقاً لما قاله تاو تشانغ نائب العضو المنتدب في صندوق النقد الدولي.

رقمنة الأموال السيادية

وللحفاظ على سيطرتها على السياسة النقدية، ستحتاج السلطات في الاقتصادات الأصغر إلى أن تكون رموزها جذَّابة في الحالات المحلية. لكن قد يكون الهدف للدول الأكبر مختلفاً؛ إذ قد ترغب الصين والولايات المتحدة في تقديم إضافات تجعل من (e-CNY) أو "فيدكوين" الخيار المفضل للأجانب في تسوية المطالبات الدولية.

و سيكون المستقبل الفعَّال هو المستقبل الذي تكون فيه جميع العملات الرقمية للبنوك المركزية قابلة للتشغيل البيني. بعبارة أخرى، سوف يتفاعلون مع بعضهم، ومع البدائل التي يوفِّرها القطاع الخاص بما في ذلك بتكوين، على حدِّ قول سكاي غو، كبير المديرين التنفيذيين لشركة "سيفيريوم". وتعدُّ شركة "بلوك تشاين" الأمريكية الناشئة عضواً في مجلس المدفوعات الأسرع التابع لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، والمعهد النقدي الرقمي التابع لمنتدى المؤسسات المالية والنقدية الرسمية، أو (OMFIF)، وهي مؤسسة أبحاث مصرفية مركزية.

و يعمل غو على التحديات التي ستظهر عندما ستتمُّ رقمنة الأموال السيادية: كيف تتمُّ معالجة كميات كبيرة من المعاملات بسرعة وبتكلفة منخفضة وبإجماع قوي بين السجلات التي يتمُّ تحديثها تلقائياً عبر الشبكة؟ كيف تمنح الناس إحساساً بالخصوصية في المدفوعات اليومية، حتى بعد فقدان سرية الهوية النقدية؟.

ضحية الابتكار

سيتعيَّن على البنوك المركزية أن تتخذ قراراتها. كما لايمكن لجميع الهواتف الذكية تشغيل آلات افتراضية متقدِّمة، وتنفيذ رمز البرنامج بسهولة للعقود الآلية. اختر التكنولوجيا الخاطئة، وقد يتمُّ استبعاد السكان الذين لا يتعاملون مع البنوك مرة أخرى. كما هو الحال بالنسبة للتحويلات الخارجية، هناك فرصة بقيمة 124 تريليون دولار سنوياً للرموز لتحلَّ محل شبكة باهظة الثمن من البنوك المراسلة التي تنقل الأموال عن طريق تبادل رسائل SWIFT. لكنَّها لن تعمل مع عمليات النقل الصغيرة إذا كانت قوة الحوسبة للتحقق من المعاملات في شبكة لامركزية تكلِّف الكثير.

ليس من الضروري أن تكون التكنولوجيا المثالية عبارة عن "بلوك تشاين"، ولكن يجب أن تكون "خفيفة الوزن، ومرنة، وقادرة على العمل مع الأنظمة القديمة"، كما يقول جو. فقبل كل شيء ، يجب أن يكون دفتر الأستاذ الموزع شفافاً.

ستكون هناك عقبات أخرى. وكما أخبرني غو: "تمَّ إنشاء قوة دافعة للضغط ضد العملات الرقمية للبنك المركزي بين عمالقة معالجة المدفوعات مثل "باي بال" و"فينمو" و"ستريب"، ولن تحتاج "فيد كوين" إلى هؤلاء الوسطاء لإرسال الأموال، نظراً لأنَّ هذه الشركات ستقع ضحية للابتكار، وسيكون من المثير للاهتمام معرفة كيف تحاول حماية نفسها مما سيحدث من اضطرابات؟".

محاكاة آبل

وتطعن شركة "باي بال"، التي تمتلك خدمة "فينمو" بين الأشخاص بزيف تأكيد غو. و قال كبير المديرين التنفيذيين دان شولمان للمستثمرين الشهر الماضي، إنَّ دعم وتوزيع العملات الرقمية للبنك المركزي، هو جزء من رؤية "باي بال" لمستقبل شامل. ومؤخَّراً انضمَّ محافظ بنك إنجلترا السابق مايك كارني، الذي اقترح بديلاً للدولار من خلال شبكة من العملات الرقمية للبنك المركزي، إلى مجلس إدارة شركة "ستريب".

وقد يكون اختيار القطاع الخاص إحدى طرق حل هذا التوتر، كما يحتج الاقتصاديان في صندوق النقد الدولي توبياس أدريان وتوماسو مانشيني-جريفولي، إذ يمكن أن تكون العملة الافتراضية الرسمية مثل نظام التشغيل (iOS) من "آبل"، كما ستقوم البنوك التجارية، ومزودو الأموال الإلكترونية بتشغيل التطبيقات عليها، وقد يكون تطبيق "آبل هيلث" مناسباً للمستخدم العادي؛ لكن المستخدم الرياضي يريد شيئاً أكثر تعقيداً، ويمكن أن يتمَّ التعامل مع المال بالطريقة نفسها.

وسيتعيَّن على الدول التعاون مع بعضها. لنأخذ مشروع "إم- سي بي دي سي" الذي بدأ مشروع التحويلات عبر الحدود على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع باستخدام العملات الرقمية للبنك المركزي من قبل سلطة النقد في هونج كونج، وبنك تايلاند، ولكنَّه الآن انضمَّ إليه البنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وبنك الشعب الصيني.

وتعتقد العديد من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة أنَّ عليهم ربط السكان باستخدام رمز افتراضي واحد – وهو الرمز الذي أصدروه للاحتفاظ بالسيطرة على أموال دولهم، لكن هذا قد يشجع ببساطة الهجرة الجماعية إلى العملات المشفرة الخاصة المربوطة بطلب العروض القانوني، مما سيجعلها أقل تقلُّباً، ويمكن أن يكون مشروع "دايم" المعروف سابقاً بمشروع "ليبرا" المدعوم من شركة "فيسبوك" أحد هذه العملات المستقرة.

سيتعيَّن على مصدِّري العملات السيادية أن يفكِّروا في أنفسهم بدرجة أقل على أنَّهم أسياد، وأباطرة وأكثر؛ لأنَّهم مقدِّمو خدمات في سوق النقد الرقمي الحر، فهم في النهاية سيدفعون منتجاتهم إلى محافظ مزدحمة على أمل أن نحبهم أكثر من عرض منافس من بنك مركزي آخر. أولئك الذين سيفقدون المؤامرة قد يفقدون ولاء مواطنيهم.