قصة "رجل المنشطات" وفضيحة العقاقير التي هزت سباق الخيول في أمريكا

05:45 صباحاً 13 يوليو 2021 حدثت فى 11:20 مساءً 20 أبريل 2022
خورخي نافارو(إلى اليسار) وبلمونت بارك المصدر: نافارو - بلومبرغ ووكالة "أسوشيتد برس"

وقف "ستيوارت جاني الثالث" في صالة كبار الزوار الواقعة عند أعلى المدرجات الكبرى في بلمونت بارك في قرية إلمونت بولاية نيويورك. كان ذلك في منتصف موسم خريف 2015، إذ تشارك ثلاثة من خيوله في سباقات ذلك اليوم.

يعدُّ "جاني" من النخبة الأرستقراطية في سباق الخيل، فعائلته أسَّست "اسطبلات ويتلي" (Wheatley Stable) في كنتاكي، وهي واحدة من مزارع تربية الخيول الأكثر شهرة في هذه الرياضة، التي خرج منها الحصان "سي بيسكويت" (Seabiscuit)، بطل فترة الكساد الكبير. ويعدُّ جاني أيضاً رئيس مجلس إدارة "بيسمر تراست" (Bessemer Trust)، التي بدأت كصندوق استثمار عائلي، ونمت لتصبح شركة لإدارة الثروات تضمُّ 2500 عائلة، بأصول يبلغ مجموعها ما قيمته 140 مليار دولار.

انتخب "جاني" مؤخراً رئيساً لـ"جوكي كلوب" (Jockey Club)، وهو سجل للخيول الأصيلة يقع وسط مانهاتن، وقد وجد فيه "جاني" مهمة له في حماية نزاهة هذه الرياضة التي كانت في حالة تدهور.

تغير النظرة إلى السباقات

منذ عام 2000، أُغلق 39 مضماراً في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وانخفض عدد المهور المولودة سنوياً من 40 ألفاً إلى النصف. لقد ولَّت أيام بلمونت في استضافة أباطرة السكك الحديدية، مثل هنري فيبس جونيور (جد جاني الأكبر)، والمشاهير مثل جاكي كينيدي، والحشود الضخمة. اليوم تبدو المدرجات فارغة في معظم الأوقات.

كانت هناك أسباب عديدة لمشكلات هذه الرياضة، بما في ذلك الاعتقاد بأنَّها غير آمنة للخيول. أثارت الأحداث المأساوية الشهيرة غضب نشطاء رعاية الحيوان الذين أرادوا فرض حظر وطني. كان لا بدَّ من إنهاء حياة الحصان "إيت بيلز" بالموت الرحيم على الحلبة في ديربي كنتاكي في عام 2008، بعد أن احتلَّ المركز الثاني، ثم كسر كاحليه الأماميين. قبل عامين، أصيب الحصان "باربارو" بكسر في ساقه الخلفية اليمنى أثناء جريه في سباق "بريكنيس" (Preakness)، مما أدى في النهاية إلى إنهاء حياته بالموت الرحيم.

دفع "جوكي كلوب" نحو إجراء إصلاحات لمعالجة نفوق الخيول على مسار السباق، لكن "جاني" كان مقتنعاً أنَّ مشجعي الرياضة كانوا يبتعدون عنها لسبب آخر، وهو عدم قدرة الرياضة على الحدِّ من تقديم المنشطات للخيول. يقول "جاني": "أصبح الأشخاص الذين أثق بهم يشككون بشكل متزايد في النتائج". وأخبره المدربون بأنَّهم رأوا الخيول تتحوَّل لأن تصبح فائزة بين عشية وضحاها. ويقول: "فجأة يصبح لديك حصان لا يتعب أبداً. وعندما تتباطأ الخيول الأخرى، هذه الأحصنة لا تتعب أبداً".

انتشار المنشطات

لم تكن فكرة تقديم المنشطات للأحصنة صادمة له. ففي النهاية، كانت جزءاً من الرياضة منذ بدايتها. فقد تلقَّى الحصان "السير بارتون"، أوَّل فائز بسباقات "تريبيل كراون" (Triple Crown)، العديد من المنشطات لدرجة أنَّه واجه صعوبةً في أداء وظيفته في تخصيب الإناث. وفي ثلاثينيات القرن الماضي، عندما كان سباق الخيل هو الرياضة الأولى في الولايات المتحدة، كانت الخيول تركض بعد تغذيتها بالكوكايين والهيروين، ثم جرى التحوُّل لاحقاً إلى استخدام الأمفيتامينات.

لكن يبدو أنَّ تناول المنشطات أصبح الآن صارخاً ومنتشراً، لدرجة أنَّ الخيول الأسرع كان مشكوكاً في أمرها مثل أفضل ضاربي البيسبول في أواخر التسعينيات. يقول "جاني": "خرجت وأنا أفكر في أنَّني لا أستطيع أن أؤمن بنزاهة النتائج". وفي حين كان يراقب من مقعده بعد ظهر ذلك اليوم، قال:

كانت هناك أربعة أو خمسة سباقات كبيرة، ولم أتمكَّن من إثبات ذلك، لكني شعرت وكأنَّ الغشاشين قد فازوا بها كلها

"
"

في الأسبوع التالي، اتصل "جاني" بـ"جيم غاغليانو"، رئيس "جوكي كلوب"، وأخبره أنَّه لابدَّ من فعل شيء ما. يقول "جاني": "أردت أن أمسك بالمحتالين. أنا لا أتحدث عن أشخاص يقومون بأشياء صغيرة هنا أو هناك، أنا أتحدث عن الأشخاص الكبار، والأشخاص الذين يؤثرون في رياضتنا".

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها فعل شيء ما. فعلى مرِّ السنين، جنَّد "جوكي كلوب" من يقومون بالإبلاغ عن المخالفات من خلال خط ساخن، واستأجر محققين خاصين لزرع مصادر في مسارات السباقات. لكن لم ينجح أي منها.

انتهاكات وغرامات

يجري استئناف قضايا انتهاكات المنشطات بشكل دائم تقريباً، وهي عملية قد تستغرق شهوراً أو سنوات. وعادة ما يُفرض على مكرري المخالفة غرامة قدرها بضعة آلاف من الدولارات وتحذير. تمَّ استبعاد "ميدينا سبيريت" الحصان الذي فاز بسباق ديربي كنتاكي في مايو، عندما فشل في اختبار المخدرات - ثم فشل في اختبار آخر. قام المدرب "بوب بافيرت"، الذي يمكن القول، إنَّه الأعظم في تاريخ هذه الرياضة، بتدريب الخيول التي فشلت بشكل جماعي في 30 اختباراً – ومن بينها "جاستيفاي"، الذي فاز بلقب "تريبيل كراون" في عام 2018 - ولم يواجه أي عواقب حقيقية لسنوات. (بعد أول اختبار إيجابي لحصان "ميدينا سبيريت"، ألقى بافيرت باللوم على "ثقافة الإلغاء"، ثم قال لاحقاً، إنَّ المرهم المستخدم لعلاج الطفح الجلدي للحصان يحتوي على مادة محظورة.

كما هي الحال في الرياضات الأخرى، يعدُّ اصطياد متعاطي المنشطات أمراً صعباً، لأنَّ "المستحضرات الصيدلانية تسبق المختبرات"، كما يقول "مايك فاريل" الذي غطَّى سباقات الخيل منذ سبعينيات القرن الماضي لمنشورات من بينها "ديلي رايسينغ فورم" (Daily Racing Form): "إنْ أرسلت عينة دم إلى المختبر، فعليك إخبار المختبر بما تبحث عنه. إذا كانوا يبحثون عن منبِّه، فيمكنهم العثور عليه، ولكن إذا كانت العينة تحتوي على مركب كيميائي لا يمكن للمختبر إجراء اختبار كشفه، فلن يظهر".

كان على "جاني" سلوك مسار آخر، فقد تواصل مع "ترافيس تيغارت"، كبير المديرين التنفيذيين لوكالة مكافحة المنشطات الأمريكية. قبل بضع سنوات، عندما كانت الوكالة تحقق فيما إذا كان بطل سباق فرنسا للدراجات "لانس أرمسترونغ" قد استخدم عقاقير محسنة للأداء (PEDs)، دعا "جوكي كلوب" تيغارت إلى التحدُّث في المائدة المستديرة السنوية للاستفادة من دروس التحقيق.

الاستعانة بمحققين مخضرمين

أراد "جاني" الآن توصية من أجل تطبيق نهج أكثر عدوانية. اقترح تيغارت تكليف "5 ستونز إنتيليجينس" (5 Stones Intelligence) في ميامي، التي استعانت بها الوكالة في التحقيق الخاص بآرمسترونغ. تتكوَّن "5 ستونز" من عملاء سابقين في مكتب التحقيقات الفدرالي، وإدارة مكافحة المخدرات، وقد لعبت دوراً رئيسياً في فضح المنشطات التي ترعاها الدولة للرياضيين الروس. عمل العديد من موظفي الشركة كجواسيس للحكومة الأمريكية، وقاموا بمراقبة الإرهابيين، وعصابات المخدرات. سيبدأون العمل من بداية سلسلة التوريد، لمعرفة من يصنع المخدرات، وكيف وجدت طريقها إلى المدربين. سينتهي تحقيقهم بأكبر كشف في تاريخ الرياضة، وهو عملية احتيال بملايين الدولارات، علمت "بلومبرغ بيزنس ويك" بتفاصيلها من مراجعة وثائق المحكمة، فضلاً عن التحدُّث مع المدربين، ومالكي الخيول، ومضمار السباقات، والمحققين، وغيرهم ممن قاموا بتجميعها معاً.

جلس "خورخي نافارو" في الحانة في "مونماوث بارك"، وهو مضمار سباق في أوشن بورت بنيوجيرسي، مع مالك قام بتدريب الخيول للمدعو "راندال جيندي". كان ذلك في أغسطس 2017، وكان "نافارو" المدرب الفائز في "مونماوث" طوال خمس سنوات.

بهيئة ضخمة تشبه "هالك"، ولد نافارو ونشأ في بنما قبل أن ينتقل مع عائلته إلى ديترويت عندما كان في الثالثة عشرة من عمره. كان قد بدأ بالعمل في تنظيف الخيول لصالح زوج والدته، المدرب جوليان كانيه، في مسارات من الدرجة الثانية، مثل "مضمار سباقات كالدر" في "ميامي غاردنز" بفلوريدا.

فوز وجوائز

عندما وصل "نافارو" إلى "مونماوث"، لم يكن واحداً من أكثر من 100 مدرب تحقيقاً للفوز في الولايات المتحدة، لكنَّه ترقى مع مرور الوقت. في عام 2016، حطَّم رقماً قياسياً في موسم الانتصارات على المضمار الذي كان قائماً منذ عام 1975، وأسرج ثلاثة خيول في كأس "بريديرز" (Breeders)، بطولة العالم لهذه الرياضة، التي أقيمت في ذلك العام في "مضمار سانتا أنيتا" في أركاديا بكاليفورنيا. وانتهى به المطاف بالحصول على 4.1 مليون دولار، وقد وضعه في المرتبة 29 على الصعيد الوطني. كان صعوده سريعاً لدرجة أنَّه أثار الشكوك في أنَّه كان يزود خيوله بالمنشطات.

كان "نافارو" يفوز بحوالي ثلث سباقاته، وهو أمر شبه مستحيل من دون غش، كما يقول باتريك كامينغز، المدير التنفيذي لمؤسسة "ثوروبريد آيديا" (Thoroughbred Idea)، وهي مؤسسة فكرية ومجموعة مناصرة للصناعة في ليكسينغتون في كنتاكي. ويقول: "إن حققت 300 ضربة في لعبة البيسبول فستدخل قاعة المشاهير. أما في سباق الخيل، فلا أحد يحقق 300 فوز". فأفضل المدربين يفوزون بحوالي 20% من السباقات التي يشاركون فيها.

في الحانة، كان "نافارو" و"جيندي" يشاهدان بثَّاً مباشراً من "غلف ستريم بارك"، بالقرب من ميامي، حيث تقع اسطبلات العديد من الخيول التي يدربها "نافارو"، التي يبلغ عددها 75. كان شقيقه مارسيال، مدرباً أيضاً، ولديه حصان يشارك في سباق، وعندما وصل المرحلة النهائية وفاز، فرك "جيندي" قبضتيه.

قال: "وداعاً، يا رفاق!" كما يظهر فيديو صوره أحد الحاضرين، وصرخ: "رجل المنشطات!" مشيراً إلى لقب يطلقه منتقدو "نافارو" عليه.

"لقد تغلَّبنا على الجميع!". قال "نافارو" بابتسامة خبيثة.

غرامة "رجل المنشطات"

انتشر المقطع على مدونات سباق الخيل، وفرضت لجنة سباق الخيل في نيو جيرسي غرامة قدرها 5000 دولار على "نافارو" بسبب "السلوك الضار بالسباقات". أوضح "نافارو"، و"جيندي" أنَّهما كانا يعرفان أنَّ هناك من يصورهما، وأنَّهما كانا يسخران فقط، ليزعجا مالك أحصنة منافس وصفهما بالغشاشين. قال "نافارو" لـ"راي باوليك"، ناشر "باوليك ريبورت" (Paulick Report)، وهو موقع إخباري متخصص في سباقات الخيل: "الجميع يرغبون في انتقاد نافارو عندما أفوز في السباق. وهم ينادونني (رجل المنشطات)، حتى بوجود أطفالي في الجوار. لدي صبي في العاشرة وفتاة في السابعة. كم ستعد على أصابعها مقابل عدد المرات التي أسمع فيها هذه الأشياء؟".

لم يكن "نافارو" يفوز بالكثير فحسب؛ بل كان يفعل ذلك مع خيول رخيصة كبيرة في العمر قال إنَّه أعاد تأهيلها. يقول باوليك: "ربما عندما كانت هذه الخيول في الثالثة من العمر، كان لديها بعض القدرة - كان لديها ما نسميه في السباقات بالفئة والسرعة، وكل ذلك". وقال، إنَّ "نافارو" أخبره: "أنَّه وجد طريقة لإعادة تلك الخيول إلى ما كانت عليه في وقت سابق في مسيرتها".

تقع حظيرة "نافارو" في مونماوث بجانب حظيرة مدرب آخر كان يفوز أيضاً بمعدل مشبوه، وهو "جيسون سيرفيس". نشأ "سيرفيس"، وهو ابن فارس، في حديقة مقطورات في تشارلز تاون في ويست فيرجينيا، وبدأ السباق في مسار غير مصرَّح به في عام 1973، عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وأصبح مساعد فارس، مما جعله مسؤولاً عن السروج، والأحذية، وحرير الركوب. طوال سنوات، كان يتسكَّع حول مونماوث، ويركن السيارات، ويسرج الأحصنة، كما يقول أحد المدربين الذي تسابق مع "سيرفيس" و"نافارو"، وتحدَّث دون الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام.

الفرصة الكبيرة

أتت فرصة "سيرفيس" الكبيرة في عام 2001، عندما طلب منه "دينيس درازين"، رئيس مجلس إدارة الشركة التي تدير مونماوث ورئيسها التنفيذي، تدريب بعض الخيول لصالحه. اكتسب "سيرفيس" سمعة طيبة باعتباره فارساً جيداً في التمرين. تطلَّب الأمر منه 11 عاماً أخرى، ولكن في عام 2012، تصدَّر قائمة أفضل 100 مدرب، وجنى 2.4 مليون دولار أمريكي بصفته المدرب رقم 73 في الولايات المتحدة.

يقول المدرب الذي تسابق مع "سيرفيس" و"نافارو": "لديه طريقة غريبة في التدريب. خيول جايسون لن تفوز أبداً، وبعد ذلك تظهر الخيول وتجري بسرعة الريح. وكان الجميع يتساءلون: "كيف تفعل ذلك؟"

ما إن بدأ "نافارو" و"سيرفيس" بالسيطرة على "مونماوث"، حتى أخذ المدربون خيولهم التي كانت تتسابق عادة هناك إلى مسارات السباقات في ديلاوير، ونيويورك، وبنسلفانيا. أصبح المجال أضيق في السباقات التي يدخلها "نافارو"، و"سيرفيس"، وبقي المراهنون بعيداً عنها، مدركين أنَّ الرهان عليها غير مجدٍ، وسيدر عائدات صغيرة.

يقول جون بريتشي، الخبير والمحلل الذي شاهد العديد من سباقات "نافارو" و"سيرفيس": "إنَّه لأمر محرج. كان الناس يأتون إليَّ ويسألون: ما الذي يحدث؟ وأقول لهم: "لماذا تكلِّفون أنفسكم عناء سؤالي؟ هل تعتقدون أنَّهم يصنعون المعجزات؟ أم تظنون أنَّ شيئاً آخر يدور هناك؟".

على امتداد مسارات السباقات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، روى المالكون والمدربون قصصاً مماثلة، مما دفع المحققين إلى الاعتقاد بأنَّ هذه الظاهرة ليست مجرَّد مشكلة محلية. وهذا يعني أنَّ هناك مورِّدين محليين رئيسيين، وربما من الدوليين، لعقاقير تحسين الأداء (PEDs).

مختبر صحي ومخدرات

في عام 2014، وأثناء التحقيق في سباق الدراجات الأمريكي، تلقَّت وكالة مكافحة المنشطات الأمريكية نصيحة مفادها أنَّ هناك مختبراً في جنوب فلوريدا يوفِّر عقار "إيبوجين" (Epogen) لتحسين الأداء لراكبي الدراجات. لم يحدث أي تطور في التحقيق، ولكن عندما بحثت "5 ستونز" في الشبكة المظلمة لتحديد المكان الذي يحصل منه مدربو الخيول على المخدرات، ظهر المختبر ذاته، كما يقول مصدر مقرَّب من التحقيق رفض ذكر اسمه لمشاركته هذه التفاصيل.

عندما بدأت "5 ستونز" بناء شبكة من المخبرين، تضمَّنت أحد المالكين والمربين الذي فاز بسباق ديربي كنتاكي، ولكنَّه يشعر الآن أنَّ الغشاشين يسيطرون على الرياضة. وافق هو ومخبرون آخرون على إبلاغ "5 ستونز" عن المدربين الذين يقدِّمون المنشطات للخيول، ومن أين يحصلون على العقاقير. ولكن لفتح القضية، ستحتاج "5 ستونز" للحصول على العقاقير، وإجراء اختبار معملي لها بحثاً عن المواد المحظورة.

وجد المحققون حليفاً في مضمار "ميدولاندز" (Meadowlands) للسباقات في إيست روثرفورد في نيوجيرسي، وهو مطوِّر عقاري من الجيل الثاني في مدينة نيويورك، وشريك إداري للشركة التي تشغل المضمار. كان "جيف غورال" مهووساً منذ فترة طويلة بالإمساك بالأشخاص الذين يقدِّمون المنشطات للخيول، حتى إنَّه عيَّن "بريس كوت"، المحقق السابق من شرطة الولاية، لإدارة الأمن. عندما علم "غورال" أنَّ "جاني" و"جوكي كلوب" قد استعانا بخدمات "5 ستونز"، ساعد في تغطية التكاليف، وعمل "كوت" مع "5 ستونز" لتحديد الأهداف في ميدولاندز. أدى ذلك إلى اكتشاف قوارير الحبوب والسوائل، كما يقول المالك والمربي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، وهو يناقش الموضوع.

تحديد المشتبه فيهم

بحلول عام 2017، كان التحقيق قد حدد شبكة من المدرِّبين والأطباء البيطريين المشتبه بهم في توزيع وتقديم عقاقير تحسين الأداء في الولايات المتحدة، والإمارات العربية المتحدة التي ضخَّت مليارات الدولارات في هذه الرياضة منذ منتصف التسعينيات، وتستضيف الآن بعضاً من أغنى سباقات العالم. سلَّمت شركة "5 ستونز" النتائج التي توصلَّت إليها إلى مكتب التحقيقات الفدرالي - الذي بدأ تحقيقه الخاص – وتوصَّل المكتب إلى رجل يدعى "سكوت روبنسون" قالوا إنَّه يزوِّد المدربين بعقاقير تحسين الأداء. (ومن المفارقات، أن "5 ستونز" تعرف "روبنسون" لأنَّه دفع 30 ألف دولار مقابل خدمات الشركة في مسألة غير ذات صلة تتعلق بمدرب، قال إنَّه يدين له بالمال).

يدير "روبنسون" العديد من المواقع الإلكترونية، ومن بينها (HorsePreRace.com) و(HorseGold.com)، التي تبيع المكملات الغذائية. تمَّ تسويق بعض العقاقير، مثل "الفياغرا السائلة"، على أنَّها وسيلة لزيادة القدرة على التحمُّل، والبعض الآخر، مثل "الحمض الأحمر"، على أنَّه المفترض أن يساعد الخيول على الجري برغم الألم. في ربيع عام 2019، التقى "روبنسون" بوكلاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في "إيمباسي سويتس" في نيو جيرسي.

يقول روبنسون: "قالوا: "نحن نقوم ببعض الأعمال في ميدولاندز"، وسألوا "روبنسون": "ربما يمكنك مساعدتنا". أخبروني أنَّهم كانوا يحققون في موضوع تقديم المنشطات لخيول السباق، وأظهروا لي مجموعة من الصور لأشخاص. وقلت لهم: "أنا لا أعرف حتى من هم هؤلاء الأشخاص".

البحث عن أدلة

التقى "روبنسون" عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي للمرة الثالثة في 30 سبتمبر 2019. (رفض مكتب التحقيقات الفدرالي التعليق على هذه القصة). تحدَّثوا لساعات عدة، ثم رافق العملاء "روبنسون" عبر القاعة إلى غرفة أخرى، كما يقول، إذ كان عملاء إدارة مكافحة المخدرات ينتظرونه. ووضعوه في المقعد الخلفي لسيارة دفع رباعي، وتوجهوا به إلى المستودع حيث يحتفظ "روبنسون" بمنتجاته. يقول: "فتشوا مستودعي بالكامل. لقد أخذوا كل أجهزة الكمبيوتر الخاصة بي. أخذوا كل ما في وسعهم".

حلول ذلك الوقت، لم يعد "نافارو" و"سيرفيس" على هامش المستوى الأعلى لهذه الرياضة. ففي نهاية عام 2019، احتل "نافارو" المركز السادس عشر على الصعيد الوطني، محققاً أرباحاً بلغت 6.8 مليون دولار، في حين احتل "سيرفيس" المرتبة الثامنة بمبلغ 11 مليون دولار. كان أحد خيوله، "ماكسيموم سيكيورتي" (Maximum Security)، قد أنهى سباق ديربي كنتاكي في المركز الأول قبل استبعاد مثير للجدل بسبب التصادم مع حصان آخر.

بدأ العام بإنجاز مهم. فاز نافارو بسباقه الألف في 26 يناير مع حصان يبلغ من العمر 5 سنوات اسمه "أزتيك سينس" (Aztec Sense). كان الفوز الثامن للحصان على التوالي. ولكن بعد السباق، أخبره طبيب بيطري أنَّ هناك مشكلة في الكاحل الأيسر الأمامي للحصان. قال "نافارو" لـ"باوليك ريبورت" عندما سئل عن فوزه الكبير: "لقد جاء في وقت سيئ. الخيول دائماً تأتي أولاً".

تنصّت العملاء الفدراليين

ما قاله كان صواباً. لم يعد "نافارو" يمزح عن كونه رجل المنشطات. فالآن بعد أن أصبح مدرباً كبيراً، كان التواضع والتوبة باديين عليه. ولكن بحلول هذه المرحلة، كان عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي يتنصتون على هاتفه وهاتف "سيرفيس"، وكانوا يستمعون إلى شبكة من الأطباء البيطريين والمدربين المساعدين الذين رأوا أنَّهم متآمرون محتملون.

"هل تعرف عدد الخيول التي قتلها وتسبب في إصابتها بكسور، التي قمت أنا بإخفائها؟" قال مدرب يدعى "نيك سوريك" عن "نافارو" في اتصال هاتفي بعد أسابيع قليلة من سباق "أزتيك سينس". وسأل: "هل تعرف مقدار المشكلات التي يمكن أن يقع فيها إن اكتشفوا أمر الخيول الستة التي قتلناها؟" (لم يستجب محامي سوريك لطلبات التعليق).

بعد ثمانية أيام، في مكالمة أخرى تمَّ اعتراضها، أخبر "نافارو" مساعد مدرب أنَّه بحاجة إلى "حاصرات المفاصل"، التي تخفي قدرة الحصان على الشعور بعدم الراحة. طلب "نافارو" العقاقير من مختبر في جنوب فلوريدا، ثم طلب من الساعي انتحال شخصية مالك الحصان لتجاوز مسؤولي السباق الفضوليين في "غلف ستريم".

وثائق المحكمة

وفقاً لوثائق المحكمة التي قدَّمها لاحقاً مكتب المدعي العام الأمريكي للمنطقة الجنوبية لنيويورك، كان "نافارو" و"سيرفيس" في هذه المرحلة يقودان مؤامرة لتعاطي المنشطات، وكانا يديران المراقبة لبعضهما، ويتبادلان الأسرار التجارية. في رسالة نصية تمَّ اعتراضها، حذَّر "سيرفيس"، "نافارو" من أنَّ مسؤول السباق في "غلف ستريم" كان يبحث عن دليل على استخدام العقاقير المحسنة للأداء. في وقت لاحق من ذلك اليوم، اتصل "نافارو" بأحد مساعديه ليخبرهم أنَّهم كادوا أن يُكشفوا: "كان سيُقبض علينا من خلال حقن وضخِّ ورائحة كل حصان يركض اليوم". (يشير مصطلح "الضخ"، و"الرائحة" إلى ممارسة تُعرف باسم "خضّ الحليب"، وفيها يتمُّ دفع خرطوم أو أنبوب إلى أسفل حلق الحصان حتى يتمكَّن من ابتلاع مزيج من المواد القانونية، وأحياناً غير القانونية التي تكافح التعب).

في إحدى المكالمات، أوصى "سيرفيس" بعقار جديد يسمى "إس جيه إف – 1000" (SGF-1000)، وهو مستخلص من مشيمة الأغنام يُزعم أنَّ له خصائصَ تجديد. وقال: "لقد كنت أستخدمه في كل شيء تقريباً". قال نافارو، إنَّه كان لديه 12 حصاناً يعطيها العقاقير قبل أن يقطع المكالمة: "سنجلس ونتحدَّث عن هذا .... لا أريد التحدُّث عن هذا --- على الهاتف".

تصاعد الضغط على "نافارو"، و"سيرفيس" مع حلول عام 2019. أصبحت لديهما الآن إمكانية الوصول إلى الخيول ذات النسب الجيد المخصصة عادةً للمدربين المشهورين مثل "بافيرت" (Baffert). تقلَّص هامش الخطأ. شعرا كما لو أنَّ عليهما الفوز أو سيجد المالكون أحداً آخر، كما يقول المدرب الذي يعرفهما من مونماوث.

الحنين إلى البساطة

شعر "نافارو" بالحنين إلى أوقات أكثر بساطة. يقول المدرب: "لم يكن ينوي قط الحصول على هذا الحجم الضخم من التدريب 75، 80 حصاناً". كان التوتر ينتقل إلى "سيرفيس" أيضاً. "يا رجل، لا أريد أن أفعل هذا بعد الآن"، قال المدرب، إنَّ "سيرفيس" قد قال له: "لا أستطيع الانتظار كي يتولى مساعدي المسؤولية. أقول لهم كل يوم، أرجوكم تولوا زمام الأمور، لا أريد أن أدرب بعد الآن".

بعد أسبوعين من تلك المحادثة، في 29 فبراير 2020، فاز "سيرفيس" بأغنى سباق في العالم، وهو كأس السعودية بقيمة 20 مليون دولار، في الرياض.

في صباح يوم 9 مارس، كان "جاني" في مكتبه في وسط المدينة عندما بدأت الرسائل النصية تصل، وكانت المداهمات جارية.

يقول "جاني"، إنَّه شعر أنَّ أمراً جللاً سيحصل. كان على اتصال منتظم مع المحققين في "5 ستونز"، الذين طلبوا منه التزام الصمت، لكنَّهم أكَّدوا له أنَّ الاعتقالات كانت وشيكة.

ظهر عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي في مركز تدريب "بالم ميدوز ثورو بريد" (Palm Meadows Thoroughbred) في بويتون بيتش في فلوريدا، و"غلف ستريم"، وداهموا حظائر "نافارو" و"سيرفيس". في الوقت ذاته، داهم العملاء منزل "روبنسون" في فلوريدا، إلى جانب منازل، ومكاتب، وحظائر العشرات من الآخرين في جميع أنحاء البلاد.

مؤامرة واسعة

في غضون ساعات، أعلن المدعون الفدراليون، ومكتب التحقيقات الفدرالي عن اتهامات ضد 27 شخصاً، مع إضافة اسمين آخرين لاحقاً. كشفت لوائح الاتهام عن مزاعم مؤامرة تفصيلية قام بها الكيمياويون العاملون في المختبرات السرية بتزويد الأطباء البيطريين، والمدربين بعقاقير تحسين الأداء التي تحمل أسماء، مثل: "سم الأفعى" لإسكات الألم، و"برونك" (اختصاراً لموسع قصبي) لتسهيل التنفس؛ و "القرد" للمساعدة على التحمُّل.

كان "نافارو"، و"سيرفيس" الأكثر شهرة بين الأسماء على لوائح الاتهام. ووجَّه المدعون العامون في المنطقة الجنوبية، الذين رفضوا التعليق على هذه القصة، تهمة "التآمر لتصنيع وتوزيع وإدارة عقاقير مغشوشة، أو تحمُّل علامة تجارية مزيفة". ووجهت إلى "سيرفيس" أيضاً تهمة التآمر على الاحتيال بالبريد والاتصالات السلكية. وأُطلق سراحهما بكفالة في انتظار موعد المحاكمة. رفض محامو الرجلين الطلبات المتكررة للتعليق، ولم يدلوا بأيِّ تصريحات عامة عن موكليهما. ولم يتسنَ الوصول إلى "كانيه"، زوج أم "نافارو"، للحصول على تعليقه. كما رفض "جون" شقيق "سيرفيس" المدرب، الذي فاز بسباق ديربي كنتاكي في عام 2004 مع الحصان "سمارتي جونز"، التعليق.

إقرار بالذنب

اعترف "روبنسون" أنَّه مذنب بالغش والتضليل في عقاقير تحسين الأداء، وفقاً للوائح الاتهام. وحُكم عليه بالسجن لمدة 15 شهراً، وسيبدأ تنفيذ عقوبته في سبتمبر. يجب عليه أيضاً أن يخسر أكثر من 3.8 مليون دولار من المبيعات من مواقعه على الويب. كما أنَّ لائحة الاتهام واسعة النطاق لدرجة أنَّها سمَّت أيضاً مجموعات من المدربين والمورِّدين وغيرهم في ولايات مثل ديلاوير وبنسلفانيا. لا توجد علاقة بين "روبنسون"، و"نافارو"، و"سيرفيس"، الذين يُزعم أنَّهم حصلوا على الأدوية الخاصة بهم من مختبر جنوب فلوريدا وموردين آخرين. لم يتم ذكر معمل جنوب فلوريدا في لائحة الاتهام، ولكن ورد اسم "سيث فيشمان"، الذي أداره. إنَّه متهم بالغش والتضليل في العلامة التجارية، وتصنيع عقاقير تحسين الأداء. ودفع ببراءته، ورفض محاميه التعليق.

من يناير 2018 إلى فبراير 2020، وفقاً لوائح الاتهام، شارك "نافارو" بخيول في 1480 سباقاً، ودخل "سيرفيس" حوالي 1100 سباق خلال ذلك الوقت. يقول المدعون العامون، إنَّهما أخفيا استخدام العقاقير المحسنة للأداء عن الوكالات التنظيمية، ومسؤولي السباقات والجمهور، واحتالا على المراهنين. فاز "نافارو" بمبلغ 13.5 مليون دولار من أموال المحفظة في تلك الفترة، وربح "سيرفيس" 18.5 مليون دولار (ذهب الجزء الأكبر منها إلى المالكين).

وقال "درازين"، الذي يشغِّل مضمار مونماوث في بيان: "لقد دافعت دائماً عن عدم التسامح مع الغش، ولن أتسامح أبداً مع السلوك غير القانوني". قالت مجموعة "سترونيك" (Stronach)، التي تملك شركة "غلف ستريم" إنَّ: "المذكرات الصادرة كانت خاصة فقط بالحظائر والأكشاك التي شغلها الأفراد المتهمون. ... لم يتم تضمين مجموعة "سترونيك" في التهم. تلتزم مجموعة "سترونيك" بأعلى مستوى من العناية بالخيول". وقال "جوكي كلوب" في المملكة العربية السعودية، إنَّه "يجري تحقيقه الخاص في ما يتعلَّق بالادعاءات، وحتى الانتهاء من هذا التحقيق، سيوقف "جوكي كلوب السعودية" (JCSA) دفع أموال الجائزة".

قانون النزاهة والسلامة

في سبتمبر، سيعود "جاني" إلى بلمونت لموسم الخريف. فقد شعر بالتشجيع نتيجة المكانة التي تتجه إليها الرياضة. بعد ستة أشهر من صدور لوائح الاتهام، أقرَّ الكونغرس قانون النزاهة والسلامة في سباقات الخيول. عندما يدخل القانون حيز التنفيذ في العام المقبل، سيخضع سباق الخيل لسلطة هيئة تنظيمية مؤلَّفة من تسعة أشخاص، التي تخطط للتعاقد مع وكالة مكافحة المنشطات الأمريكية لمحاولة المحافظة على نزاهة سباق الخيل.

قد يقوم المسؤولون أيضاً بقمع كبار سفراء الرياضة، فقد تمَّ منع "بافيرت"، الذي تمَّ استبعاد حصانه من ديربي كنتاكي، لفترة غير معلنة من السباق في مسارات جمعية سباق نيويورك – "بلمونت" (Belmont)، ومضمار "ساراتوغا" للسباقات (Saratoga Race Course) في شمال الولاية، ومضمار "أكواداكت" ( Aqueduct Racetrack) في كوينز. وعلَّق مضمار "تشرشل داونز"، حيث يجري سباق الديربي، مشاركته في السباق في فعاليات 2022، و2023. لم يتم توجيه الاتهام إلى "بافيرت" في قضية المنطقة الجنوبية. ورفع دعوى قضائية ضد الجمعية، قائلاً إنَّ قرارها سيخرجه من العمل في نيويورك، كما رفع دعوى قضائية ضد لجنة سباق الخيول في كنتاكي للحصول على أمر قضائي مؤقت للسماح بإجراء المزيد من الاختبارات على "ميدينا سبيريت" في عام 2020. وكتب في واشنطن بوست: "لا شيء أكثر أهمية من صحة وسلامة الرياضيين من الخيول والبشر".

يقول "جاني": "لقد أحرزنا الكثير من التقدُّم، لكنَّنا لم ننتهِ بعد. سيكون هناك دائماً أشخاص يقومون بحسابات توصلهم إلى أنَّهم قادرون على تحقيق نتيجة أفضل من خلال الغش، ولكن نأمل الآن أن ينظروا إلى المخاطر بطريقة مختلفة".