الشيخوخة تهدِّد مستقبل اقتصاد اليابان

اليابان حالياً أكثر اقتصاديات العالم الرئيسية معاناة من الشيخوخة
اليابان حالياً أكثر اقتصاديات العالم الرئيسية معاناة من الشيخوخة المصدر: بلومبرغ
Noah Smith
Noah Smith

Noah Smith is a Bloomberg Opinion columnist. He was an assistant professor of finance at Stony Brook University, and he blogs at Noahpinion.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في حين يتصارع العالَم للتغلُّب على جائحة كورونا، من أجل التوصُّل إلى وسائل فعَّالة في مواجهة تغيُّر المناخ، تبقى شيخوخة السكَّان بمثابة تحدٍّ عالميٍّ آخَر طويل الأمد، ولا يعلم أحد فعلياً كيفية التعامل معه. ومع تحوُّل الجنس البشري من جنس مزدهر ومستمر بالتكاثر إلى جنس ثابت أو متناقص الكثافة، ستتعرَّض الاقتصاديات في جميع أنحاء العالم لضغوط كبيرة.

وفي هذا الإطار، تُعدُّ اليابان حالة أكثر فجاجة، فعلى الرغم من أنَّ انخفاض معدل المواليد بها لا يصل إلى مثيله في الدول الغنية الأخرى؛ لكنَّ فترة الانخفاض في عدد المواليد باليابان هي أطوَل بالتأكيد من أيَّة دولة أخرى، ولذلك أصبحت اليابان الآن أكثر اقتصاديات العالم الرئيسية معاناة من الشيخوخة.

ومِن ثَمَّ فإنَّ اليابان تُعَدُّ نموذجاً للكيفية أن يكون تناقص عدد السكَّان فيها سبباً في إفقار الدولة بشكل تلقائي، فتعداد سكانها يتراجع ببطء، وقد عاد إلى المستوى الذي كان عليه قبل عقدين، ومع ذلك استمرَّ نصيب الفرد من الناتج القومي للبلاد في الارتفاع مع نموِّ الإنتاجية، وانضمام مزيد من النساء إلى القوى العاملة، إلا أنَّ تقدُّم السكَّان في السنِّ كما في اليابان يأتي بتكلفة اقتصادية، إذ يُضطر اليابانيون الأصغر سناً، ممن هُم في سنِّ العمل، إلى دعم الأعداد المتزايدة من كبار السنِّ كل عام. وهذا سبب تراجع مستويات المعيشة في اليابان عن مثيلاتها من الدول الغنية التي تتمتع بكثافة سكانية متزايدة لكبار السن.

وعلى أرض الواقع، يعني هذا أنَّ مزيداً من البالغين، يُضطرُّون إلى قضاء ساعات متزايدة في رعاية المسنِّين، وزيادة الضرائب لدفع المعاشات التقاعدية، والرعاية الصحّية لكبار السن. وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض مستويات المعيشة لكبار السن.

هناك أيضاً تكلفة أخرى مرتبطة بالشيخوخة تواجه الدول، وتتمثل باختلال الاقتصاد الكلِّي. فبحسب نظرية الاقتصاد الكلِّي التقليدية، تتمتَّع كل دولة بمعدل فائدة طبيعي لها، وعندما ترتفع معدلات الفائدة عن هذا المستوى الطبيعي لفترة طويلة من الوقت؛ فإنَّ اقتصاد الدولة ينزلق إلى الانكماش. ويرتبط معدل الفائدة الطبيعي عادةً بمعدل النموِّ الإجمالي المستقبلي للدولة، وتتفق معظم نظريات الاقتصاد على أنَّ النموَّ السكاني المنخفض، يخفِّض معدل الفائدة الطبيعي، وهو ما يصعِّب بالتالي على البنوك المركزية فيها أن تتجنَّب الانكماش.

ومع استقرار عدد سكان اليابان لفترة طويلة، يبدو أن اقتصادها بات يعاني حالة من الانكماش الدائم، أو يقترب من ذلك.

في أوائل عام 2010 بعد تولّ رئيس الوزراء "شينزو آبي" منصبه، حاول بنك اليابان التهرُّب من الانكماش عن طريق شراء الأصول بوتيرة هائلة وغير مسبوقة، وبدا أنه قد نجح فترة من الوقت، إذ ارتفع التضخم إلى المعدل المستهدف البالغ 2% تقريباً، إلا أنه سَرْعان ما انخفض بعد ذلك ليقترب من الصفر مرة أخرى.

الآن، وبسبب الوباء، يبدو أن اليابان تعود مرة أخرى إلى الانكماش. ويعتقد بعض خبراء الاقتصاد الكلِّي أنَّ الانكماش المستمرَّ يهدِّد النموَّ الاقتصادي، فمن الممكن نظرياً لدولةٍ ما أن تعيش في حالة من "الركود المستمر"، فلا ترتفع الأسعار أبداً، وتوجد البطالة بصورة دائمة. لكن لا يبدو أنَّ اليابان وصلت إلى هذا الوضع حتى الآن، فمعدلات البطالة بها لا تزال منخفضة جدَّاً.

التحفيز في مجتمع مسن

وقد تكون الإنتاجية هي ثمن ذلك أحياناً، إذ يُعيَّن مزيد من اليابانيين في وظائف غير منتظمة، ومنخفضة الأجر. وعلاوة على ذلك، قد يكون التحفيز المالي، الذي يقدِّمه الاقتصاديون عادةً علاجاً للركود طويل الأمد، وأقلَّ فاعلية في مجتمع مُسِنٍّ، كما يوضح تقرير حديث لصندوق النقد الدولي.

ومن الممكن أيضاً أن يكون للشيخوخة تأثيرٌ سلبيٌّ آخَر في الإنتاجية، خصوصاً في دول مثل اليابان التي تعتمد على الأقدمية معياراً لترقية الأشخاص، مما قد يؤدي إلى نقص في ترقية أعداد الشباب، ممن يتمتعون بالنشاط وأصحاب الفكر الجديد، وهو ما يجعل الشركات أقلَّ فطنة، وأقلّ انفتاحاً على الأفكار الجديدة. كذلك يُعَدُّ الانكماش السكّاني مقوِّضاً لقوة التكتلات الحضرية اقتصادياً، كونه يزيد صعوبة الحفاظ على شبكة من المدن المتنامية والمنتجة.

وهناك بعض الأمور التي يمكن للدول فعلها لتعويض الآثار الاقتصادية لتقدِّم سكانها في السنِّ، وهذا ما يقوم به كثير من الدول بالفعل، إذ يمكنها الاستفادة من أنَّ كبار السن يعملون لفترة أطول، ويمكن بفضل وجود الأجداد أن يذهب مزيدٌ من الآباء إلى العمل بدلاً من البقاء في المنزل مع الأطفال. كما تستثمر هذه الدول بشكل أكبر في الأتمتة، إذ ليس من قبيل الصدفة أنَّ اليابان، قد أصبحت من روَّاد مجال تصميم الروبوتات وبرمجتها. وإن لم تتحسن الروبوتات بصورة أكبر بكثير في أداء عملها؛ فمن المحتمل أن يكون هناك حدّ لمدى قدرة هذه الإجراءات على التعامل مع تقدِّم السكان في السن.

إنَّ عدد سكان العالم في ازدياد حالياً، وهو ما يعني أنه في حال تمكَّنت الدول التي يتقدَّم سكانها في السن من التغلب على العقبات السياسية المحلية، فإنها ستستمرُّ في النمو من خلال استقبال المهاجرين من الشباب، ممن هُم في سِن مناسبة للعمل. وكانت هذه هي الطريقة التي اتبعتها كلٌّ من كندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، لتحقق نمواً بوتيرة أسرع من اليابان، ولهذا السبب تعمل اليابان على تكثيف الهجرة إلى أرضها.

على أنَّ هذا الحل سيكون مؤقتاً، لأنَّ التحوُّل إلى العائلات الصغيرة يحدث في جميع أنحاء العالم، فقد شهدت معدلات الخصوبة هبوطاً هائلاً خلال العقدين الماضيين في الدول الإسلامية، وهي التي كانت تُعَدُّ في السابق معاقل لارتفاع معدلات المواليد لأسباب دينية. إلى درجة أنَّ إفريقيا جنوب الصحراء، وهي آخر حصن للخصوبة العالية، أصبحت تشهد انخفاضاً متسارعاً.

إنَّ ذلك لا يعني أن العالَم يتجه نحو مستقبل بلا أطفال على غرار ما صُوِّر في فيلم "Children of Men"، ولكنه يعني أنَّ الفرص المتاحة تتضاءل أمام بعض الدول المتقدِّمة لمواجهة تحديات شيخوخة السكُّان، ومِن ثَمَّ فإنَّ مجتمعات مثل اليابان تتصدَّر المواجهة لما سيتحوُّل في النهاية إلى تحدٍّ عالميٍّ. ولم يسبق أن تعامل الجنس البشري من قبل مع الشيخوخة طويلة الأمد، وهو ما يحتِّم على الدول مواصلة البحث عن حلول (خصوصاً الحلول التكنولوجية مثل الأتمتة) بهدف تيسير هذا التحوُّل غير المسبوق.