الشركات الآسيوية تتقدم على نظيراتها بأمريكا الشمالية في استثمارات البيئة

الشركات الاَسيوية تتجه للاهتمام بحماية البيئة.
الشركات الاَسيوية تتجه للاهتمام بحماية البيئة. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

شهد "ديفيد سيموندز" تغيُّّراً جذرياً في الطريقة التي يتعامل بها المستثمرون مع شركات المنطقة فيما يخص مخاطر المناخ، كونه رئيساً إدارياً في مجموعة "CLP Holdings"، أحد أكبر الشركات المولدة للكهرباء في آسيا.

وقبل عِقد من الزمان، لم تكن مخاطر المناخ تحظى باهتمامٍ ماعدا أولئك الذين يمتلكون أجندة عمل بيئية ضمن أولوياتهم. ثم تطوَّر الأمر بعد ذلك ليؤثر على صناديق المعاشات التقاعدية مستجيباً لمخاوف أعضائها من مخاطر المناخ على استثماراتهم، ثم كان الحال ذاته مع صناديق الثروة السيادية. وأخيراً وقبل نحو عامين، أصبحت المخاطر البيئية قضية رئيسية تحظى باهتمام كبير من أطراف متنوعة ومختلفة.

وبعد سنوات من ضغط المستثمرين الأوروبيين، أصبحت الشركات الآسيوية تتقدم على نظيراتها في أمريكا الشمالية فيما يتعلق بالإفصاحات عن مخاطر المناخ. وهناك دلائل على أنَّ المنطقة تقترب من نقطة تحول في هذا الشأن. فالاقتصاديات الرئيسية في آسيا، مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية، تتعهد الآن بتحقيق صافي انبعاثات صفرية في العقود المقبلة.

وعلى مدى الأعوام الخمسة الماضية، حصل ارتفاع هائل في وعي المستثمرين في آسيا وتوجهاتهم. وذلك فيما يتعلق بالإبلاغ عن مخاطر المناخ، بحسب ما قالته "ريبيكا ميكولا رايت"، وهي المديرة التنفيذية لمجموعة المستثمرين الآسيويين المعنيَّة بتغير المناخ، التي تمثل أكثر من 40 من مديري الصناديق الاستثمارية، وتدير أصولاً تقدَّر بـ 9 تريليون دولار.

وفي اليابان، وعلى مدى سنوات استمر صندوق الاستثمار الحكومي الياباني للمعاشات التقاعدية، وهو أكبر صندوق تقاعد في العالم، في دفاعه عن الاستثمار المستدام. وهو نهج يأخذ في الاعتبار القضايا البيئية والاجتماعية، وقضايا حوكمة الشركات، وكان له تأثيرات اقتصادية متتابعة وفقاً لما قالته ريبيكا ميكولا رايت.

وعلى مستوى أوسع، أدَّى تدفق الاستثمارات نحو الصناديق المتداولة في البورصة والملتزمة بالاستثمارات المستدامة (ESG)، إلى تحفيز الشركات لتعزيز اعتماداتها، ومؤهلاتها للتوافق مع هذه التوجهات.

وذكرت وحدة "بلومبرغ إنتلجنس" أنَّ صناديق المؤشرات المتداولة من هذا النوع، والمدرجة في الولايات المتحدة وأوروبا، جذبت في عام 2020 أكثر من 50 مليار دولار حتى الآن. وهو ما يزيد عن ضعف القيمة المسجلة العام الماضي.

وفي الوقت نفسه، أظهرت بيانات شركة الخدمات المالية "مورنينغ ستار" أنَّ آسيا تحاول اللحاق بنظيراتها في أوروبا وأميركا. فقد سجلت في الربع الثالث من 2020 ، صافي تدفقات داخلة بقيمة قياسية، بلغت 8.7 مليار دولار إلى صناديق الاستثمارات المستدامة.

شكل عام 2017، في آسيا، نقطة تحول رئيسية. وذلك حين قدَّم فريق العمل المعني بالإفصاح المالي المتعلق بالمناخ توصياته للشركات بالإبلاغ عن مخاطر المناخ، واقترح الفريق توحيد إطار عمل للشركات للمساعدة في تعزيز عمليات الإفصاح.

وعلى الرغم من تخلُّفها عن نظيراتها الأوروبية في التدابير المتعلقة بالمناخ، إلا أنَّ الشركات الآسيوية نجحت في التفوق على نظيراتها في أمريكا الشمالية بالتوجه نحو الاستدامة. وذلك في 9 من أصل 11 مقياساً مختصاً بالمناخ بحسب أحدث تقارير توصيات فرقة العمل المعنية بالإفصاحات المالية المتصلة بالمناخ في أكتوبر، الذي شمل استطلاعه 1700 شركة عالمية كبرى.

ويعدُّ أداء آسيا جيداً نسبياً، وذلك نظراً لتبنيها معيار الإفصاح المالي المتعلق بالمناخ كمعيار رئيسي للشركات. ويعدُّ مايكل بلومبرغ، وهو المؤسِّس والمساهم الرئيسي في شركة "بلومبرغ إل بي"، الشركة الأم لـ "بلومبرغ نيوز"، رئيس فريق العمل المعني بالإفصاحات المالية المتعلقة بالمناخ.

واليوم عالمياً، جعل (كوفيد-19) عامة الناس، والمسؤولين واضعي السياسات والشركات، أكثر وعياً بالضرر المحتمل لمثل هذه الأزمات العالمية، وساهم في تعزيز التركيز على مخاطر المناخ. وفقاً لما قالته يو كيونغ بارك، رئيسة الاستثمارات والحوكمة في "APG Investments Asia Ltd."، وهي وحدة تابعة لصناديق المعاشات التقاعدية الهولندية.

وذكرت بارك، أنَّ قائمة الشركات الآسيوية التي بادرت باتخاذ الخطوات الأولى في الإفصاح عن مخاطر المناخ شملت "سامسونج إلكترونيكس"، و شركة "تايوان الصناعية"، و "سي.إل.بي"، إذ تميل هذه للتوجه نحو الأسواق العالمية.

أمَّا بالنسبة للشركات المتقاعسة عن اللحاق بهذا الركب نحو الاستدامة، فهي بشكل عام شركات ذات توجُّه محلي، وتفتقر للمستثمرين الدوليين. وأوضحت بارك: "هذه الشركات لا تتنافس في قضايا الاستثمار المستدام، ولا تهتم المؤسسات المالية المحلية بتتبعها، إذ يصعب علينا التعامل معها".

الارتباط بالحكومات

ترتبط العديد من الشركات الكبرى في آسيا بحكومات الدول التي توجد بها، مما يعني أنَّها أقل عرضة لضغوط المستثمرين، وربما تكون بحاجة إلى دفعة من الحكومة لتغيير استراتيجيتها المناخية. ولقد بدأ ذلك بالفعل، فقد فرضت أسواق الأوراق المالية من هونغ كونغ إلى تايلاند على الشركات الإفصاح عن البيانات المتعلقة بالأمور البيئية، والاجتماعية، والحوكمة، ووضعت قواعد لإفصاح أكثر صرامة.

ويعدُّ هذا التطور، والدفع السريع الذي تجريه الحكومات في آسيا على الشركات العاملة بها للإبلاغ عن مخاطر المناخ، (بالمقارنة مع أوروبا التي أخذ منها هذا التوجه فترة زمنية أطول)، عاملاً معززاً لاحتمالية توجُّه بعض الشركات لتتوافق مع القوانين بشكل مزيَّف لإرضاء السلطات فقط، بدلاً من إعادة توجيه استراتيجيتهم بشكل حقيقي. ومع ذلك، لا يعد هذا الأمر خياراً ممكناً بالنسبة للشركات العاملة في مجال الصناعة، التي هي بطبيعتها أكثر عرضة لتغير المناخ.

وكانت من أوائل الشركات التي اتخذت خطوات جديَّة للإفصاح عن مخاطر المناخ مجموعة "أولام الدولية" (Olam International Ltd)، ومقرُّها سنغافورة، وهي من أكبر الشركات العاملة في مجال الزراعة في آسيا. واتخذت المجموعة السنغافورية خطوات للحدِّ من الانبعاثات الكربونية الصادرة عن زراعة الأرز في سلسلة توريدها الخاصة، فضلاً عن تطويرها لقرارات تسعى للحدِّ من تأثير المخاطر البيئية على بياناتها المالية.

ويقول ريشي كالرا، وهو العضو المنتدب، والمسؤول المالي الرئيسي لدى "أولام فود": "يمكن الشعور بمزيد من الراحة والوضوح، فعندما تكون قادراً على تحديد قيمة مالية بالدولار لخطوات تحقيق الاستدامة، وكان بإمكان الناس فهم الأمر ومشاهدة تحسنه عاماً بعد عام. وأعتقد أنَّ هذا ما شكل عاملاً فارقاً بالنسبة لنا بالفعل".

حوادث دفعت للاهتمام بالمناخ

واجهت آسيا العديد من الحوادث التي أصبحت بمثابة تذكير لها بمخاطر المناخ، فمن حرائق الغابات في أستراليا، والفيضانات القياسية في الصين، والأعاصير المدمرة التي ضربت الفلبين. بالإضافة إلى لتهديد الذي يشكله ارتفاع مستوى سطح البحر على المدى الطويل بالنسبة للعديد من المناطق المنخفضة هناك، وما تشكله أيضاً الحرارة المرتفعة كتهديد متنامٍ لمناطق جنوب آسيا.

ويقول سيموندز، من مجموعة "سي.إل.بي هولدينجز"، إنَّ هذا الأمر يزيد من صعوبة احتفاظ الشركات بمصداقية فكرة أنَّ تغيُّر المناخ هو مشكلة الجيل القادم. وبدأت الشركة التي يعمل بها سيموندز، التي تمتلك أصولاً لتوليد الطاقة في الصين والهند وجنوب شرق آسيا وأستراليا، العمل على تقليص بصمتها الكربونية في عام 2007، كما أنها ضاعفت تقريباً قدراتها المخصصة للحدِّ من البصمة الكربونية في محفظتها العام الماضي.

وفي ظل احتمالية زيادة وتيرة الأعاصير وشدتها في بحر الصين الجنوبي، بدأت مجموعة "سي.إل.بي هولدينجز" مشروعاً لتقوية أبراج الإرسال في هونغ كونغ، كما تحاول الآن تحقيق معالجة أفضل لكيفية تأثير أنماط الطقس المتغيرة على أصولها من طاقة الرياح، وتحديد الأماكن الأكثر عرضة للعواصف والفيضانات، وارتفاع منسوب البحر.

وربما تنضمُّ شركات آسيوية أخرى إلى التوجه لتقييم مخاطر تغير المناخ في وقت لاحق، لكن التجارب تظهر إمكانية تحرُّك هذه الشركات بوتيرة أسرع من المتوقع.

وتضيف ميكولا رايت، من مجموعة المستثمرين الآسيويين المعنية بتغير المناخ: "صحيح أنَّ المستثمرين في أوروبا وأمريكا الشمالية، باشروا في هذه الرحلة نحو الاستثمار المستدام والمسؤول في وقت مبكر جداً، لكن المستثمرين الآسيويين دائماً ما تمتَّعوا بتاريخً من العمل المتسارع الخطى للغاية، وتحقيق القفزات النوعية، فهم عمليون جداً ".