تقنيات متطورة لحماية المحاصيل الزراعية الطازجة من التعفن

تقنية حماية المحاصيل الطازجة
تقنية حماية المحاصيل الطازجة بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد الانتهاء من حصد المحاصيل الزراعية، لا يبقى أمام صغار المزارعين في قرية ماسي في كينيا إلا انتظار قدوم المشتري المحتمل الذي يحمل بضائعهم على متن شاحنته. وربما يكون أسلوب العمل هذا ملائماً بالنسبة للمحاصيل كالحبوب والذرة. إلَّا أنَّ المانجو، وهو أحد المحاصيل الأساسية للمنطقة، يَفسَد بسرعة، مما يعني أنه قد يتعفَّن قبل وصول الشاري المنتظر.

وفي هذا الصدد، يقول عبيدة كيساينغو، وهو رئيس الجمعية التعاونية لمزارعي البساتين في قرية ماسي: "نخسر حصتنا في السوق لأنَّ ثمار المانجو سرعان ما تبدأ بالتعفن، وتظهر عليها البقع"، مشيراً إلى أنَّ نحو 40% من محصول المانجو يتعرَّض للتلف نتيجة التعفن.

في خِضمِّ هذه المشكلة، ظهرت تقنية تغليف بسيطة، من شأنها أن تغيِّر هذا الواقع.

فقد ابتكرت شركة في ولاية كاليفورنيا تركيبة تساعد على تمديد صلاحية المنتجات الطازجة، من مرتين إلى ثلاث مرات. وهو ما يفتح أسواقاً أوسع أمام المزارعين في المناطق النائية من أمثال كيساينغو.

هذه الشركة هي"أبيل ساينس" ( Apeel Sciences Inc.)، ومقرُّها مدينة سانتا باربرا. وكانت قيمة الشركة قد ارتفعت إلى أكثر من مليار دولار في شهر مايو بعد أن تلقَّت تمويلاً بقيمة 250 مليون دولار من أوبرا وينفري، ومن صندوق الثروة السيادية السنغافوري (GIC Pte Ltd).

أضيف هذا التمويل إلى استثمارات سابقة من شركة "أندريسن هورويتز" (Andreessen Horowitz) وغيرها من رؤوس الأموال. (يذكر أنَّ شركة بلومبرغ، مالكة "بلومبرغ بيزنس ويك" هي أحد المستثمرين في "أندريسن هورويتز").

وفي 27 أكتوبر، أعلنت مؤسسة التمويل الدولية، التابعة للبنك الدولي، المعنية بالقطاع الخاص، عن استثمار بقيمة 30 مليون دولار في شركة "أبيل"، في خطوة ستفتح أمام الشركة أبواب شرق إفريقيا وجنوب أميركا، وربما جنوب شرق آسيا أيضاً بعد الحصول على الأذونات اللازمة من الجهات المنظِّمة هناك.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ شركة الاستثمار السنغافورية "تيماسيك القابضة" (Temasek Holdings Pte Ltd)، وشركة تقنيات الغذاء "أستانور فينتشورز" (Astanor Ventures)، هما شريكتان في هذه الصفقة.

من جهتها تقول ستيفاني فون فريدبرج، المديرة العامة المؤقتة لمؤسسة التمويل الدولية "IFC"، عن تقنية التغليف "تكاد هذه التقنية تلغي الحاجة إلى التخزين في البرادات، وتمكِّن من إيصال المحاصيل إلى الأسواق المتطورة، إذ يستطيع المزارعون بيع منتجاتهم بأسعار أفضل".

إلى ذلك، من شأن زيادة مدة صلاحية المنتجات الطازجة المتوفِّرة في محلات البقالة المساعدة في التخفيف من هدر الطعام. الذي يشكِّل تحدِّياً يكلِّف العالم نحو 2.6 تريليون دولار بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

وفي هذا الإطار، تتوقَّع "بروجكت دراوداون" (Project Drawdow)، وهي منظمة غير ربحية تقع في سان فرانسيسكو، وتختصُّ بإيجاد الحلول المناخية. أن تشكل هذه التقنية واحدة من أكثر الطرق فعالية في الحدِّ من انبعاثات الغازات الدفيئة.

وستساعد هذه الاستثمارات شركة "أبيل" على التقدم نحو تحقيق الهدف الذي كان رئيسها التنفيذي جيمس روجرز (35 عاماً) قد تصوَّره حين أسَّس الشركة قبل ثماني سنوات. فقد كان روجرز الذي يحمل شهادة دكتوراه في علم المواد، يطمح إلى حلِّ مشكلة الغذاء بالطريقة نفسها التي ساعدت فيها حواجز التأكسد على منع وصول الصدأ للفولاذ. ولهذه الغاية، طوَّر روجرز تقنية تغليف طبيعية بلا نكهة أو رائحة، مصنوعة من مواد مستخلصة من النباتات. وهي الجذوع والأوراق والقشور، أي الأجزاء التي يتم رميها عادةً من النبات. وتساعد هذه التقنية على إبقاء المحاصيل طازجة فترة أطول من خلال إبقاء الماء في الداخل، والحؤول دون دخول الأكسجين، مما يحافظ على المنتج بين مرحلة ما بعد النضج، وما قبل التعفن. وبحسب روجرز، بفضل هذه التقنية، لن تكون هذه المنتجات بحاجة للتبريد.

وكانت شركة "أبيل" قد خاضت مسيرة طويلة استغرقت ست سنوات قبل أن تتمكن من طرح المنتجات المغلفة بالمادة التي طوَّرها روجرز في المتاجر، وهي لا تزال حتى اليوم تواجه معوقات عدَّة تعرقل وصولها إلى صغار المزارعين في المناطق النائية.

كما برزت تقنيات أخرى منافسة لتقنية "أبيل"، منها تقنية "بلو أبل" (Bluapple) التي تعمل من خلال تقنية عزل فائض الإيثلين، وهو الهرمون الذي يحفِّز نضوج بعض أنواع المحاصيل، وتستخدم تغليفاً مضاداً للميكروبات. كذلك، حقَّقت بعض التقنيات، مثل تعريض المحاصيل للضوء الأزرق، وأشعة الراديو، أو البلازما نجاحاً في المختبر، ولكن لم يتم طرحها تجارياً بعد.

اليوم، تتوفر الفاكهة والخضار المعالجة بتقنية "أبيل" في كبرى متاجر البقالة في ألمانيا والدنمارك وسويسرا والولايات المتحدة، ومتاجر "ولمارت" أيضاً . كما حصلت الشركة مؤخراً على إذن لاعتماد تقنيتها في كلِّ من كينيا وأوغندا وكوستاريكا وكولومبيا والإكوادور. وقال ماريو سلونيتشيك، نائب رئيس شركة "إيديكا" (Edeka) التي تدير أكثر من 11 ألف متجر بقالة في ألمانيا "نسبة هدر الغذاء في المحاصيل المعالجة بتقنية "أبيل"، هي أقل بـ50% عن المحاصيل الأخرى، كما أنَّ مبيعاتها أعلى بـ30%."

وفي مناطق مختلفة من العالم، يؤدي الافتقار إلى البنى التحتية الملائمة الخاصة بالتبريد إلى ارتفاع تكلفة حفظ المحاصيل على المزارعين، وإلى الحدِّ من مداخيلهم. فالفاكهة التي يتمُّ قطفها مبكراً لا تحتوي على كمية وافية من السكر، لذا فإنَّ نكهتها لا تكون حلوة بالقدر الكافي، في حين قد يؤدي قطفها متأخراً إلى تعفنها. لذا، يقوم الأعضاء في الجمعية الزراعية التي ينتمي إليها كيساينغو بحصد الفاكهة على دفعاتٍ وبكميات صغيرة.

إلا أنَّ الرحلات المتكررة لهذا الحصاد التدريجي إلى البساتين تتطلب مجهوداً كبيراً، فيما يتكبد التجار تكلفة أكبر بسبب زياراتهم المتكررة، مما يضطرهم إلى دفع مبالغ زهيدة للمزارعين مقابل المانجو. وبسبب طريقة الحصاد هذه، تغلق أبواب كبار الموزِّعين في وجه المزارعين من القرية، فهم يسعون عادة لشراء كميات وفيرة من المحاصيل الناضجة، دفعة واحدة، لإرسالها إلى الخارج. أو يقومون بتبريد المحاصيل المقطوفة باكراً في أوروبا التي تُعَدُّ السوق الأساسية للتجار.

وبالنسبة لكريستيان أوين، كبيرة مديري البرامج في مؤسسة "بيل وميريندا غيتس" التي أسهمت في انطلاق الشركة من خلال منحة بقيمة 100 ألف دولار، فإنَّ "أبيل تمتلك المقوِّمات اللازمة لتحويل المزارعين في إفريقيا الذين يقومون بالزراعة من أجل البقاء إلى مزارعين تجاريين، مشيرةً إلى أنَّ هذا سيؤدي إلى "جيب ممتلئ، ومعدة ممتلئة".