كيف يفسر "الفيليبستر"؟

العلم الأمريكي يرفرف، وفي الخلفية تظهر قبة مبنى الكابيتول مقر الكونغرس في واشنطن. الولايات المتحدة
العلم الأمريكي يرفرف، وفي الخلفية تظهر قبة مبنى الكابيتول مقر الكونغرس في واشنطن. الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في حين تركِّز الأسواق على قرارات الفيدرالي للسوق المفتوحة في مارس، حدث تطور في غاية الأهمية للمستثمرين الذين يتطلَّعون إلى المستقبل في البيت الأبيض، وفي الكابيتول هيل، إذ أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن وأعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين المعتدلين عن دعمهم لإنهاء أو على الأقل تغيير قواعد المماطلة، المعروفة باسم "الفيلوبستر" (Filibuster) في الكونغرس الأمريكي.

أصل الكلمة

أصول الكلمة هي خليط من الفرنسية والهولندية، وتعني المعطَّل والمماطلة، وهو مصطلح غير رسمي يشير إلى أيِّ محاولة لمنع أو تأخير إجراء مجلس شيوخ، أو برلمان في أيِّ بلد كان يريد مناقشة وطرح تشريعات، أو قوانين بشأن مشروع، أو مسألة أخرى من خلال مناقشتها مطوَّلاً، أو من خلال تقديم العديد من الاقتراحات الإجرائية، أو من خلال أي إجراءات تأخير، أو إعاقة أخرى.

كان مفهوم التعطيل موجوداً منذ العصور الرومانية القديمة. ولم يحدد مجلس الشيوخ الروماني المدَّة التي يمكن لأعضائها التحدُّث بها - وهي حقيقة يعتقد المؤرخون أنَّها استُغلت لأوَّل مرة منذ 60 عاماً قبل الميلاد.

وقام كاتو الأصغر في نقاش حول العقود مع جامعي الضرائب من القطاع الخاص، فقد استخدم كاتو أيضاً أداة التعطيل لإحباط أجندة عدوِّه السياسي يوليوس قيصر.

"المماطلة" في الولايات المتحدة

المعلومات المتوفِّرة حول بداية قانون التعطيل ليست كافية، لكن في عام 1789 حصلت حادثة حين شجب عضو مجلس الشيوخ عن ولاية بنسلفانيا ويليام ماكلاي محاولة أعضاء مجلس الشيوخ للولايات الجنوبية تأجيل إجراء التصويت لجعل فيلادلفيا عاصمة للولايات المتحدة. وليس من الواضح كيفية تطبيقهم للقاعدة في ذلك الوقت، لكن يتضح من السجلات أنَّ القاعدة كانت تسمح للأغلبية البسيطة في مجلس الشيوخ أو النواب بسحب مناقشة مشروع أو تأجيله، ويفهم اليوم على أنَّه منع حزب الأقلية من تجاوز الأغلبية.

تواجه الإدارة الأمريكية الحالية، ونوابها من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأمريكي، تحديات وعقبات أمام تنفيذ أجندتها، وخاصة تلك المتعلِّقة بالشقِّ الاقتصادي في ظلِّ مجلس شيوخ ينقسم مناصفة بينهم وبين الجمهوريين بنسبة 50 إلى 50. ويبرز هنا موضوع مهم للغاية، نحن في "الشرق" نتطرق له، ونسلِّط الضوء عليه كأوَّل وسيلة إخبارية بالعربية.

آلية تعطيل القوانين الحالية

ما هو "التعطيل"؟ يمنع المماطلة والتعطيل في التقدُّم في التشريع ما لم توافق الأغلبية العظمى (60 من أصل 100) من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي على المضي قدماً. في مناقشه مسوَّدات التشريعات والقوانين. ومن الناحية التاريخية، ساعدت القاعدة في ضمان وجود نبرة وسطية للتشريع في مجلس الشيوخ الأمريكي. وفي الآونة الأخيرة، توقَّف نشاطها.

ماهي أهمية التعطيل؟

هناك الآن الكثير من المتابعة، والتركيز، والاهتمام من قبل المستثمرين لما له من أهمية وآثار مستقبلية في حال تمَّ نجاح وإقرار القوانين من دون وجود عوائق، مع الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ. ولكن لن ينجح صوت كاميلا هاريس نائب الرئيس في كسر قاعدة المماطلة، لأنَّ قدرة البيت الأبيض على سنِّ تشريعات مهمة يتضمَّن دعماً من 10 جمهوريين على الأقل، فالقانون سيتطلَّب أغلبية 60 صوتاً للإدلاء بالتصويت، وللمضي قدماً في التشريع.

وبرغم أنَّ الديمقراطيين نجحوا في الالتفاف على قانون التعطيل في تمرير تسوية الميزانية مع عدم تصويت الجمهوريين عليه، إلا أنَّ مقترحات مثل الإنفاق على البنية التحتية، لن تكون مؤهَّلة بموجب قواعد تسوية الميزانية.

وسيواجه الديمقراطيون عقبات عدَّة إذا أرادوا إلغاء أو على الأقل تغيير قاعدة المماطلة في مجلس الشيوخ، فالسماح بالمماطلة لأحد أعضاء مجلس الشيوخ بوقف اتخاذ إجراء بشأن مشروع قد تمَّ تصميمه لحماية حقوق حزب الأقلية، ولإجبار المشرِّعين على تقديم تنازلات.

وكانت المماطلة ممارسة نادراً ما تستخدم إلا في السابق، ولكن يتمُّ استخدامها الآن بانتظام. وعلى سبيل المثال المماطلة في الجلسة الكاملة الأخيرة للكونغرس، في عامي 2019، و2020، كان هناك 298 صوتاً للتعطيل، وفي الجلسة التي سبقتها بعشرين عاماً، كان هناك 58حالة تعطيل فقط مما يدل على انقسام حاد بين الحزبين، ويرفع سقف المساومات لتمرير التشريعات.

إنَّ تحديث وزيادة الإنفاق على البنية التحتية المرتقبة لبايدن، التي بموجبها ستخصص الولايات المتحدة حوالي 3 تريليون دولار لتحديث شبكات طرق سريعة، وسكك حديدية، وإصلاح قطاع الطاقة، وتطوير الإسكان، وتعزيز استخدام المركبات، والسيارات الكهربائية، وما تحمله من جوانب إيجابية صديقة للبيئة، واستهداف العام 2035 لإنتاج طاقة خالية من الكربون على مستوى البلاد، سيؤدي لخلق الكثير من فرص العمل، والوظائف الخضراء للأمريكيين. وهنا ستظهر قدرة الرئيس بايدن وفريقه الديمقراطي في إمكانية إحداث التغيير، وإنهاء قاعدة التعطيل في مجلس الشيوخ، ولكنَّها مهمة مستحيلة، ولكن في حال حدوثها ستقدِّم الكثير من الزخم والقوة لإزالة الحواجز في طريق تنفيذ الكثير من الوعود الانتخابية للرئيس الأمريكي، لتبصر النور مع إقرار القوانين المناسبة من دون عوائق أو عراقيل.

ومن المحتمل أيضاً أن تؤدي الإزالة الناجحة للمماطلة إلى ترك السياسة المالية الأمريكية غير مثقلة سياسياً، وكذلك تشجِّع الاحتياطي الفيدرالي على تسليم قيادة مبادرات الدعم الاقتصادي بشكل كامل إلى السلطات المالية الأمريكية، والتحرُّك نحو أهداف سياسة أكثر حيادية بدلاً من التيسير المفرط منذ بداية الوباء الذي قد يؤدي الى المزيد من التضخم، في حال بقيت الفوائد متدنية كما هي الآن، وارتفاع العوائد، وانخفاض قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى؛ سننتظر ونترقَّب.