تجربة كوريا الجنوبية مع ضخ ثاني أكسيد الكربون في قاع البحار

حقل غاز "دونغهاي" في كوريا الجنوبية
حقل غاز "دونغهاي" في كوريا الجنوبية المصدر: شركة النفط الكورية الجنوبية الوطنية
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

على بعد ستة وثلاثين ميلاً قبالة السواحل الكورية الجنوبية، يشارف حقل غاز "دونغهاي" على الجفاف، وحين يتمُّ إغلاقه في العام المقبل، قد يبدأ خطُّ الأنابيب الذي يصله بميناء أولسان في العمل بشكل عكسي، مما سيمنح الدولة الآسيوية أول حوض ضخم لاحتجاز الكربون من خلال ضخِّ ثاني أكسيد الكربون في الصخور تحت قاع البحر.

وتقوم خطة كوريا الجنوبية على تخزين 400 ألف طنٍّ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً على مدى ثلاثين عاماً ابتداءً من عام 2025، بحسب ما كشفت عنه شركة النفط الوطنية.

وستجري الشركة هذا العام دراسة جدوى للمشروع الذي قد يصبح أوَّل مشروع ضخم لاحتجاز الكربون وتخزينه في كوريا الجنوبية، وربما من الأضخم في العالم.

التكلفة المرتفعة

مع ذلك، فإنَّ تكلفة مثل هذا الرهان مرتفعة. ففكرة تخزين ثاني أكسيد الكربون في آبار الغاز المستنفذة لطالما كانت ضمن أهداف شركات النفط وغيرها من القطاعات التي تسعى لتعويض الانبعاثات الناجمة عنها في ظلِّ تصعيد الحكومات الضغوط على الشركات الملوثة.

ولكن نظراً إلى التكلفة المرتفعة، بدت مثل هذه المشاريع غير عملية، ومع إعلان كوريا الجنوبية عزمها تحقيق حياد الكربون بحلول عام 2050، ستستخدم شركة النفط الوطنية الخزان الفارغ من أجل إثبات أنَّ مثل هذا النظام قابل للنجاح.

وقال لي هوسيوب، قائد الفريق في قسم احتجاز الكربون وتخزينه في شركة النفط الوطنية: "جمع ثاني أكسيد الكربون وعزله سيصبح تقنية ذات أهمية متنامية تمكِّننا من بلوغ حياد الكربون بحلول عام 2050"، وأضاف: "من شأن نجاح المشروع في البحر الشرقي أن يثبت أنَّ بإمكانه تخفيف البصمة الكربونية للبلاد بشكل ملحوظ".

هذا وتبلغ حالياً السعة العالمية للاحتجاز والتخزين حوالي 40 مليون طنٍّ سنوياً فقط، ابتداءً من عام 2020، وذلك بحسب المعهد العالمي لاحتجاز الكربون وتخزينه الذي يدعم تبني هذه التقنية. وبحسب وكالة الطاقة الدولية، يجب على احتجاز وتخزين الكربون أن يلعب "دوراً كبيراً" في عملية التحول نحو تصفير الانبعاثات.

تقنية احتجاز الكربون عالمياً

في هذا السياق، تقترح الدول المتطورة، بينها الولايات المتحدة وعمالقة النفط مثل

"إكسون موبيل"، و"رويال دتش شل" مشاريع لاحتجاز الكربون وتخزينه على نطاق واسع بهدف تعويض الانبعاثات. وقد أقرَّ جون كيري، مبعوث الرئيس الأميركي جو بايدن الخاص بالمناخ أنَّ "ثمة اهتماماً كبيراً جداً" بهذه التكنولوجيا، كما أدرجتها اليابان ضمن خطَّتها لتصفير الانبعاثات بحلول عام 2050.

وكانت الحكومة البريطانية قد كشفت في نوفمبر الماضي عن خطة لاستثمار مليار جنيه إسترليني (1.4 مليار دولار) لبناء أربعة مشاريع لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه ضمن تكتلات كبرى، بهدف إزالة 10 ملايين طنٍّ بحلول نهاية العقد. وفي الولايات المتحدة، وضعت شركة "فاليرو" للطاقة وشركة "بلاك روك" خططاً لبناء نظام أنابيب لاحتجاز الكربون على المستوى الصناعي، وحجرة تخزين تصل سعتها الأولية لخمسة أطنان من ثاني أكسيد الكربون في السنة.

وتعدُّ خطة كوريا الجنوبية مناسبة أيضاً من ناحية "الاستقرار الجيوتقني" بما أنَّ إعادة ضخّ ثاني أكسيد الكربون في الطبقات الصخرية تحت الأرض يسهم في موازنة فقدان الغاز المستخرج، بحسب كوون ييكيون، أستاذ علم البيئية الجغرافية في "جامعة كونجغو الوطنية" الذي يعمل حالياً على إعداد دراسة الجدوى لحقل "دونغهاي".

وكان قطاع الطاقة سبق واستخدم هذه التقنية من أجل استخراج النفط الخام أو الغاز من الخزانات من خلال ضخِّ ثاني أكسيد الكربون.

وقال كوون: "تخزين ثاني أكسيد الكربون سيساعد في إحداث استقرار في الضغط، بالتالي هو مكان جيد لإقامة أوَّل مشروع لاحتجاز الكربون وتخزينه في البلاد". ويذكر أنَّه كان قد تمَّ اكتشاف حقل "دونغهاي" في عام 1998.

ومن شأن نجاح المشروع أن يحدد سرعة الاستثمار في مثل هذه المشاريع، واعتمادها على امتداد كوريا الجنوبية التي تسعى لبناء سعة تخزين سنوية من ثاني أكسيد الكربون تبلغ 4 ملايين طنٍّ في جرفها القاري بحلول عام 2023.

وسيلة لتحقيق الحياد الكربوني

وتعدُّ كوريا الجنوبية تاسع أكبر دولة مسببة لانبعاثات الكربون في العالم. وفيما تضمُّ أقل من 1% من عدد سكان الكوكب، فهي تسهم بـ1.7% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. وبما أنَّ اقتصاد البلاد يعتمد بشكل أساسي على الصناعات مثل الصلب والمواد البتروكيميائية، يقرُّ العلماء بأنَّ تصفير الانبعاثات بحلول عام 2050 عملية صعبة.

ويعتبر إعادة استخدام حقل للغاز مجدياً من ناحية التكلفة، بما أنَّه يتيح إعادة استخدام خطوط أنابيب قائمة بالفعل تحت الماء ويخفِّض من التكلفة المرتفعة لإيجاد موقع بديل وتطويره. وستجمع شركة النفط الوطنية ثاني أكسيد الكربون من المعامل، بما يشمل المعامل البتروكيميائية، ومصافي تكرير النفط عند الطرف الآخر لخط الأنابيب في أولسان.

ولكن على الرغم من هذه المميزات، فإنَّ التكلفة تبقى مرتفعة. إذ إنَّ احتجاز الكربون يكلِّف ما بين 60 إلى 70 دولاراً للطنّ، ولا بدَّ من خفض التكلفة إلى 30 دولاراً حتى تصبح هذه التكنولوجيا متاحة بشكل أوسع، بحسب ريو هو جونغ، الباحث الرئيسي في معهد كوريا لبحوث الطاقة. بالتالي، سوف يتعيَّن على الحكومات أن تساعد في تمويل الشركات الخاصة كي تثبت نجاحة هذه التكنولوجيا، وتنخفض تكلفتها التقنية، بحسب كوون من "جامعة كونغجو الوطنية".

من جهته، رأى تيري فان غيفيلت، مساعد أستاذ الاستدامة البيئية في "جامعة هونغ كونغ" أنَّ تحويل حقول الغاز إلى مخازن للكربون، ربما يكون منطقياً بالنسبة لدولة ذات قدرات تقنية عالية، ولكنَّه لن يقدِّم حلاً سحرياً. فمثل هذه الخطوة تتطلَّب إرادة سياسية من طرف الحكومة، والجهات المعنية كافةً من أجل تحقيق حياد الكربون.

وتشمل التحديات الأخرى ضمان أن يتمَّ نقل ثاني أكسيد الكربون وحفظه بشكل آمن، أي الحرص على أنَّ الخزان قادر على مقاومة الزلازل، والتصدعات الجيولوجية، والتسربات من آبار الغاز القديمة.

ويرى المشككون أنَّ مثل هذه التكاليف والتحديات ستستمر في عرقلة تبني هذا النظام على المستوى التجاري.

وقال كيم جيسيوك، اختصاصي المناخ والطاقة في منظمة "غرينبيس" في سيول: "احتجاز الكربون وتخزينه أشبه بحصان أحادي القرن الخرافي، فهو لا يعيش إلا في مخيلتنا"، معتبراً أنَّ هذه التقنية هي مجرد "وسيلة إلهاء بما أنَّها مكلفة، وتتسم بالمخاطرة". وأضاف: "التركيز على توسيع استخدام الطاقة المتجددة يقدِّم طريقة أكثر فعالية من أجل الاقتراب من حياد الكربون".

ولكن، مع توجه الحكومات نحو زيادة الغرامات على الشركات التي تقصِّر في التخفيف من التلوث الناجم عنها، أو في التعويض عنه، فإنَّ معادلة التكلفة قد تتغير، مما يجعل احتجاز الكربون وتخزينه أكثر جاذبية.

وقال يوو دومغهيون، كبير الزملاء البحثيين في معهد اقتصادات الطاقة الكورية: "الهدف الأساسي لاحتجاز الكربون وتخزينه هو عزل ثاني أكسيد الكربون، ولكن أيضاً الحفاظ على التنافسية الاقتصادية". وأضاف: "التقنية ستشكِّل تكنولوجيا بالغة الأهمية في سباقنا نحو تصفير الانبعاثات".