"سكاي" تستخدم سلاح العروض الأصلية لمنافسة "نتفلكس" و"أمازون"

مصور تليفزيوني يصوّر لافتة أمام مدخل "سكاي" في شمال لندن. تسعى شركة "سكاي" لزيادة إنفاقها السنوي على المحتوى الأصلي ليصل إلى نحو 1.4 مليار دولار بحلول عام 2025.
مصور تليفزيوني يصوّر لافتة أمام مدخل "سكاي" في شمال لندن. تسعى شركة "سكاي" لزيادة إنفاقها السنوي على المحتوى الأصلي ليصل إلى نحو 1.4 مليار دولار بحلول عام 2025. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

على طريق لا يمكن وصفه في الضواحي الشمالية للندن، معمل لإنتاج برامج التليفزيون والأفلام، يتسع لـ17 ملعب كرة قدم، ويضمّ 14 مبنىً عازلاً للصوت، ومرافق مترامية الأطراف لتعديل الفيديوهات في مرحلة ما بعد الإنتاج، وكل ذلك داخل مجمع الاستوديوهات الموجود بضاحية إلستري. لقد صُمّم هذا المعمل خصوصاً للسماح لشركة البثّ المتلفز البريطانية "سكاي" (Sky) بإنشاء عوالم تصوير شبه واقعية. ورغم كل هذا فإن هذه المنشأة الضخمة لديها مهمة أساسية وواقعية للغاية: المحافظة على الصدراة كأكبر شركة تليفزيون مدفوع في أوروبا، في مواجهة المحتوى العالمي الضخم الذي تنتجه شركة "نتفلكس".

استثمارات ضخمة

ضاعفت "نتفلكس" استثماراتها في المملكة المتحدة لتصل إلى مليار دولار في عام 2020، وتتوقع ضخّ مزيد من الاستثمارات هذا العام، في الوقت الذي ستعزّز فيه شركة "سكاي" التي تحولت إلى وحدة تابعة لشركة "كومكاست" (Comcast) في 2018، الإنفاق على المحتوى التليفزيوني والأفلام الأصلية بنسبة 50%، بما يدعم سباق التسلُّح بالمواهب ومساحة الإنتاج. وقد استحوذت "نتفلكس" عملياً على منشأة إنجليزية رئيسية أخرى هي "استديوهات شيبيرتون" (Shepperton Studios) التاريخية، إذ تخطط الشركة المالكة لهذه الاستديوهات، التي تحمل اسم "باينوود غروب" (Pinewood Group) لإضافة 22 استوديو لتسجيل الأصوات، في أكبر توسُّع من نوعه على الإطلاق في المملكة المتحدة.

في المقابل، تحارب شركة "سكاي" هذا التوسع من خلال رفع حجم الإنفاق السنوي على المحتوى الأصلي، ليصل إلى مليار جنيه إسترليني (ما يعادل 1.4 مليار دولار) بحلول منتصف العقد الحالي، وهو ضعف المستوى الذي وصلت إليه الشركة عام 2018، لكي يصبح نصف إنتاجها محلياً، بدلاً من الاعتماد على أطراف ثالثة في عمليات الإنتاج.

جاء ذلك ردَّ فعل على حالة الخمول التي تعاني منها صناعة خدمات التليفزيون المدفوع في أوروبا، إضافة إلى الإدراك المتزايد لحقيقة أن حصول شركة "سكاي" المعتاد على العروض الأمريكية الأكثر نجاحاً بات مهدَّداً، إذ قطعت الشركات الإعلامية العملاقة علاقتها بشركاء التوزيع، وأصبحت توصّل المحتوى مباشرة إلى المشاهدين، عبر منصات بثّها.

ويؤكد اندماج شركتي "وارنر ميديا" (WarnerMedia) و"ديسكفري" (Discovery) التابعتين لشركة "إيه تي آند تي" (AT&T)، الذي أُعلِنَ في مايو الماضي، الخطر المحيط بشركة "سكاي". ويمكن أن يشجع هذا الاندماج على تسريع إطلاق شركة "وارنر" لخدمة البثّ "إتش بي أو ماكس" (HBO Max) في أوروبا. وحتى الآن كانت كلتا الشركتين في حاجة الأخرى، إذ شكّلَت "سكاي" جسراً يسمح لشركة "وارنر" بالوصول إلى عديد من مشاهديها الأوروبيين، وفي المقابل كانت "وانر" هي المصدر الذي حصلت منه "سكاي" على مسلسلات "غايم أوف ثرونز" (Game of Thrones) و"ووتشمن" (Watchmen) والعروض الشهيرة الأخرى.

ترويج عروض "وارنر"

روّجت "سكاي" لأحدث العروض التليفزيونية التي تقدمها "وارنر"، بما في ذلك حلقة لمّ الشمل من مسلسل "فريندز" (Friends)، ومسلسل "مير أوف إيست تاون" (Mare of Easttown)، الذي رُوّج عبر وضع صور ضخمة للنجمة كيت وينسلت على اللوحات الإعلانية وفي الدعاية التليفزيونية، بما يثبت أن "سكاي" لا تزال أحد الأعمدة الهامة لعروض "وارنر". وساهمت شراكة المحتوى مع "إتش بي أو" التابعة لشركة "وارنر"، والتي تنتهي صلاحيتها في منتصف العقد الحالي، في جعل شركة "وارنر" المساهم الأكبر في البرامج الـ100 الأعلى تصنيفاً على خدمة "ناو" (NOW) للبث المباشر التي تتبع شركة "سكاي"، وفقاً لتحليل أجرته شركة "أمبير" (Ampere).

يوضح الانخفاض الأخير في المحتوى المتاح من شركة "والت ديزني" (Walt Disney) على منصات "سكاي" ما يمكن أن يحدث عندما تنقضي الشراكة بين "سكاي" و"وارنر". ففي شهر أبريل الماضي، كان 173 عرضاً فقط من "ديزني" و"فوكس" متاحة على منصة "ناو"، بانخفاض من 378 في يناير 2020، قبل الإطلاق الأوروبي لخدمة البثّ "ديزني بلس"، حسبما أظهرت بيانات شركة "أمبير".

واستطاع روبرت موردوخ مؤسس "سكاي"، تحويل الشركة إلى امتياز البثّ الأكثر نجاحاً في أوروبا من خلال المزايدة على المنافسين للحصول على حقوق نقل المباريات في أهمّ دوريات كرة القدم. وقد ضمن هذا النهج الحصول على المشاهدين الذين تحتاج إليهم "سكاي" لجذب الجماهير إلى قنواتها الأخرى، لكنه كان مكلفاً، إذ ارتفع سعر حقوق بثّ مباريات كرة القدم في الدوري الإنجليزي الممتاز (البريميرليغ) ثلاثين ضعفاً بين عامي 1992 و2016.

بدأ جيريمي داروخ (Jeremy Darroch)، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "سكاي"، التراجع عن استراتيجية الهيمنة على مباريات كرة القدم بأي تكلفة في عام 2018، ووقتها شهد مزاد حقوق بثّ الدوري الإنجليزي الممتاز انخفاضاً في الأسعار للمرة الأولى منذ 15 عاماً. وفي أواخر عام 2019، خسرت شركة "سكاي" حقوق البثّ الألمانية لبطولة دوري أبطال أوروبا (تشامبيونزليغ) لصالح خدمة البث المباشر "دازن" (DAZN) التابعة للملياردير "لين بلافاتنيك" (Len Blavatnik). ثم في 26 مارس، انتزع بلافاتنيك الحقوق المحلية لبثّ مباريات دوري الدرجة الأولى لكرة القدم في إيطاليا، التي تُعَدّ من أكبر أسواق "سكاي".

زيادة الإنتاج الخاص

استخدمت "سكاي" بعض مدخراتها في إنتاج برامج ترفيهية خاصة بها، وأعلنت إطلاق 19 عرضاً كلّفَت أطرافاً أخرى إعدادها في الربع الأول من عام 2021 وحده، أي 76% من إجمالي الإنتاج الذي قدمته خلال عام 2019 بأكمله، وفقاً لشركة "أمبير". وتخطط "سكاي" لبثّ 125 فيلماً وعروضاً أصلية في المملكة المتحدة خلال هذا العام، بزيادة 50% مقارنة بعام 2020، كما تميل الشركة إلى إنتاج البرامج الأصلية الكبيرة البراقة، إذ تحاول البناء على النجاحات الأخيرة لها، مثل مسلسل "تشيرنوبل" (Chernobyl) الذي أنتجته بالاشتراك مع "إتش بي أو" وحاز على عدة جوائز، ودراما العصابات الإيطالية "غومورا" (Gomorrah)، ومسلسل "بابليون برلين" (Babylon Berlin)، الذي أنتجه فرع "سكاي" في ألمانيا.

مشروعات "سكاي" الأخرى التي تضمّ مجموعة من كبار النجوم، تضمنت إنتاج مسلسل الإثارة النفسية "ذا ثيرد داي" (The Third Day) الذي يؤدّي دور البطولة فيه "جود لو"، وهو أول عرض تنتجته "سكاي" بالكامل بمفردها، ومسلسل "ذيس سيبتيرد آيل" (This Sceptered Isle) الذي يلعب فيه الممثل كينيث براناه دور رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، حينما كان يكافح للتصدي للموجة الأولى من تفشي فيروس كورونا.

موجة إنتاج صاخبة

تريد سكاي أيضاً أن تقدّم عروضاً لا تُنسى، لذلك عرضت في الدقائق الخمس الأولى من سلسلة جرائم الأكشن المثيرة "غانغز أوف لندن" (Gangs of London) مشهداً لرجل يتدلى من قدمه في أعلى ناطحة سحاب قبل إشعال النار فيه قبل أن يسقط سريعاً على الأرض، وكان هذا المسلسل الأكثر مشاهدة على "سكاي" خلال العام الماضي. ويبدو أن موجة الإنتاج الصاخبة المتخمة بالنجوم تؤتي ثمارها بالفعل، إذ كانت 9 من أكثر 10 عروض شعبية على "سكاي" خلال العام الماضي من إنتاجها الخاص بالوكالة، بدلاً من استيراد العروض الأمريكية.

يقول غاري ديفي، الرئيس التنفيذي لشركة "سكاي ستوديوز" (Sky Studios) الذي انتهت فترة ولايته، إن المنتجات الجديدة مصممة لجذب المشاهدين المحليين في أسواق الشركة الرئيسية: المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا.

في المقابل تتمتع استثمارات شركة "نتفلكس" في بلدان أخرى من فرنسا إلى الهند وحتى المكسيك أيضاً بمشاهدات محلية قوية، لكن شركة البثّ المباشر العملاقة تحتاج إلى التأكد من أن بعض هذه البرامج سينجح أيضاً على المستوى العالمي.

يقول ديفي: "العروض التي تنتجها (نتفلكس) في إيطاليا يجب أن تنجح على مستوى العالم. أما العروض التي تنتجها شركة (سكاي) في إيطاليا فيفترض نجاحها في إيطاليا وحسب".

في شهر يناير الماضي استبدل براين روبرتس، رئيس مجلس إدارة شركة "كومكاست"، بداروخ، الرئيس التنفيذي لشركة "سكاي"، ووظف بدلاً منه دانا سترونغ، إحدى المديرات التنفيذيات في الشركة الإعلامية العملاقة. وحتى الآن لا تزال سترونغ عالقة في دوامة تقديم المحتوى الدرامي والبرامجي على حساب الأموال التي تُجنَى من العروض الرياضية.

وفي حين عانت أعمال "سكاي" في ألمانيا بشدة من منافسة محطات البثّ الوطنية المجانية في البلاد، فإن الوقف الجماعي لتوريد برامج الكابل الوافدة من الولايات المتحدة لم يلحق الضرر بمزودي خدمات التليفزيون المدفوع في أوروبا بالدرجة ذاتها، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن التليفزيون المدفوع في أوروبا أقلّ سعراً.

ميزة تنافسية

ينفق المستهلكون الأمريكيون ما بين 80 و150 دولاراً أمريكياً لشراء باقة من برامج التليفزيون المدفوع وكابل النطاق العريض، مقارنةً بـ30-45 يورو (ما يعادل 37-55 دولاراً أمريكياً) في أوروبا، وفقاً لريتشارد كوبر من شركة "أمبير".

ولا تزال سكاي تلعب دور حارس البوابة بلا منازع في الوصول إلى 23.4 مليون أسرة في أوروبا، بما يجبر شركات "نتفلكس" و"أمازون" و"ديزني" على إبرام صفقات معها، لتقديم خدمات البثّ الخاصة بهذه الشركات عبر جهاز فكّ التشفير "سكاي كيو" (Sky Q). وهذا يمنح "سكاي" نافذة نادرة تسمح لها بتعرُّف سلوك المستخدم عبر المنصات المنافسة، مع جمع بيانات عن كيفية تفاعل المشاهدين مع أنواع القصص المختلفة، كما أن ذلك يوفر الراحة اللازمة للمشتركين، من خلال دفع فاتورة ترفيه منزلية واحدة، كما يجعلهم أقل عرضة للاستغناء عن الاشتراك في خدمات "سكاي" نفسها.

يقول فرانسوا غودارد، من شركة "إنديرس أنالسيز" (Enders Analysis)، إنه مع انتشار خدمات البثّ "يكون المحتوى هو الملك، فيما تكون واجهة العرض هي الملكة".

تداعيات الجائحة

يُذكر أن تفشي وباء "كوفيد-19" كان له أثر على عوائد الإعلانات في شركة "سكاي"، لكن يبدو أنها بدأت تتعافى مجدداً، إذ أعلن قسم شركة "كومكسات" في أوروبا مؤخراً عن تحقيق أكبر عدد صافٍ للمشتركين الجدد خلال الربع الأول من العام في 6 سنوات. مع ذلك فإن المنافسة الإضافية الناتجة عن اندماج شركتي "وارنر" و"ديسكفري"، إضافة إلى شراء "أمازون" المعلق لاستوديو "مترو غولدوين ماير" (Metro Goldwyn Mayer) في هوليوود، يمكن أن ينذر بظهور عالَم جديد يهيمن عليه عمالقة البثّ العالمي، فيما تصبح خدمات التليفزيون المدفوع الإقليمية مثل "سكاي" منبوذة.

أيضاً، قد يشجّع هذا براين روبرتس، رئيس شركة "كومكاست"، على إدماج "سكاي" مع منصة "بيكوك" (Peacock) سريعة النمو، التي تتبع شركة "كومكاست"، ويُشترك فيها بالطلب.

يقول إيان ويتاكر من شركة "ليبرتي سكاي أدفيزورز" (Liberty Sky Advisors): "السؤال الآن هو كيف تتكيف (سكاي) مع استراتيجية البثّ العالمية لشركة (كومكاست)؟"، ويضيف: "هذا السؤال طُرح قبل صفقة اندماج (وارنر) و(ديسكفري)، لكنه أصبح الآن أكثر إلحاحاً".