مستقبل اليابان الأخضر يتطلب إعادة إحياء ماضيها النووي

غرفة التحكم المركزية بمفاعل واحد في محطة فوكوشيما دايتشي النووية في أوكوما - اليابان
غرفة التحكم المركزية بمفاعل واحد في محطة فوكوشيما دايتشي النووية في أوكوما - اليابان المصدر: غيتي إيميجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تجتمع المجموعة نفسها المكونة من 24 مسؤولاً حكومياً ومديراً تنفيذياً وأستاذاً جامعياً يابانياً مرة كل شهر في غرفة اجتماعات باهتة تجمع بين اللونين الأبيض والبني الفاتح في مبنى وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة لرسم مستقبل الطاقة في البلاد على المدى البعيد.

ويجد هؤلاء المشاركون، وقد وُضع أمام كل واحد منهم بدقة على طاولة الاجتماعات، جدول أعمال مطبوع، وجهاز كمبيوتر لوحي، وكوب من الشاي الأخضر، فضلاً عن لوحة مستطيلة تحمل اسم المشارك يقلبها لطلب دور في الحديث. ولكن، خلف هذه الإجراءات الرسمية الصارمة، جدل متزايد مثير للانقسام: ما دور الطاقة النووية بعد مرور عقد على كارثة فوكوشيما؟

توصل عديد من أعضاء هذه المجموعة الاستشارية، منذ أن تعهدت اليابان في شهر أكتوبر بأن تصبح محايدة للكربون بحلول عام 2050، إلى النتيجة ذاتها، أن اليابان بحاجة إلى إعادة تشغيل كل مفاعل نووي تقريباً أغلقته في أعقاب انهيارات عام 2011، وبناء مزيد منها، إن كانت تنوي الوفاء بالتزاماتها المناخية.

وهذا في حد ذاته يمثل تحدياً تقنياً شاقاً سيتطلب من البلاد تسريع استئناف العمليات المتوقفة عن العمل، وإيجاد حلّ دائم للمشكلة القائمة المتمثلة في تخزين النفايات المشعة، كما تواجه حكومة رئيس الوزراء يوشيهيدي سوغا التحدي الشاق ذاته في إقناع المنظمين الحذرين والجمهور الياباني الواسع الذي لديه مخاوف عميقة بشأن السلامة.

يقول ماساكازو تويودا، عضو اللجنة الحكومية المؤلفة من 24 شخصاً المسؤولة عن وضع سياسات جديدة: "من الأفضل لنا أن نسرع ونعيد بناء الثقة بالطاقة النووية، فهذه مسألة تتعلق بأمن الطاقة".

وأضاف تويودا أنه سيجب على اليابان تشغيل 27 من مفاعلاتها النووية التي يبلغ مجموعها 36 بحلول عام 2030 للوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية باريس للمناخ، في حين تشير تقديرات أخرى إلى أن عدد المفاعلات المطلوب تشغيلها يقترب من ثلاثين، وقد أعيد تشغيل 9 وحدات حتى الآن منذ بدء برنامج إعادة التشغيل في عام 2015.

مخاوف الطاقة النووية

وتشكّل الطاقة النووية اليوم نحو 6% من مزيج الطاقة في اليابان، التي انخفضت من نحو 30% بعد كارثة فوكوشيما. ففي أعقاب ذلك أغلقت اليابان جميع مفاعلاتها البالغ عددها 54 مفاعلاً نووياً، وتخلصت من ثلثها تقريباً بشكل دائم.

أُجلِيَ أكثر من 160 ألف شخص من المنطقة المحيطة بمحطة فوكوشيما داي-إيتشي بعد زلزال بلغت قوته 9 درجات في شهر مارس 2011، وقد تسبب أكبر زلزال سُجّل على الإطلاق في اليابان في حدوث تسونامي هائل غمر المنشأة، ووقف الطاقة عن أنظمة التبريد، وأدى إلى انهيار ثلاثة مفاعلات.

وقد أدت هذه الحادثة إلى إقناع بعض الحكومات بأن مخاطر الطاقة النووية فاقت فوائدها بكثير، حتى إنها دفعت بعضهم، لاسيما في ألمانيا وتايوان، إلى تحديد مواعيد نهائية لإغلاق مجموعة محطاتها. كما أن تكاليف بناء مرافق جديدة والتأخيرات المتكررة، تحولت منذ ذلك الحين إلى رادع آخر لإعادة إحياء هذا النوع من مصادر الطاقة.

الصين تخالف اتجاه اليابان في الطاقة النووية

رغم ذلك، تخطّط الصين للحصول على 70 غيغاوات من قدرة التوليد النووية بحلول عام 2025، إذ تهدف إلى تحقيق انبعاثات صفرية بحلول عام 2060، وهو ما يعادل إضافة نحو 20 مفاعلاً نووياً جديداً.

وبناءً على ما أفادت به الوكالة الدولية للطاقة، تنتج الطاقة النووية نحو 10% من الكهرباء في العالم، وهو ما يعد انخفاضاً عن ذروة الإنتاج التي بلغت 18% في منتصف التسعينيات، فضلاً عن أن بناء محطات جديدة تأخر كثيراً بسبب وتيرة الإغلاقات.

وتظل الطاقة النووية من نواحٍ عديدة حلّاً مثالياً تقريباً لدولة جزرية فقيرة الموارد مثل اليابان، فهي لا تمتلك الحد الأدنى من الوقود الخارجي، وتمتلك القليل من الأراضي.

وعلى عكس الطاقة الشمسية والرياح البرية التي تنتج طاقة خالية من الكربون على مدار الساعة، كانت الحكومة تهدف إلى جعل الطاقة الذرية في النهاية مصدرها الرئيسي للكهرباء، إلى أن وقعت كارثة فوكوشيما.

اليابانيون ضد المفاعلات النووية

مع ذلك يرغب نحو 39% من اليابانيين في إغلاق جميع المحطات النووية، بناء على ما أظهرته نتائج مسح أجري في شهر فبراير. ويتردد عديد من الحكومات المحلية، التي يجب أن توقع على خطط إعادة تشغيل المفاعلات، في تمرير الموافقات، فيما أيدت المحاكم طلبات الإغلاق المؤقت لبعض المفاعلات العاملة.

وتمثل هذه المعارضات إشكالية للحكومة اليابانية التي وعدت بخفض حجم الانبعاثات التي تشابه انبعاثات عام 2013 بنسبة 26% بحلول عام 2030 بموجب التزامات باريس. كما أن من المقرر أن تراجع هذه الأهداف هذا العام، وقد تجعلها أكثر صرامة.

قال فرانك يو، المحلل في شركة "وود ماكنزي" (Wood Mackenzie): "ستغير اليابان موقفها تجاه المنشآت النووية في مرحلة ما، وهي تسعى نحو تحقيق انبعاثات صفرية صافية".

لقد ارتفعت كثافة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في قطاع الطاقة في اليابان في السنوات التي تلت حادثة فوكوشيما، إذ تحولت البلاد إلى بدائل أكثر تلويثاً، وفقاً لبيانات الوكالة الدولية للطاقة. واليوم تستخدم اليابان الوقود الأحفوري مثل الغاز الطبيعي المسال والفحم لتوليد معظم الطاقة الكهربائية في البلاد.

سوف يتطلب تحقيق أهداف باريس وحدها أن تجعل اليابان، وهي خامس أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، الطاقة النووية تمثل ما نسبته 20-22% من مزيج طاقتها بحلول عام 2030. وقد تتطلب التعهدات الأكثر طموحاً لعام 2050 أن تشكل القوة النووية نسبة أكبر من مزيج الطاقة.

يقول تومواكي كوباياكاوا، رئيس شركة "طوكيو إلكتريك باور هولدنغز إنك" (Tokyo Electric Power Co. Holdings Inc) ومالك محطة فوكوشيما المعطلة، في مقابلة، إن "استهلاك قدر معين من الطاقة النووية سيكون ضرورياً لليابان لتصبح محايدة للكربون".

التوسع الحتمي

ويمثل التساؤلان: إلى أي مدى ينبغي أن تمضي اليابان في بناء قطاع نووي كبير؟ وما جدوى ذلك؟ مصدر الخلاف الحالي بين المجموعة الاستشارية الحكومية، التي ستُوصِي بأهداف جديدة هذا العام.

يقول تاكيو كيكاوا، الأستاذ بجامعة اليابان الدولية وعضو اللجنة المشكك في آفاق الطاقة النووية: "لا أحد يعتقد أن هدف عام 2030 قابل للتحقيق. قطاع الصناعة نفسه لا يعتقد أن ذلك ممكن، إلا أنهم لن يعترفوا بذلك". ويقول إنه من المرجح أن تشكل الطاقة النووية نسبة 15% من مجموع طاقة اليابان في عام 2030 على أقصى حد.

وكانت إدارة المرافق قدمت حتى الآن طلبات إعادة تشغيل 27 مفاعلاً نووياً، منها 25 قابلة للتشغيل واثنان آخران قيد الإنشاء. يقول تويودا إنه يجب أن تكون الوحدات السبع والعشرون على الأقلّ مشغلة إن كانت أي فرصة ممكنة لتحقيق هدف عام 2030.

أعلنت وزارة الاقتصاد في شهر ديسمبر الماضي أن الطاقة النووية والمنشآت الحرارية المزودة بتقنية احتجاز الكربون وتخزينه قد تمثل ما بين 30% و40% من إجمالي أساليب توليد الطاقة في عام 2050، ولكن دون تقديم أي تفاصيل محددة.

يعني هذا أن اليابان يجب أن تستعدّ بالفعل لبناء مفاعلات جديدة خلال العقود الثلاثة المقبلة، حسبما قال أكيو ميمورا، رئيس غرفة التجارة والصناعة اليابانية، أمام اللجنة الحكومية الشهر الماضي.

وبناءً على عرض قُدّم أمام الحكومة في شهر ديسمبر، فإن اليابان سيكون لديها خلال فترة 60 عاماً مزيد من المفاعلات، منها 23 مفاعلاً جديداً في عام 2050، و8 مفاعلات بحلول عام 2060.

وقال ميمورا للمجموعة الاستشارية: "على الحكومة توضيح موقفها، فنحن إن لم نبدأ بالتخطيط لهذا الآن، فلن يكون لدينا طاقة نووية كافية بحلول عام 2050".