فوضى العملات المشفرة تزيد مبررات إصدار نقود رقمية تسيطر عليها الدول

تشهد العملات المشفرة موجة تقلبات سعرية أعادت مخاوف المستثمرين والسلطات التنظيمية من مخاطرها وشجعت البنوك المركزية على المضي قدماً نحو إصدار نقود رقمية
تشهد العملات المشفرة موجة تقلبات سعرية أعادت مخاوف المستثمرين والسلطات التنظيمية من مخاطرها وشجعت البنوك المركزية على المضي قدماً نحو إصدار نقود رقمية المصدر: بلومبرغ
Andy Mukherjee
Andy Mukherjee

Andy Mukherjee is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies and financial services. He previously was a columnist for Reuters Breakingviews. He has also worked for the Straits Times, ET NOW and Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أكَّدت تقلُّبات "بتكوين" الجامحة في عام 2021 شيئاً واحداً، وهو أنَّ مستقبل النقود سيكون إلكترونياً، لكنَّه لن يشبه مدينة "سايبربونك"(المدينة الفاضلة لعالم تحكمه الروبوتات في أفلام الخيال العلمي)، إذ تخضع قوة الشعوب لسلطة الحكام أصحاب السيادة.

يزيد الهوس والذعر اللذان سيطرا على العملات المشفَّرة اللامركزية من جاذبية منافسيها القادمين، أي النقود الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية.

ستكون هذه الرموز المميزة ثابتة، ومركزية، وخاضعة لسيطرة الدولة. هذا هو بالضبط ما يريده المستخدمون في عالم إنترنت الأشياء، إذ تحتاج الآلات إلى تسوية المعاملات مع بعضها طوال الوقت، وعلى الفور، ودون المساهمة في الاحتباس الحراري.

ستصبح العملات الإلكترونية الرسمية نوعاً جديداً من مسؤوليات البنك المركزي إلى جانب النقد المادي، برغم أنَّها لن تكون فئة أصول جديدة بالنسبة للمستثمرين الذين يراهنون على القيمة المستقبلية للدولار، أو الين، أو اليورو.

ولهذا الأمر مزايا واضحة. ويعني تجنُّب تحولها إلى أداة جديدة للمضاربة أنَّ طلبات الاقتصاد العالمي المدعوم من "العملة الرقمية الفيدرالية" (FedCoin)، واليورو الرقمي، واليوان الإلكتروني ستكون أقل إرهاقاً بكثير لموارد الطاقة مقارنة بالعملات المشفَّرة.

نهج إثبات الحصة

في ظلِّ غياب وسيط موثوق به؛ فإنَّ بروتوكول "التعدين" أو بروتوكول إثبات العمل الذي يحافظ على سلسلة كتل "بلوكتشين" آمنة من هجمات الإنفاق المزدوج، الذي يحدث عند اختراق شبكة الـ "بلوكتشين"، والذي بدوره يتطلَّب أجهزةً تستهلك الكثير من الطاقة.

يتطلَّب أجهزة تستهلك الكثير من الطاقة. ويمكن للطاقة التي تستهلكها "بتكوين"، و"إيثيريوم" إنارة 16 مليون منزل أمريكي.

ليس الأمر كذلك بالنسبة لسجلات البيانات الموزَّعة التي ستتحقق من عمليات نقل العملات الرسمية. كما لن يتمَّ الاحتفاظ بـالسجلات هذه إلا من قبل مجموعة مختارة من الوسطاء بإذن من البنك المركزي.

و بدلاً من أن تكون في سباقٍ لحل الألغاز بشكل أسرع من الجهات الخبيثة، كما نرى مع العملات المشفَّرة اللامركزية؛ يمكن للعُقد في الشبكة الإقفال على أموالها لدعم المعاملات المشروعة. و سيتطلَّب هذا النهج المعروف باسم "إثبات الحصة"، جزءاً بسيطاً من احتياجات الطاقة لإثبات العمل.

تعتزم "إيثيريوم" سلوك منهج آخر. كما ستحل العملة المشفَّرة "إيثر" محل الأجهزة والكهرباء كاستثمار ضروري لتأمين الشبكة. وسيكسب المدققون رسوماً عن معالجة أو التحقق من أصالة ما لا يقل عن 32 إيثر. (هذا التزام بقيمة 72 ألف دولار في لحظة كتابة هذه المقالة). إنْ كان التصرف سيئاً، أو توقَّفوا عن العمل، أو فشلوا في القيام به، فقد يفقد المعالجون ضماناتهم.

سلطة مركزية

ربما تستطيع سلطة مركزية إدارة مثل هذه الشبكة بشكلٍ أفضل. ففي النهاية، يجب أن يتمتَّع أولئك الذين يقومون بمعاملات الكفالة بخبرة في هذا المجال، كما يدَّعون، ويجب على شخص جدير بالثقة التأكُّد من ذلك. وفي هذا الشأن يقول "تشي لو"، الخبير الاقتصادي في "بي إن بي باريبا" لإدارة الأصول، إنَّ هوية حامل العملة ستكون مطلوبة بشكل لا يمكن تفاديه للتحقق من أرصدة سجل البيانات الرقمي؛ متسائلاً "مَن لديه الهوية القانونية لحاملي العملات؟ الحكومة!"

تتمتَّع البنوك المركزية غير المقيَّدة بكمية الأموال النقدية التي يمكن أن تصدرها، بالمرونة لتجنُّب الكارثة، كما فعلت مؤخَّراً خلال جائحة كوفيد-19. وعلى النقيض من ذلك؛ فإنَّ اقتصاد "بتكوين" يمكن أن يكون خطيراً بسبب المعروض النقدي المحدود. وكما يقول "لو": "إن قمت بإصلاح المتغيِّرات الاسمية؛ فإنَّ الناتج الحقيقي يجب أن يُعدَّل بشدة لامتصاص أي صدمات اقتصادية".

إلى جانب ذلك؛ فإنَّ الإخفاء التام لهوية العملات المشفَّرة غير عملي، ويأتي مصحوباً بمخاطر عالية غير مقبولة تتعلَّق بغسيل الأموال، وتمويل الإرهاب.

لا تريد الحكومات التطفل على جميع -أو حتى معظم- المعاملات عبر الإنترنت. لكنَّها لن تتنازل عن حقِّها في رفع الغشاوة عن الأسماء المستعارة عندما تريد. ومن ثمَّ يأتي الاهتمام بالنقد الرقمي في جميع أنحاء العالم.

تبدو خطط الصين أكثر تقدُّماً، لكنَّ البنوك المركزية الأخرى تخوض المعركة أيضاً.

الجانب الآخر للنقود الرقمية

إذا كان تبني العملة المشفَّرة سيسبب صداعاً للحكومات؛ فقد تكون الشعبية الهائلة للنقد الرقمي مشكلة أيضاً.

قد تخسر البنوك الودائع، إنْ كان العملاء يُفضِّلون الحصول على سلطة مباشرة على أموالهم لديها. وقد يواجه المقرضون الذين يموِّلون القروض طويلة الأجل بأدوات سوقية قصيرة الأجل متاعب لاحقاً.

ومن خلال تجاهلها إلى الحدِّ الذي يجب فيه توزيع الخسائر المصرفية المرتبطة بالقروض العقارية عالية المخاطر على المجتمع؛ فإنَّ السلطات تكون قد خلقت فجوة ثقة مع الجمهور، فقد انفجر اللاسلطويون التقنيون من خلالها بنموذج لنظام دفع إلكتروني قائم على إثبات التشفير بدلاً من الثقة.

بعد أكثر من عقد من الزمان، لا يمكننا قياس نجاح حركة "سايبربونك"، بفئة الأصول المتقلِّبة للغاية، والمضاربة التي ساعدت في نشرها وانتشارها، ولكن من خلال التأثير المتزايد لتكنولوجيا "بلوكتشين" داخل النظام المالي التقليدي.

سيغيِّر النقد الرقمي -الذي يحتوي على رمز برمجي مدمج وذاتي التنفيذ- مستقبل النقود بطريقة لا يمكن للعملات المشفَّرة فعلها أبداً. ستفوز الرموز؛ لكنَّ الثقة لن تخسر.