كيف تختار "تيك توك" الأغاني التي تنتشر عبر الإنترنت؟

ميغان ذي ستاليون تقدم عرضاً في مدرج ريد روكس بمدينة موريسون، كولورادو، 2 سبتمبر 2020
ميغان ذي ستاليون تقدم عرضاً في مدرج ريد روكس بمدينة موريسون، كولورادو، 2 سبتمبر 2020 المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما خلعت المغنية الأمريكية "ميغان ذي ستاليون" قناعها البرتقالي اللامع وسارت على خشبة المسرح لتحصل على جائزة "غرامي" في 14 مارس الماضي، قاومت دموعها وشكرت الله، ووالدتها، ومديريها على مساعدتها في أن تصبح أول مغنية راب أنثى تفوز بجائزة أفضل فنان صاعد خلال عقدين من الزمان. لكن مغنية الراب، واسمها الحقيقي "ميغان بيت"، لم تذكر أي كيان آخر ساعد في تحويل أغنيتها "سافج" إلى الأغنية رقم 1، ولا سيما تطبيق الهاتف المحمول الشهير "تيك توك".

أصبح تطبيق "تيك توك"، وهو شبكة اجتماعية ينشر عليها الأشخاص مقاطع فيديو قصيرة غالباً ما تحتوي على الموسيقى، بمثابة آلة لاختيار الأغاني التي تتصدر القوائم في هذا الجيل. فعلى غرار العديد من فيديوهات "تيك توك"، بدا أن أغنية "سافج" تصعد تلقائياً على قوائم الأغاني بسبب تحمس المستمعين لها، ممن صمموا رقصاتهم الخاصة للأغنية، وقدموها إلى المعجبين الآخرين، الذين شاهدوا مقاطع الفيديو تلك عشرات الملايين من المرات.

تمثل هذه الطريقة الغامضة للنجاح على "تيك توك" السبب في تحول التطبيق إلى أهم منصة وسائط اجتماعية جديدة على الساحة منذ عدة سنوات، وهو ما أدى بدوره إلى اشتعال صراع جيوسياسي كبير بسبب هذه المنصة.

لكن نجاح "سافج" لم يأت من فراغ، وإنما نتج عن حملة تسويقية ذكية، حيث قامت إدارة "تيك توك" بتحليل بيانات المستخدمين ونصحت الشركة المسؤولة عن ألبوم "ميغان بيت" حول كيفية الترويج له. وفي النهاية استقرت على طريقة يمكن من خلالها ضمان تصدر الأغنية، وذلك عبر نشرها بشكل كبير بين مستخدمي الموقع، كأفضل وسيلة للترويج.

نشأة "تيك توك"

لطالما كانت وسائل التواصل الاجتماعي أقل عفوية وتلقائية مما تبدو عليه. لكن منصة "تيك توك" كانت أكثر تحكماً من التطبيقات المنافسة منذ إطلاقها.

يساعد المسؤولون التنفيذيون في الشركة على تحديد أي مقاطع الفيديو التي يجب أن تنتشر بسرعة، والمقاطع التي تظهر على صفحات التوصيات الشخصية، والتوجهات التي ينتجها التطبيق لتنتشر في بقية أنحاء العالم كله.

بدأ تعلق "تيك توك" بالثقافة الأمريكية مع ألكس تشو، الذي بدأ تطبيق "ميوزيكال دوت واي"، وهو تطبيق لمزامنة حركة الشفاه، تحول الآن إلى ما نعرفه باسم "تيك توك".

نشأ تشو في الصين، ودرس الهندسة المدنية في جامعة "جيجيانغ"، وسافر إلى سان فرانسيسكو للعمل في شركة البرمجيات العالمية "ساب ".

أثناء استقلاله لرحلة بالقطار تمر عبر وادي السيليكون في عام 2014، كان تشو مفتوناً بالمراهقين الأمريكيين، الذين يستمعون إلى الموسيقى، ويصورون الفيديوهات على هواتفهم، وقرر إنشاء تطبيق يضم الاثنين.

على الرغم من أن شركات التكنولوجيا غالباً ما تدخل في مشاحنات مع شركات التسجيل، إلا أن خطة تشو كانت تركز دائماً على التعاون مع صانعي الموسيقى، بدلاً من التصادم معهم.

كان تشو، البالغ من العمر 36 عاماً أنذاك، يتتبع سلوك المستخدم بحرص شديد، حتى أنه سجل حسابات مزيفة للتفاعل مع أطفال المدارس الابتدائية والمتوسطة. وكان يتودد شخصياً إلى النجوم الصاعدة، من خلال الاتصال بهم وبأولياء أمورهم في المنزل، ودعوة عائلاتهم لتناول العشاء.

رفض تشو، حسبما أبلغنا المتحدث باسم الشركة، التعليق.

صناعة النجوم

اشترت شركة "بايت دانس" الصينية شركة "ميوزيكال" في عام 2017. وعقب مرور عام، وبعد دمجها في شركة "تيك توك"، قام "تشانغ يمينغ"، الرئيس التنفيذي لشركة "بايت دانس"، بتزويد المنصة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وميزانية تسويق تبلغ حوالي مليار دولار؛ بهدف جذب مئات الملايين من المستخدمين. وبعد إعادة إطلاق العلامة التجارية "تيك توك"، أمضى الموظفون ساعات في الاتصال بمبتكري الفيديوهات لمطالبتهم شخصياً بالبقاء على التطبيق. وأوضحوا أن مالكة الشركة الجديدة، هي شركة صينية سخية، تنوي إنفاق الكثير من الأموال لزيادة وصول هؤلاء المبتكرين للجمهور، كما يقول مايكل بوزينوفر، مدير المنتجات في "تيك توك".

لزيادة عدد الفيديوهات التي يتم تنزيلها، حاولت "تيك توك" التأكد من أن المبتكرين والموسيقيين والمعلنين يجنون الأموال أيضاً. ولم يترك التنفيذيون في لوس أنجلوس وبكين -حيث تأسست بايت دانس- أي شيء تقريباً للصدفة. وعيّنت "تيك توك" مديرين مستقلين لآلاف النجوم للمساعدة في كل شيء، من أول تقديم الدعم الفني، وحتى مصروفات الجامعة، مما يدفع مبتكري الفيديوهات للشعور بالولاء نحو المؤسسة.

تنصح "تيك توك" مبتكري الفيديوهات المشهورين بانتظام باستخدام الوسوم (#) والميزات التي تعتبر مهمة للتطبيق والمعلنين، والتي غالباً تضمن الحد الأدنى من عدد المشاهدات لكل حملة. وتلعب "تيك توك" أيضاً دور حلقة الوصل بين مبتكري الفيديوهات من ناحية والعلامات التجارية والموسيقيين من الناحية الأخرى، ما يؤدي إلى شراكات مدفوعة الأجر بانتظام.

سر نجاج المحتوى

يتلقى كبار المستخدمين رسائل بريد إلكتروني أسبوعية تحتوي على إرشادات حول مقاطع الفيديو التي يجب عليهم إجراؤها لزيادة انتشارهم بين الجمهور، بحسب تأكيد غابي موراي، وهي مبتكرة محتوى على "تيك توك".

تبلغ غابي من العمر 19 عاماً، وتعيش في فلوريدا، ولديها 8.5 مليون متابع، وتكسب حوالي 20 ألف دولار شهرياً من "تيك توك".

تقول موراي، وهي تستعمل "فلتر" المرآة، وهو عبارة عن تقنية تسمح للمستخدمين بتكرار وجههم أكثر من مرة في نفس الصورة، نصحتها مديرة أعمالها من إدارة "تيك توك" باستخدامه: "لقد اختبرت تلك النصائح بالفعل، وحققت مقاطع الفيديو التي طبقت فيها تلك النصائح أداءً جيداً للغاية. رغم أن تقديم هذه المقاطع لم يكن يستهويني عادةً، لكنني أردت تجربتها فقط لأن مديرة أعمالي نصحتني بذلك".

يقول متحدث باسم "تيك توك"، إن التوجهات (التريندات) الموجودة على التطبيق "لا تزال تحدث بشكل تلقائي". ويختلف هذا النهج اختلافاً كبيراً عن الطريقة التي كان يتم العمل بها أثناء المراحل الأولى من إطلاق شركتي تويتر وفيسبوك، حيث انطلقت معظم التوجهات عليهما بعد أن نشر الكثير من الأشخاص نفس الشيء.


إثارة المستخدمين

تنظر شركات التكنولوجيا الأمريكية إلى نفسها بوصفها منصات للجمهور، وليست شركات لتزويد المحتوى، ولم تحث تلك المنصات المستخدمين على النشر عن أشياء معينة، كما تقول كارين سبنسر، التي أدارت قسم تطوير مبتكري المحتوى على منصة "فاين" (Vine)، التابعة لموقع يوتيوب، قبل أن يتسبب نزوح المستخدمين بعيداً عن هذه المنصة في إغلاقها.

تغيرت هذه الأيديولوجية إلى حد ما مع نمو الشركات، لا سيما على موقعي يوتيوب التابع لشركة ألفابت، وإنستغرام التابع لفيسبوك، اللذان يدفعان مبالغ مالية لمبتكري الفيديوهات بشكل متزايد مقابل الحصول على المحتوى.

كانت شركة"إنترتينمنت 300"، المسؤولة عن تسجيل ألبومات المغنية الأمريكية "ميغان بيت"، تعمل مع "تيك توك" للترويج لألبومها الذي حمل اسم "سوغا" في وقت مبكر من العام الماضي، قبل انتشار جائحة كوفيد-19. واختارت الشركة في البداية أغنية "كابتن هوك"" لتكون محور تركيز الحملة الترويجية للألبوم. لكن إدارة "تيك توك" حثت الشركة على وضع خمسة أغنيات على المنصة؛ لمراقبة المقاييس المختلفة قبل الالتزام بالتركيز على أغنية واحدة.

وفور إطلاق الأغاني على المنصة تقريباً، فضل مستخدمو "التيك توك" أغنية أخرى، وهي "سافج". وتقول "إيزابيل كوينتيروس أناوس"، رئيسة قسم الشراكات الموسيقية في "تيك توك": إن "المعدل الذي حفظ به المستخدمون مقتطفات من أغنية "سافج" في ملفات الأصوات الخاصة بهم، لاستخدامها في المستقبل، كان ينمو بشكل مطرد".

لكن بعد ذلك ترك "تيك توك" الأغنية عمداً "لتنتشر رويداً رويداً" على التطبيق لعدة أيام، ثم وضعها في قوائم التشغيل الأكثر أهمية، ومن بعد ضمها إلى إعلانات في أعلى صفحة البحث ومكتبة الصوت، وهو المكان الذي يختار منه المستخدمون الموسيقى لمقاطع الفيديو الخاصة بهم. وتقول أناوس:

لقد مكنّا الحملة الترويجية من الانتشار والوصول للمستخدمين، حتى نتمكن بعد ذلك من جعل الأغنية تصل إلى المكان الذي نريده. وعندما أزلنا كل العقبات أمامها أصبحت "سافج" ببساطة الأغنية رقم 1.

إدارة التحدي

استضافت منصة "تيك توك"، "ميغان بيت" في حدث مباشر خلال الأيام الأولى من الحجر الصحي، وساعدتها على الترويج لـ"تحدي سافج" (SavageChallenge#)"، الذي سمي على اسم رقصة ابتكرتها كيارا ويلسون، وهي مستخدمة "تيك توك" تبلغ من العمر 20 عاماً، وتعيش في تكساس.

تقول ويلسون، التي تم التعاقد معها لإنشاء رقصات مماثلة لمغني الراب "تي باين" ونجوم آخرين، إنها لم تحصل على أجر لتصميم رقصة "سافج". لكن شركة "إنترتينمنت 300"، التي تروج ألبوم بيت، أدارت حملة تسويقية للأغنية مستخدمة أشهر "المؤثرين"، ونشر نجوم "تيك توك" "تشارلي داميليو"، و"أديسون راي"، و"هايلي"، و"جاستن بيبر" مقاطع فيديو عن تحدي أغنية "سافج" بين متابعيهم، ممن يبلغ عددهم أكثر من 200 مليون متابع. بعد ذلك، قامت ميغان بأداء التحدي بنفسها في منشور على "تيك توك"، وهي ترتدي ملابس من خط أزياء "سافج إكس فانتي"، التابع لشركة المغنية المشهورة "ريهانا"، ما ساعد في زيادة مبيعات الشركة التي تدخل في شراكة مع علامة بيت التجارية.

حصان طروادة

بينما كانت أغنية "سافج" تتصدر قوائم الأغاني بسرعة كبيرة، كانت "تيك توك" وشركتها الأم الصينية "بايت دانس" تواجهان أزمة سياسية ناجمة عن تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. وأعرب السياسيون الأمريكيون عن مخاوفهم بشأن الخصوصية وطبيعة الخواريزميات المستخدمة في "تيك توك"، وإمكانية استخدام التطبيق كـ"حصان طروادة" الذي يتجسس لصالح الصين. وفي يونيو 2020، عقد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، مسيرة شارك فيها عدد قليل من الأشخاص للتنديد بدور التيك توك. وألقى بعض الأشخاص باللوم في قلة المشاركة على قيام آلاف من مستخدمي "تيك توك" بحملة لتخريب المسيرة.

وبحلول شهر أغسطس الماضي، وبسبب زعم وجود مخاوف تتعلق بالأمن القومي، أصدر ترامب أمرين تنفيذيين يلزمان بايت دانس ببيع جزء من أعمالها لشركة أمريكية، وإلا ستتعرض لخطر الحظر في الولايات المتحدة.

وناقش تشانغ، الرئيس التنفيذي لشركة "بايت دانس"، الصفقات المحتملة مع عدد من عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة، لكنه قرر في النهاية انتظار انتهاء جلاء الأزمة، وتوقع تراجع العداء مع شركته بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

في غضون ذلك، رفعت مجموعة من المؤثرين الأمريكيين على وسائل التواصل الاجتماعي دعوى قضائية ضد إدارة دونالد ترمب، متهمة الرئيس الأمريكي السابق بأن حظر "تيك توك" ينتهك حقهم الدستوري في حرية التعبير. وبدا أن ذلك الاعتراض عبارة عن جهد شعبي تقوده "كوستي ريناب"، وهي مصممة أزياء وفنانة كوميدية وموسيقية، تملك حوالي 8 ملايين متابع على "تيك توك".

قالت ريناب، البالغة من العمر 21 عاماً، على المنصة: "يتمحور "تيك توك" حول استخدام صوتك للوصول إلى جمهور عالمي، وهذا ما ينص عليه التعديل الأول من دستور الولايات المتحدة"، مضيفة أن الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترامب ينتهك حريتهم.

جيش كبير من المؤثرين

في الواقع، تم تنسيق الدعوى بواسطة "تيك توك" و"بايت دانس"، وفقاً لشخص مطلع على القضية، ولكنه ليس مخول بالتحدث علناً لوسائل الإعلام. وجندت الشركتان مبتكري الفيديوهات، وأوصلتهم بمحام مشهور في القضايا التي تتمحور حول التعديل الأول للدستور الأمريكي، وساعدتا في صياغة التكتيكات القانونية، كما يقول هذا الشخص.

نجحت هذه الاستراتيجية بالفعل، حيث حصلت "بايت دانس" على تأجيل للأمر التنفيذي عندما غادر ترمب منصبه، وعلقت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن رسمياً الحظر الذي فرضه رئيس الولايات المتحدة السابق. وأصبح "تيك توك" التطبيق الأكثر تنزيلًا في عام 2020، متجاوزاً فيسبوك، وفقاً لتطبيق" أني" التحليلي.

ويقول بريت بروين، الدبلوماسي السابق في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، إن هذا يمثل نوع القوة الناعمة التي سعى تشانغ لها لسنوات بهدف التأثير على السوق الأمريكية. ويرى بروين أن الأمر "ليس مواجهة بين واشنطن وبكين، أو بين "تيك توك" وترامب. ولكنه جيش كبير من المؤثرين الإلكترونيين".

ومثلما يحدث عند تحديد "تيك توك" للأغنية الجديدة التي ستتصدر الإنترنت، كانت إدارة المنصة سعيدة بظهور فوزها بالحرب أمام إدارة ترمب، كما لو أن مستخدميها هم من حققوا هذا الانتصار، وهم من أداروا أجندة المعركة.