لندن ستُلقى إلى الأسود إن لم تنجز اتفاقاً مالياً قبل "بريكسيت"

صورة تظهر جسر "واترلو" فوق نهر التايمز مع الحي المالي في مدينة لندن
صورة تظهر جسر "واترلو" فوق نهر التايمز مع الحي المالي في مدينة لندن المصدر: أ ف ب
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بدأ العصر الذهبي لمدينة لندن بضجة مدوية، لكنه ينتهي بأنينٍ. وازدادت المخاوف من أنَّ القوة المالية التي ظهرت مع تخفيف مارغريت ثاتشر للقيود التنظيمية في 1989 - والمعروف بالانفجار الكبير - ستتبدَّد تدريجياً بعد مجموعة من الإعلانات في الآونة الأخيرة المتعلقة بانتقال بعض الشركات للاتحاد الأوروبي مع دخول بريطانيا الشهر الأخير من فترة "بريكست" الانتقالية، دون وجود أيِّ اتفاق لخدمات مالية في الأفق.

وجاءت أحدث التحوُّلات يوم الإثنين في الساعة الثامنة صباحاً، عندما انطلقت منصَّة التداول "تركواز يوروب" التابعة لمجموعة بورصات لندن "London Stock Exchange Group Plc" من أمستردام، وبذلك انضمَّت لشركات التداول الأخرى مثل "Cboe Europe"، و"اكوس اكشينج Aquis Exchange " التي اتَّخذت مقرات في القارة كجزء من خططهم لبريكست بدون اتفاق، في تناقض واضح مع فترة أواخر ثمانينيات القرن الماضي، التي قادت تحول لندن إلى مركزٍ لتداول الأسهم.

هجرة رؤوس الأموال

يقول ألاسدير هاينس، المدير التنفيذي لـ"اكوس اكشينج": "لقد أُلقيت مدينة لندن للأسود"، مضيفاً أنَّ بريطانيا قد تفقد أحجام تداول أسهم أكثر مما تتوقَّع، إذا قرر عملاقٌّ مثل صندوق إدارة الأصول الأمريكي "بلاك روك" التداول في باريس أو أمستردام.

وقال بنك "غولدمان ساكس" الأسبوع الماضي، إنَّه تقدَّم بطلب للمشرعين في فرنسا، من أجل فتح منصة تداول الأسهم "سيغما أكس يوروب" في باريسن اعتباراً من 4 يناير، وقالت مديرة الأسهم في البنك، إليزابيث مارتن، إنَّها تتوقَّع أن تنتقل أحجام تداول الأسهم الأوروبية في لندن، البالغة قيمتها 8.6 مليار يورو (10 مليار دولار) يومياً إلى الكتلة.

وأنشأت "اكويس" بالفعل منصَّة في العاصمة الفرنسية، وبدأ التداول فيها بأكثر من 1700 سهم أوروبي أوائل الشهر الجاري. ولدى شركات التداول الأخرى مثل "ليكويدنت" منصات في دبلن، كي تضمن أنها ستتمكَّن من مواصلة خدمة العملاء.

وقال ديفيد هاوسن، رئيس "سي بي أو إي يوروب"، أكبر منصات التداول في لندن، التي افتتحت مقراً لها في العاصمة الهولندية العام الماضي: "نتوقع انفجاراً مدوياً في 4 يناير.. ولم يضطر القطاع قط لنقل هذا الكمِّ من التدفقات بين ليلة وضحاها".

وليس تداول الأسهم هو المتحوِّل فقط؛ فقد أحبطت بروكسل متداولي المشتقات في لندن الأسبوع الماضي، عندما قالت جهة تنظيم الأسواق أنَّ عقود المقايضة يجب أن يتمَّ تداولها على منصات قائمة في الاتحاد الأوروبي اعتباراً من يناير، وهو يعني تعرض معاملات بتريليونات الدولارات لخطر الانتقال خارج بريطانيا.

السيطرة على مقاصَّة المشتقات

تُضيِّق الكتلة بالفعل أعمال مقاصة مقايضات (المشتقات المقوَّمة) اليورو في لندن، وحثت بنوكها على تسريع التحول إلى أوروبا، وحصلت مقاصة "يوركس كليرينغ" التابعة للبورصة الألمانية على حصةٍ، نسبتها 19% من الأعمال خلال السنوات الماضية .ومع ذلك لا تزال لا تضاهي حجم الحصة السوقية للندن.

وفي الأسابيع الماضية، أشار "غولدمان ساكس"، و"جى بي مورغان تشايس" إلى أنَّ حوالي 300 موظف لديهم، سينتقلون إلى المدن الرئيسية في القارة. وينقل "غولدمان" أصولاً بحوالي 60 مليار دولار إلى فرانكفورت، في حين يحوِّل "جى بي مورغان" حوالي 230 مليار دولار للمدينة الألمانية.

وقالت شركة الاستشارات "إرنست آند يونغ" في تقريرها الشهر الماضي، إنَّ الـ7500 وظيفة، مع الأصول التي تبلغ قيمة 1.2 تريليون يورو (1.6 تريليون دولار)، التي انتقلت بالفعل؛ قد تكون مجرد البداية، وتوقَّعت المزيد من الانتقال في الأفراد والأصول بمجرد أن تنتهي الفترة الانتقالية لخروج بريطانيا رسمياً. وهو ما ينذر بالسوء لبريطانيا، إذ يوظِّف القطاع المالي أكثر من مليون شخص، ويشكِّل 7% من الاقتصاد وعُشر الإيرادات الضريبية،.وبالرغم من ذلك، لم يحظَ القطاع في مفاوضات "بريكست" المطوَّلة بالاهتمام نفسه الذي تلقَّاه قطاع الصيد الذي يشكِّل 0.1% فقط من الاقتصاد البريطاني.

ملوك اللعبة

مما لا شك فيه أنَّ المميزات العريقة للندن، مثل اللغة الإنكليزية، والنظام القانوني، ومجموعة المواهب، تعني أنها لن تهزم في أي وقت قريب. كما لا يزال من الممكن التوصل لاتفاق في اللحظة الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي بشأن الخدمات المالية.

وقالت مجموعة بورصات لندن "LSE"، إنها ستلغي خطط نقل "تركواز يوروب" إذا أعلن الاتحاد الأوروبي أنَّ بريطانيا يمكنها أن تستضيف خدمات تداول الأسهم الأوروبية، في ممارسة تعرف بالتكافؤ، ولا يزال التوصُّل لمثل هذا الترتيب ممكناً.

ولكن الوقت ينفد، وبدون اتفاق؛ لن تسيطر لندن على مكانتها كالمركز المالي في أوروبا. وقال هاينس، المدير التنفيذي لـ"أكويس": "ملوك اللعبة هنا، هم الأمريكيون، ولا يوجد ضمان على أنَّهم سيواصلون التداول في لندن، بل سيتَّبعون السيولة".