تسينغشان.. ملك النيكل يراهن على مستقبل أخضر في صناعة البطاريات

تسينغشان ملك النيكل يراهن على مستقبل أخضر في صناعة البطاريات
تسينغشان ملك النيكل يراهن على مستقبل أخضر في صناعة البطاريات المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

اتخذت شركة "تسينغشان هولدينغز" (Tsingshan Holding Group) العديد من الخطوات الجريئة التي تؤهلها لتصبح أكبر منتج للنيكل في العالم، لكن خطتها الجديدة لتزويد شركات صناعة السيارات بالمعدن النظيف والرخيص يمكن أن تكون أكبر إنجازاتها حتى الآن.

وصدمت الشركة الصينية سوق النيكل مرتين في شهر مارس من خلال استهداف تحديين كبيرين بالنسبة لصانعي السيارات الكهربائية وبطارياتها، وتمثل التحدي الأول في الحصول على ما يكفي من النيكل، والثاني في ضمان توصيله بطريقة ملائمة للمناخ.

وكان إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لصانع السيارات الكهربائية "تسلا"، أعرب عن قلقه تجاه النيكل في وقت يتطلع فيه إلى زيادة إنتاج خلايا البطارية، كما أنه وعد عمال المناجم بعقود ضخمة خلال العام الماضي كي يحثهم على الإنتاج، حيث إنه بدون مصادر جديدة للإمداد، قد تواجه صناعة السيارات الكهربائية القوية نقصاً حاداً في غضون بضعة أعوام.

وقال مايكل ويدمر، رئيس أبحاث المعادن النفيسة لدى بنك أوف أمريكا ميريل لينش: "لديك سوق سينمو حجمه بشكل كبير، لكنك لا تريد أن تمنع النمو عن طريق نقص المواد المغذية". وأضاف: "ما نراه هو أن تسينغشان تحاول حل المشكلات المتعلقة بالنيكل".

وقد يبدو التعاون مع "تسينغشان" خياراً واضحاً بالنسبة لـ "تسلا" وغيرها من المنافسين، لكنهم لا يبحثون عن النيكل الوفير بشكل رخيص فقط، بل يريدونه صديقاً للبيئة أيضاً. وتعتبر صناعة النيكل صناعة "قذرة"، وكان صعود "تسينغشان" مدفوعاً بشكل كبير بتطويرها لعملية إنتاج منخفضة التكلفة وكثيفة الكربون أيضاً.

التزامات بيئية

ويوضح تعهد "تسينغشان" بأن تكون الشركة "أكثر اخضراراً"، إلى حد كبير، كيف تجبر مكافحة تغير المناخ المنتجين ذوي السجلات البيئية الرديئة على إيجاد حلول جديدة للعملاء المميزين. وتشير القوة المالية وتاريخ الابتكار لـ "تسينغشان" إلى إمكانية بروزها كمورد رئيسي للنيكل الصديق للبيئة في غضون بضعة أعوام.

وقالت الشركة في بيان إن: "تسينغشان تدعم وتعزز الحفاظ على الطاقة وخفض الانبعاثات وتدعم أيضاً بيئة ذات بصمة كربونية منخفضة". وأضافت: "الطاقة النظيفة المنتجة ستستخدم بشكل أساسي في إنتاج المواد الخام اللازمة لبطاريات السيارات الكهربائية".

وتستفيد تسينغشان أيضاً من الدعم الحكومي القوي في إندونيسيا بعد المساعدة في تحويل الأرخبيل إلى معقل لإنتاج النيكل والفولاذ المقاوم للصدأ. والآن، يجذب المسؤولون هناك استثمارات من "تسلا" وشركات رئيسية أخرى عاملة في صناعة البطاريات للتأكد من أنها تلعب دوراً حاسماً مماثلاً في ثورة السيارات الكهربائية.

والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كان محور أعمال "تسينغشان" سيكون صديقاً للبيئة بما يكفي لفتح المجال أمام الاستثمار وحل النقص الوشيك في إمدادات "تسلا". ولم تستجب "تسلا" على الفور لطلب التعليق على الأمر.

تطور كبير

ويأتي إعلان "تسينغشان" هذا الشهر على رأس قائمة التطورات التجارية والتكنولوجية التي قلبت أسواق المعادن رأساً على عقب. وتعتبر هذه الشركة مملوكة بشكل وثيق من قبل فريق مكون من الزوج شيانج غوانغدا والزوجة هي شيوكين، وحصلت على فرصة كبيرة في أواخر الثمانينيات من خلال عمل تجاري مخصص لصناعة إطارات أبواب ونوافذ السيارات في مدينة ونجو بشرق الصين.

ويُنسب إلى "تسينغشان" الفضل في استخدام زهر النيكل، وهو منتج شبه مكرر وبديل منخفض التكلفة للمعدن النقي، بشكل واسع النطاق في صنع الفولاذ المقاوم للصدأ.

بالإضافة إلى ذلك، استفادت الشركة من قرار الاستثمار في إندونيسيا خلال عقد بداية الألفية، ففي ذلك الوقت لم تكن احتياطيات البلاد من النيكل مثبتة، ما جعلها خطوة محفوفة بالمخاطر. لكن إندونيسيا أصبحت الآن المنتج الأكبر للنيكل، وتعمل "تسينغشان" على إدارة مصانع زهر النيكل ومجمع للفولاذ المقاوم للصدأ في مدينة سولاوسي.

وفي الأعوام الأخيرة، تم بناء مصانع تستخدم الأحماض لصنع النيكل الكيميائي اللازم للبطاريات، لكن مستوى التقدم المحقق في هذا الشأن كان أبطأ مما كان مخططاً له.

وفي بداية مارس، أحدثت "تسينغشان" هزة في الأسواق، بعد إعلانها أنها تخطط لصنع بطارية من المعدن باستخدام عملية بديلة، وتنقيته من المواد التي كانت مخصصة سابقاً للفولاذ المقاوم للصدأ فقط. وسجلت الأسعار لاحقاً أكبر انخفاض لها خلال عقد من الزمن، لمدة يومين، حيث وضع المستثمرون الإمدادات الإضافية في الاعتبار، لكن لا تزال هناك مخاوف فورية بشأن التأثير البيئي للعملية، التي تعتمد على كميات هائلة من توليد الطاقة بالفحم.

وقال أوليفر نوجينت، المحلل في مجموعة "سيتي غروب" عبر الهاتف من لندن: "أسئلة كبيرة مثارة حقاً حول كيفية تناسُب هذه العملية مع سلاسل توريد البطاريات العالمية. هل ستكون شركات صناعة السيارات الصينية السابقة مستعدة لشراء هذا النوع من المواد؟"

تعهدات نظيفة

وأجابت الشركة على هذه المخاوف من خلال تعهدها بتشغيل مصانعها باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية.

و من المؤكد أن بناء مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح قد يستغرق بضع أعوام، كما أن "تسينغشان" لم تحدد موعد تشغيل محطة الطاقة الكهرومائية. لذا، فإنه في الوقت الراهن، تظل طريقتها حلاً سريعاً ولكنه قذراً قد يرفضه المشترون، مثل إيلون ماسك، كما أن "تسينغشان" تخطط لبيع المنتج في الصين، التي تعرف بأنها موطن مئات من صانعي السيارات الكهربائية.

ورفضت شركة "أمبيركس تكنولوجي" (Amperex Technology)، أكبر صانع للبطاريات في الصين، التعليق على الأمر.

ولن تكون مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، في حد ذاتها، كافية لتغطية الانبعاثات الناتجة عن الإنتاج، وحتى إن كانت تشكل خطوة في الاتجاه الصحيح، حسبما قال ساسجا بيسليك، رئيس تطوير الأعمال المستدامة في بنك "ج. صفرا ساراسين" (Bank J. Safra Sarasin) في زيورخ. وأشار إلى أن مشروع الطاقة الكهرومائية سيكون أكثر تكلفة، وأكثر تحدياً من الناحيتين البيئية والاجتماعية.

ويمكن أن يؤدي الانفصام عن الفحم والتحول إلى إنتاج أكثر تعقيداً من الناحية التقنية إلى زيادة النفقات العامة للشركة، مما يضر بميزتها التنافسية، كما أن هناك تكاليف أولية يجب مراعاتها.

ويشير متوسط ​​تكاليف قدرات الطاقة المتجددة الجديدة في إندونيسيا إلى أن تكلفة بناء محطة لطاقة الرياح والطاقة الشمسية قد يصل إلى 2.9 مليار دولار، بافتراض حدوث انقسام متساوٍ في القدرة، بحسب وحدة "بلومبرغ إن إي إف (BloombergNEF).

من سيُلبي الطلب؟

وقال دانييل هاينز، كبير استراتيجيي السلع في مجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية (Australia & New Zealand Banking Group) عبر الهاتف: "هذا ليس مصدراً منخفض التكلفة للغاية للإمدادات الجديدة، وهو المكان الذي ستخشى فيه حدوث فيضان في السوق. قد تكون إندونيسيا متاحة الآن لتلبية الطلب، لكن ما الثمن؟".

ويعرف شيانج غوانغدا بحبه لخفض التكاليف، لذا قدم زهر النيكل باعتباره خياراً أرخص بشكل جذري لصنع الفولاذ المقاوم للصدأ، وإن كانت كمية الكربون الصادرة عن هذه العملية هائلة.

وأفاد تحليل أجرته "سيتي غروب" أن إنتاج طن واحد من النيكل عبر زهر النيكل من شأنه خلق حوالي 45 طنا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، في حين أن الفولاذ يصدر ما معدله 2 طن من ثاني أكسيد الكربون لكل طن من المعدن، والألمونيوم نحو 20 طنا عند استخدام الفحم.

ويمكن أن يساهم الاستثمار في مزرعة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح بقدرة تبلغ 2 غيغاواط ومحطة للطاقة الكهرومائية بقدرة 5 غيغاواط في مساعدة "تسينغشان" على خفض بصمتها الكربونية بشكل كبير.

وقال كولين هاميلتون، العضو المنتدب لأبحاث السلع الأساسية لدى "بي إم أو كابيتال ماركتس" (BMO Capital Markets)، إنه من المحتمل أن تلبي المحطتان معاً معظم احتياجات الطاقة للمجمع الصناعي الجاري تنفيذه في منطقة مورووالي الإندونيسية. ويمكن أن تثبت هذه الخطوة مدى أهميتها بالنسبة لسلسلة توريد المركبات الكهربائية.

ويأتي تحول الطاقة وسط تعهد الدول بالوصول إلى الانبعاثات الصفرية وتعهد شركات صناعة السيارات، مثل "فولكس واجن" و"بي إم دبيلو"، بالالتزام بمحايدة الكربون. وارتفعت مبيعات المركبات الكهربائية بنسبة 43% العام الماضي، وتتوقع "بلومبرغ إن إي إف" بيع 4.4 مليون مركبة هذا العام.

وفي الأعوام الأخيرة، توقفت الإمدادات الجديدة من بطاريات النيكل، حيث يواجه عمال المناجم سلسلة من الإخفاقات التجارية والتقنية، لكن إندونيسيا هي المكان الوحيد الذي تنمو فيه الإمدادات بشكل مجدي.

وأظهرت الأرقام الصادرة عن مجموعة دراسة النيكل الدولية (International Nickel Study Group) أن إنتاج العام الماضي يقدر بنحو 2.4 مليون طن. وخلال العقد المقبل، يحتاج عمال المناجم إلى زيادة الإنتاج السنوي بمقدار مليون طن لتلبية الطلب القادم من صانعي البطاريات، حسبما ذكر جيم لينون، كبير مستشاري السلع في مجموعة "ماكواري سيكيوريتيز" (Macquarie Securities) في لندن.

وقال لينون: "لم أستطع العثور على مشاريع يقدر حجمها بـ 100 ألف طن تنطلق بجدية خارج إندونيسيا، لذا إذا لم تكن إندونيسيا، فلن يكون للنيكل مكان آخر".