مادة إعلانية
بالأخضر

نهج "لايف" يوفر حلولاً مستدامة لإعادة إحياء مدن الشرق الأوسط

مواءمة التجديد الحضري مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية عبر نهج LIFE رباعي المراحل

time reading iconدقائق القراءة - 12
المصدر:

الشرق

نمو سكاني يُقابله تدهور حضري لا تتوافق معه وتيرة التنمية الاقتصادية المطلوبة لمعالجته.. هذا هو حال بعض المدن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن تلك المدن سريعة النمو تتمتع بفرصة التغلب على تلك التحديات.

بحسب الأرقام الرسمية وتحليلات شركة "استراتيجي& الشرق الأوسط"، وهي إحدى شركات "بي دبليو سي" (PWC) العالمية، يعيش ما يقرب من ثلثي سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، البالغ عددهم 322 مليون نسمة، في المناطق الحضرية، وهي نسبة مرشحة للازدياد. لكن التنمية الحضرية أسفرت عن انبعاثات كبيرة، يمثل فيها قطاع البناء والتشييد حوالي 37% من الانبعاثات المرتبطة بالطاقة، وهو رقم قياسي في عام 2021، كما أن هذا القطاع يستهلك حوالي 34% من الطلب العالمي على الطاقة.

الوضع الراهن

بعد 40 عاماً من تراجع عدد السكان وتدهور المساكن، باتت منطقة وسط مدينة "سانتياغو" في تشيلي في حالة يرثى لها، ما دفع المستثمرين إلى الهرب نحو المناطق الأكثر خضرة في محيط المدينة، سعياً إلى تحقيق عوائد أفضل. لكن حلَّ عام 1990 ومعه برنامج يهدف إلى عكس مسار الانحدار، بطريقة غير معتادة.

وفقاً للشركة، فإنه بدلاً من مجرد طرح الحوافز لإغراء المطوّرين، شكّل قادة المدينة شراكة بين القطاعين العام والخاص وجمعوا بين السكان والشركات المحلية وأصحاب المصلحة الآخرين، وصاغوا معاً استراتيجية شاملة لإعادة إحياء المنطقة، حيث كانت جودة الحياة والقيم التاريخية والثقافية والاعتبارات البيئية جوهرية في أهداف المشروع. وتضيف الشركة: "لتسهيل التمويل، بدأت الحكومة في الإعانات، وخففت الشروط والأحكام، وأطلقت مشاريع تجريبية للحد من المخاطر، حتى باتت منطقة سانتياغو البلدية حالياً واحدة من أكثر المناطق السكنية حيوية في الدولة بأكملها".

بالمثل، تواجه العديد من المدن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المأزق نفسه، حيث أدى التوسع السريع غير المقيد الذي يركز على التنمية الراقية إلى إذكاء الامتداد وترك المراكز الحضرية تتحلل، رغم أن تلك المراكز تستضيف نحو ثلثي سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبحسب شركة "ستاتيستا"، فإنه بحلول 2050، سيكون هناك أكثر من 440 مليون شخص في مدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما يعادل إجمالي عدد سكان المنطقة في 2020.

فرصة سانحة

تمثل أهداف التنمية الطموحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فرصة للحكومات لتحسين نوعية الحياة، من خلال مواءمة التجديد الحضري مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، المعروفة اختصاراً باسم (ESG)، حيث يمكن لتلك المبادئ الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي، وبالتالي المساهمة في تعزيز الهوية الوطنية، إضافة إلى تحفيز النهضة الحضرية وإحيائها وجعلها جذابة للمقيمين والمستثمرين وللزوار كجزء من الطموحات السياحية للمنطقة. كما يمثل الجمع بين المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية والتنمية الحضرية فرصة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام.

وبما أن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية والتجديد الحضري رفيقان طبيعيان، فإنه يمكن تنفيذهما من خلال النهج رباعي المراحل المعروف اختصاراً باسم "لايف" (LIFE)، والذي طورته شركة "استراتيجي& الشرق الأوسط". وتُعرف المراحل الأربعة كالتالي:

- الإصغاء والتعلم: من خلال فهم الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية واحتياجات المجتمع.

- استدامة التصميم والتشغيل والتنفيذ: من خلال تضمين المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية في كل مرحلة وجانب من المشروع، من المحادثات الاستكشافية والتخطيط إلى التصميم والتنفيذ. ومن العمليات الجارية إلى إدارة الأصول على المدى الطويل.

- تثبيت الأهداف: من خلال تحديد أهداف المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية وغيرها من مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) التي تترجم الالتزام إلى جهد ملموس وقابل للقياس.

- تحقيق النتائج: من خلال المنافع التي تعود على أفراد المجتمع الذين يتمتعون بجودة حياة متجددة، بالإضافة إلى منافع الشركاء الراعين من القطاعين العام والخاص في نهاية المطاف.

وتقول "استراتيجي& الشرق الأوسط"، إن التركيز على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية يفتح المزيد من قنوات التمويل لبرامج التجديد الحضري. وعلى مدى العقد الماضي، نمت شهية المستثمرين بسرعة تجاه أدوات التمويل الخضراء والموجهة اجتماعياً. وفي عام 2021، تمّ إصدار أكثر من 1.6 تريليون دولار من الديون المستدامة، 33% منها مرتبط بتحقيق الأهداف البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية. وتضيف "استراتيجي& الشرق الأوسط": "يُعدُّ الامتثال للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية الآن شرطاً لأن العديد من مديري الأصول المؤسسية لن يقدموا التمويل أو يحتفظوا بأصول في مشاريع لا تتوافق مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، وهو ما يعني أن الحكومات بحاجة لاعتماد تلك المبادئ وتسلسلها من خلال متطلبات المشروع للمطورين من القطاع الخاص، لإتاحة المزيد من الخيارات المتاحة لتمويل التنمية وزيادة احتمالات تحقيق الأهداف البيئية والاجتماعية والحوكمة للمشروع واستدامة النهضة الحضرية.

النهج المطروح

تبدو استراتيجية التجديد الحضري القائمة على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية منطقية، فهي توفر أداة قوية يمكن من خلالها التغلب على التحديات المشتركة للتجديد، لاسيما وأن الاستدامة سواء كانت تنطوي على تحسين البنية التحتية أو زيادة الكفاءة في البناء أو جعل المباني أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، تُعدُّ أمراً أساسياً للهدف البيئي.

مقترح شركة "استراتيجي& الشرق الأوسط" المطروح يشترط تحديد الاستراتيجية الشاملة وأهداف البرنامج، ولتضمين المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، يجب على القادة أولاً الحصول على صورة شاملة لماضي منطقة المشروع وحاضرها. ويتضمن ذلك التحليل المادي التقليدي للمنطقة المستهدفة للتجديد، من حيث الموقع وتقييم السوق الفرعي ومزيج الأصول وظروف البيئة الراهنة، بالإضافة إلى تقييم البنية التحتية للمنطقة والخصائص التقنية: المياه والكهرباء والاتصالات والطرق والمرور وإمكانية الوصول العام وإدارة النفايات والأمن والمستويات الحالية للكفاءة.

وترى "استراتيجي& الشرق الأوسط"، أنه يجب أن يشمل التعلم أيضاً الاستماع إلى السكان ورجال الأعمال المحليين ومالكي العقارات في المنطقة حول احتياجاتهم وتطلعاتهم، بالإضافة إلى تقييم المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تعكس جودة الحياة. بالإضافة إلى ذلك، يحتاج أعضاء المشروع إلى التعرف على تاريخ المنطقة، والتشكيلات الحضرية وأشكالها، وأنماط المباني التراثية والأشكال المعمارية جنباً إلى جنب مع العناصر الثقافية غير الملموسة مثل اللغة والعادات والتقاليد والاحتفالات.

كما يُعتبر ضمان المعاملات الشفافة واتفاقيات الإيجار الواضحة، والحفاظ على أسعار السوق العادلة للأصول المؤجرة، من بين الأهداف الشاملة للحوكمة.

تجارب المنطقة

هناك العديد من مدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعمل جاهدة على الارتقاء وتحسين جودة الحياة، وعلى سبيل المثال حي "البلد" في مدينة جدة السعودية ووسط مدينة الشارقة في الإمارات. ووفقاً لشركة "استراتيجي& الشرق الأوسط"، فإنه "على عكس التنمية التقليدية، فإن التجديد الحضري هو عملية بث حياة جديدة في الأحياء القديمة بطريقة توازن بين الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، مع الحاجة إلى توليد اقتصاديات إيجابية للكيانات الراعية من القطاعين الخاص والعام، وهي تنطوي على حل قضايا التخطيط وإنعاش الاقتصاد المحلي".

ذلك النهج يتضمن اتجاهات جديدة في التخطيط الحضري تعزز قابلية العيش، مثل الحلول الرقمية، بالإضافة إلى أنه ينطوي على الحفاظ على المواقع المهمة ثقافياً وتاريخياً أو ترميمها وحماية النسيج الاجتماعي، وإعادة ربط الأجيال الجديدة بتراثهم الوطني.

التحديات الراهنة

بسبب التحديات الناجمة عن النمو السكاني والتنمية الحضرية غير المتوائمة، باتت ظروف الإسكان ومستويات المعيشة لجزء كبير من سكان المنطقة دون المستوى المطلوب. وبحسب إحصاءات رسمية، كان حوالي 31% من جميع سكان المدن في العالم العربي يعيشون في أحياء متدهورة في ظل ظروف دون المستوى المطلوب في عام 2018. وبحسب إحصاءات "استراتيجي& الشرق الأوسط"، يمكن أن تصل تكلفة تجديد عيّنة من 15 منطقة من هذا القبيل في جميع أنحاء دول المنطقة (السعودية والإمارات وقطر ومصر والعراق وسوريا والأردن) إلى 500 مليار دولار أميركي، كما أنها يمكن أن تؤثر أيضاً على ملايين السكان، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.

على سبيل المثال، في القاهرة، يعيش ما يقدر بنحو 40% من السكان في تجمعات عشوائية غير مخططة. ومع ذلك، فإن هذه المشكلة لا تكاد تقتصر على البلدان الأكثر فقراً في المنطقة، فحوالي 40% من سكان مكة يعيشون في 65 منطقة عشوائية. وبحلول عام 2040، إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء علاجي، فقد يتجاوز عدد سكان المناطق العشوائية في مكة المكرمة 1.5 مليون نسمة.

أما في الرياض، فقد أدّى التطور العمراني منخفض الكثافة المتبع في العديد من الأحياء إلى تفاقم الضغط على الإسكان، وجاء الانتقال إلى المناطق التي جرى تطويرها مؤخراً بتكلفة، تمثلت في توسيع البنية التحتية غير الفعالة، وإهمال الأجزاء القديمة من المدينة.

بشكل عام، تأتي برامج التجديد مصحوبة بتحديات كبيرة للحكومات والمطورين على حد سواء، حيث إن إعادة بناء بنية تحتية دون المستوى القياسي أو غير كفؤة بيئياً، تتطلب تحقيق توازن بين التطوير وإحلال الأغنياء بالفقراء، حيث يمكن أن يكون تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية مع الحفاظ على النسيج الاجتماعي والاقتصادي الأصيل مهمة صعبة.

وللتغلب على تلك التحديات، تعتبر "استراتيجي& الشرق الأوسط" أن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية تمثل نهجاً منظماً وقابلاً للتطبيق لتحقيق الأهداف المرجوة.. "وعند تطبيقها على كل مرحلة من مراحل المشروع، يمكنها تعزيز احتمالات النجاح: من تحديد الاحتياجات والأهداف إلى مواءمة المصالح، من توجيه التخطيط والإدارة إلى التنفيذ وتحقيق الأهداف متعددة الأوجه. في الواقع، المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية هو وسيلة لبث الحياة في التجديد الحضري، وضمان أن المشاريع تبث الحياة في المدن".

النتائج المنتظرة

يهدف مشروع التجديد الحضري الناجح إلى تحسين جودة الحياة ويوفر تمويلاً طويل الأجل لبث الحياة في المجتمعات المهملة واستعادة تراثها التاريخي والثقافي والتجاري مع تعزيز وسائل الراحة، وهذا ما تحقق في تطوير "سانتياغو" التي ركز التطوير فيها على تحسين نوعية الحياة من خلال تعزيز المساحات الخضراء ومساحات المشي والأمن والظروف البيئية العامة. وعلى مدى 10 سنوات، تحسنت جودة الهواء في المنطقة بنسبة 30% إلى 50%، وتضاعف مخزون المساكن تقريباً، ونما عدد السكان وعائدات البلديات بنسبة 55%.

الأمر نفسه حدث في "كوبنهاغن"، فقد دفعت الحاجة إلى معالجة المشاكل البيئية، المدينة الدنماركية إلى تجديد جزء من واجهتها البحرية. وعلى مدى أكثر من 15 عاماً، استثمرت المدينة ملايين الدولارات، وقدمت حوافز للقطاع الخاص لتطوير عقارات الواجهة البحرية. وفي النهاية، زادت قيمة الممتلكات بين 60% إلى 120%.

وفي سنغافورة، استثمرت الحكومة حوالي 2.25 مليار دولار لتطوير حاجز المارينا على مدى أكثر من 20 عاماً، وتم تخصيص حوالي 50% من الأرض للاستخدام العام، بما في ذلك المساحات الخضراء وخيارات المشي والعروض الثقافية والترفيهية.

وفي "بوسطن" بالولايات المتحدة، تضمن التجديد الحضري تحسين البنية التحتية للصرف الصحي وتطوير محطات معالجة المياه، إلى جانب إنشاء مساحات خضراء ومتنزهات عامة. ورغم أن القطاع الخاص امتلك معظم الأرض، فإنه طورها وفقاً للخطة الحكومية الرئيسية. وأدّى المشروع الذي استمر لأكثر من 30 عاماً، والذي بلغت تكلفته 5 مليارات دولار، إلى زيادة قيمة العقارات بنسبة تتراوح بين 30% و120%.

كذلك، كان لتطبيق هذا النهج مكاسب حكومية، تمثلت في توفير ما يقرب من 6 آلاف وظيفة دائمة في "واشنطن" العاصمة، بعد شراكة بين القطاعين العام والخاص لإنشاء وجهة جذابة توفر أيضاً فرصة اقتصادية للسكان، إضافة إلى توفير ما يقرب من 94 مليون دولار سنوياً من العائدات الضريبية المباشرة لصالح المدينة.

ترى "استراتيجي& الشرق الأوسط" أن التجديد الحضري يحمل إمكانات كبيرة لإدارة تأثير النمو السكاني السريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والسيطرة على الزحف العمراني، وعكس التدهور الداخلي للمدينة. وتقول إن استخدام نهج "لايف" (LIFE) الذي يدمج المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية طوال مراحل المشروع، هو الطريقة الأكثر فاعلية لإدارة تعقيدات البرامج المصممة للخدمة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وجودة الحياة والاستدامة والأهداف الأخرى، ما سينتج عنه تحسين نوعية الحياة.

تصنيفات