الأزمة في الضفة الغربية تحجب آمال غزة بعد الحرب

تعيين مجموعة جديدة من التكنوقراط في السلطة الفلسطينية، لكن فرص نجاحهم منخفضة

time reading iconدقائق القراءة - 13
رجل فلسطيني وقد بدت عليه مشاعر التأثر بعد غارة إسرائيلية على مخيم نور شمس في طولكرم بالضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل في 21 أبريل 2024 - المصدر: بلومبرغ
رجل فلسطيني وقد بدت عليه مشاعر التأثر بعد غارة إسرائيلية على مخيم نور شمس في طولكرم بالضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل في 21 أبريل 2024 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يقود حكومة فلسطين رئيس وزراء جديد كان مديراً تنفيذياً سابقاً في البنك الدولي، وهو يتعهد بمحاربة الفساد والهدر. أما وزير المالية؛ فقد عمل في شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" (PwC). وتتولى وزارة الخارجية امرأة حاصلة على دكتوراة من الولايات المتحدة ولديها خبرة واسعة في مجال حقوق الإنسان.

وفق مقاييس عدة، فإن السلطة الفلسطينية الجديدة في الضفة الغربية هي ما تريده الولايات المتحدة وآخرون للدولة الفلسطينية المستقبلية القادرة على توسيع حكمها إلى غزة لفترة ما بعد الحرب: مجموعة حديثة من التكنوقراط يكون تركيزها منصباً على حل المشكلات.

فرص نجاح منخفضة

لكن كما تُظهر سلسلة من المقابلات في رام الله، العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية، وأماكن أخرى، فإن فرص النجاح منخفضة ولأسباب كثيرة؛ فالإدارة متضخمة وتفتقر للفاعلية. والاقتصاد ينهار بعد أن منعت إسرائيل 150 ألفاً من سكان الضفة الغربية من الدخول إلى العمل فيها، واحتجزت إيرادات الضرائب اللازمة لدفع رواتب موظفي القطاع العام الفلسطينيين. وإلى جانب هذا وذاك، يتزايد عنف المستوطنين الإسرائيليين.

فارسين أغابكيان، وزيرة الدولة للشؤون الخارجية، شددت على أننا "نحتاج إلى من يقول لإسرائيل: ‘هذا وضع مزرٍ’. في نهاية اليوم، يريد الناس أن يجدوا الخبز والزبد على الطاولة". وأضافت عن مجموعة القادة الجدد: "جئنا جميعنا من مناصب بارزة وتركنا كل شيء لنأتي ونضع كل طاقتنا وجهدنا في إنجاز هذا العمل".

تشن إسرائيل هجوماً مدمراً على قطاع غزة للقضاء على حركة "حماس" الفلسطينية. وقاوم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يقود أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل، الدعوات الأميركية للسماح للسلطة الفلسطينية بمد سيطرتها إلى غزة، كما يرفض هدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

وكان الموقف الرسمي الإسرائيلي، بل وموقف نتنياهو نفسه، مؤيداً لحل الدولتين، لكن انجراف إسرائيل نحو اليمين، إلى جانب الصدمة التي خلفتها هجمات حماس في السابع من أكتوبر، تسببا في تشديد موقفها لتركز على الأمن. وعلى نحو مماثل، يحتضن الفلسطينيون منذ الهجوم "حماس"، التي تعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة "إرهابية" وتسعى إلى تدمير إسرائيل.

ثقة محدودة

أظهر استطلاع شمل 830 شخصاً في الضفة الغربية، وأُجري في الفترة من 5 إلى 10 مارس ونشر منتصف أبريل، رضاً محدوداً للغاية عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس البالغ من العمر 88 عاماً وعن حركة فتح التي يتزعمها (8% و24% على التوالي). أما شعبية "حماس" فتبلغ 75%.

وقال خليل الشقاقي، رئيس "المركز الفلسطيني لبحوث السياسة والمسحية"، الذي أجرى الاستطلاع، إن "الثقة في السلطة الفلسطينية عند أحد أدنى المستويات التي سجلناها على الإطلاق".

في الضفة الغربية وحدها، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي بلغ 22% في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2023، في حين تشير التقديرات إلى أن البطالة قد زادت بأكثر من الضعف إلى 30%، ارتفاعاً من 14% قبل الحرب.

وتتوقع السلطات أن يستمر الاقتصاد الفلسطيني ككل، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة، في الانكماش في 2024 بنحو 5% بعد أن هوى 33% في الربع الرابع. وهذا رقم متفائل للغاية، وفقاً للخبير الاقتصادي رجا خالدي المقيم في رام الله، والذي يتوقع انكماشاً ما بين 25% إلى 30% هذا العام.

وقال خالدي: "نحن الآن في حالة سقوط حر".

ولم تعد السلطة الفلسطينية تتلقى حصة إيرادات الضرائب من إسرائيل التي تحتاجها لدفع رواتب ومعاشات التقاعد للموظفين في غزة، وتقول إن إسرائيل مدينة لها بمبلغ 1.3 مليار دولار. وقال البنك الدولي في تقرير صدر في فبراير الماضي، إن السلطة تواجه "أزمة مالية متصاعدة"، اضطرتها إلى خفض الرواتب إلى نحو 60% من مستويات ما قبل الحرب.

وقالت مؤسسة الإقراض الدولية ومقرها في واشنطن إن "تجنب ركود كبير، وارتفاع شديد في معدلات الفقر، واستمرار صدمة لا مثيل لها للاقتصاد" سيتطلب وقف الأعمال القتالية في غزة، وتقديم مساعدات دولية عاجلة، وتحويل عوائد الضرائب إلى السلطة الفلسطينية بالكامل".

ركود تام

أحمد السوداني، هو صاحب متجر لبيع الملابس الرجالية في رام الله انخفضت أعماله 95% منذ 7 أكتوبر. فيما كان متجره مهجوراً خلال زيارة أخيرة.

وقال السوداني، الذي سرح 10 من موظفيه البالغ عددهم 14 موظفاً: "آخر شيء يفكر فيه أي شخص الآن هو شراء الملابس".

ويرى خالدي، الخبير الاقتصادي، أن السلطة تواجه تحديات هائلةً حتى في أفضل الأوقات، في ظل ما ورثته الحكومة من إدارة متضخمة تضم 25 وزارة، وعشرات الوكالات العامة، و147 ألف موظف حكومي يقدمون بالكاد الخدمات الأساسية.

وتصاعد الاستياء العام بعد أن فرضت إسرائيل قيوداً على الحركة داخل الضفة الغربية، فضلاً عن إغلاق الحدود في أعقاب 7 أكتوبر.

ومنذ ذلك الحين، تصاعد عنف المستوطنين الإسرائيليين وكذلك قوات الأمن، التي تدخل بحرية إلى جميع مناطق الضفة الغربية؛ بما في ذلك 20% منها الخاضعة اسمياً للسيطرة الفلسطينية الكاملة. كما تتزايد الهجمات التي يشنها الفلسطينيون.

ومنذ 7 أكتوبر، قتل الجيش الإسرائيلي والمستوطنون 474 فلسطينياً في الضفة الغربية، منهم 10 على الأقل سقطوا على يد مستوطنين في حوادث مختلفة، بحسب الأمم المتحدة، التي سجلت في 2023 مقتل أكبر عدد من الفلسطينيين على يد قوات الأمن الإسرائيلية منذ أن بدأت في جمع هذه البيانات في 2005.

توتر متأجج

وهناك مصدر آخر للتوتر يتمثل في مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، حيث يعيش قرابة 500 ألف مستوطن إلى جانب 2.8 مليون فلسطيني.

وبحسب الأمم المتحدة فإن زهاء 4000 فلسطيني نزحوا خلال 2023 بسبب تصرفات قوات الأمن والمستوطنين. كما سجل هذا العام بالفعل رقماً قياسياً جديداً للاستيلاء على الأراضي، إذ استولت إسرائيل على نحو 1100 هكتار (2718 فداناً) من أراضي الضفة الغربية منذ بداية 2024، أي أكثر من ضعف الرقم السنوي السابق البالغ 520 هكتاراً في 1999، وفق جماعة "السلام الآن" الإسرائيلية الحقوقية.

وقال الشقاقي، مسؤول استطلاع الرأي: "يبدو أن السلطة الفلسطينية غير قادرة على مساعدة غزة أو الضفة الغربية. أعتقد أن قدرة رجل واحد وحكومة واحدة على فعل أي شيء في ظل كل هذه التحديات تكاد تكون معدومة".

تصنيفات

قصص قد تهمك