لماذا تربط الصين مستهدفاتها لخفض الانبعاثات بمعدل النمو الاقتصادي؟

شي جين بينغ، الرئيس الصيني يظهر في بث تلفزيوني
شي جين بينغ، الرئيس الصيني يظهر في بث تلفزيوني المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من أجل إبطاء ارتفاع درجة حرارة الأرض، لابدَّ من خفض انبعاثات الغازات الدفيئة الحابسة للحرارة.

ويمكن اتباع وسائل متعددة لتحقيق هذه الغاية، إلا أن السياسات المناخية التي تضعها الدول عادة ما تنطلق من هذا الهدف الأسمى.

ومع ذلك، فإن الصين، أكبر دولة ملوِّثة في العالم، لم ترتق إلى مستوى التطلعات حين كشفت مؤخراً عن هدفها المناخي للسنوات الخمس المقبلة.

أعلنت الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، عن عزمها خفض الانبعاثات لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 18% بحلول العام 2025، وهي النسبة نفسها التي كانت تستهدفها في خطتها الخمسية السابقة.

وقد بدا هذا الافتقار للطموح لافتا، بما أنه أعقب الإشادة الدولية بالرئيس شي جين بينغ في سبتمبر الماضي إثر تعهده بالوصول إلى صفر انبعاثات بحلول العام 2060.

ومع ذلك، تتوافق الأهداف الجديدة التي كشفت عنها الصين مع الاتجاه الذي تسير نحوه البلاد اليوم. فتوليد خُمس الطاقة من مصادر بديلة عن الوقود الأحفوري بحلول العام 2025، يتطلب زيادة في إنتاج الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية بمعدل 12% في العام، أي ما يوازي معدل الارتفاع في عدد منشآت الطاقة البديلة في الولايات المتحدة في ظل ولاية الرئيس دونالد ترمب الذي كان عمل بشدة ضد الطاقة الخضراء.

تعهدات غير كافية

وعلى الرغم من أن هذه السياسات قد تمكّن الصين من تحقيق التزامها تجاه اتفاقية باريس للمناخ ببلوغ ذروة الانبعاثات بحلول العام 2030، إلا أن ذلك لن يكون كافياً لمساعدة بقية الكوكب على إبطاء الاحترار العالمي بحسب لوري ميليفيرتا، كبير المحللين في معهد بحوث الطاقة والهواء النظيف.

وتفيد تقديرات المعهد أن على الصين خفض انبعاثات الكربون إلى سقف 9.3 مليار طن متري بحلول العام 2030 كي تتمكن من تصفير الانبعاثات في خلال أربعين سنة.

ووفق تقديرات مجموعة "روديوم"Rhodium Group، أنتج قطاع الطاقة في الصين 10.2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون خلال العام الماضي.

وترفض بكين حتى الآن وضع حد أقصى مطلق لسقف الانبعاثات، بل تفضِّل تحديد الأهداف كنسبة من النمو، حيث تواصل الصين تحقيق مستويات نمو تتجاوز بأضعاف تلك المسجلة في الدول المتطورة مثل الولايات المتحدة، ما يعني أن كمية الانبعاثات ستستمر في الارتفاع بشكل كبير على الأرجح.

تجدر الإشارة إلى أن الصين كانت الاقتصاد الضخم الوحيد الذي حقق نمواً في 2020، بعد أن تمكنت من احتواء وباء كورونا سريعاً، وأسهمت في 30% من إجمالي الانبعاثات في العالم.

إعلان أهداف السنوات الخمس المقبلة

وفي هذا السياق، ثمة شبه إجماع بين خبراء المناخ أنَّ على الصين بلوغ ذروة الانبعاثات بحلول العام 2025 حتى يتمكن العالم من تحقيق تطلعات اتفاقية باريس بالحد من زيادة درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية، بالمقارنة بما كانت عليه قبل الحقبة الصناعية.

وقال ميليفيرتا "أي أمر مخالف قد يصعب كثيراً المهمة في الفترة ما بعد العام 2030".

وقد أحال كبار القادة الصينيين القرارات الصعبة إلى الوزارات المختلفة والشركات المملوكة من الدولة التي تشرف على قطاع الطاقة في البلاد.

ففي الأشهر المقبلة، ستعلن إدارة الطاقة عن الأهداف المحددة لاستخدامات طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية والفحم في خلال السنوات الخمس المقبلة. كذلك، على حكومات المقاطعات أن تكشف عن الخطط التي تعتزم تطبيقها، كما يُتوقع أن تكشف الصين للمرة الأولى عن خطة مناخية خمسية بقيادة وزارة البيئة.

ولم تكشف الصين بعد عن أي خارطة طريق رسمية فيما يتعلق بحياد الكربون، إلا أن الخطة التي أعلنت عنها مؤخراً، تتوافق مع النهج متفاوت السرعات الذي كان عرضه الباحثون المناخيون في جامعة تسينغ – هوا.

فقد اقترحوا خفض الانبعاثات بنسب قليلة قبل العام 2035، وترك الجزء الأكبر من المهمة إلى النصف الثاني من المهلة الزمنية المحددة.

ويرى الباحثون أنَّ خفض الانبعاثات وبالتالي تباطؤ النمو، سيكون له أثر أقل وطأة على المجتمع في حينها بما أنه يكون ازداد ثراء.

كما يفترض العلماء أنه بحلول ذلك الوقت ستصبح الصين قادرة على الاعتماد أكثر على مصادر الطاقة النظيفة الجديدة مثل الهيدروجين، بما أن التطور التكنولوجي يجعل مثل هذه التقنيات أقل تكلفة.

ولكن، من خلال اتباع هذا النهج، ستتمكن القطاعات القوية القائمة على الوقود الأحفوري من بناء المزيد من القدرات وتعزيز مكانتها في اقتصاد البلاد. فالصين تستخرج وتحرق أكثر من نصف كمية الفحم في العالم، وأي مسعى جدي لمعالجة التغير المناخي سيتطلب تقليص حجم هذا القطاع بشكل كبير.

ومع ذلك، فإن الخطة الخمسية لا تتضمن أهدافاً صارمة على صعيد خفض استخدام الفحم، بل على العكس، فإنها تشير إلى أن الصين ستواصل الإنتاج المحلي للوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط.

تعهدات "شي"

وتلقي الخطة بشكل عام الضوء على الصعوبات التي ستواجهها الصين من الآن فصاعداً. فمن جهة، يسعى "شي" إلى بناء ما يسميه "الحضارة البيئية"، مع اكتساب قضايا حماية البيئية المزيد من الشعبية بين السكان.

ومن جهة أخرى، بدأت الحكومات المحلية في إيجاد طرق للالتفاف على أجندة "شي" الصديقة للبيئة، فيما يواصل قطاع الوقود الأحفوري الضغط من أجل التوسع أكثر. مثلاً استغل المسؤولون في القطاع النقص في الطاقة هذا الشتاء من أجل المطالبة بتعزيز أمن الطاقة.

وفي هذا الإطار، تُعلق الكثير من الآمال على مدى قدرة وزارة البيئة على إقناع الوزارات الأخرى والشركات المملوكة من الدولة بأخذ الهدف الذي وضعته الصين للعام 2060 على محمل الجد، فوزارة البيئة التي كُلفت بمهمة خفض الانبعاثات في العام 2018 لم تحظ بأي سلطة فعلية نسبياً، ولكن يبدو أنها اكتسبت المزيد من الزخم إثر تعهد "شي".

تهدف الخطة الخمسية إلى "القضاء بشكل أساسي" على التلوث الثقيل في الهواء بحلول العام 2025، وزيادة مساحة الغابات بنسبة 24% وتنظيف الأنهر وإصلاح الأراضي الرطبة. وسيشكل الحدّ الذي تبلغه الصين على صعيد تطبيق هذه السياسات مؤشراً على مدى تحسن فعالية وزارة البيئة.

وكان فريق تفتيش بيئي تابع للحكومة المركزية وجه انتقاداً علنياً لإدارة الطاقة الوطنية واسعة النفوذ في وقت سابق هذا العام لفشلها في كبح توليد الطاقة من الفحم.

وكان لافتاً استخدام الفريق للغة قاسية، ما اعتُبر مؤشراً على أن القيادة العليا في البلاد قد تدعم أكثر السياسات البيئية في السنوات الخمس المقبلة، بحسب ديمتري دو بوير، الممثل الرئيس لمنظمة "كلاينت ارث" ClientEarth غير الربحية في الصين.

ثمة احتمال أيضاً أن تكون الصين في انتظار المحادثات المناخية العالمية المرتقبة في نوفمبر المقبل حتى تعلن عن أهداف أكبر، إذ كان الرئيس "شي" قد سعى إلى تصوير نفسه كقيادي على الصعيد المناخي. كذلك، من المقرر أن تستضيف الصين مؤتمراً مهماً للأمم المتحدة حول التنوع البيولوجي.

التعاون مع أمريكا

في غضون ذلك، تعمل الصين حالياً على إعادة ترميم علاقاتها مع الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس جو بايدن حيث يبدو المناخ مجال التعاون الوحيد بين البلدين في ظل الخلاف بينهما حول كافة الأمور الأخرى، من حقوق الإنسان إلى التجارة، حتى وباء كورونا.

وفي الاتصال الهاتفي الأول بين الرئيسين، عرضت الدولتان مسألة المناخ كنقطة اهتمام مشتركة.

يذكر أن الصين لم تقدم بعد رسمياً التزاماتها المحدَّثة تجاه اتفاقية باريس التي ستعرضها أمام مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ COP26.

ودعا استشاري السياسات المناخية في "غرينبيس" شرق آسيا، لي شو، إلى ترقب ما إذا كانت الصين سترفع مستوى أهدافها بعد أن تعلن الولايات المتحدة عن أهدافها المناخية الجديدة في أبريل.

وقال لي "على الصين أن تحدّ كثيراً من نمو الانبعاثات وأن تسطح منحنى الانبعاثات في غضون السنوات الخمس المقبلة".

ومن المعروف تاريخياً أن الصين تضع لنفسها أهدافاً يسهل تحقيقها. وأضاف معلقاً "ثمة أمل أن تسهم عادة الحكومة الصينية بتقديم مستوى أقل من الوعود وتحقيق نتائج أعلى في إفساح المجال أمام المزيد من الطموح".