المُسيّرات الحربية تساند أردوغان في تعزيز نفوذ تركيا العالمي

سلجوق بيرقدار يكشف عن طموحاته في مقابلة نادرة وزيادة المبيعات منذ حرب أوكرانيا زادت الثقل السياسي لتركيا

time reading iconدقائق القراءة - 19
سلجوق بيرقدار، رئيس مجلس إدارة شركة \"بايكار\" للصناعات العسكرية، وزوجته سمية أردوغان، ابنة الرئيس التركي - الشرق/بلومبرغ
سلجوق بيرقدار، رئيس مجلس إدارة شركة "بايكار" للصناعات العسكرية، وزوجته سمية أردوغان، ابنة الرئيس التركي - الشرق/بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في الوقت الذي رسم فيه سرب طيران النخبة في سماء تركيا الهلال والنجمة اللذين يزينان العلم الوطني، تسابق الأتراك على الأرض لالتقاط صورة مع سلجوق بيرقدار، الرجل الذي يصفونه بالبطل لتحويله الدولة الشرق أوسطية إلى موردة رئيسية عالمية للطائرات بدون طيار الحربية الفتاكة.

بيرقدار هو أيضاً صهر الرئيس رجب طيب أردوغان، وعلى مُدرج القاعدة العسكرية، عرضت شركة "بايكار" (Baykar)- التي يملكها الأول- الجيل الجديد من الطائرات بدون طيار الحربية، والتي تطير بسرعة أكبر ولمسافة أطول، فيما تحمل أسلحة أكثر من الطرازات الحالية.

يعكس الجيل الجديد من الطائرات بدون طيار الطموحات الكبيرة للشركة التي تنامى نفوذها الخارجي بشكل كبير، بعدما استخدمت أوكرانيا طائرات بدون طيار من طراز "تي بي 2" (TB2) لمحاربة القوات الروسية، وكان لها أثر ملموس.

في الأعوام الماضية، أصبحت "بايكار" جزءاً أساسياً من جهود أردوغان لبناء صناعة عسكرية مكتفية ذاتياً، تتنوع منتجاتها من الطائرات بدون طيار المُسلحة إلى المقاتلات النفاثة والسفن الحربية. والهدف من كل تلك المنتجات هو دعم سياسته الخارجية الأشد حزماً بمنطقة غارقة في النزاعات.

مقابلة نادرة

لكن منذ غزو روسيا لأوكرانيا، زادت المبيعات الخارجية للطائرات بدون طيار بشكل مستمر، ما منح تركيا ثقلاً سياسياً أكبر تتجاوز حدوده الشرق الأوسط.

في مقابلة نادرة معه أجريت في قاعدة القوات الجوية على مشارف أنقرة، كشف بيرقدار، خريج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، عن طموحه لزيادة قدرات الشركة والمبيعات الدولية سعياً لتعزيز مكانة تركيا في الخارج. ستبدأ "بايكار" قريباً إنتاج كميات كبيرة لنوع واحد على الأقل من طرازي الطائرات بدون طيار المتطورة التي ستقلع من على متن "تي سي جي أناضول" (TCG Anadolu)، حاملة الطائرات المصغرة المنتجة حديثاً. وفي الوقت ذاته، ستسعى الشركة إلى زيادة حصتها في الأسواق الممتدة من أفريقيا إلى أوروبا وآسيا عبر الطائرات بدون طيار الحربية من طرازي "تي بي 2" و"أكينجي" (Akinci) الحاليين، و"تي بي 3" و"كيزيل إلما" (Kizilelma) الأحدث.

ستُحدِث الطائرات بدون طيار الجديدة تغييراً جذرياً في نفوذ تركيا العسكري الممتد من البحر الأسود والقوقاز إلى شرق البحر المتوسط وسواحل شمال أفريقيا، على حد وصف بيرقدار الذي يشغل منصب كبير مسؤولي التكنولوجيا بالشركة التي أسسها والده وتسيطر عليها عائلته. وأضاف أن "الطائرات بدون طيار ستمكن تركيا من إجراء عمليات الرصد والمراقبة وشن هجمات دقيقة عبر القارات بفضل زيادة مدة طيرانها وتوسيع نطاق عملياتها".

قالت "بايكار" إنها تبيع طائراتها الرئيسية "تي بي 2" في 31 دولة، ورغم أن الدول النامية كان لها نصيب الأسد من هذه المبيعات، فهي تعد قفزة مقارنة مع دولتين فقط قبل 4 سنوات.

زيادة المبيعات بوتيرة سريعة

قال بيتر فيزيمان، كبير الباحثين بمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام "سيبري": "مبيعات (تي بي 2) ارتفعت بوتيرة سريعة في الأعوام القليلة الماضية. تطلب دولة تلو الأخرى كميات مختلفة الأحجام".

يوضح استخدام تركيا للطائرات بدون طيار التغيرات التي طرأت على مفهوم الحرب في إحدى أكثر المناطق اضطراباً في العالم. أحدثت الطائرات غير المأهولة تغيراً كبيراً في جهود أنقرة المستمرة لعقود لمكافحة تمرد حزب العمال الكردستاني الانفصالي في جنوب شرق البلاد، وشمال العراق، وسوريا. ونظراً للانخفاض النسبي في تكاليف صنعها واستخدامها، ساعدت الطائرات بدون طيار على ترجيح كفة حلفاء تركيا في صراعات بدول بعيدة مثل أذربيجان وليبيا.

بعيداً عن الشرق الأوسط، يُرجح أن تعد الطائرات بدون طيار التركية ذات قيمة كبيرة بالأخص للدول غير الأعضاء بـ"حلف شمال الأطلسي"-"ناتو"- أو غير القادرة على شرائها من الولايات المتحدة أو إسرائيل لأسباب سياسية أو مالية.

ستعزز الطائرات بدون طيار الجديدة من صيت الدولة بصفتها مورداً لتكنولوجيا الحرب عالية الجودة بأسعار معقولة، وهي مكانة فريدة تحظى بها تركيا بين حفنة من الدول المنتجة للطائرات بدون طيار المتطورة، بحسب فابيان هينتس، الخبير العسكري بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن.

وأضاف: "بغض النظر عن كونك حليفاً للولايات المتحدة أو معارضاً لها، يمكنك شراء (الطائرات بدون طيار التركية) بلا أي كُلفة سياسية تقريباً. يبدو أيضاً أن تركيا أكثر انفتاحاً على نقل التكنولوجيا بدرجة ما، وإتاحة الإنتاج المحلي المرخص، وهو أمر يعارضه المنتجون بشكل أكبر".

قال بيرقدار إن 82% من أرباح الشركات جاءت من الصادرات خلال العقدين الماضيين، وأضاف أن القدرة الإنتاجية ارتفعت 50% في العام الماضي.

أزمة "إف-35" عجلت بالجهود التركية

تواجه طموحات بيرقدار الكبيرة عدداً كبيراً من التحديات؛ فما تزال الولايات المتحدة وإسرائيل والصين أكبر الموردين للطائرات بدون طيار في العالم. فيما قال فيزيمان من "سيبري" إن منتجات "بايكار" لا تضاهي أداء الطائرات الحربية الحديثة التي تصنعها دول مثل الولايات المتحدة. غير أن الطائرات بدون طيار التركية تباع مقابل جزء ضئيل من سعر الطائرة الأميركية.

وأضاف فيزيمان: "بزوغ نجم تركيا بصفتها موردة للطائرات بدون طيار المسلحة كان أمراً استثنائياً. لا شك في أن هذا جزء من التطور السريع لقطاع التسليح التركي، ودور تركيا باعتبارها مُصدّرة للأسلحة، وفي إطار الجهود التركية للتحول إلى قوة إقليمية".

أسس أوزديمير بيرقدار، والد سلجوق، شركة "بايكار" في 1986 على أنها شركة معدات. لكن الطيران جذب اهتمام سلجوق في صباه، وعندما انضم إلى الشركة في 2007، بدأ تحويل نشاطها إلى المعدات العسكرية، وتطوير الطائرات الحربية غير المأهولة، ومنظومات التحكم الأرضية، وفي 2016، تزوج سمية، ابنة الرئيس أردوغان.

في 2019، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على تركيا لشرائها منظومة "إس- 400" (S-400) للدفاع الجوي الصاروخي من روسيا، ومنعت العقوبات تركيا من التدريب أو الحصول على مقاتلات "إف-35" النفاثة الشبحية التي تنتجها "لوكهيد مارتن" (Lockheed Martin).

سرّع ذلك وتيرة الجهود التركية الرامية إلى تطوير طائراتها الحربية غير المأهولة، ودعَم أردوغان لتطوير التكنولوجيا عبر الشركة التي يملكها صهره، إلى جانب شركة "تركيش إيروسبيس إندستريز" (Turkish Aerospace Industries) التي تملكها الحكومة، ومكنت الزيادة المستمرة في الصادرات الشركتين من زيادة الاستثمار في البحث والتطوير.

صهر أردوغان

تكهنت تقارير لوسائل الإعلام المحلية بأن يكون لبيرقدار دور في مستقبل السياسة التركية، رغم أنه موضوع حساس نادراً ما تحدث عنه بشكل مباشر. في مقابلة مع وكالة إعلام تركيا في الشهر الماضي، قال بيرقدار: "سنحارب إلى النفس الأخير لتحقيق نقلة في التكنولوجيا الوطنية. سنفعل كل ما يلزم، وكل ما يحتاجه الكفاح. بصيغة أخرى، إذا اقتضى الأمر سياسة وتوجهات، فلن نخشى أو نتراجع".

يتشاطر بيرقدار وأردوغان طموحاً بجعل تركيا قوة عسكرية مكتفية ذاتياً قبل منافسيها الإقليميين، مثل إيران واليونان، ولتحقيق هذه الغاية، دخل أردوغان في تحالفات جديدة غير مستقرة، منها تحسين العلاقات مع فلاديمير بوتين، أضرت بمكانة تركيا داخل "ناتو" في بعض الأحيان.



خطط الإنتاج المشترك

قال بيرقدار إن طراز "أكينجي"، الذي يحلق على ارتفاعات أعلى من الطرازات السابقة ويطير لمسافة أطول منها، كان محور المحادثات مع السعودية.

وأضاف أن "أكينجي" ستُنتج بالاشتراك مع السعودية، في إطار الاتفاق، كما ستصنّع "تي بي 2" في مصنع قيد الإنشاء في موقع سري بوسط أوكرانيا.

قال سونر جاغبتاي، مدير برنامج البحوث التركية بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "تعد (تي بي 3) نقلة نوعية في قدرات تركيا العسكرية، لا سيما عند وضعها على حاملة الطائرات (تي سي جي أناضول). فهذا ينقل تركيا إلى فئة مختلفة، فهناك مجموعة صغيرة من صفوة الدول قادرة على تجاوز مئات الكيلومترات عند استخدام طائراتها بدون طيار في أرجاء القارات والمحيطات".

تصنيفات

قصص قد تهمك