بعد رحيل ترمب.. شركات التكنولوجيا الأمريكية تترقب صفقة مع الهند

ترامب في الهند
ترامب في الهند بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بالرغم من كل الصخب المرتبط بمراسم احتفالات استقبال الرئيس الهندي في الولايات المتحدة، التي أطلق عليها " Howdy Modi"، واستقبال "دونالد ترمب" في الهند " Namaste Trump"، فقد كانت العلاقات الاقتصادية الأمريكية الهندية تتدهور خلال السنوات الأربع الماضية، يتعين على "بايدن" تغيير الحديث بعيداً عن التعريفات، التي ولع بها سلفه، تطلعاً للمستقبل .

وتقبع الفرص الكبيرة لأمثال "آبل"، و"فيسبوك"، و"أمازون"، و"جوجل" المملوكة لـ"ألفابت" في الاقتصاد الرقمي الوليد ، لكونه سريع النمو في الهند، إذ تبلغ نسبة اختراق الهواتف الذكية 32%، مقارنة بـ61% في الصين، ويستحق وادي السيليكون أن يحتل مكانة مرتفعة في أولويات الرئيس القادم.

وفي الوقت الذي سار فيه الرئيس "دونالد ترامب"، ورئيس الوزراء "ناريندرا مودي" ، يداً بيد في ملعب هوستن في سبتمبر 2019، كانت الولايات المتحدة قد رفعت التعريفات على 14% من الصادرات الهندية ،بما في ذلك الصلب والألومنيوم والمنسوجات والمجوهرات، وردَّت نيودلهي على ذلك بأن جعلت لوز كاليفورنيا،وتفاح واشنطن أكثر تكلفة.

ومع ذلك، تكرر الاستعراض – والرومانسية- مجدداً خلال زيارة ترامب للهند في فبراير، وعلى الرغم من ادعاء ترامب بتحقيق "تقدم هائل"، لم تكن هناك أية نتيجة بشأن أي اتفاق تجاري.

العجز التجاري الأمريكي مع الهند أقل من 10% منه مع الصين

بلغت الصادرات الأمريكية إلى الهند 34 مليار دولار العام الماضي، وهو رقم ليس سيئاً، وإذا أخذت الصين ثلاثة أضعاف هذا الرقم من البضائع الأمريكية، لكن اقتصادها أكبر خمس مرات تقريباً، فيما يتعلق بالبضائع فقط ، وإذا أضفنا إنفاق الهند على التكنولوجيا الأمريكية، والسفر وغيرها من الخدمات – الذي يعادل بالفعل 43% من الإنفاق الصيني – فسوف يتضح أن ترامب، الذي أطلق على نفسه رجل التعريفات، كان يُهمِّش حليفاً محتملاً قيِّماً ، بسبب عجز تجاري يبلغ 29 مليار دولار ،لا يعادل حتى 10 في المئة من العجز التجاري الأمريكي مع الصين.

والآن، فقد حان الوقت كي تتبع الإدارة الأمريكية نهجاً أكثر معقولية، ويمكن أن تبرم حكومة "بايدن" صفقة، وتقنع نيودلهي بالسماح للولايات المتحدة بانخراط أكبر في التطبيقات الاستهلاكية ،وأن تتعامل مع هذا الاستثمار بنزاهة، وفي المقابل، تلغي الولايات المتحدة الزيادات في التعريفات الجمركية التي أقرها ترمب ،وتسمح للهند بالوصول مجدداً إلى ما يعرف بنظام التفضيلات المعمم " GSP" الذي يشجع الحركات الصناعية في الدول النامية، مع الإشارة إلى أن ترامب ،سبق أن سحب امتياز وصول الهند إليه العام الماضي.

وتتحكم الشركات الأمريكية فعلياً في بعض أجزاء الاقتصاد الرقمي الهندي، وتهيمن تطبيقات "جوجل باي" و"فون بي " المملوك لـ"ولمارت، على المدفوعات الفورية عبر الهاتف، وحصلت "فيسبوك الأسبوع الماضي على الموافقة التنظيمية للسماح لمستخدمي "واتس آب" بالوصول لشبكة المدفوعات التي تضاعفت عبرها المعاملات على مدار العام الماضي إلى ملياري دولار.

ومع ذلك، فإن تحويل أموال قليلة من بنك إلى آخر لا يولد الكثير من الأرباح، بل هي وسيلة لجذب المستخدمين، حتى تتمكن شركات التكنولوجيا حينها من القيام بالمزيد مع مشتركيها وبياناتهم، وهنا يتوجب على فريق "بايدن" الانخراط مع نيودلهي تماماً ،التي تخطط لتشديد قواعد التجارة الإلكترونية، الصارمة بالفعل، من خلال السماح للحكومة بالوصول إلى شفرات المصدر ،ولوغاريتمات الشركات على الانترنت.

وتريد جهة تنظيم المدفوعات الهندية أن تحدَّ من حصة كل تطبيق عند 30%، ربما لأن قاعدة مستخدمي "واتس آب" البالغة 400 مليون مستخدم ،يمكن أن تسيطر على جزء مهم من الشبكة المالية في الدولة.

قلق عالمي من نفوذ شركات التكنولوجيا الأمريكية

إن حكومة "مودي" ليست الوحيدة التي ينتابها القلق من القوة السوقية لشركات التكنولوجيا الكبيرة ،ومن إمكانية إساءة استخدام نفوذها، فأوروبا تريد أن تكبح جماح وادي السليكون بفرض ضريبة رقمية عالمية، كما قامت الصين بحماية لاعبيها المحليين ،وحققت نجاحات كبيرة، و يبدو أن بكين لديها هواجس من مدى عمق ترسخ شركات التكنولوجيا في الهيكل المالي للدولة حالياً ، كما اتضح من الوقف المفاجئ مؤخراً للطرح الأولي للجمهور لشركة "آنت جروب"، ومن القواعد الأوسع المناهضة للاحتكار قيد الإعداد ضد الشركات المهيمنة مثل "علي بابا القابضة و"تينسينت" القابضة أيضاً .

وتعد الهند السوق الوحيد الذي يحوي أكثر من مليار شخص ، إذ يمكن لشركات التكنولوجيا الأمريكية التوسع، كما في حالة الصين – مع منع الشركات الأمريكية من الدخول – أن تكون الجائزة النهائية عندها من خلال استبدال الضمانات في القروض الاستهلاكية ،وائتمان الشركات ببيانات المدفوعات والتجارة الإلكترونية، وبالنظر إلى حجم الجائزة عندئذٍ ، ستكون المقاومة من جماعات الضغط المحلية كبيرة، كي تتم محاصرة المطالب المباشرة – كما في حالة الهند التي يجب أن تسمح للمنصات بتخزين بيانات المستهلكين حيثما كان العالم الذي يعيشون فيه – بمخاوف الاستقرار المالية، والسيادة الوطنية.

موكيش أمباني يدعو لإنهاء استعمار البيانات

سينتاب العمالة الأمريكية القلق من رخص التقنيين الهنود، وارتفاع الإنتاجية الزراعية الأمريكية ، بالإضافة إلى هاجس المزارعين الهنود

وطالب الملياردير "موكيش أمباني"، الذي تعد شركته "جيو بلاتفورمس"، المرشح الأبرز لتصبح شركة تطبيقات هندية منافسة فائقة، بإنهاء "استعمار البيانات" من قبل الشركات العالمية، وشرع "مودي" في حملة اعتماد على الذات، لكنها تبدو حتى الآن أكثر محاباة للشركات الأمريكية لاستهدافها تقليص الاعتماد على الواردات والاستثمار الصينيين، كما تتطلع شبكة توريد "آبل" إلى إنشاء مصانع تجميع في الهند منجذبة للحوافز المالية للمصنعين المحليين.

المزارعون الهنود والتقنيون الأمريكيون

قد يبدو الإبقاء على انفتاح السوق الرقمي الهندي أمام الشركات التكنولوجية الأمريكية مجرد هدف دبلوماسي متواضع ، ولكن تحقيقه مهم، وتتحدد أحد أسباب ذلك في كون المشروعات الأكثر طموحاً- مثل توقيع اتفاقية تجارة حرة- ستكون أكثر صعوبة نظراً لأن العمالة الأمريكية المتضررة من الوباء ،سينتابها القلق من فقدانها للوظائف بسبب التقنيين الهنود الأرخص، خاصة أن الهند تضغط لإلغاء القيود التي فرضها ترامب على تأشيرة "H1-B"، كما يخشى المزارعون الهنود أن يتضرروا من ارتفاع الإنتاجية الزراعية الأمريكية.

والأكثر أهمية يكمن في أن الاقتصاد الرقمي سيستفيد من أموال الشركات الأمريكية، وقد جمع "موكيش أمباني"، أغنى رجل في الهند، 26 مليار دولار العام الجاري لأعمال الانترنت ،والتجزئة الخاصة به من المستثمرين العالميين، بما في ذلك "فيسبوك " و"جوجل "، وأضف على ذلك ـ16 مليار دولار دفعتها "ولمارت " لموقع التجارة الإلكترونية "فليب كارت Flipkart"، ومليارات الدولارات التي خصصتها "أمازون " للهند .ولكونها ملكية أجنبية ؛ فإن َّ "أمازون إنديا Amazon India"،و "فليب كارت" لن يستطيعا امتلاك مخزن خاص بهما، أو القيام بتخفيضات علنية على البضائع.

ويستحسن "ببايدن"عند ذلك أن يفترق عن طريق رجل التعريفات ،ويتبع طريق الأموال.