لماذا يُعدُّ اتفاق التحفيز مهماً لأوروبا؟

علم الاتحاد الأوروبي يرفرف أمام مقر المفوضية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل
علم الاتحاد الأوروبي يرفرف أمام مقر المفوضية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد معركة شاقة، تمَّ الاتفاق على ميزانية الاتحاد الأوروبي وحزمة التحفيز البالغة 1.8 تريليون يورو (2.2 تريليون دولار).

إنَّه إنجازٌ حقيقيٌّ. فلن تساعد هذه الأموال القارة الأوروبية في التغلب على الضرَّر الاقتصادي الذي خلفه فيروس كورونا عند بدايته فحسب؛ بل إنَّها تمهد الطريق لتكامل أعمق بكثير في الكتلة، وتمهِّد الطريق لانتقال القارة إلى اقتصاد منخفض الكربون. كما يأمل زعماء أوروبا أن تجعل هذه الاتفاقية بشكل حازم الحديث عن تفكك الاتحاد الأوروبي من الماضي.

أمَّا بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي، الذي مدَّد يوم الخميس برنامجه الضخم والطارئ لشراء السندات، فتُساعد الأموال في معالجة دعواته المُتكررة لانتقال السياسة الماليَّة إلى مقدِّمة الدعم الاقتصادي. فبالإضافة إلى كونها مُتمماً رئيسياً للسياسة النقدية، فإنَّ للصفقة أيضاً فائدة تقنية. إذ يتمُّ تمويل جزء من الحزمة من خلال السندات المدعومة بشكل مشترك، التي ينبغي أن تزوِّد البنك المركزي الأوروبي بأصول أخرى للشراء.

كما تلقَّت أسواق المنطقة دفعة كبيرة، إذ وصل اليورو إلى أعلى مستوياته منذ منتصف عام 2018 مقابل الدولار، وانخفضت تكاليف الاقتراض للدول المُثقلة بالديون، مثل إيطاليا وإسبانيا بشكل كبير؛ على الرغم من الإنفاق الحكومي غير المسبوق. وإليكم نظرة على الأسباب التي تجعل اتفاقية التعافي في الاتحاد الأوروبي مهمةً للغاية.

لحظة "هاملتون"

استلهاماً ممَّا حدث في الولايات المتحدة في عام 1790، فإنَّ ما يسمى بلحظة "هاميلتون" سيكون من شأنها أن تبادلَ الالتزامات عبر جميع الدول الأعضاء، البالغ عددها 27 دولة. وسيتطلَّب ذلك إجراء تغييرات في المعاهدات تعتمدها البرلمانات الوطنية، وفي بعض الحالات إجراء الاستفتاءات.

الحزمة الجديدة لا تذهب إلى هذا الحدِّ، لكنَّها تخطو في هذا الاتجاه؛ مع الوعد بإصدار الدَّين لتمويل المنح والقروض للأعضاء بشكل مشترك، بدلاً من إدراجها في الميزانيات العمومية الوطنية.

وفضلاً عن جانب شراء سندات البنك المركزي الأوروبي، فقد ساعد ذلك في كبح تكاليف الاقتراض حتى بالنسبة لبلدان منطقة اليورو التي تعاني من أعباء ديون ضخمة، وأوضاع مالية محفوفة بالمخاطر.

كما انخفضت عائدات السندات الإسبانية لأجل 10 سنوات إلى أقل من 0% يوم الجمعة، بعد إنخفاض أقرانها في البرتغال في وقت سابق من هذا الأسبوع. ويرجَّح بشكل مُتزايد أن تحذو عوائد سندات الدول الثانوية الأخرى، مثل إيطاليا، واليونان حذوها قريباً.

الأثر الاقتصادي

قدَّرت المفوضية الأوروبية أنَّ الخطة يمكن أن تضيف حوالي 2% إلى الناتج الاقتصادي للكتلة بحلول عام 2024، وأن تخلق مليوني فرصة عمل إضافية بحلول عام 2022.

وقال بعض الاقتصاديين، إنَّ الأمر قد ينتهي ليصبح أقل من ذلك في حال قام الاتحاد الأوروبي باستبدال الأموال التي كانت ستخرج من الخزائن الوطنية بالصناديق التمويلية. كما أنَّه لم يتضح بعد إلى أيِّ مدىً ستسحب البلدان من القروض المعروضة.

من الفوائد الرئيسية أيضاً أنَّ أموال التعافي ستساعد في تخفيف الضربة عن البلدان الأكثر تضرراً من الأزمة، وذلك، وعلى سبيل المثال، لأنَّ اقتصادياتها تعتمد إلى حدٍّ كبير على السياحة. وكان الاتحاد الأوروبي مذعوراً بشكل خاص من الصدمة غير المُتكافئة للفيروس، واتساع الانقسام بين الشمال والجنوب في المنطقة.

مساعدة البنك المركزي

أشاد مسؤولو البنك المركزي الأوروبي بالاتفاق لأنَّه "عاملٌ يغيِّر قواعد اللعبة"، لأنَّه يُظهر التضامن بين الدول الأعضاء الأكثر ثراءً والأكثر فقراً أيضاً.وكان قد دعا البنك المركزي الأوروبي أعضاء منطقة اليورو، البالغ عددها 19 دولة للاستثمار في اقتصاداتهم ورفع النمو، حتى قبل تفشي الوباء.

إذا نجحت الخطَّة، فقد تساعد البنك المركزي الأوروبي في تقريب التضخُّم من هدفه الذي يقلُّ قليلاً عن 2%.

وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي "كريستين لاغارد" يوم الخميس، إنَّ صندوق التعافي يجب أن يصبح "جاهزاً للعمل دون تأخير". وشدَّدت أيضاً على أنَّه يجب إنفاق أموال مُساعدات الاتحاد الأوروبي بطريقة تزيد من النمو على المدى الطويل، ولا يجب أن تضيع هذه الأموال في الميزانيات الوطنية. ويشار إلى أنَّ "لاغارد" اقترحت جعل صندوق التعافي أداة دائمة لأزمات مُماثلة في المستقبل، وأنه يمكن أن "يثري" الجدل الطويل حول ميزانية مشتركة لمنطقة اليورو.

كما كانت سندات الاتحاد الأوروبي التي تدعم البرنامج أيضاً أحد الأصول الأخرى لبرامج التسهيل الكمي للبنك المركزي الأوروبي. ويقلِّل ذلك من مخاطر التهامها قدراً كبيراً من الديون الوطنية، إذ تسحق الأسواق، وتواجه اتهاماتٍ بالتمويل النقدي.

أصل آمن جديد

يُنظر إلى السندات الألمانية على أنَّها معيار أوروبا، لكنها لا ترقى إلى مستوى المنافسة لسندات الخزانة نظراً لعدم وجود ما يكفي منها للتداول، كما أنَّها لا تمثِّل خطراً مُناسباً على الصعيد الأوسع في المنطقة.

وستؤدي الديون المُشتركة إلى رفع صورة "الأصول الآمنة" الأوروبية إلى حدٍّ ما، على الرغم من أنَّها ستمنح المستثمرين في النهاية أماناً بخصوص كامل الكُتلة.

ويمكن أن ترفع وضع اليورو مقابل الدولار. فقد ساعد التقدُّم في الصندوق على دفع عملة اليورو لما يعادل فوق 1.20 دولار، إلى أعلى مستوىً قياسيٍّ لها منذ في عامين ونصف.

قائد اجتماعي وأخضر

من المقرَّر أن يصبح الاتحاد الأوروبي أكبر مُصدر للديون الخضراء في العالم، إذ يتمُّ إصدار ثلث السندات لتكون تحت العلامة الصديقة للبيئة.

ستنشُر الكُتلة تصنيفاً أخضر مُصاحباً، بالإضافة إلى نمط للسندات الخضراء العام المقبل، وهناك توقُّع على نطاق واسع من أنها ستصبح مُخطِّطاً للسوق سريعة النمو.

كما أنَّ الطلب من المستثمرين على الديون الاجتماعية في الاتحاد الأوروبي، الذي يتجه نحو برنامج إقليمي لدعم الوظائف، كان قد حطَّم الأرقام القياسية فعلاً خلال هذا العام، ممَّا أدى إلى زيادة الطلبات بمليارات اليورو.

هزيمة أخرى للشعبويين

يعني الاتفاق أنَّ أموال الاتحاد الأوروبي في المستقبل ستكون مرتبطة بسيادة القانون، وهو الربط الذي تعارضه المجر وبولندا. في حين فازت الدولتان بتأجيل محتمل لإنشاء مثل هذه الآلية، واتخذت الكتلة في نهاية المطاف خطوة نحو تبني أداة أكثر صرامة لمعاقبة الحكومات التي تقوِّض المعايير الديمقراطية.

يأتي هذا في أعقاب الانتخابات الأمريكية، التي ربما تكون قد أخذت بعض الريح من أشرعة الشعبويين. إذ شجَّع صعود دونالد ترمب وحكمه على مدى السنوات الأربع الماضية مراراً وتكراراً الأعضاء غير الليبراليين في الاتحاد الأوروبي.

صندوق أدوات اقتصادي أكثر قوة

ينضمُّ صندوق التعافي هذا إلى سلسلة من الأدوات الأخرى التي تمَّ تبنيها خلال هذا العام لتعزيز ترسانة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية، بما في ذلك تدابير لمساعدة الشركات والعمال.

ويأتي ذلك أيضاً بعد أسبوع واحد فقط من موافقة منطقة اليورو أخيراً على الإصلاح الذي طال انتظاره لصندوق الإنقاذ الخاص بها، وهي صفقة يمكن أن تمهِّد الطريق لمزيد من العمل الطموح لتعزيز هيكل اليورو.