بعد الغرامة القياسية.. "علي بابا" تفلت من مقصلة الصين

شركة علي بابا الصينية
شركة علي بابا الصينية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد أن فرضت الصين غرامة قياسية ضد الاحتكار على مجموعة "علي بابا"، ردَّت شركة التجارة الإلكترونية العملاقة بعملٍ غير عادي، وهو توجيه الشكر للجهات التنظيمية.

وقالت الشركة في رسالة مفتوحة: "لم يكن لشركة (علي بابا) أن تحقِّق النمو لولا التنظيم الحكومي، وتوفير الخدمة على نحو سليم، وكان الإشراف والتسامح والدعم من جميع دوائرنا الحكومية أمراً حاسماً لتحقيق تنميتنا". وأضافت الشركة في رسالتها "لهذا، نحن مفعمون بالامتنان والاحترام".

ويعدُّ ذلك علامة على مدى غرابة الحملة الصينية للتصدي لنفوذ شركات التكنولوجيا الكبيرة مقارنة ببقية العالم (الذي يدعم نفوذ شركاته عادة). ومن المحتمل ألا يعرب "مارك زوكربيرغ"، و"تيم كوك" عن امتنانهما علنية، إذا وجَّهت الحكومة الأمريكية ضربة لشركة " فيسبوك"، أو" أبل" بفرض غرامات قياسية لمكافحة الاحتكار.

غرامة قياسية

يعدُّ كل شيء تقريباً عن الضغط من قبل السلطات التنظيمية للصين خارج عن المألوف. وقد أنهى المنظِّمون في بكين تحقيقهم التاريخي في أربعة أشهر فقط ، مقارنة بالسنوات التي استغرقتها هذه التحقيقات في الولايات المتحدة أو أوروبا، فقد بعثوا برسالة واضحة إلى أكبر الشركات في البلاد وقادتها، مفادها أنَّ السلوك المتعارض مع المنافسة ستكون له عواقب.

وبالنسبة إلى شركة "علي بابا"، كانت الغرامة البالغة 2.8 مليار دولار، أقل شدة مما كان يخشى الكثيرون، وتساعد في رفع غيوم من حالة عدم اليقين التي تخيم على امبراطورية مؤسس الشركة "جاك ما" على الإنترنت.

وقال المنظِّمون، إنَّ الغرامة البالغة 18.2 مليار يوان استندت إلى 4% فقط من الإيرادات المحلية، لعملاق الإنترنت لعام 2019. في حين أنَّ هذا يمثِّل ثلاثة أضعاف أعلى مستوى سابق بنحو مليار دولار دفعته شركة "كولكوم" لصناعة الرقائق الأمريكية في عام 2015، إلا أنَّها أقل بكثير من الحدِّ الأقصى المسموح به، البالغ 10% بموجب القانون الصيني، وارتفعت أسهم شركة "علي بابا" 5.5% صباح الإثنين في بورصة هونغ كونغ.

"علي بابا" أفلتت من المحنة

وقال "جوزيف تساي"، الشريك المؤسس ونائب رئيس مجلس الإدارة، في مكالمة هاتفية مع المستثمرين يوم الإثنين: "يسعدنا أن نتجاوز الأمر"، موضِّحاً أنَّه يجري اتخاذ هذه الإجراءات التنظيمية لضمان المنافسة العادلة.

وجاءت الغرامة مع عدد كبير من "التصحيحات" التي سيتعيَّن على شركة "علي بابا" تنفيذها مثل تقليص ممارسة إجبار التجار على الاختيار بين التعامل على منصة "على بابا" أو منصة منافسة - التي تعهدت الشركة بالفعل التزامها بها. لكنَّ "تساي" قال، إنَّ الجهات التنظيمية لن تفرض تغييرات جذرية على استراتيجيتهم للتجارة الإلكترونية.

وأضاف قائلاً: "إنَّهم يقرون نموذج أعمالنا، فهذا النوع من النماذج مفيد لنمو اقتصاد الدولة، ويساعد على الابتكار".

وأشار إلى أنَّ الشركة ليست على علم بأيِّ تحقيقات أخرى لمكافحة الاحتكار لدى المجموعة، باستثناء التحقيق الذي نوقشت فيه سابقاً عمليات الاستحواذ والاستثمارات من قبل شركة "علي بابا" وغيرها من عمالقة شركات التكنولوجيا.

من جهته، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة "على بابا"، "دانيل شوانغ "، يوم السبت، أنَّ شركته جاهزة الآن للخروج من محنتها، في حين أصدرت صحيفة الشعب اليومية (People's Daily) الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني تأكيدات بأنَّ بكين

لا تحاول خنق هذا القطاع.

أفلتت الشركة التي تتخذ من مدينة "هانغتشو" مقرَّاً لها، من النتائج المحتملة مثل التفكيك القسري أو بيع الأصول، فيما قال "جيت دينغ"، محامي مكافحة الاحتكار في مكتب المحاماة "دينتون " في بكين: "لن تغيِّر العقوبة نموذج عملها أيضاً".

إحكام السيطرة

ولا تزال السلطات في بكين عازمة على كبح جماح عمالقة الإنترنت والتكنولوجيا المالية، وهي حملة واسعة محت أكثر من 250 مليار دولار من قيمة شركة "علي بابا" منذ شهر أكتوبر الماضي.

ويؤكِّد الاستسلام السريع للأمر من جانب عملاق التجارة الإلكترونية على قابلية تعرُّضه لمزيد من الإجراءات التنظيمية، وهو بعيد كل البعد عما كان عليه قبل ست سنوات فقط، عندما اعترضت شركة "علي بابا" علنية، على لوم إحدى الوكالات التنظيمية على السلع المقلدة على منصة "تاوباو" للتجارة الإلكترونية، وأجبرت إدارة الدولة للصناعة والتجارة في النهاية على التراجع عن ادِّعاءاتها.

تعليقات خبراء "بلومبرغ إنتليجنس"

وربما تسفر الغرامة القياسية التي فرضتها الصين على شركة "علي بابا" عن رفع العبء التنظيمي الذي أثَّر على أداء الشركة منذ بدء تحقيق مكافحة الاحتكار في أواخر شهر ديسمبر الماضي. وتعادل الغرامة البالغة 18.2 مليار يوان (2.8 مليار دولار)، للمعاقبة جرَّاء الممارسات المناهضة للمنافسة المتمثِّلة في فرض التعامل الحصري على التجار، 4% من مبيعات شركة "علي بابا" المحلية لعام 2019. ومع ذلك، قد يتعيَّن على الشركة أن تكون متحفِّظة في عمليات الاستحواذ، وممارساتها التجارية الأوسع.

المحللان: في-سيرن لينغ وتيفاني تام

الحد من نفوذ عمالقة الإنترنت

كان التحقيق في ممارسات موقع "علي بابا" الإلكتروني أحد المبادرات الافتتاحية لحملة يبدو أنَّها مصمَّمة للحدِّ من نفوذ زعماء الإنترنت في الصين، التي بدأت بعد أن وبَّخ "ما" بشكل سيئ "دكان الإقراض" لدى مؤسسات الإقراض الصينية، والجهات التنظيمية التي لا تتعامل مع خدمات الإنترنت، و"كهول" المجتمع المصرفي العالمي. أدَّت هذه التعليقات إلى هجوم من السلطات التنظيمية غير مسبوق، بما في ذلك إلغاء الاكتتاب العام الأولي لشركة "آنت" بقيمة 35 مليار دولار.

لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إدارة الرقابة، أو غيرها من الوكالات، قد تطالب بمزيد من الإجراءات. وتشير المعلومات الواردة إلى أنَّ الجهات التننظيمية، على سبيل المثال، قلقة بشأن قدرة شركة "علي بابا" على التأثير في الرأي العام، ويريدون من الشركة بيع بعض أصولها الإعلامية، بما في ذلك صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست"، وهي صحيفة تصدر باللغة الإنجليزية في هونغ كونغ.

وأفادت بلومبرغ نيوز أنَّ كبار المنظِّمين الماليين في الصين يرون الآن أنَّ شركة "تينسنت" هي الهدف التالي لزيادة الإشراف. وبحسب ما يجري تداوله من أحاديث، فإنَّ البنك المركزي يقود المناقشات حول إنشاء مشروع مشترك مع عمالقة شركات التكنولوجيا المحليين للإشراف على البيانات المربحة التي يجمعونها من مئات الملايين من المستهلكين، وهو ما سيكون تصعيداً كبيراً في محاولات السلطات المنظمة لتشديد قبضتها على قطاع الإنترنت في البلاد.

قالت "أنجيلا تشانغ"، مؤلِّفة كتاب "استثنائية مكافحة الاحتكار الصينية "، ومديرة المركز القانون الصيني في جامعة هونغ كونغ: "إنَّه يضرب عصفورين بحجرٍ واحد".

انطلاقة جديدة

في الوقت الحالي، يبدو أنَّ المستثمرين سعداء بأنَّ الأمور لم تكن أسوأ، فقد خلصت إدارة الدولة لتنظيم السوق في بيانها إلى أنَّ شركة "علي بابا" استخدمت البيانات والخوارزميات للحفاظ على قوتها السوقية وتعزيزها، والحصول على ميزة تنافسية غير متناسبة. ووفقاً للبيان، فإنَّ ممارستها المتمثِّلة في فرض خيار "الاختيار من بين اثنين" على التجار تؤدي إلى "غلق وتقييد المنافسة" في سوق التجزئة المحلي عبر الإنترنت.

وقالت الإدارة الحكومية، إنَّ الشركة ستكون مطالبة بتنفيذ "تصحيحات شاملة"، بما في ذلك تعزيز الضوابط الداخلية، ودعم المنافسة العادلة وحماية الشركات على منصتها وحقوق المستهلكين. وستحتاج الشركة إلى تقديم تقارير عن التنظيم الذاتي إلى الإدارة لمدة ثلاث سنوات متتالية.

وكتب "تشانغ" في مذكرة إلى موظفي شركة "علي بابا" يوم السبت، أنَّ الشركة ستضطر إلى إجراء تعديلات، ولكن يمكنها الآن "البدء من جديد".

كتب محللو شركة "جيفريز" في مذكرة بحثية بعنوان "نقطة انطلاق جديدة": "نعتقد أنَّ مخاوف السوق بشأن التحقيق في مكافحة احتكار شركة "علي بابا"، يجري التعامل معها من خلال قرار إدارة الدولة لتنظيم السوق الأخير والعقوبات".

وفي الواقع، قالت صحيفة "الشعب اليومية" في تعليقها يوم السبت، إنَّ العقوبة كانت تهدف فقط إلى "منع التوسع غير المنضبط لرأس المال".

وكتبت الصحيفة: "هذا لا يعني إنكار الدور المهم لاقتصاد المنصات الإلكترونية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، ولا يشير (قرار العقوبة) إلى تغيير في الموقف فيما يتعلَّق بدعم الدولة لاقتصاد المنصات الإلكترونية". وأضافت: "تعمل اللوائح من أجل تطوير أفضل، ويعدُّ "كبح الجماح" نوعاً من الحب أيضاً".