عمالقة الإنترنت الصينيون يخوضون منافسة شرسة في الأعمال التجارية

تنافس عمالقة الإنترنت في الصين يزداد تصاعداً بالتزامن مع ضغوط هيئة مكافحة الاحتكار بالبلاد
تنافس عمالقة الإنترنت في الصين يزداد تصاعداً بالتزامن مع ضغوط هيئة مكافحة الاحتكار بالبلاد المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تحوَّلت المنافسة بين شركة "ميتوان" (Meituan) المملوكة لوانغ شينغ، وشركة "علي بابا غروب هولدينغ " المملوكة لزميله ملياردير التكنولوجيا جاك ما، إلى واحدة من أكبر المنافسات في عالم الأعمال التجارية الصينية.

وفي حين تعدُّ"علي بابا"، التي تتمتَّع بشهرة عالمية، هي القوة المهيمنة في مجال التجارة الإلكترونية. فقد بنى وانغ، أحد أبناء الجيل الصاعد لمليارديرات التكنولوجيا، شركة "ميتوان" لتصبح عملاقاً يخشاه المنافسون بعد أن أصبحت أكبر إمبراطورية توصيل طعام في العالم.

وفي ظلِّ وجود سنوات من العداء بين الشركتين، بعد انهيار تحالف مبكِّر بينهما، تسعى "ميتوان" لاختراق نطاق سيطرة "علي بابا" ومنافستها في عقر دارها.

مليارات جاهزة للمعركة القادمة

وشركة "وانغ"، التي تأسست قبل 42 عاماً، قد جمعت مبلغاً قياسياً، وقدره 10 مليارات دولار لتطوير تقنياتها. مثل السيارات ذاتية القيادة، والطائرات بدون طيار لاستخدامها في التوصيل، وتقليل تكاليف العمالة، وتوسيع نطاق شبكة الأغذية والتجارة الإلكترونية الخاصة بشركة "ميتوان".

وقال محللون، إنَّ هذه الاستثمارات ستكون أساسية لدعم ما اعتبره وانغ سابقاً "الأولوية القصوى" لـ "ميتوان"، وهو الوجود في ساحة التجارة الإلكترونية المجتمعية، التي يسعى عمالقة التكنولوجيا من أمثال "علي بابا" إلى "جيه دي.كوم"، و"بيندودو" ليجدوا قدماً لها في الصين.

ويقول مايكل نوريس، كبير المحللين في شركة "إيجنسي تشاينا" للاستشارات، ومقرُّها شنغهاي: "وانغ شينغ رجل أعمال عنيد، واستراتيجي مؤهل". وتابع نوريس: "التسوق المجتمعي تجربة ينبغي على شركة "ميتوان" خوضها، والنجاح فيها".

مكافحة الاحتكار..قانون يلاحق عمالقة التكنولوجيا في الصين

وفي خضم المنافسة، سيتعين على وانغ وأباطرة التكنولوجيا الآخرين التعامل بحذر. فقد أصدرت هيئة مكافحة الاحتكار في الصين، على مدى الأشهر الستة الماضية، قوانين جديدة تخوِّلها إشرافاً أكبر على مجال الإنترنت، كما بدأت تحقيقات في انتهاكات مثل الترتيبات الحصرية القسرية، وتقديم أسعار تفضيلية للعملاء الجدد.

وبعدما صفعت الهيئة شركة "علي بابا" خلال أبريل الحالي، بغرامة قياسية بلغت 2.8 مليار دولار. يتوقَّع المستثمرون أن تكون "ميتوان" وداعمتها "تينسنت هولدينجز" الآن في مرمى نيران هيئة مكافحة الاحتكار بالنظر إلى هيمنتهم على سوق توصيل الوجبات ومجالات أخرى في تسوُّق الإنترنت، بالإضافة إلى تعارض ممارساتهم السابقة مع القانون.

وقد كان ذراع التجارة الإلكترونية المجتمعية لشركة "ميتوان" من بين عدد قليل من المشغِّلين الذين تمَّت معاقبتهم في مارس بسبب الإعانات المفرطة، كما تمَّ تغريم وحدات تابعة لشركات "بيندودو"، و"ديدي شوكينغ".

وكانت وسائل الإعلام الحكومية قد أظهرت تأثير انشغال الصناعة بازدهار عمليات توصيل البقالة في ظل الوباء، بدلاً من دفع الابتكار.

وفي حين أدت وفاة سائقي التوصيل في السابق إلى التدقيق في ممارسات شركة "ميتوان" التجارية، في يناير، أدى هذا الأمر أيضاً إلى إيقاف الجهة المانحة لخدمة التأمين الصحي الجماعية للشركة، بعد أن شدَّد المنظِّمون التدقيق على معايير التأمين عبر الإنترنت.

جمع الأموال وخوض المنافسة

ويبدو أنَّ عملية جمع الأموال القياسية التي قامت بها "ميتوان"، تعدُّ أكبر عملية طرح لأسهم جديدة من قبل شركة مدرَجة في بورصة هونغ كونغ. وهي تتحدى التوقُّعات بأنَّ أيام التوسُّع غير المقيَّد لرجال الأعمال الصينيين على الإنترنت قد ولَّت.

ومن شأن العشرة مليارات دولار التي تمَّ جمعها أن تزيد أموال "ميتوان" بأكثر من الضعف، مما يمنحها أكبر صندوق تمويل لخوض المنافسة بعد الصندوق المملوك لشركة "علي بابا"، مما يؤهلها للاستثمار في تقنيات جديدة، مثل التوصيل باستخدام تقنيات ذاتية التحكم، وإنشاء البنية التحتية لمتاجر البقالة عبر الإنترنت.

وفي حين لم تحدد الشركة الاستثمار في مجال التجارة المجتمعية الناجح في ورقة شروط صفقتها مؤخراً، إلا أنَّ المستثمرين يتوقَّعون أن تقوم "ميتوان" بتحويل رأس المال إلى هذا القطاع لتأمين حصتها السوقية.

ومن جهة أخرى، ستواجه شركة وانغ، التي عكفت على تطوير تقنيات التوصيل ذاتية التحكم على مدى سنوات، منافسة شديدة في هذا المجال من نظرائها، بما في ذلك "ديدي"، و "جيه دي.كوم"، فقد كانا يستكشفان التقنيات ذاتها أيضاً. ومن جانبها، قامت "علي بابا" بأوَّل عملية توصيل تجريبية باستخدام طائرة بدون طيار في عام 2015. وقد تسارعت جهود "ميتوان" في هذا الصدد منذ تفشي "كوفيد-19" العام الماضي، ونشرت حتى الآن سيارات ذاتية القيادة لتوصيل 35 ألف طلب بقالة في بكين. كما قامت طائراتها بدون طيار بتوصيل أكثر من ألف طلب في مقاطعة شنتشن، اعتباراً من منتصف أبريل منذ بدء البرنامج التجريبي في يناير.

ثلاثية الإنترنت الصينية

وكان وانغ، وهو بالأصل خبير برمجي، وقد أثبت ولعه بالبيانات والخوارزميات فعاليته، في قهر خدمة توصيل الوجبات المنافسة "إيلي.مي " المملوكة لشركة "علي بابا"، قد أعلن عن طموحاته بشكل واضح.

فقال في مقابلة عام 2017 مع وسائل الإعلام المحلية، إنَّ "ميتوان" يمكن أن تنضمَّ إلى "علي بابا"، و"تينسنت" باعتبارها العضو الثالث في ثلاثية الإنترنت الصينية، في غضون خمس إلى عشر سنوات. وذلك نظراً للقيمة التي تخلقها في قطاعات الطعام والسفر والخدمات الأخرى.

وقال وانغ في المقابلة: "لا أؤمن بوضع حدود لنفسي، وبما أنَّنا واضحون بشأن هدفنا الأساسي، حول مَن هم العملاء الذين نقوم بخدمتهم؟ وما الخدمات التي نقدِّمها؟. فسنستمر في اختبار أنواع مختلفة من الأنشطة التجارية".

لكنَّ رهانات وانغ السابقة كانت عشوائية إلى حدٍّ ما. فتلاشى أحد مشروعاته المبكرة لغزو سوق طلب سيارات الأجرة عندما قام المنظِّمون الصينيون بقمع شركة "ديدي".

وكان مدير "ميتوان" التنفيذي استحوذ على شركة "موبايك" الناشئة في صفقة بلغت 3.4 مليار دولار في عام 2018، إبان ذروة فقاعة مشاركة الدراجات في الصين، ومنذ ذلك الحين اضطر إلى تقليص عمليات الشركة في الخارج.

ومن جهة أخرى، ضرب "كوفيد-19" قطاع السفر بشكل كبير، في حين تفتقر الشركة إلى خارطة طريق لتحقيق أرباح في مواجهة "تريب. كوم غروب ".

وبشكل عام، أطلقت "ميتوان" ما يصل إلى 200 خدمة متنوعة على مر السنين.

بدايات المنافسة

وقال بروك سيلفرز، كبير مسؤولي الاستثمار في صندوق الأسهم الخاصة "كايوان كابيتال" في هونغ كونغ: "من المؤكَّد أنَّ وانغ مدير تقني طموح للغاية. ولكن بالنسبة إلى روَّاد الأعمال الصينيين الناجحين، يمكن أن يرتبط الطموح أحياناً بقلَّة التركيز".

وحالياً يستعد رجل الأعمال، الذي حقق سلسلة من النجاحات، و تبلغ ثروته نحو 21.3 مليار دولار، لأكبر معاركه حتى الآن في مواجهة "بيندودو" ،و"جيه دي. كوم"، ومجموعة من الشركات الناشئة الذكية في مجال البقالة عبر الإنترنت.

و في حين تعمل "ميتوان" على تعميق وجودها في سوق التجارة الإلكترونية، تظل شركة "علي بابا" أكبر منافس يقف في طريقها.

ويعود العداء بين "وانغ، وما" إلى أكثر من خمس سنوات، حينما رفضت "علي بابا"-أحد المستثمرين الأوائل في "ميتوان"- ضخَّ المزيد من الأموال في الشركة الناشئة في منتصف عام 2015، بسبب رفضها لدمج تطبيقها بالكامل مع تطبيقات الشركة الأكبر "علي بابا". وردَّاً على ذلك، لجأ وانغ إلى "تينسنت"، وهي الشركة المنافسة لـ"علي بابا"، التي تعهدت بتمويل شركة وانغ بمليار دولار، ودمجت خدمات التوصيل مع "ميتوان". كما سمحت للشركة المندمجة بالعمل بشكل مستقل، مما أدى إلى تهميش منافسه "علي بابا" ولو لمرة واحدة.

السوق المزدهر في الصين حالياً: التجارة الإلكترونية المجتمعية

وفي مقابلة مع "بلومبرغ نيوز" نُشرت في عام 2019، قال وانغ، إنَّه يعتقد أنَّ جاك ما يعاني من "مشكلة تتعلَّق بالنزاهة"، مشيراً إلى الطريقة التي حوَّل بها ملكية شركة المدفوعات الرقمية "علي باي" دون موافقة مجلس إدارة "علي بابا". وبدلاً من ذلك، وصف وانغ مؤسس شركة "أمازون دوت كوم"، جيف بيزوس، بأنَّه نموذج يحتذى به، مشيراً إلى استعداده لتأجيل الأرباح، وإعادة الاستثمار في أعمال جديدة.

وحالياً، تتبنى "ميتوان" الفلسفة نفسها، فقالت في مارس، إنَّها تتوقَّع استمرار نجاحها خلال الأرباع القادمة كونها تستثمر في متاجر البقالة عبر الإنترنت.

وبشكل خاص، تتوسَّع الشركة بقوة في التجارة الإلكترونية المجتمعية، إذ يتمتَّع المشترون في الحي نفسه بخصومات كبيرة على المنتجات الطازجة.

وتشير التقديرات إلى أنَّ قيمة تلك السوق ستصل إلى ما يقرب من 121 مليار يوان (19 مليار دولار) هذا العام، مما يجذب استثمارات ضخمة من جانب عمالقة التكنولوجيا الآخرين.

وأخيراً، قال هي كي، مدير صندوق في شركة "هواتاي بينبريدج" لإدارة الأموال: "إنَّ معدل إنفاق رأس المال في سوق البقالة سيكون ضخماً للغاية، تماماً كما هو الحال في الحرب التنافسية في سوق طلب سيارات الأجرة". وأضاف: "الأموال ضرورية للفوز بهذه المعركة، ومن ينتصر سيحصد مكافآت ضخمة، نظراً لكون عمليات التسوق لشراء البقالة تتمُّ بتواتر أكثر".