التحدي الأكبر في عالم الطهي: طعام لمن يعانون "عسر البلع"

04:57 مساءً 17 يوليو 2021 حدثت فى 07:35 صباحاً 27 نوفمبر 2023
طبق من بسكويت "سافوريس" المصدر: بلومبرغ

ما الذي تحصل عليه عندما يدخل طبيب أسنان وطاهٍ وأشخاص يعانون من عسر البلع إلى المختبر؟ الإجابة هي "سافوريس" (Savorease)، وهو نوع من البسكويت الرقيق الذي يذوب تلقائياً، ويمكن أن يساعد ملايين الأشخاص على الاستمتاع بالطعام الصلب مرة أخرى.

معاناة المرضى

بالنسبة إلى أكثر من 10 ملايين من الأمريكيين البالغين، الذين يعانون من مشكلات في البلع، قد يتحول السوبر ماركت الذي يحتوي على 28 ألف منتج في المتوسط، إلى ​​أرض قاحلة. في العادة، يخزّن المتجر التقليدي ثلاث فئات فقط من المنتجات المصممة خصيصاً للأشخاص الذين يعانون من "عسر البلع"، كما تُعرف حالتهم، وكل هذه المنتجات عبارة عن بدائل للوجبات السائلة فائقة الحلاوة، وهي: منتجات "إنشور" (Ensure)، و"بووست" (Boost)، إضافة إلى البدائل الغذائية العامة. ولا يتم تخزين المنتجات المصنعة من هذه السوائل المكثفة - والتي يبلغ سعر الواحدة منها في الغالب 1.50 دولار أمريكي - إلى جانب المأكولات العادية، بل يتم وضعها عموماً إلى جانب مستحضرات العناية الشخصية، كسوائل العدسات اللاصقة ومعجون الأسنان وغيرها.

قلما يفكر الكثيرون منا في كيفية انتقال الطعام من الفم إلى الأمعاء، لكنها في الحقيقة، عملية معقدة تشمل الأسنان واللسان وعشرات العضلات والأعصاب. وإذا لم يعمل ولو جزء واحد من هذا النظام بشكل صحيح؛ قد يحدث الكثير من الأخطاء. (على سبيل المثال: يمكن أن ينزلق الطعام أو الشراب عبر المجرى الخاطئ إلى الرئتين).

يعتبر "عسر البلع" أمراً شائعاً لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحد، ومتلازمة داون، ومرض باركنسون، والخرف، والشفة المشقوقة. كما يمكن أن يمثل مشكلة للأشخاص الذين يعانون من التصلب المتعدد، أو الذين يخضعون للعلاج الكيميائي، أو أولئك الذين استخدموا مؤخراً أنبوب تغذية وريدي، أو تم وضعهم على جهاز التنفس الصناعي. ورغم أن البعض يتغلب على مشكلة عسر البلع، إلا أن البعض الآخر، لا يحالفه الحظ في ذلك. ويضطر الكثيرون إلى قضاء معظم حياتهم وهم يتناولون وجبات "إنشور" و"بووست"، على أمل أن تتحسن حياتهم يوماً ما، ويصلوا إلى مرحلة تناول التفاح المهروس أو ما يُعرف بصلصة التفاح. ونادراً ما تختلف نكهات مشروبات المكملات الغذائية عن المذاقات الشائعة في الآيس كريم، كما لا تلبي كل الخيارات المتاحة الاحتياجات الغذائية لمعظم الناس.

مشكلة مسكوت عنها

تقول ريفا باريوال، أخصائية تركيبات الأسنان، والمتخصصة في ترميم أو استبدال الأسنان أو أجزاء أخرى من الفم: "هذه مشكلة مسكوت عنها.. نحن بحاجة إلى إجراء نقلة نوعية في كيفية تعاملنا مع تغذية الأشخاص ذوي الإعاقة".

منذ ولادتها، عانت باريوال من مشكلات عويصة في الفك، والتي تطلبت منها الخضوع لسنوات من العلاج الطبي القاسي الذي تركها تعاني من آلام مزمنة في الفك. وقد أمضت أخصائية تركيبات الأسنان فترات طويلة خلال السنوات الست الماضية، وهي تحاول تطوير نوع جديد تماماً من الطعام، مخصص للأشخاص الذين لا يستطيعون تناول الطعام بطريقة طبيعية. وبدأت التجارب في مطبخ منزلها في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون، وكانت تدوّن الملاحظات في المؤتمرات ومجموعات الدعم، ثم عملت على منتجاتها من خلال دراسات السلامة والتجارب السريرية.

أدت جهود باريوال تلك، إلى ابتكار ما يُعرف بـ"دكتور ريفاس سافوريس" (Dr. Reva’s Savorease)، وهي رقائق صغيرة ولذيذة تتسم بأنها صلبة بما يكفي لتغميسها في الصلصات المختلفة، لكنها مصممة لتذوب تماماً في الفم، حتى من دون مساعدة الأسنان، أو قيام اللسان بوظيفته الطبيعية، أو حتى من دون مساعدة اللعاب. وتأتي هذه الرقائق بنكهات عديدة تباع عبر الإنترنت، مقابل دولارين إلى 4 دولارات لكل كيس يحتوي على حوالي 25 رقاقة من البسكويت، كما إنها متاحة من خلال شركتها التي تسمى "تايست فور لايف"(Taste For Life)، علماً أن معظم المبيعات الأولية من هذه الرقائق تم تسجيلها خلال فترة جائحة كورونا.

الطبيبة الطاهية

إلى جانب طب الأسنان، حصلت باريوال على تدريب رسمي كطاهية فرنسية، واستخدمت أدوات كل من المهنتين لجعل منتجاتها "ذاتية الهرس" لذيذة قدر الإمكان. وتميل رسائل العملاء عبر البريد الإلكتروني إلى التعبير عن الامتنان الشديد، حيث كتبت إحدى العميلات التي عرفت نفسها باسم "كارين" من ولاية جورجيا، أنها كانت تعيش في الغالب على الأطعمة المهروسة والعصائر الممزوجة مع الثلج المجروش. وقالت: "أريد أن أشكرك بشدة على تقديم هذا الابتكار للمرضى مثلي". كما كتبت زبونة أخرى تحصل على معظم غذائها من خلال أنبوب التغذية: "يا له من منتج ممتاز".

تقول باريوال إن العلم المستخدم في اختراع البسكويت خاصتها، يمكن تسخيره أيضاً في صنع أنواع أخرى من المنتجات "اختيارية المضغ"، كرقائق التورتيلا، أو الفشار، أو توست القرفة. لكن قبل أن تتمكن من التفكير في توسيع خط إنتاجها، فهي بحاجة إلى ترقية مكانة منتج "سافوريس" أولاً، وعلى الأرجح، الحصول على قدر كبير من الأموال أيضاً.

ولدت باريوال في ولاية البنجاب في الهند، ونشأت في أوتاوا بكندا في السبعينيات. كانت والدتها خبيرة اقتصادية في وزارة الزراعة الكندية، وكان والدها محاسباً حكومياً ثم انتقل إلى العمل في صندوق النقد الدولي. عندما كانت طفلة، عانت باريوال من عدم تطور أحد جوانب فكها بشكل صحيح، وهو ما خمّن الأطباء أنه ناتج عن إتلاف ملقط الجراحة له أثناء ولادتها. مع بلوغها سن السابعة، كانت العواقب واضحة. فعلى جانبها الأيمن، كانت لديها مساحة بحجم حبة الجوز بين أسنانها العلوية والسفلية، وكان لسانها ينزلق عبر هذه الفجوة. وجد والداها متخصصاً في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، وبدأت أوقات زياراته تحل محل الإجازات العائلية.

بداية صعبة

لكن يبدو أن العلاج الذي خضعت له باريوال عندما كانت طفلة يعود إلى القرون الوسطى، حيث قام الأخصائي بتركيب سلسلة من الأجهزة لها تسمى "بيوناتورس" (Bionators)، والتي تعمل على تمديد الفك وتحفيز النمو. وأمضت عقداً من الزمان وهي تضع تقويم أسنان وحزام الرأس، بما في ذلك المثبت العلوي والسفلي، الذي حبس لسانها في أنبوب بصلي الشكل، مما منعها من الكلام. في سن 16، خضعت باريوال لعملية جراحية في عظم الفك على الجانب الآخر، لمنحها مظهراً أكثر تناسقاً، وظلت ترتدي قالباً للوجه بأكمله، وتتنفس من خلال أنبوب لأيام عدة. وقالت: "كنت فتاة ذات بشرة بنية اللون في مدينة شديدة البياض، وكنت مشوهة، وخضعت لكميات هائلة من العلاج في السبعينيات.. لقد كانت بداية صعبة".

حتى اليوم، لا يزال مضغ بعض الأطعمة يرهق باريوال، إضافة إلى ظهور آلام الفك بشكل متكرر. لكنها تؤكد أن معاناة طفولتها كان لها الفضل في تعليمها كيفية المحافظة على تركيزها، حتى لو بدا أنها تتقدم ببطء شديد. وتقول: "لا أريد أن يكون هذا مشروعاً يثير الشفقة علي". وتضيف: "أستخدم تجربتي كشرارة ضوء؛ لإنجاز مهمتي في إنهاء المأساة الموجودة في هذا العالم".

بعد حصولها على شهادة في طب الأسنان في سن 23 عاماً، انتقلت باريوال إلى كولومبيا البريطانية، حيث جذبتها منطقة التزلج الرائعة في المقاطعة. وهناك، قضت حوالي عام في الحصول على دبلوم مدرسة الطهي أثناء ممارسة طب الأسنان العام. ثم عادت إلى المدرسة مرة أخرى في الثلاثينيات من عمرها، وحصلت على درجة الماجستير في العلوم الطبية الحيوية، بالإضافة إلى شهادة لمدة ثلاث سنوات في تركيبات الأسنان. وتصف باريوال هذا المجال بأنه "طب الأسنان الذي يشبه عمل المحقق شيرلوك هولمز"، حيث يحاول إيجاد حلول للمشكلات متعددة الطبقات، التي يعاني منها بعض الناس.

حالة مستعصية

تمت إحالة واحدة من هؤلاء المرضى، وهي ممرضة متقاعدة تُدعى جان بليك، إلى باريوال في حوالي عام 2009، بعد تلقي العلاج الكيميائي والإشعاعي لسرطان اللوزتين، والذي تسبب في سلسلة من المشكلات الأخرى لديها. ولم يتسبب العلاج في إصابة بليك بجفاف شديد في الفم فحسب، بل أصاب لسانها أيضاً بشلل من جانب واحد، ودمّر بعض جذور أسنانها، ما أدى إلى فقدان الأسنان وانهيار الفم. كل هذا جعل من الصعب جداً عليها تناول الطعام. وتقول بليك: "هل تعلم أنه عندما تشفط قطعة من الطعام ثم تسعل، يمكن وقتها أن تخرج القطعة من أنفك؟". شعرت بليك بالانزعاج وعدم الرضا أثناء تناول وجبات الطعام، وكونها طاهية شغوفة، كانت ترى بدائل الوجبات السائلة أمراً محبطاً للغاية.

درست باريوال المشكلات في فم بليك. وحددت أي الأسنان يمكن المحافظة عليها وأيها يجب خلعه؟ وكيف يمكن للفريق إعادة تكوين سطح طبقة القضم لتحسين المضغ؟ وإذا ما كان بمقدورهم تقوية اللثة؟ وقد تسبب العمل الذي قامت به باريوال في تغيير حالة فم بليك بشكل كبير، كما مكّنها من تناول المزيد من الأطعمة، رغم أن الممرضة المتقاعدة تقول إن تناول الطعام لا يزال أمراً غير سهل بالنسبة إليها.

أيضاً، طوال فترة العلاج وما بعده، كانت باريوال تركز على كيفية تأثير المشكلات على جودة حياة بليك، وذلك في ما يخص: التحديات التي تظهر عند تناول الوجبات اليومية، ونقص المتعة التي تتلقاها بليك أثناء تناول الطعام، وإحساسها بأنها بعيدة عن النمط المعتاد. وتقول باريوال: "كل المشكلات الاجتماعية التي كان علي التعامل معها بسبب فكي، جعلتني أرغب في مساعدة الأشخاص الذين يعانون من صعوبات في الشعور بأنهم غير مندمجين".

خيارات محدودة

في عيادتها المتخصصة في مجال التعويضات السنية، واصلت باريوال رؤية مرضى مثل بليك، وقرأت دراسات تظهر أن الأشخاص الذين يعانون من عسر البلع يميلون إلى الحصول على عناصر غذائية أقل من أقرانهم. ويصاب الكثير منهم بسوء التغذية بالبروتين، ما يسبب المزيد من المشكلات الصحية لهم، وتدهور جودة حياتهم بشكل عام. وبالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من صعوبات المضغ أو البلع، فإن الانتهاء من قطعة برغر مع البطاطا المقلية يمكن أن يشبه تناول طبق من لحم البقر المقدد مع صنف جانبي من ورق الكرتون المقوى. لدرجة أن بعضهم يخشى حتى من محاولة ابتلاع حبة أسبرين.

لا تزال خيارات قوائم الطعام المتاحة محدودة للغاية، كما إن المنتجات المتخصصة الأخرى -التي يتم تسويقها للأشخاص الذين يعانون من عسر البلع عبر الإنترنت - تكون عادة في حلاوة الطعم اللزج الموجود في الآيس كريم أو البودينغ، أو يتم بيعها على هيئة هريس متماسك في قوالب بحجم الأقراص المجمدة، مثل: قرص الديك الرومي، أو قرص من الفاصوليا الخضراء. وفي عام 2015، بدأت باريوال في مطبخها، بتجربة بدائل محتملة للمخفوقات السكرية والأقراص المهروسة.

بحلول نهاية عام 2016 تقريباً، كانت باريوال قد عملت في مركز ابتكار الأغذية، ومطبخ ومختبر وموقع اختبار للمستهلك، وذلك بتمويل من جامعة ولاية أوريغون، التي تقوم بتأجير الشركات الكبيرة والصغيرة لمساعدتهم على تطوير المنتجات. وساعد البعض، بما في ذلك شركة "سولت آند سترو" (Salt & Straw) التي توفر نكهات الآيس كريم، في وضع بورتلاند على خريطة عشاق الطعام. وعمل الشيف جيسون بول، مطور المنتجات بالمركز، في المطاعم الفاخرة في نيويورك وشيكاغو ولندن. وفي مختبر أوريغون، طور سمكاً مقدداً ومخللات عشب البحر، ومعكرونة كيتو و"لحوم" نباتية؛ ونكهات آيس كريم متخصصة، وعصائر مثلجة صالحة للأكل بالملعقة. هذا يعني باختصار، الكثير من الأطعمة الحديثة الراقية.

مغذ ولذيذ

شكلت فكرة باريوال تحدياً أصعب من مخلل عشب البحر المعتاد، حيث أرادت ابتكار وجبة خفيفة مع بعض القرمشة لمنح الشخص المصاب بعسر البلع فرصة للحصول على قضمة لطيفة. وكان ذوبان هذا الطعام في الفم أمراً ضرورياً لمنع الاختناق، كما يجب أن تكون الوجبة مغذية، وتتضمن البروتين والألياف والخضروات، بدلاً من الفيتامينات الاصطناعية وكتل التحلية.

يقول بول إن تحقيق هذه الأهداف كان متعلقاً بتطوير الوصفات مع استخدام علوم الغذاء على قدم المساواة. وبدأ بمكون مثير يسمى "أكوافابا" (Aquafaba). بالنسبة إلى الكثيرين منا، يعتبر الأكوافابا مجرد اسم راق للسائل الذي يتم تقطيره من علبة الفاصوليا. لكن منذ وقت ليس ببعيد، بدأ الطهاة في استغلال الماء المصفى صمغي الملمس، في خاصية معينة غير معتادة بالمكونات النباتية، وهي خفقه لصنع رغوة.

يُنسب الفضل عموماً في الإشارة إلى إمكانية استخدام رغوة الأكوافابا (في صنع حلوى المارينغ الخالية من البيض) إلى جويل روسيل، المغني الفرنسي الذي كتب في مدونته عن تجاربه في خفق ماء الفاصوليا السائل في عام 2014. اعتقد بول أن قدرة رغوة أكوافابا، جنباً إلى جنب مع خصائصها الغذائية الخالية من الألبان، تتمتع بإمكانات تتيح لها أيضاً الدخول في تصنيع منتج باريوال.

الوصفة الأساسية

بالطبع، أنت بحاجة إلى أكثر من ماء الفاصوليا المخفوقة لصنع بسكويت. وكان على بول معرفة الكيفية، التي يمكن بها تحويل الرغوة إلى وجبة خفيفة مقرمشة، بحيث يمكن تصنيعها على نطاق واسع. بالإضافة إلى ذلك، أرادت باريوال زيادة البروتين والنكهة. أيضاً، يمكن للمكونات المضافة أن تثقل الرغوة وتحولها إلى قطع قاسية. وسيتعين على بول حل هذه المشكلة أيضاً.

أثناء إجراء بول للتجارب هو وفريقه، قاموا بدعوة مرضى عسر البلع وأخصائيي علاج البلع وأخصائيي تغذية، وطبيب شيخوخة إلى المختبر؛ للتأكد من أنهم لا يتجاهلون أي احتياجات. وظلت هذه المجموعة من المتطوعين الموثوق في تفكيرهم تجتمع كل شهر لمدة عامين.

بعد إضافة منتجات أخرى، توصل بول وزملاؤه إلى الصيغة الصحيحة بعد بضع عشرات من المحاولات. ويقول إنه "للتوصل إلى منتج (دكتور ريفاس سافوريس)، اضطررنا إلى تجربة مئات الوصفات". ووصل الفريق إلى الوصفة الأساسية في عام 2018، واستقر على الصيغة الحالية بعد عام.

لإنتاج البسكويت، يتم توزيع دوائر صغيرة من الرغوة على صواني، ثم يتم تسخينها في مجفف لإزالة الماء وجعلها مقرمشة. هذا المفهوم مشابه لوصفة تحضير المارينغ التقليدي، الذي يشكل بياض البيض القاعدة المخفوقة فيه، ويساعد السكر على استقرار الرغوة. وجرب فريق بول قائمة طويلة من المثبتات الطبيعية قبل العثور على المكونات السحرية، والتي لن تكشف عنها باريوال، حيث لم تحصل على براءة الاختراع بعد.

اختبار "سافوريس"

تشكل العينات المجانية الخطوة الأولى التقليدية للترويج للمنتجات الغذائية الجديدة، لا سيما تلك التي لا تتمتع بقوة تسويقية كبيرة. وتم تقديم "سافوريس" رسمياً في مؤتمر الجمعية الأمريكية لعلاج النطق والكلام والسمع في أورلاندو، والذي أقيم في شهر نوفمبر 2019، حيث تجمع معالجو مشكلات البلع على طاولة عينات منتج باريوال، وهم يطرحون الأسئلة، وكانوا يشعرون بدهشة كبيرة. فبالنسبة إليهم، لم يكن "سافوريس" مجرد وجبة خفيفة لذيذة، بل بمقدوره أن يكون أداة علاجية لمساعدة المرضى على تعلم أو إعادة تعلم المضغ، دون التعرض للمخاطر الكامنة في الأطعمة الصلبة التقليدية.

يأتي "سافوريس" في أكياس مصنوعة من الرقائق المعدنية وبثلاث نكهات، هي: الجزر، والدجاج مع الخضروات، والبازلاء، مع صلصات سهلة البلع. وتقدم كل وجبة حوالي 200 سعرة حرارية - بما فيها سعرات صلصات التغميس- و 8 غرامات من البروتين. عندما تدخل قطعة البسكويت في الفم، يكون هناك طعم خفيف ومقرمش مع لمسة من امتزاج الحلو مع المالح والحامض (نكهة الأومامي) قبل أن تتحول إلى قطعة مهروسة ويتم بلعها سريعاً. إنه إحساس مذهل وغريب ومثير إلى حد ما.

بعد اختبار المنتج من أسرة "بلومبرغ بيزنس ويك"، التي لا يوجد بين أفرادها مرضى عسر البلع، كان الحكم عليه بأن النكهات جيدة، لكنها لن تحل محل رقائق "كاتيل شيبس" (Kettle Chips) في أي وقت قريب. ويتذوق الأشخاص الذين يعانون من عسر البلع أو انخفاض اللعاب الأطعمة بشكل مختلف، واعتمد فريق بول على مرضى باريوال لإرشادهم. لكن على الأقل يمكن لشخص يعاني من عسر البلع أن يحضر إلى حفلة ومعه كيس من "سافوريس" لمشاركته، بينما لا يستطيع إحضار ست عبوات من "إنشور" على سبيل المثال.

عمل بلا توقف

بعد إطلاق المنتج، خططت باريوال لمواصلة أخذ العينات في مستشفيات أوريغون ودور رعاية المسنين. وتمكنت من توزيع بضع مئات من العبوات قبل انتشار وباء كوفيد. ومنذ ذلك الحين، كانت تعمل بلا توقف، عبر برنامج "زووم" بشكل أساسي، حيث تقيم مؤتمرات الفيديو مع مجموعات الدعم للأشخاص المصابين بالسرطان، ومرضى باركنسون، ومن يعانون من مرض التصلب الجانبي الضموري (Lou Gehrig). وترسل باريوال البسكويت للمشاركين مقدماً، وكثير منهم يشتري المنتج لاحقاً من خلال موقعها على الإنترنت، والذي يحمل اسم "سافوريس دوت كوم" (savorease.com)، كما أمضت أيضاً الكثير من الوقت وهي تقوم بتعليم أطباء الأسنان وأطباء الشيخوخة وأخصائيي التغذية وغيرهم ممن يعملون مع مرضى عسر البلع، وتحدثت إلى مجموعات مهنية في ستانفورد، والمؤسسة الوطنية الأمريكية لاضطرابات البلع، وشبكة "نورثويل هيلث" (Northwell Health)، وغيرها الكثير. ويعتمد العمل في معظم الأوقات عليها هي فقط، مع حفنة من العاملين بدوام جزئي، بالإضافة إلى الإرشادات التي يقدمها بول من حين إلى آخر حول التعديلات البسيطة على التركيبة، أو النكهات الجديدة. ويتم إنتاج رقائق البطاطس في منشأة تصنيع محلية.

إجمالاً، حسبما تؤكد باريوال، باعت حوالي 10 آلاف عبوة من البسكويت، وكان معظمها للمستهلكين الأفراد أو المتخصصين في الرعاية الصحية. وتراهن على اجتذاب اهتمام أكبر من المستشفيات الخاصة، ومراكز التمريض المتخصصة، والمرافق الأخرى، حيث يتعرف المزيد من محترفي الصناعة على المنتجات. ووصلت باريوال ببسكويت "دكتور ريفاس سافوريس" إلى هذه النقطة بعد تلقي منحة تبلغ حوالي 250 ألف دولار، تم الحصول عليها من خلال المنح ومدخراتها الخاصة، إضافة إلى دعم الأسرة. (حصلت باريوال أيضاً على بعض تخفيضات الأسعار من البائعين المتعاطفين)، وتلقت كذلك بعض المساعدة من المستثمرين، لكن الفكرة مازالت جديدة جداً لدرجة الصعوبة، كما إن اضطرابات البلع ليست جذابة للغاية. ولا تعد فكرة منتجها مثيرة إطلاقاً، مقارنة بلحم البقر المزيف الذي ينزف، على سبيل المثال، والذي اجتذب مليار دولار من رأس المال.

يقول بول عن الطريقة التي يتم بها تطوير الأطعمة: "يصنع الجميع هذه الأشياء فائقة الروعة لجيل الألفية. وأعتقد بأنه يتعين علينا التعامل مع تطوير المنتجات للسكان المهمشين بالعزيمة ذاتها".

البحث عن تمويل

تقوم باريوال بتحسين عرض التمويل الخاص بها. وفي إحدى المحادثات الأخيرة مع مستثمر محتمل، والذي حثها على صنع شيء مثل فشار "سمارت فود"، روت له قصة حقيقية سمعتها للتو، وهي أن أحد المعالجين لصعوبات البلع أخبرها أن "سافوريس" كان يساعد المرضى الذين استخدموا مؤخراً أجهزة التنفس الصناعي على إعادة تطوير قدراتهم على الأكل بسرعة أكبر. وهذا يمكن أن يساعد في تقصير مدة الإقامة في المستشفيات. وأضافت: "لقد ابتهج بالقصة". ورغم أنهم لم يبرموا صفقة، لكنه كان منفتحاً على الإمكانات المستقبلية. وتقدر باريوال أنها ستحتاج إلى 1.2 مليون دولار لتوسيع نطاق التوزيع، وتوظيف مندوبي مبيعات لنشر "سافوريس" في مزيد من الأماكن. وتقول: "لم تكن هناك قوة جذب واسعة النطاق حتى الآن.. نحن نعرض منتجاً فريداً وهناك حاجة إليه".

تختبر باريوال أيضاً طرقاً جديدة للترويج لـ"سافوريس". ففي البداية، كانت ترى أن المنتج فقط عبارة عن وجبة خفيفة آمنة ولذيذة ومغذية للأشخاص الذين قد لا يأكلون بشكل طبيعي مرة أخرى. لكن أخصائيي أمراض النطق واللغة، أظهروا لها كيف يمكن استخدامه لمساعدة الأشخاص على استعادة بعض القدرات التي فقدوها، ومساعدتهم على الانتقال من المأكولات المهروسة إلى الأطعمة المفرومة على أمل استعادة قدرتهم على تناول الأطعمة بشكل طبيعي، والتي كانوا يفضلونها قديماً. والآن يظهرون أيضاً كيف يمكن لهذا المنتج أن يقدّم المساعدة، للأطفال الذين لم يأكلوا طعاماً صلباً من قبل.

أمل جديد للأطفال

تقول ميشيل داوسون، أخصائية أمراض النطق واللغة المتخصصة في اضطرابات تغذية الأطفال، إن "سافوريس" أثبت بالفعل أنه نقطة انطلاق مهمة للأطفال الذين يعانون من أجل تطوير قوة المضغ والقدرة على البلع لديهم. وتضيف داوسون: "إنها تغير حياة بعض الأطفال حرفياً". وتذكرت حالة فتاة تبلغ من العمر 4 سنوات استخدمت البسكويت حتى يساعدها في التخلص من أنبوب التغذية، وباتت تأكل الآن البيض والخبز المحمص مع والديها.

أيضاً، أوصت داوسون بالمنتج لإيرين فوروارد، وهي زميلة في علم أمراض النطق واللغة تقول إنها أمضت شهوراً وهي تكافح لمساعدة الطفل آشر وايت - البالغ من العمر عامين والمصاب بمتلازمة داون - حتى يتعلم كيفية المضغ. وتقول باربرا، والدة الصبي، إن طعام الأطفال هو الشيء الوحيد الذي كان بمقدور طفلها أن يأكله بأمان إلى أن قدّمت له فورورد بسكويت "سافوريس". وبالفعل وصل آشر إليه، والتقطه بأصابعه الصغيرة، ووضعه في فمه، وبدأ في مضغه. وعندما شاهدته باربرا وهو يقوم بكل ذلك بمفرده للمرة الأولى، أجهشت بالبكاء وقالت: "لم أستطع التحكم في مشاعري". ثم سألت من أين يمكنها شراء المزيد؟