لماذا لا تقطع الصين علاقتها "الرومانسية" مع هدف النمو؟

بث مباشر لكلمة "لي كه تشيانغ" رئيس الوزراء الصيني أثناء اجتماع المؤتمر الشعبي الوطني يوم الجمعة 5 مارس 2021
بث مباشر لكلمة "لي كه تشيانغ" رئيس الوزراء الصيني أثناء اجتماع المؤتمر الشعبي الوطني يوم الجمعة 5 مارس 2021 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في معركة بين أولئك الذين يحبون أو يكرهون هدف النمو الاقتصادي للصين، ظهر حلٌ وسط، وهو وضع هدف منخفض بما يكفي ليجري تجاهله بسهولة أكبر.

لدى قادة الصين علاقة متناقضة مع هدف الناتج المحلي الإجمالي الذي يحددوه كل عام تقريباً منذ تسعينيات القرن الماضي، ويجري الاحتفاء به باعتباره مفتاحاً لتعبئة جهود ملايين البيروقراطيين الذين يتنافسون على الترقيات من خلال زيادة معدلات النمو في مقاطعاتهم، ويجري إلقاء اللوم عليهم في الشرور الاجتماعية من التلوث للاستثمار المفرط والإحصاءات المزيفة.

وأدت حالات عدم اليقين الناجمة عن تفشي وباء فيروس كورونا إلى تخلي بكين عن الهدف "الرقمي" العام الماضي، وكانت هناك توقعات بأن يفعل قادة الحزب الشيء نفسه لعام 2021.

وبدلاً من ذلك، حدد رئيس الوزراء الصيني "لي كه تشيانغ" يوم الجمعة هدفاً لتحقيق نمو 6%، مع أهداف سنوية على الأرجح حتى عام 2025 على الأقل.

تحذيرات من "هدف" النمو

أدى الوعي المتزايد بالأثر المدمر للسعي بقوة نحو تحقيق نمو الناتج المحلي الإجمالي - وهو مقياس لقيمة السلع والخدمات المنتجة حديثًا في الاقتصاد - على البيئة، إلى تحذير الحكومة منذ نحو عقد من الاعتماد المفرط على تحقيق أهداف نمو مجردة.

ولكن مسؤولي الأقاليم المحلية كان لهم رأي آخر، فقد تنافسوا للتفوق على الأهداف الوطنية من خلال تنفيذ مشاريع استثمارية غالبًا ما تكون غير ذات قيمة، ويرجع ذلك إلى نظام التقييم الذي أعطى الأولوية لهدف النمو. كما تفاقمت المشكلة بعد الأزمة المالية العالمية بالتزامن مع إفراط البنوك في منح القروض.

ودعا مؤخراً بعض المسؤولين مثل ما جون، عضو لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، إلى التخلي عن تحديد هدف للنمو بشكل دائم، في إطار سعي بكين لخفض مستويات الديون في الاقتصاد. وتزامن ذلك مع توقع بنوك استثمار مثل جي بي مورغان ونومورا هولدنغ عدم الإعلان عن هدف للنمو هذا العام.

بينما تم التراجع عن ذلك التوجه قبل أيام من خطاب لي في المؤتمر الشعبي الوطني، عندما أعلن اقتصاديون مقربون من السلطة أن تحديد هدف للنمو "يدعم" الاقتصاد، وبدونه قد يكون هناك تشويش بشأن السياسات.

صرح تشانغ لي تشون، الباحث في أحد مراكز الأبحاث التابعة للحكومة، لوسائل إعلام حكومية قائلاً: "بدون تحديد وتيرة معينة من النمو، لن يكون هناك دعم كافٍ لجودة الأداء الاقتصادي".

وفي المقابل يدعو أصحاب نظرية عدم تحديد هدف للنمو إلى إعطاء الأولوية للأهداف الأخرى الأهم، مثل زيادة دخل الأسرة، والاستثمار في التعليم والتكنولوجيا، وخفض مستويات الديون أو تقليل انبعاثات الكربون.

وعلى الرغم من أنه لم يجر التخلي عنه، فإن هدف النمو لهذا العام هو الأقل طموحاً منذ عقود.

وبسبب الركود الناجم عن الجائحة في النصف الأول من عام 2020، يمكن للصين تحقيق معدل النمو المستهدف بسهولة فقط من خلال الحفاظ على المستويات الحالية من الناتج الاقتصادي. وفي هذه الأثناء توقع استطلاع أجرته وكالة "بلومبرغ" نمواً بنسبة 8.4% هذا العام.

وقال "لي" إن وضع هدف منخفض للنمو سيشجع المسؤولين على التركيز على الأهداف طويلة المدى لخلق المزيد من النمو المستدام.

وقال "مايكل بيتيس"، الزميل في مركز "كارنيجي- تسينغهوا" في بكين، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ": "أعتقد أن هذا رقم أفضل بكثير من 8% حيث إن هدف 6% تمكن إدارته من خلال تحقيق نمو عالي الجودة، وأي شيء آخر يتطلب زيادة كبيرة في الاستثمار غير المنتج، وبالطبع (زيادة) الديون".

خطة خمسية بلا متوسط مستهدف للنمو

ولأول مرة منذ عقود، تفتقر خطة الصين الخمسية حتى عام 2025 إلى متوسط لهدف ​​النمو، ولكن سيجري وضع أهداف سنوية.

وقال "هو تسوكاي" نائب مدير وكالة التخطيط الحكومية العليا في الصين، يوم الإثنين إن الناتج المحلي الإجمالي لا يزال مؤشراً أساسياً، لكن الحكم على الوضع الاقتصادي السنوي أسهل من الحكم على الخمس سنوات.

يعكس الاحتفاظ بنهج تحديد هدف النمو جزئياً مدى صعوبة العثور على بديل لتقييم أداء ملايين المسؤولين المحليين في الصين. وجرى اختبار المقاييس التي تجمع بين الأهداف الاقتصادية والبيئية محلياً، ولكن فشلت عملية تحقيقها.

قال "جوان فان هيجستر"، الباحث في الاقتصاد السياسي الصيني في جامعة أمستردام: "قد يكون جمع البيانات المناسبة أمراً صعباً، وهذا عيب في المؤشرات الجديدة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي الرئيسي والمستخدم على نطاق واسع".

هدف الوظائف

الهدف البديل الذي يجري اقتراحه في أغلب الأحيان، وهو البطالة، لا يمكن قياسه بشكل موثوق به في الصين، ويمكن للمسؤولين المحليين التلاعب به من خلال إصدار أوامر للشركات الحكومية بإضافة موظفين إلى كشوف المرتبات دون دفع أجورهم.

وقال "تشو هايبين"، كبير خبراء الاقتصاد الصينيين في مصرف "جيه بي مورغان": "إن وضع العمالة كهدف ذي أولوية هو مشكلة من منظور تشغيلي".

وإذا لم يكن بالإمكان القضاء على نهج تحديد هدف الناتج المحلي الإجمالي بالكامل، فيمكن التقليل من أهميته.

كان هذا هو الاتجاه منذ أن تولى الرئيس الصيني "شي جين بينغ" قيادة الحزب في عام 2012. وفي العام التالي، حذرت إدارة التنظيم القوية في الحزب الشيوعي، والتي تتحكم في الترقيات الرسمية، من الاعتماد المبسط على نمو الناتج المحلي الإجمالي لتقييم المسؤولين، وقد تراجعت الإشارات إلى الناتج المحلي الإجمالي في الجريدة الرسمية للحزب منذ ذلك الحين.

في عهد "شي"، جرى تكليف كبار المسؤولين بالمهام بسبب حماستهم المفرطة. وقد أدلى "تشو بن شون"، الرئيس السابق للحزب الشيوعي في مقاطعة "هيبي" الشمالية، باعترافات متلفزة بحدوث إخفاقات في عام 2013، قائلا: "لقد اهتممت كثيراً بسرعة التنمية وحجم الاقتصاد". وجرى اعتقاله لاحقاً بتهم تتعلق بجرائم فساد.

قال "توماس هيبيرر"، الأستاذ في جامعة "دويسبورغ إيسن": "في معظم المناطق، لم يعد هذا هو المعيار المستهدف الوحيد لتقييم الكوادر، بل اقترن بعوامل أخرى مثل البيئة، والاستقرار الاجتماعي، والدخل المحلي، والميزانية والدخل الضريبي".

وارتفع عدد المقاطعات التي فشلت مراراً وتكراراً في تحقيق أهداف النمو الوطني خلال فترة ولاية "شي"، مع عدم وجود عواقب سياسية واضحة على قيادتها، وفقاً لما ذكره "هوزي سونغ"، الزميل الباحث في "بولسون إنستيتيوت"، وهو مركز أبحاث أمريكي.

ما يقوله خبراء الاقتصاد في وكالة "بلومبرغ"

يجري النظر إلى هدف الناتج المحلي الإجمالي على نطاق واسع على أنه مصدر رئيسي للتشوهات في الاقتصاد، مما يدفع المسؤولين إلى السعي لتحقيق النمو حتى على حساب التجاوزات في الائتمان والاعتماد المفرط على الاستثمار.

وبالنسبة لعام 2021، مع دفع تعافي فترة ما بعد تفشي فيروس كوفيد بالفعل النمو فوق 8%، فإن الهدف فوق 6%، لن يكون له هذا الدور المشوه.

ومع ذلك، سيحتج المنتقدون، مع وجود سبب منطقي إلى حد ما، بأن الحكومة قد فاتتها فرصة للإشارة إلى الانتقال إلى شكل أكثر حداثة للإدارة الاقتصادية.

- "تشانغ شو"، كبير خبراء الاقتصاد في آسيا

الجميع يكره "هدف" النمو لكن الكل يفهمه

كما عدَّلت المقاطعات أيضاً أهداف الناتج المحلي الإجمالي الخاصة بها، والتي كانت دائما أعلى بكثير من الهدف الوطني.

وقالت "يوشي تشانغ"، الباحثة في جامعة أكسفورد: "يكشف ذلك أن الارتباط بين نمو الناتج المحلي الإجمالي وترقية الكادر الوظيفي قد جرى تخفيفه، على الرغم من الفاصل الزمني الواضح، ويشير ذلك إلى النهج المتبع على المستوى الوطني هذا العام، والذي يقلل من الاعتماد على تحديد هدف النمو للسماح بالتركيز على أهدافٍ أخرى، دون التمكن من التخلي عنه تماماً".

وأضافت "تشانغ"، أنه بعد عقود من الاعتماد عليه، أصبح نهج استهداف معدل نمو (بعينه) محصوراً جزئياً، وأضافت: "الجميع يكرهه، لكن الجميع يفهمه".