"أوبك+" تنقصه الرشاقة

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

منذ أكثر من أسبوع بقليل، كتبتُ أنَّ منتجي البترول يحتاجون لآلية تسمح لهم بالاستجابة سريعاً للتغيرات التي قد تكون كبيرة وسريعة في سوق البترول، وأنا سعيد لرؤية أنَّ هذا ما حاولوا القيام به، حتى إن لم يكن ما كنت أتصوَّره تماماً.

وأشار زميلي ألاريك نايتنجيل إلى أنَّ تحالف "أوبك+" ينبغي أن يشكل فريق تدخُّل سريع صغير (SWAT) يمكنه أن يتخذ خطوات سريعة واستراتيجية. لكن بدلاً من ذلك، قرَّر التحالف حشد جيشه بالكامل في وحدة استجابة سريعة.

وفعل التحالف ذلك في نهاية اجتماعات صعبة، اختُتمت بتسوية وافقت جميع الدول الـ23 في "أوبك+" التوقيع عليها، واتفقت المجموعة التي تضم السعودية وروسيا والعراق والإمارات على زيادة إنتاجها الإجمالي بمقدار 500 ألف برميل يومياً اعتباراً من 1 يناير.

الدبلوماسية النفطية

تعدُّ التسوية جيدة حتى الآن، فبالرغم من أنَّها لم تكن وفق توقُّع الأسواق، أي تأجيل رفع الإنتاج مدة ثلاثة أشهر، لكنها لا تعني العودة المباشرة لـ1.9 مليون برميل يومياً، التي كان ينصُّ عليها الاتفاق المبرم في أبريل. ثم جاءت النتيجة الأهم، عبر اجتماعٍ في المستقبل القريب لكل وزراء البترول الـ23 خلال الأسبوع الأول من كل شهر لاتخاذ قرار بشأن الخطوة المقبلة.

وبعد أن أظهروا لنا خلال الاجتماعات الأخيرة مدى صعوبة مراس هذه المجموعة الكبيرة، دعونا نأمل ألا يصبح الخلاف أساس المناقشات في الاجتماعات الشهرية الجديدة.

وانتهت الاجتماعات الافتراضية لوزارء منظمة "أوبك الـ13"، يوم الإثنين الماضي دون اتفاق، وتمَّ تأجيل الاجتماع الأكبر "لأوبك+" ليومين، ثم لساعتين من الموعد المحدد، كما تمَّ استغلال هذه الأيام، والساعات المتداخلة لإجراء نوع من الدبلوماسية المكوكية الافتراضية لمحاولة إيجاد اتفاق يوافق الجميع عليه.

وعندما تمَّ أخيراً عقد اجتماع "أوبك+" كاملاً يوم الخميس، برئاسة روسيا فقط، التي كانت خصماً لأوبك مراراً وحتى الآن، كما نفَّذ وزير البترول السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان تهديده بالتخلي عن الرئاسة المشتركة للمجموعة. ولكن هناك أكثر من طريقة واحدة لفهم هذا القرار، إما أنه ردَّة فعل حادَّة لرجل لم يتمكن من تنفيذ الأمور على طريقته، أو هي خطوة دبلوماسية بارعة لتهيئة الأجواء المطلوبة لتهدئة التوترات، والسماح بالتوصل إلى تسوية.

ويعدُّ الأمير دبلوماسيَّاً مخضرماً، أشيد بدوره في ترتيب العديد من النجاحات السعودية السابقة داخل أوبك، عندما كان نائباً لوزيري البترول السابقين، علي النعيمي، وخالد الفالح، وأفضِّل أن أصدِّق أنَّ تصرفاته كانت مقصودة للمساعدة في التوصل لاتفاق، خاصة أنَّ السعودية أرادت بشدة، تأجيل أيَّة زيادة في مستويات الإنتاج المستهدفة.

للتعلُّم من الماضي

كان الأسبوع بأكمله عبارة عن رقصة معقدة ومجهدة، ووصفه الأمير بنفسه على أنَّه "مؤلم للغاية"، ولا أتصور أنهم يريدون فعلاً تعريض أنفسهم - وأسواق البترول - لهذا التعذيب كل شهر، وربما كان يستحسن بهم أن يفوِّضوا مجموعة أصغر من الأعضاء لإجراء التعديلات الشهرية، ربما باستخدام الهيكل الحالي للجنة المراقبة الوزارية المشتركة، وهي مجموعة من سبعة وزراء تشرف على التزام "أوبك+" بالتخفيضات، دون أن تكون لها سلطة لصناعة السياسة حالياً.

وستكون هناك بالطبع صيحات اعتراض بأنَّ مستويات الإنتاج، هي قرارات سيادية،

لا ينبغي التخلي عنها، ولكن مهمة فريق التدخل السريع يمكن صياغتها بما يتماشى تماماً مع الاتفاق الذي وقعته "أوبك+"، وستقوم اجتماعاته الشهرية بفحص أحوال السوق، وتحديد مستويات الإنتاج في الشهر الذي يليه، التي سيتم تطبيقها على أساس تناسبيٍّ، على أن يكون الحد الأقصى للتغيير في الاتجاهين (زيادة الإنتاج أو خفضه) في نطاق 500 برميل يومياً. وسينتهي الاتفاق تلقائياً بمجرد وصول الحجم الإجمالي المضاف للمعروض إلى 2 مليون برميل يومياً، وهي الكمية المتفق عليها في الأصل باتفاق أبريل.

وهذه ليست سابقة لأوبك، ففي مارس من عام 2000، استحدثت المجموعة آلية نطاق سعري تلقائية، التي كانت تُدخل تغييراتٍ، قدرها 500 ألف برميل يومياً على حصص الإنتاج الإجمالية، عندما كانت تشرد الأسعار خارج نطاق 22 إلى 28 دولاراً للبرميل على أساس 20 يوماً في المتوسط.

ونعيش حالياً في أوقات استثنائية، وقد يتحرك الطلب على البترول سريعاً في الاتجاهين، اعتماداً على تأثير فيروس كورونا، أو درجة القيود والإغلاقات، أو المتنفس الذي ستتيحه اللقاحات. ويتطلب هذا المشهد غير المتوقع رشاقةً استثنائيةً من جانب منتجي البترول، وبالرغم من أنَّ "أوبك+" قد "استمعت إليَّ" جزئياً (يمكننا جميعاً أن نحلم)، يبقى علينا أن نرى إذا كان هذا الحل سيثمر عن الاستجابة السريعة المطلوبة، أم سيترك المجموعة منغمسة في اجتماع خلافي بعد الآخر.

تابعوا اجتماع الشهر المقبل، وحينها سيكتشف الجميع ما سيحدث.