الألعاب الأولمبية في زمن كورونا.. لا عناق ولا تشجيع

لاعبان في إحدى بطولات الأولمبياد السابقة
لاعبان في إحدى بطولات الأولمبياد السابقة المصدر: بلومبرغ
Tim Culpan
Tim Culpan

Tim Culpan is a Bloomberg Opinion columnist covering technology. He previously covered technology for Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أهلاً بكم في دورة الألعاب الأولمبية بنسخة كورونا. هنا، العناق والتهنئة بضرب الكف بالكف والمصافحة أشكال غير ضرورية من الاحتكاك.

عليكم أن تمتنعوا أيضاً عن التشجيع والغناء والصراخ. هذا إذا سُمح لكم أو لأي أحد آخر في الحضور، فاليابان سوف تمنع الزوار القادمين من الخارج، ولم يتضح بعد عدد المقيمين الذين ستأذن لهم في الدخول إلى المدرجات.

وإذا كنتم من الرياضيين أو من الأشخاص المخوَّل إليهم الحضور، فحافظوا على التباعد، واتركوا مسافة مترين بينكم وبين غيركم، إلا إذا كنتم على أرض الملعب.

بين الألعاب الأولمبية الصيفية وتلك الشتوية، يشهد العالم أكبر احتفالاته كل سنتين. بالطبع، هي في الأصل فاعلية رياضية تحتفي بسعي البشر اللا متناهي ليكونوا الأسرع والأعلى والأقوى.

وبالإضافة إلى أن الألعاب الأولمبية هي مهرجان من اللياقة البدنية والمهارة والتفاني والتصميم، فهي حدث اجتماعي، يتمثل الإنجاز الأهمّ فيه بقلادة ذهبية حول عنقك.

الأولمبياد هذا العام تختلف عن سابقاتها؛ تبدو انطوائية، مكافحة للجراثيم ومفسدة للمزاج. فعلى الرغم من بدء حملة التلقيح ضد فيروس كورونا حول العالم، فإن الوباء لا يزال متفشياً، وهو لم يستثنِ طوكيو حيث أوصت الحكومة بتمديد حالة الطوارئ لأسبوعين إضافيين من أجل التصدي لموجة جديدة من الإصابات.

في صغري، كنت أعتقد أنه في كل أربع سنوات يوم إضافي فقط من أجل الألعاب الأولمبية. ولكن هذه المرة سوف تقام الألعاب الأولمبية في سنة فردية، ولربما السنة الوحيدة التي تساوي مضاعفاً لعددين أولين (43x47=2021).

قواعد وقائية صارمة

بالنسبة إلى الرياضيين والمسؤولين والجمهور، الوقاية من فيروس كورونا تعني الابتعاد عن الدماء والعرق والدموع التي تترافق مع السعي لتحقيق التألق في الأداء.

إلا أن الإرشادات الصادرة للحفاظ على صحة المشاركين في الحدث الرياضي، قد تفرغ المباريات من الروح الأولمبية التي تجري في عروقها.

ينصّ الكتيّب الإرشادي حول فيروس كورونا الصادر عن اللجنة الأولمبية الدولية على القواعد التي يتعيّن على الرياضيين والمسؤولين والإعلاميين التزامها في الأولمبياد هذا العام، تحت طائلة الطرد في حال المخالفة.

وبموجب الإرشادات الجديدة، لم يعُد بإمكانك معانقة منافسك لتهنئته إذا هزمك بشرف على مضمار الجري، أو أن تمسك بيد زميلك في الفريق فيما تركبان الدراجة الهوائية للاحتفال بالانتصار في مضمار الدراجات.

حتى إن التهنئة عبر ضرب الكف بالكف شبه الإلزامية في ملعب الكرة الطائرة بعد تسجيل كل نقطة، لم تعُد ضرورية.

فعلى الرغم من تسيس الألعاب الأولمبية تاريخياً نتيجة الحروب والحصارات والانشقاقات والقوميات، فإن القائمين عليها طالما أصرُّوا على أن الرياضة تسمو فوق السياسة، فتتجاوز الحدود وتوحّد بين الشعوب.

ولكن اليوم طُلب من الرياضيين والمسؤولين الحدّ من الاحتكاك مع الآخرين، وعدم الابتعاد عن القرية الأولمبية وتفادي النقل العام والبقاء ضمن أماكن الإقامة الرسمية.

وتَضمَّن الكتيّب الإرشادي تحذيراً صارماً، جاء فيه أن "المخالفة المتكررة والجسيمة لهذه القواعد قد تؤدي إلى سحب اعتمادكم وحقكم في المشاركة".

تتعامل اليابان واللجنة الأولمبية الدولية بجدية مع موضوع صحة الرياضيين والمسؤولين والجمهور. وعلى الرغم أنهما لم يصلا إلى حدّ إلغاء الألعاب الأولمبية للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، فإنهما يحرصان على الحدّ من الخطر عبر فرض حالات طوارئ وحظر قدوم الجماهير من الخارج، فيما يأملان أن لا يتحول الحدث الرياضي بنسخته المختصرة إلى بؤرة جديدة لتفشي فيروس كورونا.

الأولمبياد الشتوية

هذا جانب من القصة، فمن ناحية أخرى تستعدّ بكين لتستضيف في فبراير 2022 الألعاب الأولمبية الشتوية بعد 14 عاماً على استضافتها الأولمبياد الصيفية. وتبدو الصين مصمّمة على المضي قدماً، فيما تعتزم اليابان إثبات قدرتها على استضافة هذا الحدث متحدية الوباء العالمي.

من هنا جاءت القوانين الصارمة، ولكن على الأرجح غير القابلة للتنفيذ، بالإضافة إلى تطبيق التعقب والتتبع الذي بالكاد يعمل، والاعتماد على روحية اللعب النظيف والنية الحسنة لدى الرياضيين والمدربين في حدث رياضي لطالما شوّهه السلوك غير الشريف لأولئك الذين لا يريدون التزام القوانين.

مخاوف الرياضيين

تخيلوا معنا للحظة المعضلة التي يمرّ بها رياضي ما في هذه الدورة. فعدم القدرة على التنافس هو كابوسك الأسوأ، ولا يكاد يُقارَن مع أي شكل آخر من المخاطر أو العقوبات.

أنت تتدرب بجهد، تضحي بعملك ودروسك وحياتك الاجتماعية كل يوم طوال السنوات الخمس الماضية كي تتأهل للأولمبياد.

دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو 2020 مغروسة في أجندتك العقلية، وبعد أن عشت كابوس انتهاء الحلم بإلغاء الألعاب الأولمبية في العام الماضي بسبب تفشي فيروس كورونا، استعدت الأمل حين اكتشفت أنها تأجلت إلى هذا العام.

تجاوزت العوائق اللوجستية التي تتضمن فحوص كورونا ووسيلة نقل حصرية توصلك إلى القرية الأولمبية، أقيم حفل الافتتاح أمام مدرجات نصف فارغة. مع ذلك، ما كنت لتفوّت هذا الحدث مقابل أي شيء. ولكنك الآن تشعر ببعض الإرهاق، صداع بسيط، سعال خفيف... لا داعي للقلق، أنت قوي، لاعب أولمبي وأحد أفضل الرياضيين في العالم.

تنصّ البروتوكولات الأولمبية على ضرورة تبليغ المسؤولين فوراً عن أي عوارض تشعر بها. تدرك أنك ستخضع لفحص كورونا، وإذا أتت النتيجة إيجابية فسوف تُمنع من التنافس. لذا تنتظر. بعد اليوم الثاني من ارتفاع حرارتك تتحدث إلى مدربك، وهو الآخر له مصلحة مثلك تماماً. وبما أن الأعراض ليست خطيرة، تتغيب عن التدريب وترتاح قليلاً. فإذا صرّحت بالأعراض التي تمر بها، فستُحرَم فرصتك في تحقيق النصر بالأولمبياد، ولا ترى لذلك أي جانب إيجابي.

تُستدعى إلى فحص كورونا التالي، بما أنه يتعين أن يخضع المشاركون للفحوص كل أربعة أيام. يدّعي مدربك أنك في التمرين أو عالق في وسيلة نقل أو غير متوافر، وسوف تأتي لاحقاً. الفرق الطبية المنهكة لن تكون صارمة مثل المسؤولين عند إجراء اختبارات المنشطات.

أخيراً، تنخفض حرارتك، فتعود إلى التدريب وتُمضي الوقت مع زملائك في الفريق ومع منافسيك. لاحقاً، بعد أسبوعين، وربما بعد أن تحصل على الميدالية، تبدأ تسمع عن موجات جديدة من الإصابات بفيروس كورونا في طوكيو.

سيتابع ملايين المشاهدين حول العالم الحدث الرياضي الذي سيفتقر هذا العام إلى صخب الجماهير الذين يعطون الحياة للدورة الأولمبية. قد تكون المدرجات شبه خالية، والتشجيع صامتاً والاحتفالات خجولة، ولكن كما في الماراثون الذي يختتم الألعاب الأولمبية، فإن التحدي العظيم بحدّ ذاته كفيل بجعل هذا الحدث يستحقّ كل التضحيات. أنوار الأولمبياد تخفت سريعاً، فعلى طوكيو أن تشعّ قبل أن تسلب منها بكين الأضواء. وفي النهاية، بوباء أو من دون وباء، على الألعاب الأولمبية أن تستمر.