هل تمر الصين بمرحلة تباطؤ ما بعد الوباء؟

شهدت الأشهر الثلاثة الماضية زيادة في توزيع الصين للقاحات وأعطت ما يقرب من 1.4 مليار جرعة أي ما يكفي لتطعيم نصف السكان بشكل كامل، وهو ما قد يعزز ثقة المستهلك
شهدت الأشهر الثلاثة الماضية زيادة في توزيع الصين للقاحات وأعطت ما يقرب من 1.4 مليار جرعة أي ما يكفي لتطعيم نصف السكان بشكل كامل، وهو ما قد يعزز ثقة المستهلك المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد الدعم المفاجئ من البنك المركزي الصيني الأسبوع الماضي، صدرت بيانات اقتصادية رئيسية يوم الخميس ستُفحص للبحث عن علامات على دخول ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلى "مرحلة ما بعد الوباء" جديدة يؤدي فيها تباطؤ الزخم إلى مساعدات سياسية جديدة.

يتزايد الجدل بشأن ما إذا كانت الصين ستتحول عن التشديد النقدي والمالي التدريجي الذي بدأته أواخر العام الماضي بعد التعافي على شكل حرف "V" من جائحة فيروس كورونا. ورغم أن بنك الشعب الصيني قال إن خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي الأسبوع الماضي كان بمثابة عملية لضخ السيولة، وليس علامة على تغيير اتجاه السياسة، فإن الخطوة المفاجئة والواسعة أدهشت الكثيرين وعززت المخاوف بشأن آفاق النمو.

وبجانب تقليص المحفزات السياسية، شهد الربع الماضي مجموعة من الرياح المعاكسة للاقتصاد بدءاً من ارتفاع أسعار المواد الخام إلى نقص الرقائق في قطاع السيارات وتوقف الصادرات نتيجة تفشي الفيروس محلياً. وستظهر البيانات إلى أي مدى أثرت هذه القضايا الخاصة بكل قطاع على النمو الإجمالي.

وفي نبرة حذرة الأسبوع الجاري، حذَّر رئيس الوزراء لي كي تشيانغ من أن الدولة ينبغي أن تستعد للمخاطر الدورية وتتخذ تدابير لمكافحة التقلبات الدورية، وقال إنه ينبغي على الحكومة التركيز على دعم الشركات الأصغر، مشدداً على أنها لا ينبغي أن تتبنى سياسات من الفيض التحفيزي.

إليك خمسة أشياء تجب مراقبتها في تقرير الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني وبيانات النشاط لشهر يونيو:

زخم النمو

ظلت المحركات التي عززت تعافي الصين - الصادرات القوية والاستثمار العقاري والإنتاج الصناعي - قوية خلال النصف الأول من العام، لكنها أظهرت اعتدالاً منذ نهاية عام 2020 مع عودة الاقتصادات المتقدمة لطبيعتها، ومحاولات بكين للحد من المضاربة في القطاع العقاري.

اقرأ المزيد: الصادرات الصينية تتسارع بشكل غير متوقع في يونيو

ونتيجة لذلك، يتوقع الاقتصاديون أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الأساسي بقدر كبير إلى 8% في النصف الثاني، مقارنة بالتوسع القياسي البالغ نسبته 18.3% في الثلاثة أشهر الأولى من العام.

يعود ذلك بقدر كبير إلى أساس المقارنة المتزايد منذ عام عندما كانت الصين بالفعل تنتقل إلى مرحلة ما بعد إغلاقات فيروس كورونا في الربع الثاني من 2020، ومن المرجح أن تنظر بكين إلى ما وراء الرقم الأساسي لتحدد ما إذا كان هناك تباطؤ في النمو يتباطأ وأن الاقتصاد بحاجة إلى المزيد من التيسير السياسي أم لا.

ولتصحيح هذا التشوه، يمكن للاقتصاديين مقارنة النمو الرسمي على أساس ربع سنوي، والذي من المتوقع أن يتسارع إلى 1% من 0.6% في الربع الأول، ومع ذلك تخضع تلك البيانات لمراجعات متكررة. إلا أن أفضل بديل هو النظر إلى متوسط معدل النمو لمدة عامين اعتباراً من عام 2019، ووفقا لهذا المقياس، فسيكون خط التسارع على أساس ربع سنوي أعلى من 5%.

الاستهلاك وإعادة التوازن

لا تزال الأسر حذرة بعد الصدمة التي شهدتها الدخول الناتجة عن الوباء، وتشير القراءات الأولية مثل الإنفاق السياحي إلى أن الحذر لا يزال قائما في يونيو، لكن وتيرة الإنفاق الاستهلاكي كما يظهر في مبيعات التجزئة الشهرية تتحسن تدريجياً منذ بداية العام. بالتالي سيكون أفضل مؤشر هو معدل نمو مبيعات التجزئة خلال عامين، وستعتبر أي قراءة فوق معدل شهر مايو البالغ 4.5% تحسناً.

وقال المحللون في "بانثيون ماكروايكونوميكس" (Pantheon Macroeconomics)، في مذكرة: "تظهر البيانات شبه اللحظية ارتفاع المبيعات عبر الإنترنت لبعض السلع المعمرة في يونيو على أساس شهري بعد تراجعها بحدة في الأشهر الماضية.. ونعتقد أن ذلك سيُترجم على الأرجح إلى ارتفاع في قيمة مبيعات التجزئة بشكل عام بعد شهرين متتالين من التراجع".

لكن حتى المتفائلين يتوقعون أن يظل نمو التجزئة دون مستويات ما قبل الوباء البالغ 8%، وهو ما يعني أن الاقتصاد يفتقر لعملية "إعادة التوازن" تجاه اقتصاد مدفوع بالطلب الاستهلاكي.

وستظهر بيانات البطالة لشهر يونيو ما إذا كان سوق العمل المحكم له دور في ذلك، وقال مايكل بيتيس، أستاذ المالية في جامعة بكين: "لا يزال أمام الصين طريق طويل للغاية لتقطعه قبل أن نتمكن من القول إنها تعيد التوازن بقدر ذو معنى".

الاستثمار والسلع

يقود الاستثمار في الصين في مجالات العقارات والتصنيع والبنية التحتية دورة عالمية في القطاع الصناعي والسلع، لكن شددت بكين شروط التمويل للتطوير العقاري في النصف الأول من العام، كما أدى تباطؤ مبيعات السندات من قبل الحكومات المحلية إلى ضعف الاستثمار في البنية التحتية. يتوقع الاقتصاديون استمرار التباطؤ، إذ شهد الاستثمار في الأصول الثابتة توسعاً بنسبة 12% في النصف الأول من العام مقارنة بالزيادة المسجلة في الفترة من يناير إلى مايو والبالغة نسبتها 15.4%.

اقرأ المزيد: جدل بين المستثمرين حول مدى استمرار صعود عوائد السندات الصينية

وبينما تلعب فترة أساس المقارنة دورا، سيتطلع الاقتصاديون إلى متوسط نمو خلال عامين عند نسبة تزيد عن 4.2% في النصف الأول للإشارة إلى تسارع، وهو تحسن قد يقوده النمو في الاستثمار التصنيعي والذي أصبح إيجابياً للمرة الأولى منذ بداية العام وحتى مايو. وكلما زاد دور الاستثمار التصنيعي، أصبح النمو أكثر استدامة.

الناتج الصناعي والتضخم

حققت الصين إنتاجاً شهرياً قياسياً من السلع مثل الصلب في الربع الثاني في ظل قوة الصادرات والاستثمار العقاري، كما ارتفعت أسعار المنتجات الصناعية.

ومع ذلك، فإن عوامل مثل النقص العالمي في الرقائق وإجراءات السيطرة الجديدة على كوفيد 19 التي تم تطبيقها لمكافحة فيروس كورونا في قلب منطقة غوانغدونغ الصناعية في يونيو ربما أثرت على إنتاج السيارات وبعض السلع الاستهلاكية.

وتعني هذه العوامل أن الاقتصاديين الذين استطلعت آراؤهم "بلومبرغ نيوز" يتوقعون توسع الإنتاج الصناعي بنسبة 7.9% في يونيو على أساس سنوي، متباطئاً من 8.8% الشهر السابق، ويبدو أن صانعي السياسة كانوا فعَّالين في التحكم في ارتفاع الأسعار في الوقت الحالي، وإذا جلبت بيانات الإنتاج مفاجأة صعودية، فستدعم فكرة أن تضخم أسعار المنتجين سيكون مؤقتاً حتى يلحق العرض بالطلب.

الإنقاذ السياسي

إذا أشارت البيانات إلى فقدان الزخم في الربع الثاني، فمن المرجح أن تحاول بكين تجنب المزيد من التباطؤ، وهناك بعض الرياح الخلفية التي يمكن أن تعزز التوقعات إذ شهدت الأشهر الثلاثة الماضية زيادة في توزيع الصين للقاحات، وأعطت ما يقرب من 1.4 مليار جرعة أي ما يكفي لتطعيم نصف السكان بشكل كامل، وهو ما قد يعزز ثقة المستهلك.

يرى المحللون على الأقل مصدرين للدعم السياسي في الأفق، أولاً، من المتوقع أن تزيد الحكومات المحلية وتيرة إصدار السندات، ما يعزز الإنفاق على البنية التحتية. ثانياً، قد يكون هناك مجال أكبر للتيسير النقدي إذ من المتوقع أن تنمو الصادرات بقوة في النصف الثاني مقارنة بمستويات ما قبل الوباء، الأمر الذي سيدعم اليوان ويمنح بكين مساحة سياسية أكبر للتخفيف، حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من التدفقات الخارجة لرأس المال.