إن غادرت السوق.. لا تفكر بالعودة

سوق نيويورك للأوراق المالية
سوق نيويورك للأوراق المالية المصدر: بلومبرغ
 Nir Kaissar
Nir Kaissar

Nir Kaissar is a Bloomberg Opinion columnist covering the markets. He is the founder of Unison Advisors, an asset management firm. He has worked as a lawyer at Sullivan & Cromwell and a consultant at Ernst & Young.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ليس هناك إلَّا بضعة قواعد أساسية للاستثمار: التنويع، الحفاظ على التكاليف منخفضة، ولعلَّ أهمها، هو الصبر عندما تتقلب الأسواق أحياناً. والقاعدة الأخيرة هي الأكثر صعوبة، فليس من السهل مشاهدة النقود تختفي مع تراجع الأسواق، خاصة عندما يتحدَّث كثير من الأشخاص، وبعضهم يحظى باحترام كبير، بمبالغة عن نهاية العالم، الذي يترافق باستمرار مع انهيار الأسواق.

وهذا ما حدث عندما تسبَّب وباء كوفيد 19 في الانخفاض الهائل بأسعار الأسهم الأمريكية أواخر شهر فبراير. فقد انخفضت قيمة مؤشِّر S&P 500 إلى حوالي الثلث في فترة أربعة أسابيع أو أكثر قليلاً، في واحد من أشدِّ التراجعات المسجَّلة، وسط أحاديث واسعة الانتشار، مفادها أنَّ الولايات المتحدة ستغرق في كساد طويل، ويقضي على صناعات بكاملها، ويتسبب بضرر دائم لقطاعات واسعة من الاقتصاد.

ولم يكن التمسُّك بالأسهم خلال تلك الفوضى أمراً هيِّناً، فمن المذهل أنَّ غالبية المستثمرين تمكَّنوا من القيام بذلك. وتوصَّلت مؤسسة الأبحاث "دالبار"، التي تحاول تتبُّع خطوات المستثمرين في الانضمام إلى الصناديق المشتركة أو مغادرتها، في تقرير لها، صدر مؤخراً، وأشار إلى أنَّ "شهيَّة المستثمر العادي للأسهم، بقيت دون تغيير خلال أزمة كورونا".

ووجدت مجموعة "فانغارد"، التي تشرف على أصول بقيمة تتجاوز 6 تريليون دولار، أنَّ أقل من 0.5% من عملائها الأفراد والمستثمرين الذين يديرون أموالهم بأنفسهم في خطط التقاعد التي تقدمها، شعروا بالذعرن وتحولوا إلى السيولة النقدية في الفترة ما بين 19 فبراير، ذروة السوق قبل كورونا، و31 مايو.

ويمثِّل هذا تغيُّراً كبيراً عن الانهيارات السابقة، التي وقع آخرها مع الأزمة المالية في عام 2008، عندما تخلَّص المستثمرون من أسهمهم بأعداد كبيرة.

الهروب خطأ.. والعناد أيضاً

يبدو أنَّ الجميع تشكلت لديهم قناعة أخيراً أنَّ جميع الأزمات تمرُّ، ثمَّ يتعافي سوق الأسهم في النهاية، بغض النظر عن مدى سوء الأمور في ذلك الوقت. وبقي السوق وفياً لسمعته، وتعافى أسرع من أيِّ توقعات، وارتفعت أسعار الأسهم مع نهاية مارس، وتجاوزت الأسعار في أغسطس أعلى المستويات المسجَّلة قبل كورونا. و عندما كانت هناك علامات بسيطة عن تباطؤ انتشار الوباء، تجاوبت السوق أيضاً. وكما تبيَّن لنا في النهاية؛ فإنَّ التعافي بدأ تقريباً قبل ثمانية أشهر من توارد الأنباء عن التوصُّل إلى لقاح فعَّال، سيتم البدء في توزيعه قريباً. وهذا يبدو ملائماً.

أما بالنسبة للذين تخلَّصوا من أسهمهم في الطريق، مراهنين بذلك على أنَّ السوق متجهة نحو تراجع طويل الأمد، مما سيعطيهم فرصة لدخولها مجدداً عند أسعار أدنى؛ فإنَّهم يواجهون خياراً عصيباً الآن. إذ ارتفع السوق بحوالي 60% عن أدنى مستوى وصله في شهر مارس، لذا فإنَّ العودة تعني تقبُّل خسارة مكلفة. فإذا افترضنا أنَّه كان لديك 100 ألف دولار في السوق بفترة الذروة التي سبقت انتشار فيروس كورونا، ثمَّ بعتها عند منتصف منحنى التراجع، لتسترد حوالي 83 ألف دولار، فلو كنت بقيت في السوق، كانت قيمة أسهمك ستبلغ اليوم 107 آلاف دولار تقريباً اليوم، أي أكثر بحوالي 30% من المبلغ الذي حصلت عليه عندما غادرت السوق. وهو أمر يصعب تقبله.

لكنَّ البديل أسوأ. إنَّ إغراء الانتظار بعناد حتى يعكس السوق قوانينه، يعني انتظار يوم لن يأتي أبداً. فخلال الأزمة المالية، ارتفعت أسعار الأسهم في السوق بحدَّة في شهر مارس 2009، بالرغم من أنَّه كان لا يزال من الواضح، أنَّ انهيار النظام المالي، سيكون محتوماً. وعندما أصبح كل شيء بأمان بعد بضعة أشهر، كانت أسعار السوق قد ارتفعت بحوالي 60% تقريباً مع حلول شهر أكتوبر.

الأزمات ستتكرر

هل يبدو هذا مألوفاً؟ واجه المستثمرون الذين تخلَّصوا من أسهمهم خلال الأزمة المالية الخيار نفسه الذي يواجهه الذين تخلَّصوا من أسهمهم في الأزمة الراهنة. فهؤلاء الذين عادوا إلى السوق بعد بدء انحسار الأزمة عام 2009، قد تمكنوا من مضاعفة أموالهم أكثر من ثلاث مرات، بالرغم من شرائهم الأسهم بأسعار بدت غير معقولة في ذلك الوقت، في حين أنَّ الذين انتظروا الفكرة الخادعة عن اللحظة المثالية لدخول السوق، لا يزالون ينتظرون حتى الآن.

هناك أمثلة أخرى لا حصر لها، مع استثناءات نادرة، فعندما ينهض السوق من أعماق أزمة، يعدُّ ذلك إشارة إلى أنه قد مضى قدماً، حتى إن توجَّه بعض المستثمرين عكس ذلك. فالاحتمالات تقول، إنَّ السوق قد تجاوز أزمة كورونا، وينبغي على المستثمرين فعل ذلك أيضاً.

في المرة المقبلة - أجل ستكون هناك مرة أخرى - سيشعر المستثمرون برغبة ملحَّة في التخلص من أسهمهم خلال الأزمة، لكن ينبغي ألا يركِّزوا على الخروج، بل على العودة. ينبغي لهذا أن يوضِّح حكمة الصبر والثبات. لا أحد يمكنه توقِّّع النتيجة مسبقاً، مما يعني أنَّ الدخول مجدداً إلى السوق سيكون مبكِّراً جدَّاً، أو متأخِّراً جدَّاً. والعودة المبكرة جداً أمر غير واقعي. فإن شعرت بالإغراء كي تهرب باحثاً عن مخرج عندما يتراجع السوق بنسبة 20% أو أكثر؛ فسيتركك هذا مع بديل واحد، ألا وهو الشراء المتأخر، وهو ما يعانيه بعض المستثمرين الآن. لذا من الأفضل تجنب مثل هذا المأزق تماماً من خلال الاستمرار في الاستثمار.

أما الآن، فهؤلاء الذين خرجوا ينبغي أن يعلموا أنه لن يكون هناك توقيتٌ مفضَّلٌ للعودة إلى السوق، وبالتأكيد لن يكون هذا التوقيت معروفاً مسبقاً.