روبرت بورغيس: وزير الخزانة المقبل بحاجة للحفاظ على قوة الدولار

مع ارتفاع الدين والعجز يتوجب على سكوت بيسنت أن لا يسمح بتراجع جذب البلاد للاستثمارات

time reading iconدقائق القراءة - 8
سكوت بيسنت - بلومبرغ
سكوت بيسنت - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

وزير المالية الأميركي هو من حيث المبدأ المدير المالي للبلاد، وبصفته المستشار الاقتصادي الأول للرئيس، فهو مسؤول عن تقديم التوصيات بشأن السياسات المالية والإشراف على تنفيذها، وليس أقلها أهمية إداراة الدين العام.

يمكن اعتبار هذه المهمة الأكبر، مع وصول عجز الموازنة إلى تريليون دولار، وارتفاع إجمالي الدين العام إلى 26 تريليون دولار. لكن من وجهة نظري، المهمة الأعظم لوزير الخزانة اليوم هي ألا يدع مجالاً للشك بأن الحفاظ على قوة الدولار يخدم مصلحة الولايات المتحدة.

لن تكون هذه مهمةً سهلةً أمام سكوت بيسنت الآتي من خلفية تنفيذية في إدارة صناديق التحوط، والذي رشّحه الرئيس المنتخب دونالد ترمب لمنصب وزير الخزانة الأميركية، خاصة في ظل الأفكار غير التقليدية التي يعبّر عنها ترمب بشأن العملة الأميركية.

خفض قيمة الدولار

في مقابلة مع "بلومبرغ بيزنس ويك" في يونيو، صرح ترمب بأن الولايات المتحدة لديها "مشكلة عملة كبيرة"، مشيراً إلى أنه كثيراً ما يسمع من المصنّعين شكاوى  من أن "لا أحد يرغب بشراء منتجاتنا بسبب ارتفاع أسعارها"، في حين تعمل الدول الأخرى على إبقاء عملاتها "ضعيفة دائماً" لتعزيز قدرتها التنافسية في التصدير.

كان ترمب محقاً بأن الدولار قوي. فمؤشر الدولار الحقيقي الواسع المعدّل، الذي يصدر عن الاحتياطي الفيدرالي، يفوق بكثير المعدلات التي كانت سائدة منذ أنهى الرئيس ريتشارد نيكسون معيار الذهب قبل خمسين عاماً. لكن المفارقة أن سياسات ترمب نفسها قد تؤدي إلى تعاظم قوة الدولار، عبر إجبار الاحتياطي الفيدرالي لإبقاء أسعار الفائدة مرتفعة، وذلك من قبيل الاستجابة لاحتمالات تسارع التضخم الناتج عن الرسوم الجمركية التي يقترحها ترمب.

كتب الخبراء الاستراتيجيون لدى مجموعة "غولدمان ساكس" في مذكرة قبل فترة قصيرة: "لم نعد نتوقع انخفاضاً عاماً في قيمة الدولار، حتى خلال ستة أو 12 شهراً... سيبقى الدولار أقوى لفترة أطول".

ولكن ترمب مخطئ بشأن الصادرات، لأن قيمة ما يخرج من الولايات المتحدة من سلع وخدمات ارتفعت برغم قوة الدولار. بعد ثبات قيمتها عند نحو 212 مليار دولار شهرياً خلال إدارة ترمب في 2018 و2019، زادت الرغبة في المنتجات الأميركية مع بدء انقشاع جائحة كورونا في منتصف 2022، إذ بلغ متوسط قيمة الصادرات نحو 259 مليار دولار شهرياً.

ليس هذا جديداً على ترمب، فقد صرح خلال ولايته الرئاسية الأولى بأن ضعف الدولار قد يخدم مصالح الولايات المتحدة من خلال تعزيز الصادرات وتقليص العجز التجاري. ومع ذلك، فإن قوة الدولار تتجاوز مسألة سعر صرفه مقابل العملات الأخرى، فهي مرتبطة أيضاً بالثقة بأن الأموال الأجنبية في الولايات المتحدة في أمان، إذ إن الدولار يُعتبر مخزناً موثوقاً للقيمة تدعمه أسس النظام الديمقراطي وسيادة القانون.

كما قال وزير الخزانة الأسبق في عهد كلينتون، روبرت روبين: "هذا يعني أن شروط التجارة أفضل لدينا، ما يتيح للمستهلكين الأميركيين الشراء بتكلفة أقل".

الثقة بالعملة الأميركية

علاوة على ذلك، تُعد سياسة الدولار القوي إحدى الركائز التي تمكّن الولايات المتحدة من خدمة دينها الهائل وعجزها المالي. وفقاً لبيانات وزارة الخزانة، وصلت الحيازات الأجنبية من سندات الخزينة الأميركية والأوراق المالية المرتبطة بها إلى 8 تريليونات دولار في أغسطس للمرة الأولى، مسجلة زيادة قدرها 40% مقارنة مع مستواها في 2016. يعني ذلك أن ارتفاع العجز لم يثن المشترين الأجانب عن الاستثمار.

لكن هؤلاء المستثمرين قد يترددون في الاستمرار بضخ مثل هذه الأموال الطائلة إذا شعروا بأن الولايات المتحدة تسعى لإضعاف الدولار. فبمجرد أن تفقد العملة الخضراء مكانتها كمخزن للقيمة، قد تتراجع الحيازات الأجنبية بمليارات إن لم يكن تريليونات الدولارات.

وفيما قد تبدو الديمقراطية الأميركية فوضوية أحياناً، بالأخص في السنوات الماضية، فإن المستثمرين الأجانب مطمئنون إلى سيادة القانون في البلاد، ما يجذب الاستثمارات من شتى أرجاء العالم في الأوقات الجيدة والصعبة.

حين ارتفعت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة العالمية 77% إلى 1.65 تريليون دولار في 2021، سجلت هذه التدفقات إلى الولايات المتحدة ارتفاعاً بنسبة 114% لتبلغ 323 مليار دولار، وفقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.

مع ذلك، لا يمكن للولايات المتحدة أن تعتبر حجم الطلب هذا من المسلّمات. فخصومها يعملون حثيثاً على تقويض دور الدولار في النظام المالي العالمي. فهم قلقون من استخدام واشنطن للدولار كسلاح من خلال فرضها عقوبات مالية قاسية على دول مثل روسيا، تتضمن منع مصرفها المركزي من الاستفادة من احتياطياته بالعملات الأجنبية.

سبق أن أشارت بلومبرغ نيوز إلى أن وزراء خارجية البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا طلبوا خلال اجتماعهم في كايب تاون في منتصف 2023 من بنك أقامه التكتل لهذا الغرض، بأن يقدم تنويراً عن مفاعيل إطلاق عملة مشتركة، ومن ذلك قدرتها على حماية الدول الأعضاء في التكتل من تأثير أي عقوبات أميركية.

الحفاظ على ميزة أميركا الاستثنائية

رغم البطء في إنشاء عملة مشتركة، إلا أن الأسواق تعكس شعوراً عاماً بأن الطلب المتزايد على الذهب، الذي قفز سعره مؤخراً إلى ما يقارب 2800 دولار للأونصة بعد أن كان حوالي 1600 دولار في الربع الأول من 2022، يُعزى جزئياً إلى استبدال تلك الدول احتياطياتها الدولارية بهذا المعدن الثمين.

ووفقاً لصندوق النقد الدولي، تراجعت حصة الدولار من الاحتياطيات العالمية إلى 58.2%، بعد أن كانت 60.1% خلال نفس فترة التي زاد فيها سعر الذهب. رغم أن هذه الحصة ما تزال تفوق بفارق كبير نصيب اليورو، ثاني أكبر عملة احتياط عالمية، وهو 19.8%، إلا أن الانخفاض يثير القلق، خصوصاً مع الأخذ في الاعتبار أن حصة الدولار مستمرة بالتراجع منذ بلغت 65.4% لدى انتخاب ترمب لأول مرة في 2017.

كل ذلك يؤكد أن على بيسنت يجب أن يقاوم الانسياق خلف أسوأ نزوات ترمب في ما يخص الدولار. إذ يجمع الاقتصاديون والأكاديميون والمسؤولون الحكوميون والمستثمرون حول العالم، على أن الدور المحوري للدولار في النظام المالي العالمي يمنح الولايات المتحدة "ميزة استثنائية"، تتيح للحكومة تمويل عجز الموازنة بشكل دائم، والحفاظ على معدلات فائدة أقل مما قد تكون عليه في ظروف أخرى. تحتاج الولايات المتحدة إلى هذه الميزة أكثر من أي وقت مضى، فلنأمل أن يكون بيسنت مدركاً لهذا.

خلاصة

يتناول المقال الدور الحاسم لوزير الخزانة الأميركي، الذي يتمثل في إدارة السياسات المالية والاقتصادية والحفاظ على قوة الدولار كعنصر أساسي يخدم المصالح الأميركية. يواجه سكوت بيسنت، الذي رشحه الرئيس المنتخب دونالد ترمب، تحديات كبيرة في ظل ارتفاع العجز المالي إلى تريليون دولار وزيادة الدين العام إلى 26 تريليون دولار. بالإضافة إلى ذلك، يبرز موقف ترمب من خفض قيمة الدولار لتعزيز الصادرات، رغم أن سياساته الاقتصادية، مثل الرسوم الجمركية، قد تزيد من قوته بفعل رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة لمواجهة التضخم.

يشير المقال إلى أهمية الدولار كعملة احتياطية عالمية ومخزن آمن للقيمة، وهو ما يجذب الاستثمارات الأجنبية ويساعد في تمويل العجز المالي الأميركي. ورغم التحديات التي تواجه قوة الدولار، مثل تزايد الطلب على الذهب وتراجع نسبة الدولار في الاحتياطيات العالمية، ما زالت الولايات المتحدة تعتمد على هذه "الميزة الاستثنائية" لدعم اقتصادها. على بيسنت أن يتجنب الرضوخ لضغوط ترمب بشأن خفض الدولار، مع التركيز على حماية مكانة العملة في النظام المالي العالمي لضمان استمرار الولايات المتحدة في الاستفادة من هذه الميزة الحيوية.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

واشنطن

3 دقائق

2°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى /
25.9 كم/س
41%