الغاز الروسي.. كنز موسكو بين الرفض والترحيب أوروبياً

المصور:
المصور: Andrey Rudakov/Bloomberg
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تواصل أوروبا شراء الغاز الروسي، بكميات تفوق أي وقت مضى، بالرغم من تراجع العلاقات بين الطرفين إلى أدنى مستوى لها منذ عقود، وإن كانت قد أخذت على عاتقها التحرر من تحكم موسكو في إمداداتها من الطاقة بعد عرقلة شحنات الغاز المتجهة إلى الغرب مرتين.

وتصاعد الخلاف بين القادة الأوروبيين بسبب المخطط المقترح لمضاعفة شحنات الغاز المتجهة إلى ألمانيا - أكبر مشتر للغاز الروسي - عبر خط الأنابيب الجديد، مما يشكل مصدراً متزايداً للقلق في الولايات المتحدة التي تخشى من أن تقوِّي هذه العلاقات مع موسكو من قدرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على استخدام الغاز الطبيعي وسيلةً للضغط على منتقديه، ومكافأة لحلفائه.

الوضع الحالي للغاز الروسي

اشترت أوروبا عام 2017 كميات قياسية من الغاز بلغت قيمتها 38 مليار دولار من شركة "غازبروم" الروسية المساهمة (Gazprom PJSC)، الأمر الذي يعود جزئياً إلى رغبتها في تعويض الحقول المستنزفة في بريطانيا وهولندا، إذ يوفِّر الغاز الطبيعي حوالي 22 في المئة من تشكيلة الطاقة الأوروبية، يأتي ثلثها من موسكو.

وبدأ العمل في عام 2018 على إنشاء خط أنابيب "نورد ستريم 2" (Nord Stream 2) تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا، بإشراف شركة "غازبروم"، وبتمويل جزئي من شركات الطاقة الأوروبية.

وكتبت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى الرئيس دونالد ترامب، يطالبونه بمنع استمرار هذا المشروع، قائلين، إنه سيجعل حلفاء واشنطن "أكثر عرضة للضغط من جانب موسكو، والتأثر بخططها الخبيثة".

كما عارض المشروع عدة دول أخرى مثل بولندا وسلوفاكيا وغيرهما من الدول التي تملك خطوطاً قائمة من أنابيب الغاز، محذرة من أن الخطة ستُحكِم القبضة الروسية على المنطقة، التي تمكِّنها من تجاوز صلاحياتها في الدول التي تمدُّها بالغاز، متى ما تشاء، بما في ذلك أوكرانيا التي لا تزال في صراع مع روسيا منذ 2014.

وفي عام 2014، جُرِّد الرئيس الأوكراني السابق المناصر لروسيا فيكتور يانوكوفيتش من صلاحياته، واستولت موسكو على شبه جزيرة القرم في إجراء تعسفي أشعل فتيل الغضب الأمريكي والأوروبي. ثم أعقب ذلك إعلان بريطانيا نيّتها البحث عن مصادر أخرى لتأمين الغاز، بعدما ألقت اللوم على موسكو في تسميم الجاسوس الروسي السابق في إنجلترا بغاز الأعصاب خلال شهر مارس 2018، وهو ما نفاه الكرملين.

خلفية الموضوع

تملك روسيا في حقولها السيبيرية أكبر احتياطات الغاز الطبيعي في العالم، الذي بدأت بتصديره إلى بولندا في أربعينيات القرن الماضي، ثم قامت بإمداد خطوط الأنابيب في الستينيات لتوفير الوقود للدول الأسيرة في الاتحاد السوفييتي سابقاً، واستمر الأمر بوتيرة ثابتة حتى في أوج الحرب الباردة، إلا أن النزاع بين روسيا وأوكرانيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تكرَّر مرات عدة على خطوط الأنابيب التي تعبر الأراضي الأوكرانية، وتحمل القدر الأكبر من الغاز الذي ترسله روسيا إلى أوروبا.

وفي عامي 2006 و2009، أدَّت الخلافات حول تسعير الغاز وسحبه إلى قطع إمداداته من روسيا أكثر من مرة، ودام الانقطاع في مرته الثانية مدة أسبوعين في أبرد أيام الشتاء، مما دفع سلوفاكيا وبعض دول البلقان إلى تقنين الغاز، وإغلاق المصانع، وقطع إمدادات الطاقة.

ومنذ ذلك الحين، بدأت الدول الأكثر عرضة للضرر، بإنشاء أنابيب الغاز، وربط الشبكات، وبناء المحطات لاستيراد الغاز الطبيعي المسال شديد التبريد، الذي يمكن شحنه من حقول بعيدة جداً مثل الحقول القطرية. وتجدر الإشارة هنا إلى اعتماد روسيا على النفط والغاز في تمويل أكثر من ثلث ميزانيتها الحكومية.

الجدل الدائر حول اعتماد أوروبا على الغاز الروسي

حثَّت روسيا أوروبا على فصل الخلافات الدبلوماسية عن تجارة الطاقة، ونجحت في ذلك إلى حد كبير حتى الآن، إلا أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أشارت إلى عدم إمكانية الاستمرار بمشروع "نورد ستيريم 2"، إذا ما استخدمته موسكو لعزل أوكرانيا وتدمير اقتصادها، فضلاً عن قولها بأن ذلك لن يقطع الطريق على الجهود الأوروبية نحو تنويع مصادر طاقتها نظراً لوجود غيره من أنابيب الغاز في المنطقة التي تجلب كميات أكبر من مناطق أخرى، مثل الدول الإسكندنافية.

لم يكن سهلاً على الدول الأوروبية أن تصوغ موقفاً موحداً من أجل هذه القضية بسبب تفاوت اعتمادها على الغاز الروسي بشكل كبير؛ فعلى الرغم من عدم حاجة إسبانيا إليه على الإطلاق؛ يشكل الغاز الروسي 97 في المئة من إمدادات بلغاريا من الطاقة.

وتكمن مشكلة استخدام المصادر البديلة في تزويد منازل أوروبا، ومصانعها بالطاقة إما في أسعارها الباهظة بالمقارنة مع الغاز العادي (مثل الغاز الطبيعي المسال) أو في إنتاجها نسبة أعلى من الملوثات (مثل الفحم).

وازداد الأمر تعقيداً عندما قررت ألمانيا وقف اعتمادها على الطاقة النووية بعد انفجار مفاعل فوكوشيما النووي في اليابان عام 2011، وكذلك بعد توقف الاعتماد على الفحم في دول، مثل المملكة المتحدة وإيطاليا التزاماً بأهداف تخفيض انبعاثات الكربون.

وتستطيع أوروبا في الواقع إنتاج المزيد من الغاز بنفسها، لولا الاعتراض الواسع على تقنية التكسير الهيدروليكي التي تعتمد على ضغط الغاز المحصور أسفل طبقات الصخور لجعله يتدفق على هيئة سائل، وهي طريقة اتُّهمت كثيراً بالتسبب في الزلازل، وتلوث المياه الجوفية.