كيف يمكن لدول الخليج الاستفادة من أحدث طفرات النفط؟

طفرة أسعار النفط الجديدة قد تكون الأخيرة.. وعلى دول الخليج الاستفادة منها
طفرة أسعار النفط الجديدة قد تكون الأخيرة.. وعلى دول الخليج الاستفادة منها المصدر: بلومبرغ
Karen E. Young
Karen E. Young

Karen E. Young is a resident scholar at the American Enterprise Institute.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تشهد أسعار النفط انتعاشا ملحوظاً على خلفية استمرار "أوبك +" في خفض الإنتاج بالتزامن مع زيادة الطلب على الطاقة مع تعافي الاقتصادات من جائحة فيروس كورونا وظهور انعكاسات خفض المعروض على مدار عام كامل تراجع فيه الإنتاج والمخزون، وهو ما يمثل أخباراً جيدة بالنسبة لمنتجي النفط في دول مجلس التعاون الخليجي.

ولكن يجب ألَّا يتم النظر إلى الارتفاعات الحالية ومقارنتها بالارتفاعات المفاجئة في الماضي، وخاصة ما يطلق عليه "العقد السحري" في الفترة بين عامي 2003 – 2014.

وحتى مع وصول الأسعار إلى 70 دولاراً للبرميل فلن تحقق تلك المستويات التعادل المالي لدول مجلس التعاون الخليجي، أو تسد الفجوة بين الإيرادات والنفقات التي بدأت في الاتساع منذ العام 2015، ولن يغير ذلك التعافي في الأسعار حقيقة ثابتة مفادها أن الحكومات بحاجة ماسة إلى إيجاد مصادر جديدة للإيرادات.

من المعروف، أن السعودية تراهن على عدم تجدد المنافسة مع النفط الصخري الأمريكي، وهو ما يعني تركيزها على حصتها السوقية وترسيخ العلاقات مع العملاء الرئيسيين في الأسواق الآسيوية وسط عدم التخوف من عودة الإنتاج الأمريكي للمنافسة خاصة مع الأخذ في الاعتبار سياسات إدارة بايدن الصديقة للبيئة.

تحول في سوق الطاقة العالمي

نحن على مقربة من نقطة تحول لدور الطاقة في الاقتصاد العالمي: إمدادات وفيرة للنفط، ثبات الطلب بحلول العام 2030، ظهور بدائل طاقة متجددة أكثر تنافسية، وتزايد حذر المستثمرين والمستهلكين من المنتجات كثيفة الانبعاثات الكربونية، وبالتالي يفشل الاعتماد على عائدات النفط في تلبية أهداف دول مجلس التعاون الخليجي لتحقيق النمو في المستقبل مع توقع تأثيرات غير مباشرة لتلك التحولات على معدلات توظيف المواطنين.

بعبارة أخرى، إذا كانت هناك طفرة نفطية هذا العام، فقد تكون الأخيرة، ففي حال احتفاظ "أوبك +" بتماسكها مع تحمل السعودية النصيب الأكبر من تخفيضات الإنتاج، ستستمر أسعار النفط حول 70 دولاراً للبرميل خلال العام 2021، وهو ما سيدفع باتجاه تحسن توقعات النمو بشكل كبير لدول الخليج.

ولكن لن يكون التحسن بالتساوي بين كافة الدول، فقطر والبحرين وسلطنة عمان سيمكنهم الاستفادة من زيادة الإنتاج وارتفاع الأسعار كونهم ليسوا أعضاء في منظمة أوبك. ولكن من غير المرجح رغم ذلك أن تتجنب البحرين وعمان العجز المالي هذ العام حتى مع ما يتم تطبيقه من إجراءات إعادة هيكلة ضخمة في الميزانية. كما ستواجه السعودية والكويت استمرار العجز في موازنتيهما.

وسيؤدي الارتفاع الحاد في أسعار النفط إلى زيادة الضغوط على الحكومات من المواطنين – وحتى المغتربين – من أجل تقديم الدعم المالي وبرامج التحفيز للحد من تداعيات الجائحة. كما ستزداد مخاطر تراجع دول مجلس التعاون الخليجي عن سياساتها بشأن خفض دعم الخدمات العامة وتقليص فاتورة تكلفة رواتب القطاع العام.

وتستمر سيطرة الفجوة بين الإيرادات والنفقات على ملامح المالية العامة لدول مجلس التعاون الخليجي حتى مع إجراءات خفض تلك الفجوة خلال العام الماضي.

وعلى مدار السنوات الست الماضية لجأت الدول إلى الاقتراض لسد تلك الفجوة ولم تتباطأ وتيرة إصدار السندات الخليجية حتى العام 2020 والذي شهد زيادة بنسبة 35% في الإصدارات مقارنة بالعام 2019.

اغتنام الفرصة

ومن المهم أن نتعرف على كيفية استخدام دول مجلس التعاون الخليجي لإيرادات تلك الطفرة النفطية الأخيرة لمواصلة تحقيق أهداف سياستها الخارجة تجاه دول الجوار، واستراتيجيتها لتحقيق التنمية وربط مستقبلها الاقتصادي باقتصادات الأسواق الناشئة المكتظة بالسكان في مناطق أبعد من المنطقة.

كما يجب الإجابة على تساؤلات مثل ما هي النتائج السياسية التي يمكن لدول الخليج استغلالها للتغلغل أكثر في منطقة القرن الأفريقي والشرق الأوسط؟ وكيف ستنتهي المنافسة على العملاء في الهند والصين؟

ولاغتنام الفرصة التي خلقتها الطفرة الحالية ستسعى تلك الدول إلى إبعاد الآخرين عن الاستفادة منها. حيث لن يسمح أعضاء "أوبك +" لدول مثل العراق وإيران وليبيا وفنزويلا بزيادة الإنتاج. وسوف تستمر السعودية على وجه الخصوص، في مقاومة إعادة تأهيل إيران اقتصادياً وسياسياً.

أما على المدى المتوسط، فسيكون التواجد بأسواق الطاقة المختلفة وليس النفط فقط، ضرورة استراتيجية. وربما سيكون الخيار الأفضل لاستثمار عوائد دورة صعود أسعار النفط الحالية.

موقف السعودية

بالنسبة للسعوديين، تركزت استراتيجية تنويع الطاقة في بناء قدرات تكرير في مواقع استراتيجية مثل الهند ومصانع بتروكيماويات في تكساس بالإضافة إلى تطوير منشآت الغاز الطبيعي المسال الذي يعتبر المحرك الرئيسي لتكنولوجيا الهيدروجين الأخضر.

سيكون الاستخدام الرشيد لتلك الأموال في استثمارات استراتيجية لمستقبل ما بعد النفط وتخفيض بعض بنود الإنفاق الحكومي بما يساهم في دعم القطاع الخاص وخلق فرص عمل بسرعة.

ستتمتع دول مجلس التعاون الخليجي الأصغر حجماً وعدد أقل من المواطنين بقدرة أكبر على دعم مواطنيها وميزة تنافسية أكبر في أسواق العمل، حيث ستكون لها القدرة على جذب العمال الأجانب أصحاب المهارات الفائقة والاحتفاظ بهم.

أما الإجراءات مثل توطين العمالة والسعي لنقل مقرات الشركات العالمية قد تكون لها نتائج عكسية.

كانت الطفرات النفطية بدول الخليج في الماضي غالباً ما تنعكس بشكل أوسع على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط من خلال التأثير على حجم المساعدات والتحويلات المالية وتدفقات الاستثمار. ولكن من المرجح أن يتم استخدام المكاسب غير المتوقعة لدول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحالي لتعزيز مكاسب سياسية داخلية وتحقيق النمو في أسواق الطاقة والتي تتركز أغلبها في أفريقيا وآسيا.

سيكون لدى دول الخليج القليل من المال والطاقة لمساعدة الاقتصادات العربية المنكوبة مثل سوريا ولبنان. حيث لن تجتاح آخر طفرة للنفط باقي المنطقة.