خزائن شركات النفط تنتعش بالسيولة.. لكن المستثمرين لن يستفيدوا قريباً

تحسن السيولة النقدية في شركات النفط الكبرى بفضل ارتفاع أسعار البترول بعد عام صعب في 2020
تحسن السيولة النقدية في شركات النفط الكبرى بفضل ارتفاع أسعار البترول بعد عام صعب في 2020 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد واحدة من أصعب السنوات في تاريخ صناعة النفط، تعافت أسعار النفط الخام، وأخذ المنتجون الرئيسيون في النهاية يحققون فائضاً في السيولة النقدية. ويريد المستثمرون بالفعل وضع أيديهم عليها، لكن من المرجح أن يصابوا بخيبة أمل،

وذلك لأنَّ الوباء أوجد إرثاً من الديون لأكبر شركات النفط العالمية في العالم، التي اقترض الكثير منها لتمويل توزيعات أرباحها مع انهيار أسعار الخام.

وأما بالنسبة إلى شركة " إكسون موبيل"، وشركة " توتال إس إي"، اللتين تحمَّلتا الضغط المالي للحفاظ على مدفوعات المساهمين العام الماضي، فإنَّ أي أموال إضافية ستذهب إلى تخفيف الديون.

خيبة أمل للمستثمرين

وقالت شركتا " شيفرون كورب"، و"رويال داتش شل"، إنَّهما تريدان استئناف عمليات إعادة الشراء للأسهم، لكن ليس بعد. وتعدُّ شركة "بريتش بتروليوم" هي الوحيدة التي تتحدث عن احتمال أن تتحسَّن عوائد المساهمين قريباً، بعد عام ونصف من التقلُّبات في سياسة الدفع الخاصة بها.

ومن المفترض أن تُظهر نتائج الربع الأول، الأسبوع القادم، تحسُّناً كبيراً في كلٍّ من الأرباح والتدفقات النقدية بعد عام 2020 الصعب للغاية، ولكن ربما لا شيء من شأنه أن يغير خيبة أمل المستثمرين تجاه شركات النفط الكبرى.

وقال "كريستيان مالك"، رئيس وحدة النفط والغاز في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا بمصرف "جى بي مورغان ستانلي تشيس آند كو": " لديهم جاذبية محدودة كاستثمارات طويلة الأجل، لأنَّهم لا يستطيعون إثبات قدرتهم على توفير التدفق النقدي على أساس مستدام، وإعادته على أساس مستدام".

وتابع: "المفتاح هو الاتساق مع معايير السوق، ولم يكن لدينا أي منها ".

قفزة في التدفق النقدي

سيكون الربع الأول نقطة تحول للقطاع، وفقاً لـ"جى بي مورغان". وتُظهر بيانات الشركة والتقديرات التي جمعتها بلومبرج أنَّ التدفق النقدي الحر – وهو ما تبقى من الأموال بعد الإنفاق التشغيلي والاستثمار - من المقرر أن ينتعش إلى 80 مليار دولار للشركات الخمس الكبار هذا العام، مقارنة بنحو 4 مليارات دولار في عام 2020.

ستحتل شركة "شل" المرتبة الأولى في حصيلة الأمول بحوالي 22 مليار دولار، وسيبلغ إجمالي نصيب شركة "إكسون" 19 مليار دولار، حتى شركة "بريتش بتروليوم" الأقل تصنيفاً ستحصل على حوالي 11 مليار دولار. وسيكون ذلك كافياً لكلٍّ من الشركات الخمس الكبرى لتغطية توزيعات أرباحها المقررة لعام 2021، ولديها مجتمعة أكثر من 35 مليار دولار متبقية.

ومن غير الواضح كم من ذلك يمكن أن يصل إلى جيوب المساهمين.

قال "ويل هاريس" المحلل في "بلومبرغ إنتليجنس" : "ستختلف أولويات توزيع التدفق النقدي الحر القوي لشركات النفط الكبرى في أوروبا خلال الربع الأول".

حقَّقت شركة "بريتش بتروليوم" هدف سداد ديونها، ومن المنتظر أن تعلن استئناف عمليات إعادة الشراء للأسهم. وأعلنت شركة "شل" عن عجز محدود في توزيعات الأرباح، على الرغم من أنَّه من غير المرجح أن تستأنف عمليات إعادة الشراء بالنظر إلى صافي ديونها المستهدف البالغ 65 مليار دولار.

عمليات إعادة شراء أسهم "بريتش بتروليوم"

بعد زيادة توزيعات أرباحها بنسبة 2.4% في شهر فبراير 2020، ثم خفض المدفوعات بمقدار النصف بعد ستة أشهر فقط؛ تعرَّضت شركة "بريتش بتروليوم " لضغوط لإثبات قدرتها على تحقيق عوائد موثوقة للمساهمين.

وتعدُّ أسهم الشركة التي تتخذ من لندن مقرَّاً لها، هي الأسوأ أداء في مجموعتها النظيرة في القطاع على مدار الـ 12 شهراً الماضية. حتى "برنارد لوني"، مديرها التنفيذي، اعترف أنَّ المستثمرين يتساءلون عما إذا كان بإمكان شركة "بريتش بتروليوم" الاستمرار في إعادة اختراعها لعصر الكربون المنخفض.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، تمكَّنت "بريتش بتروليوم" من تمييز نفسها عن أقرانها بطريقة إيجابية، مما أعطى أوضح إشارة لعمليات إعادة الشراء الوشيكة.

وقالت الشركة، إنَّها حققت هدفها المتمثِّل في خفض صافي الديون إلى 35 مليار دولار قبل عام تقريباً مما كان متوقَّعاً، وستقدِّم تحديثاً للجدول الزمني لعمليات إعادة شراء الأسهم يوم الثلاثاء، عندما تفتتح موسم توزيع أرباح للشركات الكبرى.

هذه زيادة كبيرة في الحاجة الملحة لتحسين عوائد المساهمين. في أغسطس الماضي، وضعت شركة "بريتش بتروليوم" هدفها المتمثِّل في إعادة 60% من فائض السيولة للمستثمرين في المرتبة الخامسة على قائمة الأولويات بعد تمويل توزيعات الأرباح، وخفض صافي الدين، وتحويل الإنفاق إلى مشاريع منخفضة الكربون، والإنفاق على أصول النفط والغاز الأساسية.

تخفيض الديون

ولا يتحرك نظراء شركة "بريتش بتروليوم" الأوروبيون، الذين كان أداء أسهمهم أفضل في العام الماضي، بهذه السرعة.

وقالت شركة "توتال" الفرنسية، التي كانت الشركة النفطية الكبرى الوحيدة في المنطقة التي حافظت على توزيعات أرباحها العام الماضي، إنَّ أي أموال إضافية تأتي من ارتفاع أسعار النفط ستستخدم لخفض الديون، مضيفةً أنَّ أولويتها التالية ستكون في زيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة إلى حوالي 25% من ميزانيتها الإجمالية، ولن تأتي عمليات إعادة الشراء في سلَّم أولوياتها إلا بعد ذلك.

وأعلنت شركة "شل" عن زيادة بنسبة 4% في توزيعات أرباحها في شهر أكتوبر الماضي، بعد خفض المدفوعات بمقدار الثلثين في وقت سابق من العام.

وتهدف "شل" إلى خفض صافي الدين بمقدار 10 مليارات دولار قبل أن تعيد أي أموال إضافية للمساهمين. وتتوقَّع البنوك بما في ذلك مصرفي "سيتي غروب"، و"إتش إس بي سي هولدينغز" أنَّ ذلك لن يحدث حتى عام 2022، فقد ارتفع صافي الدين في الربع الأخير من عام 2020 إلى 75 مليار دولار.

شركات أمريكا الشمالية

على عكس شركتي "بريتش بتروليوم"، و"شل"، تمكَّنت الشركات الكبرى في أمريكا الشمالية من الوصول إلى عام 2020 مع بقاء مدفوعاتها سليمة، ولكن بتكلفة عالية.

وارتفع حجم ديون شركة "إكسون" بنسبة 40% خلال فترة تفشي وباء كورونا إلى 73 مليار دولار، مما دفع وكالة التصنيف الائتماني "موديز إنفيستورز سيرفيس" إلى تخفيض تصنيف سندات الشركة مرتين في الأشهر الـ 12 الماضية.

ويتوقَّع العملاق (إكسون)، ومقرُّه تكساس، العودة إلى تحقيق الأرباح في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، بعد أربع خسائر فصلية متتالية.

وقالت الشركة، إنَّها ستحتفظ بتوزيعات أرباحها السنوية البالغة 15 مليار دولار، في حين تعمل على تسديد ديونها إذا ظلَّت أسعار النفط والغاز عند المستويات الحالية.

ويرى بنك "جي بي مورغان" أنَّ التدفق النقدي الحر لشركة "إكسون" قد انتعش إلى 19.6 مليار دولار هذا العام، مما يمنحها فائضاً كبيراً لتقليل الاقتراض.

ومن بين الشركات الخمس الكبرى، تمتلك شركة "شيفرون" أفضل ميزانية عمومية، و"آفاق قوية" لإعادة شراء الأسهم، وفقاً لجوردون غراي، محلل بنك "إتش إس بي سي".

وقالت الشركة التي تتخذ من كاليفورنيا مقرَّاً لها في شهر مارس الماضي، إنَّه ينبغي لها أن تولِّد 25 مليار دولار من السيولة النقدية المجانية علاوةً على توزيعاتها حتى عام 2025 إذا ظلَّ خام برنت عند 60 دولاراً.

خفض الإنفاق الرأسمالي

يأتي تركيز شركات النفط الكبرى على إرضاء المستثمرين، وتضميد جراحهم المالية إلى حدٍّ كبير على حساب الاستثمار في أعمالهم الأساسية.

ومع انتشار الوباء العام الماضي، خفَّضت الشركات مجتمعة إنفاقها إلى أدنى مستوى منذ 15 عاماً، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ إنتليجنس". وسيستمر التقييد الخانق للإنفاق هذا العام، إذ من المقرر أن ترتفع النفقات الرأسمالية بشكل طفيف فقط على الرغم من تعافي أسعار النفط.

وأقفلت كلٌّ من شركتي "شيفرون"، و"إكسون" خطط الإنفاق عند مستويات منخفضة بشكل جذري خلال السنوات المقبلة الممتدة حتى عام 2025. ورفعت شركة "توتال" على نحو محدود ميزانيتها الاستثمارية الرأسمالية لهذا العام، في حين وضعت شركتا "بريتش بتروليوم"، و"شل" سقفاً ثابتاً للنفقات.

ونتيجة لذلك، وفي حين أنَّ الجمع بين أسعار النفط المرتفعة، والإنفاق المتدني، ومبيعات الأصول يؤدي إلى زيادة التدفق النقدي الذي سيساعد في حلِّ المشكلات قصيرة الأجل التي تواجهها الشركات الكبرى، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث صداع طويل الأمد لها.

أقرَّت شركة "شل" في وقت سابق من هذا الشهر بأنَّها لا تستثمر ما يكفي في مشاريع جديدة لتعويض الانخفاض الطبيعي في الإنتاج من حقول النفط والغاز الحالية.

وقال "روس مولد"، مدير الاستثمار في شركة "أيه جيه بيل"، إنَّ الشركات الكبرى "تزيد من تعطش المساهمين للعوائد النقدية".

وأضاف: "على المدى الطويل ، يمكن أن تؤدي التخفيضات الرأسمالية، والديون، وعمليات التصرف في الأصول إلى الإضرار بقدر أكبر من نفعها، إن لم يكن أكثر، ولن يكون أي منها مستداماً حقاً".