خطر الاستغلال يحاصر جيل أيتام كوفيد في الهند

المصدر: بلومبرغ بيزنيس ويك
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في أوائل شهر مايو، لاحظت أكانتشا سريفاستافا، المقيمة في مومباي، أمراً غير عادي. انهمرت على صفحاتها الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى صفحة الدردشة على الموقع الإلكتروني للمؤسسة غير الربحية التي تديرها، النداءات والدعوات لمساعدة الأطفال الذين تيتموا بسبب الموجة الثانية والشرسة من وباء كوفيد-19 في الهند، والتي أودت بحياة أكثر من 150 ألف شخص خلال الشهرين الماضيين.

خط ساخن

بعيداً عن عملها المعتاد كمتخصصة في مجال الأمن السيبراني عبر الإنترنت، قامت المهندسة، التي يقترب عمرها من الثلاثين عاماً، بإعداد فريق مكون من ثمانية أفراد، قام بتفعيل خط مساعدة باسم "واتس أب كوفيد"، للأطفال المنكوبين في هذه المحنة. وبعد ساعات من فتح هذا الخط الساخن، قام نجوم بوليوود وشخصيات تليفزيونية ورؤساء الشرطة بمشاركة الرقم صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، لتبدأ الرسائل الملحة بالتدفق من دلهي ومومباي ومن مدن أخرى صغيرة وبعيدة.

تقول سريفاستافا، التي كان خط المساعدة الخاص بها يسجل ما بين 3500 و4000 رسالة يومياً: "كان الناس يطلبون منا إنقاذ الأطفال الأيتام، وينبهوننا إلى عمليات التبني غير القانونية والاتجار بالأطفال". وبدأ فريقها يعمل مع السلطات لتحديد مواقع أقارب الأطفال أو وضعهم في دور الإيواء المكتظة بالفعل، والتي تديرها الدولة. تقول سريفاستافا: "الأطفال في حالة صدمة، ولا يفهمون ما الذي يحدث".

عائلات وأطفال مشتتون

شتّت الفيروس العائلات كما الأطفال الأيتام حول العالم. لكن حجم الأزمة في الهند، حيث 27% من السكان البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة تحت سن 14 سنة، لا مثيل له، كما أن هناك ما يقرب من 350 ألف يتيم في مؤسسات الرعاية في الهند، وكلهم يواجهون خطر الجائحة. لذلك، تسعى السلطات الهندية اليوم جاهدة لإحصاء عدد الأطفال المتروكين، والذين باتوا بلا أهل، إما لأن ذويهم دخلوا المستشفى أو توفوا، أو لأن أحد الوالدين الناجي غير قادر على رعايتهم.

يقول بريانك كانونغو، رئيس اللجنة الوطنية لحماية الطفل ومقرها نيودلهي، إن مكتبه قام بتوجيه جميع وحدات حماية الطفل، ومسؤولي الرعاية، ونقاط التفتيش في جميع الأحياء، لتتبع الأمر. وفي تغريدة حديثة، قالت سمريتي إيراني، وزيرة تنمية الطفل والمرأة في الهند، إنه منذ الأول من أبريل، أبلغت حكومات الولايات عن 577 طفلاً فقدوا آباءهم وأمهاتهم بسبب وباء كوفيد-19.

يمكن أن تتحول الأزمة الصحية الخانقة إلى أزمة في مجال حقوق الإنسان، في بلدٍ لطالما كان استغلال الأطفال فيه يمثل مشكلة. فمنظمة العمل الدولية مثلاً تشير إلى أن أكثر من 10 ملايين طفل هندي دون سن 14 منخرطون في القوة العاملة. وقد يكون الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير، إذ أن أربعة أضعاف هذا العدد غير مسجلين في المدارس، وفقاً لأحدث بيانات التعداد السكاني في الهند.

انتهاكات خطيرة

تقول سونال كابور، مؤسسة ومديرة "مؤسسة بروتساهان الهند" وهي جمعية غير حكومية تهتم بأطفال الأحياء الفقيرة، "إن ملايين الأطفال في أنحاد البلاد يواجهون انتهاكات خطيرة لحقوق الطفل في الوقت الحالي، ويتم الاتجار بهم واستغلالهم جنسياً أو توجيههم نحو عمالة الأطفال. وتقوم هذه المؤسسة التي تتواجد في 48 حياً فقيراً في دلهي، بتسجيل أكثر من 25 مكالمة استغاثة خلال اليوم، كما تقول كابور، بعدما كانت تتلقى من 15 إلى 20 مكالمة يومياً قبل شهر من تفشي الوباء.

في إحدى الحالات، تعرضت ثلاث فتيات تتراوح أعمارهم بين 5 و6 و14 سنة لسوء معاملة على يد والدهن، بينما كانت والدتهن في المستشفى. وفي حالة أخرى، لم يتلق طفلان أي تغذية لمدة ثلاثة أيام لأن والديهم كانا مريضين لدرجة تمنعهما من رعايتهما. تقول كابور: "توفي ما يُقدر بنحو 20% من سكان الأحياء الفقيرة في دلهي، خلال الوباء، وانعكس ذلك على حياة الكثيرين من الأطفال، فيما أصبحت الهند ككل، في حالة يُرثى لها".

الاتجار بالأطفال

تقول جالا لالثاما، الناشطة الاجتماعية في المنظمة الشعبية للتنمية الريفية والتي يقع مقرها في مادانا بالي، وهي مدينة يقل عدد سكانها عن 200 ألف نسمة، وتبعد ثلاث ساعات بالسيارة عن بنغالور، إن الأطفال الأيتام معرضون لخطر الاتجار بهم في المدن الصغيرة والمناطق الريفية، بسبب تفشي الفقر والتواجد الضعيف لأجهزة الشرطة في تلك المناطق.

خلال الموجة الحالية من كوفيد-19، وثّقت لالثاما، عشرات الحالات من انتهاك حقوق الطفل في المنطقة، حيث يتم تجنيد الأطفال لصنع المشروبات الكحولية غير المشروعة، ونقل أكياس الطماطم من سوق الخضار بالجملة إلى داخل المدينة. وتقول إنه في حال وفاة معيل الأسرة، يتم إغراء الفتيات الصغيرات للعمل في المصانع بالمدن المجاورة، ثم يتم الاتجار بهن وإرغامهن على ممارسة الجنس.

على الرغم من عدم وجود بيانات موثوقة حول عدد الأطفال المعرضين للخطر، تبقى الأرقام المتاحة مثيرة للقلق. في جهارخاند، وهي ولاية في شرق الهند، ومع ارتفاع مستوى الفقر بين أبناء الريف، حددت اللجنة الوطنية لحماية حقوق الطفل موقع 4700 طفل ضعيف في منطقة واحدة معروفة بسجلها في استغلال الأطفال.

مشاركة التفاصيل

تدفّقت طلبات المساعدة بشكل هائل على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك تويتر، حيث انتشر هاشتاغ أيتام كوفيد بشكل واسع ليحتل الصدارة.

جاء في إحدى رسائل الإغاثة: "إذا كان أي شخص يرغب في تبني فتاة، يرجى الاتصال بريانكا"، مع تضمين الرسالة رقم الهاتف. وكُتب في رسالة أخرى: "فتاة عمرها ثلاثة أيام وأخرى عمرها ستة أشهر، فقدتا والديهما مؤخراً بسبب فيروس كورونا. شارك بأكبر قدر ممكن، وساعدهما في الحصول على حياة جديدة". وفي حين أن معظم هذه المنشورات قد تكون حسنة النية، كما يقول خبراء رعاية الطفل، إلا أنها تشكل خطراً. فبحسب سريفاستافا: "عند مشاركة صور ومواقع الأطفال، تنشط شبكات الاتجار بهم تحت ستار التبني". أما كابور، فتقول: "بين عشية وضحاها، جاء مانحون ومتبرعون جدد وقالوا لنا إننا سنمول أيتام كوفيد إذا شاركتمونا التفاصيل بشأنهم".

حاولت الوزيرة إيراني، أن تضع حداً للرسائل، ونصحت فاعلي الخير بالاتصال بأقسام الشرطة المحلية أو الخط الساخن للوزارة. وكتبت في سلسلة تغريدات "من فضلك لا تشارك الصور وتفاصيل الاتصال الخاصة بالأطفال المستضعفين الذين يعانون أوضاعاً وظروفاً صعبة على وسائل التواصل الاجتماعي. يجب حماية هويتهم بموجب القانون".

استجابة حكومية محدودة

عمليات التبني القانونية في الهند معقّدة وصعبة، ويمكن أن تستغرق سنوات. وفي الظروف الطبيعية، تلجأ العائلات الكبرى إلى إيواء أطفال أيتام ومشردين، غير أن ظروف الجائحة الراهنة حدّت من هذا الأمر، بسبب مخاوف العدوى وزيادة النفقات.

حتى الآن، مازالت الاستجابة الرسمية لهذه القضية محصورة في حالات خاصة. ومن أجل تحفيز الأقارب على إيواء الأطفال المشردين في منازلهم، تعهدت الحكومات في دلهي ووسط ماديا براديش بالتعليم المجاني والرواتب الشهرية لدعم أيتام كوفيد، فيما وضعت الحكومة في ولاية كيرالا بروتوكولاً للطوارئ، تم تفعيله خصيصاً لتبني أيتام كوفيد.

تشعر بوجا مروه، المديرة التنفيذية لجمعية "حقوقك أنت والطفل"، وهي منظمة غير ربحية تدعم المئات من المبادرات الشعبية لتنمية الطفل في جميع أنحاء البلاد، بالقلق من أن الوباء قضى على مكاسب سنوات من التقدم الذي تم إحرازه بشق الأنفس في مجالات مثل سوء تغذية الأطفال والتعليم، والذي كان نتاج عمل جمعيتها الخاصة وغيرها من المؤسسات الجمعيات غير الربحية.

تقول بوجا "لقد كانت معركة شاقة لتأمين تعليم أطفالنا وصحتهم وسلامتهم، واستغرق الأمر جهوداً ضخمة وتمويلاً وموارد كبيرة، بالإضافة إلى بناء عادات مجتمعية على مدى العقدين الماضيين، ولدينا اليوم أسباب تجعلنا قلقين من أن الكثير من هذا النجاح، يمكن أن يضيع".