كيف نجحت "تويوتا" في تجاوز أزمة نقص الرقائق الإلكترونية؟

"تويوتا" تجاوزت أزمة الرقائق الإلكترونية وتفوقت على شركات السيارات الكبرى في توفير المنتجات
"تويوتا" تجاوزت أزمة الرقائق الإلكترونية وتفوقت على شركات السيارات الكبرى في توفير المنتجات المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في الوقت الذي يُعَدّ فيه قطاع صناعة السيارات بأكمله معرَّضاً لأن يخسر 60 مليار دولار من المبيعات هذا العام بسبب ندرة أشباه الموصلات، وحدها "تويوتا" استطاعت تخزين مخزون احتياطي منها مبكراً، والفضل في ذلك يعود إلى مراقبتها المعمَّقة لصغار الموردين.

حين وقع زلزال توهوكو، وتَسبَّب في حدوث تسونامي ضرب الساحل الشمالي الشرقي لليابان في مارس 2011، وأسفر عن مقتل أكثر من 15,000 شخص، قضت شركة "تويوتا" للسيارات مدة ستة أشهر وهي تكافح جاهدةً للتعافي من آثار الكارثة، وكان من بين أكبر العقبات التي صادفتها في ذلك أنّ المصنع الرئيسي لشركة "رينيساس إلكترونكس كورب" (شركة مقرها في العاصمة اليابانية طوكيو من كبار مُنتجي الرقاقات لصالح صناعة السيارات) توقُّف عن العمل ثلاثة أشهر بعد التسونامي، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الرقاقات بسبب عجز سلسلة التوريد، وترددت أصداؤه في صناعة السيارات بأسرها.

بطبيعة الحال، سارعت "تويوتا" بإصلاح مصانعها وشراء الأجزاء المفقودة، لكنَّها أيضاً تابعت سلسلة التوريد بتمعُّن لكي تحدّد القطع الأكثر تعرضاً للخطر، أملاً في تفادي وقوع تعطّل مشابه مستقبلاً. ومن ثم أعدّت شركة صناعة السيارات قائمة من نحو 1,500 قطعة ترى الشركة أنَّ من الضروري تخزينها احتياطياً أو تأمين بدائل لها، ووضعت منظومة مفصَّلة لمراقبة شبكتها الضخمة من المورّدين المنتجين لتلك القطع، وأيضاً الشركات الأصغر حجماً التي يشتري منها الموردون الموادّ، لتطوير نظام تحذير مبكّر من نقص الموادّ.

وها هو ذا التخطيط المعقد للطوارئ اليوم يوضع على المحكّ بعد عقد من الزمن، إذ إنَّ شركات تصنيع السيارات في جميع أنحاء العالم تعاني منذ عدة أشهُر بسبب نقص أشباه الموصلات جرَّاء جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، التي تهدّد الصناعة بخسارة 60 مليار دولار من المبيعات العالمية لهذا العام. وما زاد الطين بلّة هو اندلاع حريق بأحد مصانع الرقاقات التابعة لشركة "رينيساس" في هيتاتشيناكا في مارس 2019. المشكلة أنَّ هذا المصنع المتضرر -الذي قد يستغرق مئة يوم على الأقلّ لكي يستأنف عملياته الإنتاجية المعتادة- مسؤول عن نحو 6% من الإنتاج العالمي لأشباه الموصلات لصالح قطاع صناعة السيارات، وفقاً لشركة "باركليز بي إل سي"، و"تويوتا" من أكبر عملاء شركة "رينيساس".

التهيئة للأزمة

لكن خلال أزمة الصناعة هذه المرة، عمدت تويوتا إلى تعزيز موجودات مخزونها وإحكام سيطرتها أكثر على سلسلة التوريد الخاصة بها، مما عنى أنّها كانت مهيَّأة للأزمة أكثر من كثير من منافسيها. "تويوتا" حالياً عاكفة على قياس مدى تأثّر إنتاجها بحريق مصنع "رينيساس"، ولكنَّ الشركة صرّحت في الوقت الراهن بأنَّها لا ترى حاجة فورية إلى وقف إنتاجها.

من جانبه، تَطرَّق رئيس شركة "تويوتا" أكيو تويودا إلى موضوع نقص الرقاقات الشهر الماضي في معرض حديثه ضمن اجتماع إعلامي عقده بصفته رئيس مجلس إدارة اتحاد مصنّعي السيارات في اليابان، إذ قال إنّه، في ظل الندرة العالمية لأشباه الموصلات "تمرّ شركات تصنيع سيارات بصعوبات بالغة، ولم تتأذَّ أخرى إلى هذا الحد. لكن الأمر الذي ثبتت لنا أهميته هو ضرورة وجود تواصل وثيق بين شركات تصنيع السيارات وشركات تصنيع الرقاقات وموردي القطع الذي يعتمدون على تلك الرقاقات".

إنَّ قدرة "تويوتا" على إدارة سلاسل توريدها بعناية ساعدتها على شق طريقها بصعوبة في ظل أزمة نقص الرقاقات، وأيضاً خلال السنة الماضية بوجه عامّ، مع التعطيلات المرتبطة بالجائحة التي هدّدَت إمكانية حصول القطاع على كل ما يحتاج إليه من ألياف الأكياس الهوائية إلى السفن المسؤولة عن نقل المركبات إلى الأسواق الأجنبية، على حد تعبير تاكاكي ناكانيشي، رئيس معهد ناكانيشي للأبحاث.

شركات تصنيع سيارات أخرى لم تكُن محظوظة إلى هذه الدرجة، فقد أعلنت شركة "سوزوكي" للسيارات في الخامس من أبريل الجاري أنّها ستوقف الإنتاج في اثنين من مصانع السيارات التابعة لها بسبب النقص في أشباه الموصلات. في حين أعلنت شركة "ستيلانتيس إن في" (الشركة الأم لعلامتَي "كرايسلر" و"فيات") في 26 مارس الماضي أنها تعتزم تعطيل خمسة مصانع تابعة لها في أمريكا الشمالية اعتباراً من 29 مارس الماضي وحتى مطلع أو منتصف أبريل الجاري. أما شركة فورد للسيارات"، فإنها تعتزم إغلاق مصنعها للشاحنات في ديربورن بولاية ميشيغان الأمريكية بصفة مؤقتة. وكذلك شهدت "جنرال موتورز" و"هوندا" و"نيسان" فترات توقُّف في عملياتها الإنتاجية.

تعقيباً على ذلك قال أشواني جوبتا، الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة "نيسان": "أزمة أشباه الموصلات هي أزمة كان يمكن لأي شخص في العالم تجنُّبها". المشكلة هي أن عديداً من شركات تصنيع السيارات لم تكن صارمة في إدارتها سلاسل التوريد الخاصة بها، ولا سيما حين يتعلق الأمر بالموردين من الدرجة الثالثة أو الرابعة. وتابع: "نحن لا نعلم المخاطر التي تصادفهم في كثير من الأحيان". من جانبها، تتطلع شركة "نيسان" حالياً إلى تحسين أدوات الإدارة الرقمية الخاصة بسلاسل التوريد لديها، وهو ما علّق عليه جوبتا بقوله: "كل الخبراء بارعون في تحليل الماضي، الأصعب هو التطلع إلى المستقبل. لقد تعلمت (نيسان) درساً من هذه الأزمة".

إغفال أولوية سلاسل توريد الرقائق

إنّ ما جعل أزمة نقص الرقائق تضرب عديداً من كبار شركات تصنيع السيارات في العالم بغتةً أن بدايتها كانت في مستوى أسفل قمة سلسلة التوريد بكثير، في شركات تصنيع الرقاقات ومسابك الرقاقات الخارجية التي تتعاقد معها شركات تصنيع الرقاقات الكبرى لإنتاج الرقاقات لصالحها وهو ما جعلها تطفو فجأة.

في حين يتعامل عادةً بصورة مباشرة مع موردي القطع من الدرجة الأولى والثانية، من بينهم شركات كبرى على غرار "كونتيننتال إيه جي" و"روبرت بوش جي إم بي إتش"، وكبار مصنّعي القطع هؤلاء يتواصلون بدورهم مع مصممي رقاقات سيارات أصغر منهم.

لهذا طلبت "تويوتا" من مورديها من الدرجة الأولى إدخال معلومات مفصَّلة عن مزوّدي القطع والموادّ الأكثر غموضاً الذين يتعاملون معهم في قاعدة بيانات معقدة تديرها. ومن خلال استخدام هذا النظام لجمع المعلومات عن مصباح أمامي واحد تشتريه "تويوتا" لواحدة من سياراتها، على سبيل المثال، يمكن للشركة جمع معلومات دقيقة (من قبيل الأسماء والمواقع) عن الشركات المكلَّفة تصنيع الموادّ التي تدخل في تصنيع موادّ معالجة أسطح عدسات تلك المصابيح الأمامية، وحتى الشركات المُنتجة لموادّ التشحيم المستخدمة على القطع المطاطية في التجميع، حسبما أفادت المتحدثة باسم شركة "تويوتا" شيوري هاشيموتو.

وقد أنذرت خطوط الاتصال تلك الشركة مبكراً بأنها يجب أن تخزّن الرقاقات احتياطياً. وفقاً لهاشيموتو: "عملية تصنيع أشباه الموصلات معقدة، والمرافق المُستخدَمة في تصنيعها متخصصة. ومن هذا المنطلق، كان علينا أن نضمن أنّ لدينا مخزوناً كافياً بحيث يغطّي فترة تعطُّل محتمَل في التوريد".

إدارة المخزون

لقد ظلت صناعة السيارات على مدى عقود طويلة تتبنى سياسة آنية في إدارة المخزون، بحيث يصل عديد من المكونات إلى مرافق التجميع قبل أيام -وأحياناً ساعات- قليلة من الحاجة إليها. لكن ما حدث في أعقاب زلزال توهوكو دفع "تويوتا" إلى زيادة مرونتها، حتى إن قيمة موجودات مخزون "تويوتا" تضاعفت تقريباً منذ عام 2011. في هذا الصدد، أفاد المدير المالي لشركة "تويوتا" كنتا كون، في معرض حديثه خلال اجتماع إعلامي أُقيمَ في شهر فبراير الماضي، بأنّ الشركة تحتفظ بمخزون يغطّي ما يصل إلى أربعة أشهُر من بعض المكونات بالغة الأهمية كالرقاقات، وذلك ضمن خطة استمرارية الأعمال المعمول بها لدى الشركة. واستطرد معلّقاً بأنّ "تويوتا" لا تتوقع أن يتسبب نقص أشباه الموصلات في تعطيل الإنتاج لديها على المدى القريب.

جاء هذا التفاؤل الواضح من جانب "تويوتا" بعد يوم واحد فقط من إعلان منافستيها اليابانيتين (شركة "هوندا للسيارات" وشركة "نيسان للسيارات") أنهما تتوقعان انخفاض المجموع التراكمي لعدد سياراتهما المبيعة خلال شهر مارس بمقدار 250,000 سيارة، وأن السبب في ذلك إلى حد كبير هو عدم قدرتهما على تأمين ما يكفي من الرقاقات. وعلى النقيض من ذلك، فإن نصيب "تويوتا" من الانخفاض المقدَّر في إنتاجية شركات تصنيع السيارات اليابانية في ظل الأزمة (وقدره 500,000 وحدة تقريباً) سيكون "ضئيلاً" على الأرجح، حسب تقرير صادر عن شركة "ميتسوبيشي يو إف جي مورجان ستانلي" للأوراق المالية.

التعامل بنحو أفضل

بل ويبدو أن "تويوتا" تتعامل مع أزمة النقص على نحو أفضل مما توقعت هي نفسها في البداية، ففي رسالة إلكترونية أرسلتها إلى مورّديها الشهر الماضي واطلعت عليها بلومبرغ، حذرت "تويوتا" من أن مصانع جمهورية التشيك وتركيا والمملكة المتحدة قد تُضطرّ إلى وقف عملياتها كلياً أو جزئياً جرَّاء وجود نقص في الرقاقات. وحسب ما جاء في هذه المذكرة فقد طلب موظف مسؤول عن عمليات الشراء في "تويوتا" من جميع الموردين الذين يستخدمون أشباه الموصلات -كما جرت العادة- "إعادة تأكيد التزامات تسليم الموردين الخاصة بهم لضمان التوريد في الأشهر المقبلة"، وطلب من الموردين التواصل مع شركة تويوتا فوراً في حال صادفتهم أي صعوبات. وبعدها بشهر، وحده مصنع التشيك اضطُرّ إلى وقف عملياته مؤقتاً.

هذه ليست المرة الأولى التي تتجاوز فيها شركة "تويوتا" عقبة ناجمة عن الجائحة الحالية. ففي مطلع عام 2020، تعلمت شركة تصنيع السيارات بسرعةٍ الالتفافَ على عمليات الإغلاق، وتنفيذ تدابير الوقاية من العدوى، وتكثيف الإنتاج في الصين (لا سيما وأن أزمة عمليات التعطيل المرتبطة بفيروس كورونا انقشعت مبكراً نسبياً هناك)، وكل ذلك ساعد الشركة على أن تنتج عدداً قياسياً من المركبات كل شهر منذ شهر أغسطس من العام الماضي، وإزاحة شركة "فولكس فاجن إيه جي" من مركزها باعتبارها شركة تصنيع السيارات الأكثر مبيعاً لذلك العام. لا شك أن شركة "تويوتا" لديها "قدرة لافتة للأنظار على التعافي من أزمات عجز التوريد"، على حد تعبير ناكانيشي.

الخلاصة: قد تكلّف أزمة الرقاقات صناعة السيارات خسارة تبلغ 60 مليار دولار في المبيعات هذا العام، ومع ذلك استطاعت شركة "تويوتا" تفادي معظم حالات التعطُّل بفضل إدارتها الحثيثة لمورديها.