الأموال الذكية تبحر بعيداً عن القطب الشمالي

محمية الحياة البرية في القطب الشمالي.
محمية الحياة البرية في القطب الشمالي. المصدر: Getty Images
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تُسابِق إدارة ترمب الزمن مع المواعيد القانونية والجداول الزمنية التنظيمية، في محاولة أخيرة لبيع حقوق التنقيب في محمية الحياة البرِّية الوطنية في القطب الشمالي، وذلك قبل أن يؤدي الرئيس المنتخب جو بايدن اليمين ظُهر يوم 20 يناير القادم.

ومع نجاح البيت الأبيض في ذلك، فإنه سيظلُّ يواجه الواقع البارد للسوق، إذ أصبح الحصول على تمويل للتنقيب في القطب الشمالي أمراً صعب التحقيق. وقد قررت شركات النفط والبنوك عدم إمكانية تحمُّل مخاطر التنقيب في واحد من أسرع الأماكن في ارتفاع معدلات درجات الحرارة في العالم.

ويقول "بن كوشينغ" عن ذلك، وهو الممثل الرسمي لحملة "سييرا كلوب"، وهي واحدة من أقدم المنظَّمات غير الربحية في الولايات المتحدة المكرَّسة للحفاظ على البيئة: "الأمر ببساطة يكمُن في أنَّ الأموال الذكية تظلُّ بعيدة عن هذا النوع من التنمية في القطب الشمالي".

التنقيب عن النفط

ويُعَدُّ شراء عقود الإيجار (التي يمكن أن تصل إلى 5 دولارات للفدان) هو الجزء الرخيص من عملية التنقيب عن النفط في هذه المناطق من العالم، في حين تعَدُّ جميع الخطوات الأخرى مكلفةً للغاية، وذلك بدءاً من الاستعانة بالاستشاريين لإجراء الدراسات البيئية المطلوبة، إلى إدارة العمليات الصناعية في منطقة برِّية نائية تفتقر إلى البنية التحتية. وقد يصل "سعر التعادل" للنفط الذي ستستخرجه الشركات إلى 80 دولاراً للبرميل، وفقاً لشركة "Rystad Energy"، وهو مستوى أسعار لم تشهده أسواق النفط منذ أكتوبر 2018.

واليوم، سيحتاج معظم المزايدين المحتملين إلى تمويل خارجيٍّ للحصول فعلياً على أيَّة أرباح تُذكَر مِن عقود إيجار القطب الشمالي، لكنَّ البنوك تشعر بقلق متزايد بشأن الضرر الذي قد يلحق بصورتها العامة نتيجة دعم عمليات التنقيب في المحمية، وهو أمر يعارضه 70% من الناخبين الأمريكيين، وفقاً لبرنامج "ييل" حول التواصل في إطار تغيُّر المناخ.

خسائر خط إمداد داكوتا

وفقاً لدراسة أجرتها جامعة كولورادو، وتأكيداً للمخاطر المحتملة، خسرت المؤسسات المرتبطة بخطوط أنابيب "إمداد داكوتا" 4.4 مليار دولار خلال عمليات إغلاق الحسابات، وسحب الاستثمارات في عام 2017، وهو المشروع المثير للجدل التابع لشركة "إنرجي ترانسفير".

ولقد عمل النشطاء، وسكان ألاسكا الأصليين، ومؤخراً كبار المساهمين، على إقناع المقرضين في هذا النوع من المشاريع بأنهم يعرّشضون المناخ، واستثماراتهم، وسمعتهم للخطر من خلال التعهد بتغطية عمليات التنقيب في القطب الشمالي.

واستُبعدت بالفعل خمسة بنوك أمريكية كبرى من تمويل مشروعات النفط والغاز في منطقة القطب الشمالي، وهي "غولدمان ساكس"، و"جي بي مورغان"، و"ولز فارجو آند كومباني"، و"سيتي غروب"، و"مورغان ستانلي"، وهو ما يبقي "بنك أوف أمريكا" وحده في موقف الرافض الوحيد للانسحاب من المشروع. ومؤخراً، أصدر العديد من النشطاء الذين يعملون على تحذير البنوك تحذيرات مماثلة لكبرى شركات التأمين في العالم.

وتقول "كاثي هيبل"، وهي المحلِّلة في معهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي: "تتضاءل الخيارات مع ابتعاد البنوك عن القطب الشمالي". وأضافت: "ذلك ليس فقط لأسباب تتعلق بالحوكمة البيئية والاجتماعية، وحوكمة الشركات"، مشيرةً إلى المعايير البيئية والاجتماعية، ومعايير الحوكمة الاستثمارية، "ولكن لأنَّه عمل عالي التكلفة، وعالي المخاطر".

تصدع إيرادات النفط قبل الجائحة

وكانت التصدُّعات قد بدأت في الظهور بالفعل في إيرادات صناعة التنقيب عن النفط، وذلك حتى قبل التراجع في الطلب على الوقود الناتج عن فيروس كورونا، مما أدَّى إلى تسريع حالات الإفلاس في جميع أنحاء القطاع.

وأفادت "ولز فارجو" أنَّ صناعة النفط والغاز، وخطوط الأنابيب كانت مسؤولة عن 47% من القروض التجارية المستحقة في الربع الثاني من العام الماضي، بالرغم من أنَّها تمثِّل 3% فقط من حافظة القروض التجارية.

وفي حين قد تساعد الأسهم الخاصة في سدِّ فجوة التمويل التي خلَّفتها البنوك، فإنّها سوف تنتج تكلفة أكبر على منتجي النفط الذين يعملون بالفعل على هوامش ضئيلة، كما تتراجع هذه الشركات أيضاً عن تمويل الطاقة، على حدِّ قول هيبل.

كذلك فإنَّ قدرة الإدارة على إجراء عملية البيع أصبحت موضع شكٍّ كبير، ناهيك عن إصدار عقود الإيجار بشكل رسميٍّ، خصوصاً قبل أن يترك ترمب منصبه. ونظراً إلى المتطلبات المختلفة، وفترات الانتظار الإلزامية، فمن المحتمل أن يكون أول تاريخ للمزادات هو 19 يناير، وهو اليوم السابق لتنصيب بايدن، وهذا من شأنه أن يترك لوزارة الداخلية يوماً واحداً فقط لفحص مقدِّمي العروض العالية، وإصدار عقود الإيجار، وهي عملية تستغرق شهرين عادة.

ونظراً إلى البيئة الاقتصادية الحالية، وحالة عدم اليقين، والمعارضة العامة الشديدة للتنقيب في القطب الشمالي، فليس من الواضح أي شركة من شركات النفط، قد تظهر في المزادات العلنية.

وخفَّضت تلك الشركات الإنفاق هذا العام مع تسبب وباء فيروس كورونا في تراجع الطلب على النفط الخام والأسعار. وكان يُنظر إلى هذه الشركات سابقاً على أنَّها من مقدِّمي العروض المحتملين للحصول على منطقة الحفر في القطب الشمالي. وأيّ استثمار في حقول نفط القطب الشمالي يمكن أن يصبح من الأصول العالقة، لتتحوَّل هذه الأصول إلى أملاك، لا يمكن المساس بها في عالم يزداد فيه الاحتباس الحراري، وتتحول منشآته بعيداً عن الوقود الأحفوري.

تحديات أمام إدارة بايدن

وحدَّد أنصار الحفاظ على البيئة حفنة من الأشخاص المنقِّبين عن النفط، والمضاربين غير المعروفين الذين يقولون، إنَّهم قد يتنافسون على حقوق التنقيب في السهول الساحلية، بما في ذلك شركة "Hilcorp Energy Co." في هيوستن، وشركة "أرمسترونغ للنفط والغاز" في كولورادو، وشركة "إليكسير إنرجي" في أستراليا، وشركة "بورياليس ألاسكا أويل"، في حين رفض ممثلو هذه الشركات التعليق.

ويحتاج أيّ مشترٍ إلى التقدم بطلب للحصول على عدد كبير من التراخيص الحكومية الإضافية اللازمة للبدء في البحث عن النفط الخام، بدءاً من الموافقة على التنقيب إلى تصاريح السماح بإزعاج الحيوانات، وحقوق الطريق، وتراخيص التلوث. ولا أسباب تجعلنا نعتقد أنَّ وزارة الداخلية في عهد بايدن قد توافق على أيٍّ من هذه القرارات.

يقول مات لي آشلي، نائب رئيس الأركان السابق في وزارة الداخلية في عهد الرئيس باراك أوباما: "إذا بيعت عقود الإيجار، وأُصدرت قبل وصول إدارة جديدة، فإنَّ كل تصريح يصبح عائقاً".

وستظل عقود الإيجار تلك تسبب صداعاً للإدارة القادمة، إذ تحمل كل واحدة منها فترة 10 سنوات، وهي عقود فيدرالية ملزمة، مما يخلق عقبة مستعصية أمام تعهد بايدن "بحماية دائمة" للمحمية. ولكن إذا نفَّذت الوزارة عملية البيع، ولم تمنح عقود الإيجار في الوقت المناسب، فمن المحتمل أن يساعد ذلك الإدارة الجديدة على تلبية متطلبات الكونغرس لعقد مزادين في السهل الساحلي مع حلول 22 ديسمبر 2024.

ولقد أخطر خصوم الحفر في القطب الشمالي الشركات بالفعل، وقال بريت هارتل، مدير الشؤون الحكومية في مركز التنوُّع البيولوجي: "هناك مجموعات تبحث بعناية شديدة ما تذكره الشركات في وثائقها التنظيمية، لمعرفة مدى صحَّتها. سنحاول بذل قصارى جهدنا، لنجعل احتفاظ الشركات بعقود الإيجار أمراً صعباً".