لماذا يشكّل "كورونا" تهديدًا كبيرًا لِدُور الأزياء الفاخرة؟

دون عروض أزياء حقيقية.. العلامات الفاخرة تحاول الصمود أمام الواقع الجديد.
دون عروض أزياء حقيقية.. العلامات الفاخرة تحاول الصمود أمام الواقع الجديد. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لطالما اهتمّت دُور الأزياء الفاخرة بالتفاعل الشخصي المباشر مع العملاء، سواء من خلال المتاجر أو عروض الأزياء. فمتابعة أحد العروض فيما تحتسي مشروبك، لا تشبه أبدًا تجربة الشراء عبر الإنترنت، إذ يظلّ الجلوس في الصفوف الأمامية لعروض الأزياء تلك يشكّل رمزًا للمكانة الاجتماعية المرموقة.

اليوم وعلى الرغم من الوباء فإنّ أسابيع الموضة التي جرت في سبتمبر في كل من لندن وميلان وباريس شملت عروض أزياء تركّز على عرض عدد كبير من الإطلالات، إذ باتت عروض هذه السنة تدلّ على مدى نجاح القطاع في إعادة ابتكار نفسه في زمن التباعد الاجتماعي، بهدف دعم منتجاته من خلال القنوات الرقمية.

قدم عرض "بربري" (Burberry Group Plc’s) في 17 سبتمبر لمحة سريعة عن التحديات المنتظرة. شارك بالمقطع الافتتاحي منه مشاهير، من ضمنهم عارضة الأزياء بيلا حديد، والفنانة إيريكا بادو، اللتان بدتا منخرطتين في مناقشة على منصة البث "تويتش" (Twitch).

ونُظِّم العرض الأساسي (دون حضور) في غابة، لعكس مزيج بين الحياة الريفية الإنجليزية والحالة الوجودية المعاصرة، إذ تبخترت عارضات الأزياء بين الأشجار، فيما قدّم فنانون أداءً خلفيًّا كئيبًا صدم بعض المشاهدين عبر الإنترنت، إذ نعتوه بـالـ"شيطاني" والـ"مريب" في التعليقات التي ظهرت بالبث المباشر.

تلخّصت محاولة المدير الإبداعي ريكاردو تيشي في إخراج العلامة البريطانية العريقة من منطقتها الآمنة المتمثلة في نقشات "بربري" الشهيرة، لوضع جهد أكبر على التفاعل مع قاعدة معجبين عبر الشاشات في منازل، إذ تأثّرت صناعة السلع الفاخرة بشكل خاصّ على نحو كبير بجائحة الوباء، فمع بقاء المتسوّقين ذوي القدرة الشرائية العالية في المنزل، أغلقت المحلات لأشهُر، وتوجّه مزيد من المستهلكين إلى المتاجر الإلكترونية التي تجنّبها عديد من العلامات الفارهة لفترة طويلة.

وتقول آن ميشو، أستاذة تسويق في كلية إدارة الأعمال، المدرسة العليا للدراسات التجارية في باريس (HEC): "إنها دُور أزياء تعرف كيف تنظّم مناسبات وعروض أزياء جميلة، وفجأةً وجدت نفسها مضطرة إلى إعادة ابتكار عملها والتحول الإلكتروني". وتابعت أنّ معظم الماركات "لديها خبرة لعقد ونصف العقد في تنظيم عروض الأزياء، ومن الواضح أنه ليس لديها ما يقارب هذه الخبرة الرائعة في المجال الرقمي".

دائمًا ما كانت عروض الأزياء تشكّل حافزًا مهمًّا للعلامات التجارية، فهناك الضجة السابقة للحدث، إذ يتبع المصورون الصحفيون المشاهير وعارضات الأزياء في كل أنحاء باريس وميلانو من مناسبة إلى أخرى، كما أنّ "مَن" يجلس و"أين" في الصفوف الأمامية أمرٌ يغذّي الإشاعات اللامتناهية التي تغذّي الصحف الفنّية والقصص عبر الإنترنت بشكل لا حدود له، فتنظيم المناسبات يشكّل التزامًا لوجستيًّا وماديًّا ضخمًا لهذه الشركات. وتُعَدّ عروض أزياء "شانيل" بشكل خاصّ من قصص الأساطير، إذ تستأجر العلامة الباريسية بشكل روتينيّ قصر "Grand Palais" ذا القبة الزجاجية في وسط العاصمة الفرنسية، إذ تبخترت العارضات في السنوات الفائتة بين أعمال أو مجسمات ضخمة، كان منها صاروخ فضائيّ، أو أحيانًا سوبر ماركت، أو نسخة مماثلة عن المطاعم الفرنسية الأنيقة.



عادت "شانيل" إلى الصالة نفسها هذه السنة في السادس من أكتوبر، وذلك على غرار منافسها من المدينة "ديور"، الذي هو جزء من المتجر الفاخر "LVMH". وحتى اللحظة، لا تطلق العلامات الفرنسية أيّ تصريحات حول ارتفاع حالات الفيروس في البلد، حيث وُلِدت الأناقة الفاخرة، الأمر الذي من المحتمل أن يجبرها على تغيير مخططها واللجوء إلى العالم الرقمي في اللحظة الأخيرة.


الحدود الرقمية

بعض الشركات الأخرى أكثر تفاؤلًا، على غرار العلامة الإيطالية المختصة في الحرير والجلود "Salvatore Ferragamo" التي تخطط لعرضٍ فعليّ، "لإعطاء حسٍّ بأنّ العمل قد عادَ إلى طبيعته"، وفقًا للمديرة التنفيذية ميكاييلا ليمي، فيما يسعى بعض الشركات الأخرى إلى المزج بين العروض الفعلية والافتراضية للوصول إلى الشخصيات المهمّة والصحافة المعنية بالموضة، مثل علامة "برادا" التي ستنظِّم عروضًا محلّية خاصّة، بالإضافة إلى مناسبات افتراضية عرضتها في 24 سبتمبر، في حين أنّ علامة "فيكتوريا بيكهام" في لندن تستقبل عددًا محدودًا من الصحفيين والمشاهير وفقًا لمواعيد تحدّد خلال ساعتين فقط قبل إطلاق مجموعتها.

لا يشكّل ذلك بالضرورة انتقالًا طبيعيًّا لِدُور الأزياء التي لا تزال تبني قاعدة متابعيها. جيليان شين، مديرة المشتريات في متاجر "Labelhood"، تقول إنّ عديدًا منها صبّ تركيزه من قبلُ على التواصل بشكل مباشر مع قاعدة عملائها، مع تأكيد التجربة الحسية للملابس الفاخرة.

وتضيف شين، وهي التي واظبت على حضور عروض أزياء أوروبا دائمًا: "في الموضة حدود لما يمكن استبدال الخدمات الرقمية به. يُعَدّ الأمر أسهل بالنسبة إلى العلامات التي يُعرف الناس بها بالفعل، ولكن بالنسبة إلى تلك الجديدة فمن المهمّ للناس رؤية المجموعة شخصيًّا، ولمس الملابس والشعور بها، وبناء علاقة مع المصمم وفريقه".

إنّ الاعتياد على واقع الجائحة الجديد لا يقتصر على دُور الأزياء فحسب، إذ سيتحتم على المدن التي تستقبل عروض الأزياء أيضًا أن تقلّل من الإنفاق الذي يرافق المناسبات، من أكثر الفنادق كلفةً، مرورًا بالحفلات التي تلي العروض والتي يتخللها أفخر اجتماعات العشاء والتعارف.


وداعًا باري

بالنسبة إلى ميلانو، سيؤثر عدد الزائرين المنخفض خلال أسبوع الموضة بشكل ملحوظ على اقتصاد المدينة، وفقًا لماوريتزيو نارو، رئيس جمعية مالكي فنادق "Federalberghi" المحلية، إذ لم تشهد حجوزات الفنادق في منتصف سبتمبر الطفرة التي ولّدها هذا الحدث في السنوات الماضية، بل سجّلت معدّل إشغال يبلغ نحو 25 في المئة فقط، فيما قررت دار "فالينتونو"، وهي من بين الأسماء الكبيرة في عالم الموضة الإيطالية الفاخرة، تنظيم عرضها في ميلانو هذا الموسم بدلًا من باريس، إذ كانت عادةً تقدّم مجموعتها لموسم الربيع/الصيف. وقد اعتبرت الشركة القرار أكثر "أخلاقية" في هذه الظروف كونه يعزز هُوِيّتها وانتماءها للاقتصاد المحلّي والوطني.

وفي حين أنّ الجائحة أجبرت دُور الأزياء على احتواء التقنيات جديدة في عملها، لكن من الممكن أن تعاني قيمة العلامة التجارية مع طول مدّة استخدامها للعالم الرقمي العابر. مايكل جايس، رئيس منصة "Launchmetrics" التكنولوجية التي تتعقب بيانات مواقع التواصل الاجتماعي لشركات الأزياء، يقول إنّه مثلما تُعَدّ مباريات كرة القدم الخالية من المتفرّجين غير ممتعة، فإنّ غياب الحضور في عروض الأزياء يؤدي إلى تقليل التأثير الذي يوّلده الحدث. ويضيف جايس: "لن يكون المشاهير والمؤثرون موجودين، ومن الصعب تخيّل أن يتابعهم الناس بالقدر نفسه فيما هُم قابعون أمام شاشاتهم فقط".