هل "الحلمة الأرجوانية" العملاقة هي الأنف الرقمي للمستقبل؟

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يشبه الحل الذي قدمه، أوش أغابي، لإحدى أصعب مشكلات التكنولوجيا الحيوية، حلمة أرجوانية قزحية اللون بحجم عجلة القيادة. بخلاف ذلك، فإن الحل غير واضح، إذ إن هذه الحلمة لا تصدر صوتاً أو نبضاً أو همهمة. تعلّق على الحائط، حيث تستقر بهدوء وتفوح منها رائحة.

إقرأ أيضاً: عطورك قد تخفي أسراراً خطيرة

كل المطارات، والساحات، والمصانع، كريهة الرائحة بطرق معينة، وهذا ينطبق حتى على الأشخاص. نحن نعلم هذا لأن أنوفنا تخبرنا بذلك. لكن محاولات إعادة إنشاء أقدم تجربة حسية لدينا باستخدام الآلات والتكنولوجيا كانت غائبة بطريقة مؤسفة. قد تكون الأجهزة اليومية الحديثة ذكية بما يكفي للتعرف إلى وجوهنا وأصواتنا، وقراءة نبضاتنا، وتتبع حركاتنا، لكنها لا تشتم الرائحة. أفضل مثال على جهاز تجاري يمكنه التقاط الإشارات الكيميائية في الهواء بشكل موثوق، يطلق عليه اسم كاشف الدخان، لكنه لم يتغير منذ سنوات.

تأثيرات كورونا على حاسة الشم

لكن شركة "كونيكو" (Koniku) التي أسسها أغابي في عام 2015، تقول إنها حققت اختراقاً حسياً. في شهر يوليو الماضي، أبرمت الشركة اتفاقية مع أكبر شركة لصناعة البيرة في العالم، "أنهاوز-بوش إنبيف إس إيه/إن إيه" (Anheuser-Busch InBev SA/NV)، لتركيب جهاز "كونيكور"، كما تسمى الفقاعة الأرجوانية، لقياس وتجربة كيفية إدراك روائح عطرية للمشروب من قبل الأنف، وذلك بهدف تعزيز النكهة. وفي الأسابيع القليلة المقبلة، من المتوقع أن يبدأ جهاز "كونيكور" في الظهور في بعض مباني الركاب بالمطارات الأمريكية، وذلك بفضل الشراكة مع شركة "إيرباص" التي تستهدف الكشف عن القنابل. وقعت شركة "كونيكو" أيضاً اتفاقية تطوير مع شركة "ثيرمو فيشر ساينتيفيك" (Thermo Fisher Scientific) لتصنيع المستشعرات الإلكترونية، لإيجاد طريقة لاكتشاف آثار الماريجوانا لدى الأشخاص المشتبه في قيادتهم تحت تأثير المخدرات.

يقول أغابي: "ما فعلته الكاميرا من أجل الرؤية، نفعله الآن من أجل الشم". ويضيف: "أعتقد بأننا أول شركة تصنع كاميرا للروائح". الفرق مع "كاميرا" "كونيكو"، هو أن الغلاف الأرجواني يحتوي على خلايا عصبية حية صغيرة. يجري تعليقها داخل محلول خاص مصمم لمحاكاة الغشاء المخاطي، وهي طبقة الغشاء المرتفعة في تجاويف الأنف لدينا. تحتوي الخلايا على بروتينات غشائية محددة مبرمجة للتعرف إلى جزيئات الرائحة، تماماً مثل تلك الموجودة في أنفنا، والتي يمكن أن تشتم الروائح. يؤدي التفاعل إلى سلسلة من إشارات الأحداث، ما يؤدي في النهاية إلى قارئ رقاقة إلكترونية يفسر المستقبلات التي جرى إحداثها. ولتفهموا الأمر بوضوح فإن هذه عملية للتعرف الصحيح إلى ماهية الرائحة.

منافسة بين 3 شركات

تعد شركة "كونيكو" واحدة من ثلاث شركات ناشئة على الأقل تحاول إخراج إنجازاتها في مجال التكنولوجيا الحيوية في مجال اكتشاف الروائح من المختبر. تتسابق هذه الشركات من أجل الفوز بالمستثمرين والعملاء، ونيل الموافقات من قبل الجهات التنظيمية. إحدى هذه الشركات، شركة "أرومياكس" (Aromyx) في ماونتن فيو بولاتة كاليفورنيا، والتي تختبر كيفية تفاعل منصتها القائمة على المستقبلات في حال وجود مجموعة متنوعة من الأمراض، بما في ذلك سرطان البنكرياس، وسرطان البروستاتا، والملاريا. وقد بدأ ذلك قبل أن تجبر الجائحة العالم على إعادة النظر في ما يمكن أن يحوم حولنا في الهواء. تتمثل رؤية شركة "أرومياكس" في تقليل حجم الأداة التي تقوم عليها تقنية نظامها المعتمد على المختبر إلى حجم اختبار الحمل، وبحيث تكون قادرة على إخبارك بأنك مصاب بالسرطان أو مرض كوفيد -19 (أو الأفضل من ذلك، أنك مصاب بلا شيء). وبالإضافة إلى شركتي "أورمياكس" و"كونيكو"، هناك شركة "أريبال" (Aryballe)، وهي شركة فرنسية ناشئة اجتذبت تمويلاً من شركة "سامسونغ إلكترونيكس" وشركة "هيونداي موتور" لمستشعرها المحمول "نايوز أدفانس" (NeOse Advance). يحتوي جهاز شركة "أريبال" على ببتيدات، أو جزيئات من البروتينات، تعمل بالغاز بدلاً عن السائل مثل "كونيكور".

هل يمثل العلاج المناعي بصيص الأمل للقضاء على السرطان؟

بالنسبة إلى أفيري غيلبرت وغيره من علماء الرائحة المخضرمين، فإن المعركة من أجل تفوق أجهزة استشعار الشم تذكرنا بأواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما أدت التطورات في أبحاث حاسة الشم إلى موجة من الأجهزة الإلكترونية ذات الأسماء الجذابة مثل "أروما سكان" (AromaScan)، و"سيرانوز" (Cyranose)، و"سين تراك" (ScenTrak). لم يرق أي منها إلى مستوى الضجيج، ولم يصبح قريباً من قارئ روائح عالمي. يقول جيلبرت إن نظام الاستنشاق البيولوجي لديه القدرة على فعل المزيد. أشعر أنه يجب أن يكون أكثر فاعلية". ويضيف: "أنت تستخدم ما تستخدمه أنوف الكائنات الثديية. إنه أقرب إلى ما نشمه ونريد أن نشمه".

"لماذا كان حل حاسة الشم دائماً بهذه الصعوبة؟" يسأل أغابي. ويجيب: "الفيزياء التي تعتمد عليها صعبة للغاية. الرؤية، نسبياً، مسألة سهلة. عندما يرى الناس شيئاً ما، لديك هذه الفوتونات التي تتفاعل مع أجهزة الاستشعار التي تحول تلك الطاقة. يعتبر الأمر بسيطاً جداً، لأن هذه جزيئات طاقة وفقاً للتعريف. الصوت هو ضغط للهواء، فهو جسيم نشط. لكن الرائحة حيوان مختلف".

"فايزر" تستحوذ على "تريليوم" لأدوية السرطان مقابل 2.3 مليار دولار

بالمقارنة مع ما نعرفه عن الرؤية والسمع، فإن فهمنا لعملية حاسة الشم، سواء كان استنشاق جزئي ما أو إدراك الرائحة، يظل في العصور المظلمة. ونقدم إليك ما نعرفه: يلتقط حوالي 400 نوع من المستقبلات في أنوفنا الجزيئات المحيطة التي تتحرك في الهواء. تثير هذه الجزيئات تفاعلاً متسلسلاً معقداً يتحول في النهاية إلى إدراك، وإشارة. الإشارات تشق طريقها حول أدمغتنا مثل قهوة أو تحميص قهوة غامقة أو صباح عيد الميلاد أو مطبخ أمي.

مستقبلات الأنف لدينا قادرة على تمييز مليارات، إن لم يكن تريليونات، من الروائح، خصوصاً تلك التي تعمل كمكونات نكهة للطعام أو الشراب. تحاول أحدث تقنيات الشم تقليد هذا الأمر من خلال الاعتماد على مجموعة من التخصصات العلمية، بداية من علم الأعصاب والكيمياء العضوية إلى علم التعلم الآلي وعلوم البيانات -ومؤخرا علم الأوبئة. لأسباب واضحة، اكتسب اكتشاف الأمراض المعتمد على الرائحة نظرة جديدة خلال العام الماضي. بالنسبة إلى البعض، فإن الحلم بجهاز يمكن أن يندمج في الخلفية ويراقب تنفس شخص ما أو عرقه بحثاً عن المرض لم يكن أقرب إلى الواقع أبداً. ثم مرة أخرى، إذا كانت تقنية الشم متسقة بشأن شيء واحد على مرّ السنين، فهو الفشل في الوفاء بوعودها.

تأثيرات الجائحة

عندما تحدثت للمرة الأولى مع غوش سيلفرمان، الرئيس التنفيذي لشركة "أرومياكس"، كان ذلك في يناير 2020. وبدأت التقارير حول فيروس غامض في الصين بالانتشار. ركزت شركة سيلفرمان بطريقة أساسية على استخدام منصتها لمساعدة خبراء النكهات على تمييز النكهات التي تعمل على تنشيط مستقبلات معينة، في محاولة لتحسين طعم اللحوم النباتية أو المشروبات المحلاة صناعياً، على سبيل المثال.

جرى استخدام النظام أيضاً لتحليل عينات بول مرضى سرطان البروستات منذ عام 2019. عندما أصبح كوفيد جائحة على مستوى العالم، أصبحت إمكانية إنتاج شركة "أرومياكس" لأداة تشخيص لا تعمل باللمس، سبباً جديداً للشركة للتوصل إليها. يقول سيلفرمان: "لقد اطلعت على تقارير تقول إن الكلاب تُستخدم في المطارات" لشم "الفيروس على المسافرين". "هذا غير ممكن حقاً. ما يشمونه هو المنتجات الثانوية الجزيئية التي جرى تغييرها بواسطة الفيروس وانتشرت كعرق. يمكن لمنصة العطور الخاصة بنا اكتشاف هذه التغييرات بالطريقة ذاتها".

إلى أي مدى تقنية "كريسبر" للتعديل الجيني مهمة لعلاج الأمراض؟

بدأت فكرة تشخيص الأمراض من خلال الرائحة عند الإغريق، لكنها انطلقت بالفعل مع "مسؤول تشخيص الأمراض عبر البول" في القرن الثامن عشر. حتى ذلك الحين، كان الأطباء يصنفون الأمراض بشكل روتيني بناء على لون بول الشخص ورائحته وحتى طعمه. وصف الطبيب الشهير توماس ويليس بول مريض السكر بأنه حلو مثل العسل أو السكر. بعد ذلك بوقت قصير ظهر مختصو فحص البول، الذين توصلوا إلى استنتاج من خلال "التشخيص عن طريق البول".

لا تزال المجلات الطبية الحديثة تشير أحياناً إلى الروائح التي تنبعث من أجسام المرضى. تتضمن إحدى القوائم التي جرى تجميعها في مقال عام 1998 مرض الحمى الصفراء (اللحوم النيئة) ومرض التيفود (الخبز المخبوز) وكيتونات مرض السكري (التفاح الفاسد). في عام 2019، أكد الباحثون رواية امرأة في بريطانيا أبلغت عن شم المؤشرات الحيوية لمرض باركنسون لزوجها الراحل، قبل عقد من تشخيصه رسمياً.

التشخيص بالشم

نظرا لأن الرائحة ذاتية للغاية، ناهيك عن أن الأطباء قد يغفلون عن شيء ما إذا كانوا يعانون من إلتهاب في الأنف، فإنها لا تعتبر بشكل عام طريقة تشخيصية موثوقة. لكن الخصائص العطرية للمرض يمكن أن تخبرنا بشيء ما، وذلك باستخدام المستشعر الصحيح. عندما يهاجم الفيروس خلية سليمة، فإنه يغير نشاط التمثيل الغذائي للخلية، ما ينتج عنه منتجات ثانوية غير طبيعية تدخل مجرى الدم وتخرج في النهاية عن طريق التنفس أو العرق أو البول. يجري تصنيف هذه المنتجات الثانوية، والتي يمكن أن تشمل الأسيتون والأيزوبرين والميثانول، على أنها مركبات عضوية طيارة أو (VOCs).

يمكن للأفراد الأصحاء إنتاج آلاف المركبات العضوية الطيارة في نفس واحد. قد ينفث الشخص المريض المؤشرات الحيوية الدالة على المرض. يقول سيلفرمان: "من الناحية النظرية، يجب أن يكون هذا هو أقرب اكتشاف ممكن لأي حدث عدوى محتمل". ويضيف: "أنت تقيس ناتج خلية مصابة. يمكن أن يحدث ذلك قبل أن تحصل على أي تكاثر فيروسي بوقت طويل".

كل ما تبقى هو توسيع نطاق تقنيتها الخاصة بحاسة الشم بنجاح، والتعبئة المسبقة للمستقبلات بأمان، وجعلها سهلة بما يكفي لاستخدامها في مكتب الطبيب، وإقناع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بعدم ضررها. النجاح ليس مضموناً، لكن شركة "أرومياكس" تخطط لبدء المحاولة خلال خريف هذا العام.

في عام 1999، كان ستيفن صن شاين الرئيس التنفيذي لشركة ناشئة في باسادينا بولاية كاليفورنيا، تسمى "سيرانو ساينسيس" (Cyrano Sciences) -كما هو الحال في فيلم "دي برجراك" (de Bergerac)، الشاعر الولهان ذو الأنف المفرط في الطول. كان أول أنف إلكتروني لشركة "سيرانو"، وهو جهاز "سيرانوز 320"، يعتمد على مصفوفة مستشعرات اخترعها "ناثان لويس"، الكيميائي في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. يقول صن شاين إن بلاستيك البوليمر في المصفوفة استجاب للروائح الكيميائية عن طريق التمدد، مثل الإسفنج، بطريقة يمكن قراءتها وقابلة للاستبدال.

كان النظام بدائياً وعرضة للخطأ إلى حد ما، لكن معدل امتصاص البلاستيك يختلف باختلاف تعرضه لأبخرة معينة، ما يعطي الانطباع بأنه يعمل مثل الأنف. كان النهج القائم على مادة البوليمر أيضاً أسرع وأرخص وأصغر من أنظمة قياس الطيف الكتلي اللوني للغاز المستخدمة منذ فترة طويلة لتحديد التركيب الجزيئي للغازات. يمكن لشركة "سيرانو" وضع جهاز أنفها الإلكتروني في جهاز بحجم جهاز الراديو للاتصال اللاسلكي. وسرعان ما اجتذبت الشركة استثمارات تزيد على 12 مليون دولار، أدت إلى شراكة مع شركة "هوليت باكارد" (Hewlett-Packard). ويقول صن شاين: "لقد كنا في طليعة حركة الأنف الإلكترونية". ويضيف: "كان لدينا هذا الإحساس الكبير الذي نمتلكه جميعاً، والذي لم يجر تكراره بشكل فعال. وما يمكن أن يعنيه ذلك في العديد من المجالات المختلفة كان مثيراً للاهتمام".

سجلت شركة "سيرانو" طلبات من العملاء المحتملين على أمل مراقبة أشياء مثل تصنيع الأسماك في ألاسكا ومنشآت معالجة المياه البلدية في لوس أنجلوس. درست الشركة أيضاً تطبيقات التشخيص، بما في ذلك ما إذا كان جهاز "سيرانوز" يمكنه الكشف بدقة عن المراحل المبكرة من سرطان الرئة. اشترت إحدى الشركات النظام للتعرف إلى رائحة ما إذا كان قد جرى استخدام أباريق ماء سعة 5 غالونات قابلة لإعادة التعبئة لأي شيء آخر غير الماء. أضاف مازحاً: "هناك كل أنواع الوظائف لأشياء لم تدركها أبداً".

"أجيوس" تبيع محفظة عقاقير السرطان لـ"سيرفيه" مقابل 1.8 مليار دولار

لكن التكنولوجيا كانت لها قيود. يقول صن شاين: "التحدي يدور حول الحالات الحادة. ماذا يحدث إذا صادفت شيئاً لم تره من قبل؟ يأتي شخص ما ليس مصاباً بسرطان الرئة ولكن لديه شيئاً آخر؟ هل ستكون قادراً على تمييز ذلك؟".

تكمن المشكلة أساساً في الإشارة مقابل الضوضاء. يقول ستيوارت فيرستين، باحث حاسة الشم والرئيس السابق لقسم العلوم البيولوجية بجامعة كولومبيا: "لدينا أجهزة كشف كيميائية منذ سنوات. طالما أنك تعرف بالضبط المادة الكيميائية التي تبحث عنها، يمكنك عادة بناء كاشف يعثر عليها". خذ القهوة على سبيل المثال. إذا قمت بطحن أي حبة إلى حدٍ كبير ووضعتها في جهاز كروماتوغراف الغاز، فستجد أن حوالي 750 مادة كيميائية تشكل رائحتها. يقول فايرستين: "لكن يمكنني أن أخبرك، لأنني كنت في مختبر شركة كرافت فودز (Kraft Foods) منذ بضع سنوات، لسنا بحاجة إلى 750 منها كلها. لديهم 35 رائحة لا يمكن تمييزها عن القهوة عند وضعها معاً".

بدون بُن؟ شركة ناشئة تقدم مفهوماً جديداً لفنجان القهوة

مع كل عملية شم، تغمر الروائح الممرات الأنفية التوأم. يجري ترشيح معظمها بعيداً عن مستقبلات حاسة الشم لدينا، حيث تتدفق مباشرة إلى أسفل مؤخرة الحلق أو تتعثر في النسيج الغباري للمخاط والشعر الجاف. يجب أن تتحرك الروائح المتبقية بالسرعة الصحيحة، ببطء، عبر أجهزة استشعار حاسة الشم حتى نشمها. التصميم التطوري لهذا النظام ليس قوياً للبشر كما هو الحال بالنسبة إلى المخلوقات الأخرى. تمتلك الكلاب ما يقرب من 20 ضعف مساحة سطح المستشعر مقارنة مع البشر، ما يسمح بتركيز أكبر بكثير من الخلايا العصبية الشمية. لا عجب أن تشارلز داروين أدرك أن الأنف "ذو أهمية قصوى" لمعظم الحيوانات الثديية، ولكنه "ذو خدمة طفيفة للغاية" للبشر.

من جانبه، وصف إيمانويل كانط، الرائحة بأنها "أكثر جحوداً" و"أكثر ما يمكن الاستغناء عنه" من حواسنا. من الواضح أنه من الصعب تحديد الكم. لا نعرف بالضبط سبب إضافة بعض المواد الكيميائية إلى "القهوة" أو "الفشار" أو "البنزين". ليس لدينا أيضاً مقياس موضوعي يمكن من خلاله قياس هذه الروائح العطرية. يمكننا القول إن رائحة العسل أقرب إلى الفانيليا منها إلى الحمضيات، ولكن بكم؟ أنشأ صانعو العطور وشركات العطور والشركات مثل "يانكي كاندل" (Yankee Candle) مكتبات ضخمة ومعقدة من المواد الكيميائية التي، عند مزجها، يمكن أن تقارب رائحة مرج الزهور أو العشب الطازج. لكن العمل في الاتجاه المعاكس مهمة شاقة. يقول فيرستين: "إنه السؤال المهيمن في المجال".

سهولة جمع البيانات

جعلت التطورات في الذكاء الاصطناعي عملية جمع البيانات أسهل مما كانت عليه في الماضي، عندما كان عليك إنشاء قاعدة بيانات للجهاز عن طريق تعريض المستشعرات للروائح الفردية واحدة تلو الأخرى. وكلما كان على شركة "سيرانو" أن تخصص أجهزتها لعملاء متباينين، قلَّ هامش الربح. يقول صن شاين: "لديك هذا المشهد الضخم بطريقة لا تصدق لما يمكنك فعله، وربما يتطلب الأمر المزيد من العمل أكثر مما يدركه أي شخص حقاً لفرز هذه الفرص".

في عام 2004، اشترت شركة "سميس غروب" (Smiths Group)) ومقرها لندن، شركة "سيرانو" مقابل 15 مليون دولار، مع خطط لاستخدام جهاز "سيرانوز" لتطبيقات الأمن القومي. جفت فرص التوسع في مناطق أخرى. يتذكر صن شاين أنه ترك الشركة بعد ذلك بعامين وأنشأ شركة "تيكس تراك" (TixTrack)، وهي شركة برمجيات لبيع التذاكر. يقول: "مازلت مؤمناً بالفكرة".

يعود الأمل الكبير الأخير لهذا المجال إلى عام 1991، عندما اكتشف باحثا جامعة كولومبيا ليندا باك وريتشارد أكسل، جينات في الحمض النووي البشري تنتج مستقبلات بروتينية معينة مرتبطة بالخلايا العصبية الشمية. يمثل تأكيد وجود "مستقبلات الرائحة" -البروتينات التي تلتقط جزيئات الرائحة وتثير الخلايا العصبية الشمية التي تنقل الإشارات إلى الدماغ، وهو ما يعتبر طفرة زلزالية في علم الشم. كتبت باك في وقت لاحق عن هذا الاكتشاف: "لقد تأثرت باختراع الطبيعة الرائع". في عام 2004، فازت هي وأكسل بجائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب عن عملهما.

افترض العالمان أن المستقبلات تتفاعل مع الروائح مثل القفل والمفتاح. ينتج التبادل في النهاية إشارة كهربائية يرسلها الدماغ ويفسرها. ومع ذلك، تتعقد الأمور، حيث من الممكن لكل نوع من المستقبلات أن يستجيب لعدة جزيئات مختلفة، والعكس صحيح، وذلك بكثافة متفاوتة. بقدر ما يمكن أن ينتج عن الحروف الأبجدية الـ26 لدينا ما يقرب من مليون كلمة إنجليزية، فإن عائلتنا الصغيرة من مستقبلات الرائحة قادرة على إدراك مجرة من الروائح.

تلعب الوراثة دوراً مهماً في هذا الإدراك، من خلال تعديل كيفية عمل بعض المستقبلات. هذا هو السبب الذي يجعل حوالي 2% من السكان يجدون رائحة حيوان الظربان لطيفة نوعاً ما. يعتقد بعض الناس بأن رائحة الكزبرة مثل الصابون، والبعض الآخر يشبهها بالليمون. حاول العلماء تأسيس نظريات الشم حول "الروائح الأولية"، وتحديد تصنيفات أساسية جداً -مالحة وحلوة أو مالحة ومرة​​- للروائح كما هي مع عمليات التذوق. لكن محاولات تنظيم الروائح بطريقة جيدة سرعان ما تتفكك، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها ذاتية للغاية. تختتم الروائح بالتجربة -المسك الذي لا يمحى من القميص المفضل لزوجك، والرائحة الكريهة عندما تفتح باب "السندرة"- ونحن نميل إلى تصنيفها بشكل انعكاسي. هل لها رائحة طيبة؟ هل رائحتها كما يفترض أن تكون؟ هل يجب أن آكل مصدرها؟

إن أمر بناء آلة يمكن أن تميز باستمرار وبتأكيد تجريبي المواد الكيميائية التي تغمرها، ومن خلالها، ونحن نتحرك حول العالم، بدا أكثر منطقية بعد اكتشاف باك وأكسل، باستثناء أن مستقبلات الرائحة أثبتت صعوبة دراستها على نحو فريد. لأسباب لا تزال غير واضحة تماماً، وضعت الجينات مقاومة قوية للتعبيرات غير المتجانسة، وهي تقنية قياسية لتحويل الجين إلى بروتين عامل في خلية مضيفة مختلفة. بدون هذه الخطوة، واجه العلماء صعوبة في فهم وإعادة تكوين المستقبلات الشمية حتى توصل الباحثون في جامعة ديوك إلى تعبير مغاير لهم في عام 2011.

وجدت شركة "أرومياكس" أنه يمكن استنساخ بروتينات "وصفية" إضافية وإدخالها لمساعدة المستقبلات على العمل في بيئة خلوية غير طبيعية للغاية، مثل أطباق بلاستيكية في المختبر. أضافت الشركة أيضاً بروتيناً إضافياً، هو "لوسيفيراز"، من شأنه أن يولد فوتونات لتقليد تغير الجهد الذي تحمله الخلايا العصبية في الدماغ. يمكن للجهاز القارئ بعد ذلك اكتشاف وميض الضوء الناتج. يقول سيلفرمان: "المفتاح هو أننا نحتفظ بأكبر قدر ممكن من سلسلة الإشارات العادية، بينما لا تزال تعطينا قراءة كمية للمعلومات التي كانت ستذهب إلى الدماغ".

تقع مختبرات شركة "أرومياكس" في حديقة أبحاث مسطحة بلون الصوف الطبيعي مع سقف من الجص على بعد 10 دقائق جنوب حرم شركة "غوغل" في منطقة "ماونتن فيو". لقد جمعت الشركة 18.8 مليون دولار منذ عام 2015 وهي تضم ستة أشخاص يحملون درجة الدكتوراه من بين 15 موظفاً. لقد أنتجوا معا "مستقبلات رائحة وظيفية أكثر من أي جهة أخرى في العالم"، بحسب ما قال سيلفرمان. حتى لو كان هذا هو الحال، فهو فقط حوالي 100 نوع من بين 400 نوع. ولكن، كما يقول سيلفرمان، لا يجري توزيع جميع أنواع المستقبلات بالتساوي في الأنف. بعضها لديه آلاف، إن لم يكن ملايين، من النسخ، في حين أن البعض الآخر أكثر ندرة. يقول: "في الوقت الحالي، لدينا مستقبلات تغطي حوالي 95% من مساحة أنف الإنسان".

يقول سيلفرمان إن شركة "أرومياكس" تحقق أرباحاً، وتعمل مع خمس من قائمة شركات "فورتشن" لأكبر 500 شركة في الولايات المتحدة على مجموعة من التطبيقات، بما في ذلك تحديد كيفية تحسين مذاقات المكونات البديلة، وتنقية روائح البلاستيك المعاد تدويره، وتتبع مراحل التخمير في علم الأحياء. أحد القيود على حلها الحالي هو عدم قابلية النقل. يجب على العملاء إرسال عينات إلى منطقة "ماونتن فيو" ليجري اختبارها وتحليلها في بيئة معقمة حتى تعمل المستقبلات. القيد الثاني هو أن تقنيتها يمكنها فقط تحليل رائحة واحدة في كل مرة، ما يعني أنه لا يمكن إعادة استخدام الخلايا لاختبارات متعددة. لكن سيلفرمان يقول إن إعادة الاستخدام ليست أولوية رئيسية لشركة "أرومياكس"؛ غالباً ما يقارن الأداة باختبار جلوكوز الدم، وهو مقياس شائع الاستخدام يستخدم مرة واحدة يحتوي على إنزيم حي يهلك ببطء عند التعرض للهواء. يقول: "يتعلق الأمر بالبيانات التي تحاول الحصول عليها". ويضيف: "عندما تحاول تشخيص السرطان، هل تحتاج حقاً إلى أن تكون قادراً على قياس كل ثانية من اليوم لأيام أو أسابيع متتالية؟ إما أنك مصاب بالسرطان أو لا".

بالنسبة إلى شركة "أريبال"، الشركة الفرنسية الناشئة التي تبني أجهزة استشعار بمكونات بيولوجية، يقول الرئيس التنفيذي سام غيلومي إن شركة "هيونداي" وشركة "سامسونغ" وشركة "إنترناشيونال فلايفورس آند فراغرنسيس" (International Flavours & Fragrances) تعتبر من بين داعمي جهاز "نايوز" الخاص بها، وهو جهاز اتصال لاسلكي محمول ذو رائحة مع مستشعرات حيوية مطعمة بمنصة استشعار سيليكون عالية السرعة. وبدلاً من التعبير عن بروتين المستقبل الشمي الكامل، تستخدم شركة "أريبال" 64 ببتيدا –جزيئات من البروتينات- يقول غيلومي إنه يعمل من خلال التنسيق لبناء "صورة" للرائحة التي ترتبط بها. جرت مقارنة هذه الصورة لاحقاً مع الصور الأخرى الموجودة في مكتبة شركة "أريبال" الخاصة بحاسة الشم. جرى تقليص النظام الأساسي إلى حجم مشبك الورق، ما قد يساعد على الاندماج في شبكات الاستشعار الذكية الحالية. اختبرت شركة "هيونداي، التي استثمرت في شركة "أريبال" في عام 2019، أجهزة الاستشعار لمراقبة الروائح في سياراتها.

الشركة الناشئة الرئيسية الأخرى التي تعمل على نهج بيولوجي هي شركة "كونيكو". على مدى أربع سنوات، سعت شركة أغابي بإصرار إلى تطوير جهاز دائم التشغيل يشبه المستشعرات الموجودة على وجوهنا. يجب أن تكون عمليات المحاكاة القادمة من جهاز "كونيكور" أكثر قابلية للنقل من تلك المعلقة على الحائط الحالية. يمكن للخلايا العصبية الشمية في جهاز شركة "كونيكو" البقاء على قيد الحياة حالياً في محلولها لمدة شهر قبل أن تحتاج إلى الاستبدال. يقول أغابي إن اختراع طريقة لإبقائها على قيد الحياة كان خطوة أولى حاسمة نحو إعادة إنتاج إلكترونية أكثر مثالية للأنف. (تأتي كلمة "كونيكو" من كلمة الـ"يوروبا" التي تعني "خالدة"). مع حل هذه المشكلة، يمكن الاستمرار في تعديل جينات البروتين، والمستقبلات الشمية المعدلة وراثياً التي تحرص على الارتباط بالأسماك الفاسدة، أو العطور المقلدة، أو الآثار المبكرة لمرض معدٍ. يقول أغابي: "لقد طورت عملية يمكن تكييفها مع أي شيء". ويضيف: "إنها لا تصلح للمتفجرات فقط، بل إنها تصلح للعمل مع أي نوع من المركبات التي أهتم بها، ويمكنني بطريقة أساسية تكرار العملية".

الفاعلية الاقتصادية

السؤال التالي هو ما إذا كان النظام فعالاً واقتصادياً بما يكفي لإرضاء العملاء التجاريين. أشارت إحدى الاختبارات التي أجريت على أجهزة "كونيكور"، التي أجرتها شركة "إيرباص" في أكتوبر الماضي مع إدارة شرطة مدينة موبايل بولاية ألاسكا، إلى أن أداءها في الكشف عن القنابل كان أفضل من أداء الكلاب المدربة. لكن النهج البيولوجي لديه مشككون. يقول جوليان غاردنر، أستاذ الهندسة الإلكترونية في جامعة وارويك في إنجلترا ومصمم أول أنف إلكتروني تجاري في العالم: "لطالما كنت قلقاً بشأن متانة الأنظمة البيولوجية". ويضيف: "تقول صناعة السيارات: نريد شيئاً يعمل لمدة 20 عاماً، في درجات حرارة تتراوح من -40 درجة، إلى 90 درجة رطوبة، ويجب أن تكلف أقل من دولار واحد. هذه هي البيئة التي نعمل فيها".

كان أول اختراع رائد لغاردنر، والذي جرى بناؤه عام 1993 مع طالب الدكتوراه في منطقة "وارويك" يسمى تيم بيرس، عبارة عن مجموعة مكونة من 12 مستشعراً من البوليمرات الموصلة، والتي استخدمت في البداية لمساعدة "باس برويرز" (Bass Brewers) في اكتشاف مجموعات البيرة الفاسدة. كتب غاردنر منذ ذلك الحين كتابين عن حاسة الشم للآلة، وساعد على تأسيس ثلاث شركات إلكترونية للأنف. توجد اليوم أجهزة استشعار غاز أكسيد المعادن البسيطة المزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي لأشياء مثل الإيثانول وأول أكسيد الكربون في ملايين المنازل والمصانع والسيارات. من وجهة نظره، من غير المحتمل أن تصل المستقبلات الشمية إلى هذا النوع من الامتداد التجاري. لقد تجاهلت معظم الحلول التي تستخدمها أو لم تصمم بعد، حلاً يسمح بالمتانة -حتى تظل أجهزة الاستشعار تعمل بعد استخدامها الأولي. يقول غاردنر إن المستقبلات الشمية البشرية "تولد وتنمو وتتعلم وتموت وتنجرف". ويضيف: "يمكنك فعل ذلك (كقياس يستخدم مرة واحدة)، لكنه نظام مختلف تماماً. إنه ليس جهاز استشعار".

أنصار البيولوجيا لم يقدموا الثناء. يقول أغابي: "يمكنك لصق بيرة في جهاز كروماتوغراف الغاز وسوف يخبرك بكل مكون كيميائي منفرد. لكن هناك أشياء يلتقطها جهاز كيميائي ولا يحمل شفرتها أنفك أو تذوقك ولا يهتم بها. لقد أنشأنا نظاماً يقترب قدر الإمكان مما يُنظر إليه على أنه تذوق. نحن نمنحك مرشحاً بشرياً، وصورة دقيقة لإدراك الإنسان للرائحة".