أسعار الغاز الطبيعي تواجه تحديات موسمية جديدة

شتاء دافئ في نصف الكرة الشمالي
شتاء دافئ في نصف الكرة الشمالي المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يبدو أنَّ العالم يواجه شتاءً آخر أدفأ من المعتاد، مما قد يشكِّل أنباءً سيئة لأسعار الغاز الطبيعي، ففي الولايات المتحدة تشير التنبؤات الحكومية والتجارية طويلة الأمد إلى أنَّ فصل الشتاء في جنوب أمريكا وشرقها، سيكون أكثر دفئاً من المعتاد خلال أشهر ديسمبر ويناير وفبراير، مع احتمالية تسجيل درجات حرارة أكثر اعتدالاً أيضاً في شمال أوروبا.

وإذا صدقت التنبؤات، فسيكون شتاء 2020-2021 الأحدث في سلسلة من فصول الشتاء المعتدلة بشكل غير طبيعيٍّ في نصف الكرة الأرضية الشمالي، مع تزايُد الأدلَّة على تغيُّر المناخ.

ووفقاَّ للمراكز الوطنية الأمريكية للمعلومات البيئية "U.S. National Centers for Environmental Information" فإنَّ فترة ديسمبر إلى فبراير من شتاء 2019-2020 سجَّلت ثاني أدفأ مواسم شتاء في العالم منذ 141 عاماً، في حين كان موسم شتاء 2015-2016 الأكثر دفئاً على الإطلاق.

وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ بتساقط الثلوج حتى الآن، فإنَّه من المتوقَّع أن يكون هطول الأمطار أقل من المعتاد في جنوب الولايات المتحدة.

الاحتباس الحراري

تقول "جينيفر فرانسيس"، كبيرة العلماء لدى مركز "وودويل لأبحاث المناخ": "بكل وضوح وبساطةن يتعلق الأمر بالكامل بتغيُّر المناخ، إذ يؤدي تزايد مستوى تركيز الغازات الدفيئة في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي إلى حبس مزيد من الحرارة باستمرار".

هذا الأمر سيُخلِّف عواقب وخيمة بالنسبة إلى سوق الغاز الطبيعي، وهو وقود أحفوريٌّ يسهم في ظاهرة احتباس الحرارة العالمي، إذ من الممكن أن يؤدي موسم شتاء معتدل آخر إلى تراجع الطلب عليه، وبالتالي من الممكن أن يؤدي ذلك إلى خفض أسعار الغاز مجدداً، فقد وفَّرت فصول الشتاء التي شهدناها في الأعوام الأخيرة طلباً قوياً على الغاز للتدفئة، مما أسهم بدوره في دفع الأسعار للارتفاع.

وأوضح "ستيفن شورك"، رئيس مجموعة "شورك" (Schork) الأمريكية لاستشارات الطاقة، أنَّ عقود الغاز الطبيعي لشهرَي مارس وأبريل، تشير بالفعل إلى أنَّ السوق تتوقع شتاءً أدفأ نسبياً، إذ تراجعت أسعار العقود الآجلة بالفعل إلى أكثر من 20 % في نوفمبر، وسط تخلي المستثمرين عن المراهنات على صعوده.

ويقول "فيل فلين"، كبير محلِّلي السوق لدى "Price Futures Group": "في فصل الشتاء عادةً، ترتفع أسعار العقود الآجلة للغاز، بنحو دولارَين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وذلك عن مستوياتها الحالية".

وأضاف: "إذا واجهنا شتاء أكثر دفئاً من المعتاد، فمن المحتمل أن يؤثر ذلك في قوة المضاربة الموجودة حالياً ".

وتتوقَّع شركة "ماكسار"، المختصًّة بالتوقُّعات التجارية، أن يكون هذا الشتاء هو الشتاء الـثالث عشر في قائمة فصول الشتاء الأكثر دفئاً منذ عام 1950، من ناحية الطلب على الطاقة. وفي ديسمبر، عندما يبدأ موسم التدفئة، قد تبدأ علامات فقدان الشتاء لقوَّته في الظهور.

ويقول "مات روجرز"، وهو رئيس "Commodity Weather Group"، إنَّ مؤشر درجة التدفئة اليومية، وهو مؤشر مصمَّم لقياس الطلب على الطاقة اللازمة لتدفئة المباني، انخفض على مدى الأعوام العشرة الماضية.

تصاعد ظاهرة الـ"لا نينا"

وتُعدُّ أجزاء من إقليم الشمال الغربي للمحيط الهادي،مع قليل من السهول الشمالية الكبرى، هي الأجزاء الوحيدة من الولايات الأمريكية التي تمتلك فرصةً للشعور بالبرد هذا الشتاء. ومع ذلك هناك اختلاف واحد فقط عن العام الماضي، وهو تصاعد ظاهرة الـ"لا نينا" (La Nina)، وهي الظاهرة المناخية التي تبرد المحيط الهادي، التي تطلق سلسلة من التغيرات في أنماط الطقس العالمية. وأما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإنَّ هذا الأمر يعني وجود بقعة دافئة وجافَّة، بداية من كاليفورنيا حتى فلوريدا، ومن المحتمل أن تصل تأثيرات ذلك إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة.

وفي مؤتمر عبر الهاتف مع الصحفيين مؤخراً، قال "دان كولينز"، وهو اختصاصيٌّ في الأرصاد الجوية لدى "مركز التنبؤات المناخية"، إنه في الوقت الذي يميل فيه الشتاء المتأثر بظاهرة "لا نينا" ليكون أكثر اعتدالاً، يتطابق هذا النمط أيضاً مع اتجاه ارتفاع درجات الحرارة الطويل الأمد، الذي أصبح أكثر وضوحاً بسبب التغيٌّرات المناخية.

الدوامة القطبية

أفاد "تود كروفورد"، وهو كبير خبراء الأرصاد الجوية في "The Weather Company" التابعة لشركة "IBM"، أنَّ شهور ديسمبر ويناير ومارس، كانت جميعها أكثر دفئاً بشكل ملحوظ خلال الأعوام العشرة الماضية، عند مقارنتها بـ30 عاماً في المتوسط. وفي هذه الأثناء يتطوَّر الوضع في القطب الشمالي ليُعيد أحداث العام الماضي، إذ بدأت الدوامة القطبية في التكوُّن، وهي عبارة عن رياح عاصفة، تدور عند حدود القطب الشمالي.

وكلما كانت دوامة الرياح هذه أقوى، بقي البرد عالقاً عند القطب، بدلاً من انتقاله إلى المراكز السكانية في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، وهذا لا يعني غياب احتمالية توجُّه الرياح إلى الجنوب في الأشهر القادمة، إلا أنَّ ذلك غير مرجَّح.

وفي حال ارتفعت درجات الحرارة بشكل مفاجئ في طبقة الاستراتوسفير بالقطب الشمالي، فإنَّ هذا الأمر يُعَدُّ مؤشراً على احتمالية قدوم موجة من الطقس البارد إلى المناطق الأخرى على الأرض. وعادةً ما تكون هذه أيضاً علامة على ضعف الدوامة القطبية، لكن يصعب التنبؤ بمثل هذا الأمر.

ويقول "جودا كوهين"، وهو مدير التنبؤات الموسمية في "AER"، إحدى شركات "Verisk" الأمريكية لتحليل البيانات: "في حال عدم حدوث شيء كهذا، أتوقَّع أن يكون شهر ديسمبر بأكمله معتدلاً "، مضيفاً: "لا أرى أيَّ طقس شتويٍّ مستمرٍّ لفترة من الوقت ".