لماذا ينبغي على الصين التوسّع في الإنفاق المالي بغض النظر عن الديون؟

بنك الشعب الصيني (المركزي)
بنك الشعب الصيني (المركزي) بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتزايد الدعوات التي تطالب الحكومة الصينية بتعزيز المحفِّزات المالية، بغض النظر عن مستويات الديون المرتفعة في الاقتصاد، وهو نهج يشبه نظرية اقتصادية غير تقليدية تزداد شعبية في الولايات المتحدة.

وإحدى مناصرات النظرية النقدية الحديثة فيما يتعلق بالصين هي "يان ليانغ"، أستاذة في جامعة "ويلاميت" في الولايات المتحدة، والتي تكتب كتاباً عن الموضوع، وبدأت دراساتها في الصين ثم استكملتها في الولايات المتحدة بإشراف من مؤيدين للنظرية مثل "راندال راي" و"ستيفاني كيلتون".

تؤكد "ليانغ"، أن الحكومة المركزية في الصين لديها القدرة على توسيع إنفاقها، وتخفيف الضغوط المالية على الحكومات المحلية والشركات الحكومية، من خلال تحويل ديونهم إلى ميزانياتها العمومية.

وقالت، إن هذا لا يعني أن الصين بحاجة إلى اتباع خطى واشنطن في تقديم تحويلات مالية مباشر للأسر، وإنما باعتبارها دولة نامية، فإن الذخيرة المالية ينبغي توجيهها فقط إلى معالجة القيود الهيكلية في الاقتصاد.

وأعربت عن وجهة نظرها بتوسع في مقابلة حديثة تم تحرير أجزاء منها للوضوح.

ما الحكمة الأساسية التي ترينها في تطبيق النظرية النقدية الحديثة في الدول النامية مثل الصين؟

تساعدنا النظرية النقدية الحديثة على فهم أن القيود المالية على المستوى الحكومي هي قيود ذاتية الفرض، وأن الائتمان ليس نفسه الادخار، وتتمثل الفكرة في أننا لا نعتمد على المدخرات الخاصة لتمويل التنمية، وأن القطاعين العام والخاص لا يتنافسان على وعاء محدود من المدخرات.

وبالنسبة للدول النامية، يمكن أن يشكل التضخم مصدر قلق أقل، إذ أنها تمتلك الكثير من الموارد غير المستغلة بقدر كافٍ، مثل العمالة التي يمكن توجيهها بحيث تخفف الضغوط التضخمية، ومن ناحية أخرى، تكون الاختناقات أكثر بروزاً في الدول النامية.

يبدو تمويل البنك المركزي للبنوك الحكومية حتى تتمكن من إعادة تمويل السندات الحكومية المحلية وتزيد القروض إلى الشركات الحكومية مثل توريق الديون قليلاً، فهل هذا نهج يتماشى مع النظرية النقدية الحديثة؟

يمكنك أن ترى أن الحكومة الصينية التنموية تفعل أشياء تنص عليها النظرية الحديثة، ولا يقود المنطق الاقتصادي الكثير من صناع السياسة، وإنما تُحركهم السياسة والأهداف الاستراتيجية طويلة الأجل، وهذا سبب تجنبهم اعتبارات الكفاءة على المدى القصير، ويمكن للقروض الممنوحة للشركات المملوكة للدولة أن تجلب منافع طويلة الأجل مثل إنشاء البنية التحتية.

وفي كثير من الأحيان يُستخدم إقراض البنوك التجارية الحكومية إلى الشركات الحكومية كأداة سياسية.

وتعاني الشركات الخاصة للوصول إلى القروض المصرفية، لذا ينبغي أن يكون هناك طريقة أفضل للقيام بذلك.

وأعتقد أنه يجب أن يكون هناك فصل بين الأهداف الخاصة والعامة، ويمكن أن يكون هناك مشروعات بنية تحتية، وخلق وظائف ممولة من البنوك السياسية إلى الشركات الحكومية، بحيث يولي القطاع المصرفي التجاري اهتماماً أكبر للشركات الخاصة.

هل تعتقدين أن تركيز الحكومات على الديون مضلل؟

هناك حاجة للعمل على ديون القطاع الخاص والديون شبه الحكومية، ولدى الشركات المدعومة من الدولة ميزانيتها العمومية الخاصة، وهي عبارة عن ديون حكومية مشروطة تحتاج العمل عليها، والأمر لا يتعلق بحجم الديون وإنما هيكلها، ويمكن أن تكون الديون العامة أكثر وضوحاً، ويتعين على الحكومة المركزية تحمل المزيد من الديون، ويمكن أن يكون الكثير من الإنفاق على المستوى المحلي مسؤولية الحكومة المركزية فيما يتعلق بالتمويل.

ما رأيك في الدعوات التي تطالب بمزيد من التعاون بين السلطات النقدية والمالية للحفاظ على انخفاض أسعار الفائدة للمساعدة في توسيع الاقتراض الحكومي؟

من منظور النظرية النقدية الحديثة، إذا كان الدين في العملة السيادية، لا تهم نسبة الفائدة، وتكون أسعار الفائدة غير ذات صلة عندما يتعلق الأمر بقدرة الحكومة على دفع الديون، لكنها مهمة نتيجة التداعيات التضخمية والتوزيعية.

وتتمثل الفكرة في أن ازدياد ديون القطاع العام يترجم إلى زيادة في أصول القطاع الخاص، وإذا كانت مدفوعات الفائدة الكثيرة للقطاع الخاص تحفزه وتساعد الاقتصاد وتزيد من استخدم الموارد غير المستخدمة، فهذا شيء جيد، لكن ارتفاع الفائدة قد يؤدي إلى ارتفاع مدفوعات الفائدة الحكومية، وهو ما يزيد بحدة الإنفاق الخاص وبالتالي يرفع التضخم.

هناك مخاطر تتمثل في أن طبع الأموال من قبل الحكومة الصينية يمكن أن يقلص قيمة اليوان الدولية، فهل هذا بمثابة قيد على الإنفاق المالي؟

هناك حكومات تتخلى عن عملاتها السيادية وتتحول للدولار (مثل الإكوادور) أو تدير ربط صارم لسعر الصرف (مثل هونج كونج)، وهذه الحكومات ليست "سيادية"، وإذا حاولت الصين ربط عملتها أو تثبيت سعر الصرف، فسيحد ذلك من قدرتها على توسيع الإنفاق المالي وطباعة النقدية، ويمكن تطبيق النظرية النقدية الحديثة في الصين من خلال وضع ضوابط رأسمالية للحفاظ على مساحة المناورة السياسية.

لكن إذا أرادت الصين تدويل "الرنمينبي"، سيتعين عليها التخلي عن الضوابط الرأسمالية في مرحلة ما، وهي معضلة ولا يوجد حل مثالي لها.

هل تتفقين مع انتقاد المحفزات المالية الصينية بعد الوباء باعتبارها صغيرة للغاية نسبة إلى الولايات المتحدة؟

تدرك الحكومة الصينية - على ما آمل - أن الأمر يتعلق بالتحديات الهيكلية في الاقتصاد والتي تحتاج إنفاق حكومي، ولكن ما يهم هو كيفية الإنفاق، ولا أعتقد أنهم بحاجة للإنفاق كثيراً على الإغاثة من الوباء، وإنما يحتاجون كميات هائلة من الإنفاق عندما يتعلق الأمر بالتغيير الهيكلي، وبالنسبة للصين، من الواضح أن هذه التحديات هي تقليص انبعاثات الكربون وتطوير التكنولوجيا والتحوّل أكثر إلى اقتصاد قائم على الاستهلاك.