ريشي سوناك، وزير الخزانة البريطانية، في طريقة لإلقاء بيان الميزانية أمام مجلس العموم يوم الأربعاء 3 مارس 2021 المصدر: بلومبرغ

أعلنت بريطانيا عن تخصيص مزيد من الأموال لعلاج آثار وباء كورونا ضمن ميزانيتها الجديدة التي أعلنتها الأربعاء الماضي.

وبفضل نجاح برنامج التطعيم البريطاني، فإنه يمكن لوزير الخزانة، ريشي سوناك، أن يبدأ في التخطيط لمرحلة ما بعد الوباء، فعلى الأقل، تبدو الصورة أكثر تفاؤلاً بالنسبة لبريطانيا على المدى القصير.

ويبدو أن سوناك قد قرر أنه من السابق لأوانه التركيز على إصلاح المالية العامة للبلاد على حساب الإعانة من الوباء.

ودخلت بريطانيا في الأسبوع السابع من الإغلاق الثالث على مستوى الدولة، وبينما يعود الأطفال إلى المدرسة الأسبوع المقبل، سيتعين على البلاد الانتظار حتى 21 يونيو لإعادة فتحها كاملاً.

وتنفد السيولة النقدية حالياً في العديد من الشركات، خصوصاً في قطاعي الضيافة والبيع بالتجزئة، ما يثير التساؤل حول استمراريتها.

وقدم سوناك 44 مليار جنيه إسترليني (61 مليار دولار) إضافية لدعم الاقتصاد على المدى القريب، ما رفع العجز الحكومي المتوقع في 2021-2022 إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 17% العام الماضي.

كما تم تمديد برنامج الإجازات في بريطانيا، وهو من بين أكثر البرامج سخاءً في العالم، حتى شهر يونيو. وأعطيت الشركات أيضاً مزيداً من الإعفاءات الضريبية المؤقتة، فضلاً عن المنح والمساعدات للعاملين ذوي المهن الحرة، وتمديد الزيادة المؤقتة لمدفوعات البطالة.

اللقاح أساسي لدعم الاقتصاد

ومع ذلك فإن مواصلة التطعيم باللقاح، وليس تحرير الشيكات الحكومية، هو الباعث الحقيقي على التفاؤل.

وأعطت بريطانيا، التي يبلغ عدد سكانها 67 مليون نسمة، أكثر من 20 مليون جرعة لقاح، وهي واحدة من أعلى معدلات التطعيم في أي مكان، وهي أكبر أيضاً من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا مجتمعة.

وفي كثير من أنحاء أوروبا، أعاق بطء الموافقات، والسياسات غير المسؤولة، والتأخر في التوزيع برامج إعطاء اللقاحات.

لا شئ يمكن أن يجعلنا ننسى العدد الهائل من الوفيات الناجمة عن الوباء في بريطانيا، ولا أخطاء كورونا العديدة في العام الماضي، إلا أن جهود إعطاء التطعيمات تُظهر سيناريو اقتصادي أكثر اعتدالاً.

ويقول المكتب المسؤول عن الميزانية في بريطانيا، إن التوسع السريع في إعطاء إبر اللقاحات يعني أن الإنتاج سيعود إلى مستويات ما قبل الوباء بحلول منتصف عام 2022، أي قبل ستة شهور مما كان متوقعاً في نوفمبر.

وسيؤدي هذا إلى تأثيرات غير مباشرة على كافة الأصعدة، فهو يعني أن الاقتراض الحكومي سيقل، وسينخفض أيضاً فقدان الوظائف.

ويتوقع مكتب الميزانية العمومية أن تصل البطالة إلى ذروتها عند 6.5%، وهي نسبة تقل بكثير عما كان متوقعاً في العام الماضي، فيما تبلغ النسبة 5% حالياً.

لا زيادة في الضرائب

وتمسك سوناك بحكمةٍ بوعد حزب المحافظين الانتخابي الخاص بعدم رفع ضرائب الدخل، أو التأمين الوطني، وهي ضريبة الضمان الاجتماعي البريطانية، أو ضريبة القيمة المضافة. فهذا ليس الوقت المناسب لتخفيض الإنفاق، ولا تستطيع بريطانيا فرض ضرائب خلال سيرها في طريق النمو.

وتنطبق القفزة في ضرائب الشركات من 19 إلى 25% فقط على الشركات التي تزيد أرباحها على 250 ألف جنيه إسترليني، ولن يتم تقديمها حتى عام 2023. ومع ذلك، لن يتناسب هذا مع مبدأ السوق الحر التقليدي الذي يتبعه حزب المحافظين.

ويجادل سوناك بأنه سيظل لدى بريطانيا معدل ضرائب منخفض نسبياً على الأعمال، ومع ذلك، سيكون إجمالي العبء الضريبي في بريطانيا بحلول عام 2025 هو الأعلى منذ تولي روي جينكينز من حزب العمال، منصب وزير المالية في الستينيات، وفقاً لمكتب الميزانية العمومية.

وتعويضاً للشركات عن اقتناص ضرائبهم في المستقبل، وضع سوناك خطة خصم جديد لمدة عامين، ستتيح للشركات خفض فواتيرهم الضريبية بما يصل إلى 25 بنساً عن كل جنيه يستثمرونه.

صيف صاخب في بريطانيا

ووصف آندي هالدين، كبير الاقتصاديين في "بنك أوف إنغلاند" Bank of England، مؤخراً الاقتصاد البريطاني بـ"الربيع المغلّف".

وارتفعت نسبة مدخرات الأسر، كنسبة من الدخل المتاح، بشكل كبير إلى %26.5 في الربع الثاني من العام الماضي، وهي أعلى نسبة مسجلة. ولا تزال نسبتها مرتفعة ولا تزال تتواجد معظم هذه المدخرات في حسابات الودائع.

هذا يبشر بالخير لأولئك الذين يتوقعون انفجاراً استهلاكياً في الربيع والصيف في مرحلة ما بعد الإغلاق.

ولكن ماذا سيحدث بعد انطلاق موسم الربيع، وتناولنا جميعاً للوجبات في المطاعم، وشرائنا للملابس الجديدة وقضاء عطلاتنا؟

إن تحويل الإقبال في موسم الصيف إلى انتعاش دائم سوف يتطلب أكثر من إعطاء إعانات الوباء التي سيقدمها سوناك، خصوصاً في ظل استيعاب الآثار التجارية المترتبة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ومن المتوقع أن يترك الوباء اقتصاد بريطانيا بنسبة أصغر عند 3% في غضون خمس سنوات، وهذه نسبة تقل عما كان يمكن أن يكون عليه.

وقد يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى خفض اقتصادها بنسبة 4% مقارنة بما كان يمكن أن يكون على مدى مدة أطول.

سوف يتطلب الأمر سحراً حقيقياً لتحقيق الازدهار في هذا السيناريو متوسط​ ​المدى، وهذا هو التحدي الذي يواجه سوناك، ورئيس الوزراء بوريس جونسون.

ولن يكون من السهل إيقاف الإنفاق مع تعهد جونسون "برفع مستوى" المناطق الأكثر فقراً في بريطانيا، واستهداف انبعاثات كربونية صافية صفرية بحلول عام 2025.

يبقى الأمل في أن تحفز هذه المشاريع الكبيرة الاقتصاد، ولكن أي إنفاق سخي لن يحظى بقبولٍ مريح لدى أتباع حزب المحافظين المخلصين.

وبينما أعلن سوناك عن إنشاء بنك جديد للبنية التحتية ومقره "ليدز"، من أجل المساعدة في جهود إعادة التوازن، إلا أن العثور على مشاريع جاهزة للبناء لن يكون سهلاً على الإطلاق.

كما أعلن عن ثماني مناطق حرة، أي مناطق اقتصادية خاصة يستورد فيها المصنعون بضائع معفاة من الرسوم الجمركية. وتوفر الموانئ الحرة بمفردها فقط حوافز اقتصادية متواضعة، إلا أن سوناك يأمل في أن تجعل الإعفاءات الضريبية والإعفاءات التنظيمية تلك الأماكن جذابة للاستثمار، وبالتالي تقوم بتجديد حيوية المناطق المحرومة.

صفر كربون

وبالنسبة إلى تحقيق معدل الكربون لمستوى الصفر، أعلن سوناك عن أول سندات خضراء في بريطانيا، رغم أنه لا يزال من غير الواضح كيف ستقوم بريطانيا بالعثور على 50 مليار جنيه إسترليني أو نحو ذلك من الاستثمار الأخضر السنوي؟ الذي قدّرت لجنة تغير المناخ في البلاد احتياجه خلال الثلاثين سنة القادمة.

وللحكومة مطالب إنفاق كبيرة أخرى أيضاً، فلدى بريطانيا هيئة الخدمات الصحية الوطنية التي تحتاج بنهم إلى الاستثمار العام، كما وُعدت الرعاية الاجتماعية للمسنين وذوي الحالات المزمنة بتقديم التمويل المناسب لها.

ومع ذلك، فإن الزيادات الضريبية الجديدة على الشركات، والاقتراض الحكومي المرتفع، ومبيعات السندات المخطط لها بقيمة 295 مليار جنيه إسترليني في السنة المالية المقبلة، تشير إلى طموح هذه الحكومة.

اعتاد المحافظون مثل سوناك على الاعتقاد بأن وجود حكومة كبيرة يحد من فعاليتها ويحد من حرية الناس. ولكن الرهان الحالي في هذه الأيام يركز على كيفية زيادة الاستثمار وتوليد النمو في ظل الإنفاق الحكومي الهائل والتغيير التنظيمي، إلى جانب بعض الزيادات الضريبية. قد يرى المغرضون أيضاً أنه مشروع لحزب العمل.

ووعدت حكومات أخرى بإنجازات مماثلة ولكنها أتت بنتائج مخيبة للآمال. فالكثير يعتمد على إثبات فعالية البرامج الجديدة للتدريب والتعليم والتدريب المهني، وأيضاً على مدى قدرة الاقتصاد البريطاني على جذب المستثمرين بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، من الجيد أن نشهد تحدياً للإجراءات التقليدية القديمة. لقد زاد وباء كورونا والبريكست من صعوبة تحقيق أهداف جونسون الإصلاحية المزدوجة، والمتمثلة في رفع مستوى الانبعاثات وصافي انبعاثاتها، لكنها وفرت أيضاً الذريعة للقيام بالأشياء بشكل مختلف.