غرامة بـ70 مليون دولار تشوّه سمعة "روبن هود"

تطبيق "روبن هود" على هاتف ذكي في Hastings-On-Hudson بنيويورك في الولايات المتحدة
تطبيق "روبن هود" على هاتف ذكي في Hastings-On-Hudson بنيويورك في الولايات المتحدة المصور: تيفاني هاغلر غيرد / بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أحدثت شركة "روبن هود" (Robinhood Markets Inc) ثورة في عالم التداولات، أدت إلى حشد متداولين جدد إلى الأسواق المالية، في عام شهد زخماً كبيراً. ورغم ذلك تسبب النمو السريع لتطبيق التداول المجاني للشركة في الإضرار بالمستثمرين الصغار الذين سعت الشركة إلى تمكينهم من التداول.

الإضرار بصغار المستثمرين كان الاتهام الرئيسي الذي وجهته هيئة رقابة "وول ستريت" الممولة ذاتياً، والتي أصدرت قراراً بتسوية قياسية مع شركة السمسرة بقيمة 70 مليون دولار يوم الأربعاء، شملت غرامة قدرها 57 مليون دولار، و12.6 مليون دولار تعويضات لعملاء متضررين.

يأتي ذلك في أعقاب الصعود الكبير لشركة "روبن هود" على خلفية جائحة كوفيد-19 التي تسببت تداعياتها في صعود جنوني لبعض الأسهم التي شهدت زخم تداولات قياسياً، مثل "غيم ستوب"، ما أدى إلى خلل في عالم تداولات الأفراد.

ثقة صغار المستثمرين والمؤسسات

تأتي التسوية بين "روبن هود" وهيئة تنظيم الصناعة المالية في لحظة حاسمة، إذ تستعد شركة السمسرة لطرحٍ عامٍّ أوّلي هذا العام.

تمثل التسوية خطوة من الشركة لكسب ثقة صغار المستثمرين والمؤسسات المالية الكبرى على حد سواء. وذلك على الرغم من اعتبار "روبن هود" ولفترة طويلة أحد أكبر تهديدات وادي السيليكون لـ"وول ستريت"، وخصوصاً مع إشارة هيئة تنظيم الصناعة المالية إلى نفاد صبرها بشأن النهج المتأصل في شركات التكنولوجيا من "التحرك السريع وكسر الطرق التقليدية".

قالت جيسيكا هوبر، رئيسة الامتثال في هيئة تنظيم الصناعة المالية، في بيان إن الامتثال للقواعد التي تحكم عمل شركات السمسرة "ليس اختيارياً ولا يمكن التنازل عنه من أجل الابتكار أو الرغبة في كسر الطرق التقليدية وإصلاحها لاحقاً".

واتهمت الهيئة "روبن هود" بتضليل العملاء وضعف الرقابة على ما تقدمه من حلول تكنولوجية، والسماح لآلاف المستخدمين بالتداول في عقود الخيارات رغم عدم استعدادهم لذلك، إضافة إلى مخالفات أخرى.

وقد نشرت "روبن هود"، التي لم تقر الاتهامات أو تنكرها، على مدونة يوم الأربعاء، قائلة إنها قد أدخلت تحسينات شملت مضاعفة موظفي دعم العملاء أكثر من ثلاثة أضعاف منذ مارس 2020، ليبلغ عددهم نحو 2700 شخص، كذلك غيرت طريقة إدارة الحلول التكنولوجية وتداول عقود الخيارات.

وقالت جاكلين أورتيز رامزي، المتحدثة باسم الشركة، في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني: "لقد استثمرت (روبن هود) بشكل كبير في تحسين استقرار المنصة وتعزيز مواردها التعليمية وبناء فريق دعم العملاء والشؤون القانونية والامتثال".

وتشمل التسوية مجموعة متعددة من النزاعات العالقة، التي تطلبت تدقيقاً جديداً بعد ارتفاع أسهم "ميم" في يناير، مثل "غيم ستوب".

التعامل بمسؤولية

أصبح لدى "روبن هود" أكثر من 31 مليون مستخدم، من بينهم 18 مليون حساب مموّل، في نهاية مارس، بحسب بيانات التسوية التي توضح النمو الهائل لنشاط الشركة منذ عام 2015 عندما كان لديها أقل من 500 ألف مستخدم فقط.

كان التساؤل السائد لدى الجهات التنظيمية والتشريعية ومنظمات الدفاع عن المستثمرين عما إذا كانت "روبن هود" تتعامل بمسؤولية مع ذلك التوسع، ومدى تعرّض المتداولين المبتدئين للتعامل مع منتجات استثمارية لا يدركون جيداً كيفية التعامل معها.

كما أصبحت منصة تداول عقود الخيارات التابعة للشركة أبرز ما يثير مخاوف هيئة تنظيم الصناعة المالية بشكل خاص، لما تحمله تداولات عقود الخيارات من تداول حق شراء أو بيع الأسهم بسعر معيّن في المستقبل، وهو ما قد يتسبب في مكاسب أو خسائر ضخمة على السواء.

وقالت هيئة تنظيم الصناعة المالية، بحسب ما جاء في قرار التسوية، إن "روبن هود" قد تساهلت ولم تتحرَّ الدقة في قبول العملاء المؤهلين لذلك النوع من التداولات. كما أشارت الهيئة إلى استخدام شركة السمسرة خوارزميات حاسوبية تُعرف بأنها "تداول عقود الخيارات بشكل آلي" مع رقابة محدودة من موظفي الشركة على اختيار المستخدمين المسموح لهم بتداول تلك المشتقات المالية.

واتهمت هيئة تنظيم الصناعة المالية "روبن هود" بفشلها في الكشف عن 818000 عميل حصلوا على الموافقة لتداول عقود الخيارات، في حين تضمن نشاطهم استخداماً للإقراض بالهامش، ما قد يؤدي إلى خسائر أكبر بكثير من حجم الأموال المستثمرة. كما أشارت الهيئة إلى أن عدم الكشف عن تلك المعلومات أسهم في حدوث حالة من الارتباك.

انتحار العملاء

انتحر شاب يبلغ من العمر 20 عاماً العام الماضي، بعد أن ظن عن طريق الخطأ خسارته لما يزيد على 730 ألف دولار في أثناء المراهنة على عقود الخيارات باستخدام التطبيق. وقالت الهيئة إن العميل كان قد أرسل ملاحظة قبل انتحاره يتساءل فيها عن كيفية استخدامه للشراء بالهامش، إذ كان يعتقد أن تلك الخاصية غير مسموح بها في حساب التداول الخاص به. كما اشتكى آخرون ممن تكبدوا خسائر كبيرة من اعتقادهم عدم الموافقة على التداول عن طريق "روبن هود" باستخدام الإقراض بالهامش.

وذكرت الهيئة أن أحد الأشخاص بعث برسالة بريد إلكتروني إلى "روبن هود"، كان نصها: "لماذا يتمكن حسابي من التداول عن طريق الشراء بالهامش؟ لقد اخترت على وجه التحديد عدم التداول بالشراء بالهامش للحد من خسائري، فقط لتشمل ما أملكه شخصياً في حسابي".

كذلك عرضت المنصة أرصدة نقدية غير دقيقة للعملاء خلال الفترة من ديسمبر 2019 حتى يونيو 2020، إذ عرضت "روبن هود" أرصدة نقدية بالسالب تعادل ضعف العجز الفعلي للعملاء الذين اختاروا "وقف تشغيل" الشراء بالهامش.

وقالت الهيئة في قرارها إن 630 عميلاً تكبدوا خسائر بلغت نحو 5.7 مليون دولار خلال السنوات الثلاث الماضية حتى شهر مارس، بسبب "تزييف وإغفال الحقائق بشأن تداولات الشراء بالهامش لعقود الخيارات".

وكان انقطاع الخدمة في مارس 2020 أبرز المشكلات التي واجهت "روبن هود"، والتي تزامنت مع تراجع الأسهم بسبب الذعر من الوباء، إذ انقطعت خدمة التداولات في المنصة وقتها بشكل متكرر لأكثر من يوم.

وقالت الهيئة إنه على الرغم من تحذيرها مرتين من وجود أخطاء في طريقة إدارة الشركة لحلولها التكنولوجية، فإن الانقطاعات استمرت. كما أن خطة "روبن هود" لمتابعة سير أعمالها في حالة حدوث اضطراب اقتصرت على المشكلات المادية فقط، لا التقنية، وبالتالي كانت خطة غير كافية.

وقد أفادت "بلومبرغ" في أغسطس الماضي بوجود عديد من الشكاوى الخاصة بتعامل الشركة مع انقطاعات الخدمة، كذلك ركزت كل من لجنة الأوراق المالية والبورصة وهيئة تنظيم الصناعة المالية على جوانب أخرى مرتبطة بالشركة وتسببت في ازدهار السوق، من بينها "طريقة الألعاب" التي تشبه ألعاب الفيديو، وقد أسهمت في إقبال عدد كبير من المتداولين الأفراد الجدد على التداول.

ورغم أن هيئة تنظيم الصناعة المالية لم تتناول طريقة الألعاب لجذب المتداولين، فقد كانت نقطة شائكة بالنسبة إلى الديمقراطيين في مجلس النواب في أثناء استجواب فلاد تينيف، الرئيس التنفيذي للشركة، خلال جلسة استماع في أعقاب أزمة "غيم ستوب".

وقد أعرب جاري غينسلر، رئيس شركة "إس إي سي"، خلال جلسة استماع بالكونغرس في مايو، عن قلقه بشأن كيفية تأثير تطبيقات التداول على المستثمرين الأفراد، دون الإشارة إلى "روبن هود" على وجه التحديد، إذ قال غينسلر: "لتسهيل الأمر، فقدنا التدخل البشري. انتظر، انتظر، هل هذا مناسب؟".