بايدن يستطيع الخروج من أفغانستان وليس الشرق الأوسط

الرئيس الأمريكي جو بايدن
الرئيس الأمريكي جو بايدن المصدر: بلومبرغ
Hal Brands
Hal Brands

Prof JHU-SAIS, scholar AEI, Bloomberg Opinion columnist. https://bloomberg.com/opinion Co-author of The Lessons of Tragedy.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من غير المرجَّح أن تخرج أو تبتعد الولايات المتحدة عن منطقة الشرق الأوسط برغم خروجها من أفغانستان، فقد حاول ثلاثة رؤساء تقليص الوجود الأمريكي في المنطقة خلال العقد الماضي، لكنَّ المنطقة بقيت مأزقاً استراتيجياً منذ عدَّة أجيال، وعلى

ما يبدو أنَّ الولايات المتحدة ستبقى عالقة هناك، لأنَّ مصالحها تواجه تحدّيات ناتجة عن ثلاث أزمات مستمرة.

تبدو المصالح الأميركية الرئيسية في الشرق الأوسط واضحة ومباشرة، فما يزال نفط الخليج العربي يؤثِّر على الاقتصاد العالمي، حتى إنْ لم تعد الولايات المتحدة تستورد منه الكثير الآن.

تقع المنطقة على مفترق طرق ثلاث قارات، مما يعطي واشنطن حافزاً آخر لحمايتها من القوى المعادية، كما تسعى الولايات المتحدة أيضاً إلى منع الشرق الأوسط من أن يُصبح مصدراً للتهديدات، سواء من خلال الدول المارقة المنتجة للأسلحة النووية أو الإرهاب الكارثي.

ثلاثة اتجاهات أمريكية متشابكة

واجهت الولايات المتحدة ثلاثة اتجاهات متشابكة في السنوات الأربعين الماضية، تعلَّق الأول بغياب الحفاظ على أيِّ توازن للقوى دون مشاركة الولايات المتحدة. كما أنّ انسحاب بريطانيا من شرق السويس في أواخر الستينيات يعني فقدان قوة وديّة في المنطقة، وفي عام 1979، حوَّلت الثورة الإيرانية الدولة الأكثر قوة في الخليج إلى مصدر رئيسي لعدم الاستقرار. منذ ذلك الحين تقلَّبت التحالفات، فأصبح العراق، على سبيل المثال، العدو الرئيسي للولايات المتحدة، بعدما كان حليفاً ضمنياً لها، ثم عاد ليُصبح صديقاً هشَّاً. مع ذلك، اعتبرت الاضطرابات الجيوسياسية القاعدة في تلك المنطقة.

أما الاتجاه الثاني، فيتلخَّص في تصاعد الحركات السياسية الإسلامية بأغلبية معادية لواشنطن. بدأ هذا بعد حرب الأيام الستة في عام 1967 عندما تعرَّضت الأنظمة العربية العلمانية الفاسدة للهزيمة على يد إسرائيل، وجاءت أحداث حاسمة مرَّة أخرى إلى المنطقة في عام 1979، عندما استبدلت الثورة الإيرانية النظام الملكي الموالي للغرب بحكم ديني يعادي الولايات المتحدة، إذ قام بالتحريض على التطرٌّف في مختلف أنحاء المنطقة.

أثار الغزو السوفييتي لأفغانستان ردَّة فعل إسلامية غاضبة، أيَّدتها أمريكا في الثمانينيات، قبل أن تُصبح لاحقاً أحد أهدافها. لكنَّ الإسلام السياسي جلب أنواعاً متعددة فيما بعد، وأسس كثيراً من الأنظمة والحركات التي تحدَّت الولايات المتحدة بعنف في بعض الأحيان.

حروب غير متكافئة

الاتجاه السابق يتعلَّق بالثالث الذي شهد صعود الإرهاب باعتباره أداة الحروب غير المتكافئة. استخدم النظام الإيراني بعد الثورة الإرهاب بشراسة لإبراز قوَّته وهجومه على الأعداء الأقوى، واقتدى بهذا الأسلوب عدد متزايد من الجماعات المتطرِّفة التي اعتبرت الولايات المتحدة واحدة من أهدافها، وذلك بشكل جزئي بسبب وجودها العسكري في المنطقة لحماية تدفُّق النفط، والدفاع عن مصالحها الإقليمية الأخرى.

إذاً، تعرَّضت الولايات المتحدة لمجموعة من التهديدات المتشابكة في السنوات الأربعين الماضية، ولم تنجح بما يكفي أي من الاستراتيجيات العديدة التي حاولت تطبيقها لفكِّ ذلك الاشتباك بأمان.

في ثمانينيات القرن العشرين، دعمت واشنطن العراق أثناء رئاسة صدام حسين للثأر من إيران الراديكالية، حتى أصبح صدام نفسه تهديداً أكبر لأمن المنطقة. بعد الحادي عشر من سبتمبر، غزت الولايات المتحدة أفغانستان والعراق، أملاً في تبديل الشرق الأوسط جيوسياسياً وإيديولوجياً، لكن تلك الأعمال، وخصوصاً غزو العراق، أشعل المنطقة بدلاً من ذلك.

المواقف الأمريكية في الشرق الأوسط

تطلَّع الرئيس باراك أوباما إلى تخفيف الأعباء الأميركية بالانسحاب من العراق، وإبرام صفقة نووية مع إيران، لكنَّ ذلك أثار مخاوف الدول السُنيّة، نظراً لتوجُّه إيران إلى الهيمنة الإقليمية، مما دفع بالمملكة العربية السعودية للقيام بحرب شعواء ضد الحوثيين، حلفاء طهران في اليمن. كما سهَّلت إيران صعود داعش، الدولة الإرهابية العظمى في قلب الشرق الأوسط.

بهذه المعايير، كان نهج الرئيس دونالد ترمب غير المتسق متوقَّعاً. تحدَّث ترمب عن إنهاء "الحروب إلى الأبد"، لكنَّه لم يفعل ذلك أبداً، وأعرب عن رغبته في الخروج من الشرق الأوسط، لكنَّه أثار مواجهة خطيرة مع إيران.

أما اليوم، ينسحب الرئيس جو بايدن من أفغانستان على أساس حسابات معقولة، فالولايات المتحدة تواجه تحديات أعظم في أماكن أخرى، وأسفرت مشاركتها العسكرية في أفغانستان عن نتائج مخيبة للآمال. إلا أنَّ الخروج لن يُخفّف من مصادر عدم الاستقرار في المنطقة الأوسع، لكنَّه سيؤدي إلى تفاقمها.

إنَّ طالبان، النسخة المُتطرِّفة من الإسلام السياسي، ستحصل على دفعة من غزو دولة ما، وهزيمة قوة عظمى، وربما سيتزايد تهديد الجماعات الإرهابية بعد تضاؤل قدرة الولايات المتحدة على مراقبة وقمع هذا الخطر.

لا يبدو توازن القوى الإقليمية مستقراً، خصوصاً مع استمرار إيران في نشر نفوذها، وتحرُّكها نحو تعزيز قدراتها النووية. من المؤكَّد أنَّ حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين قلقون حالياً بشأن موثوقية راعيها، خصوصاً بعد سقوط كابول. كل هذا يعني أنَّ السنوات القليلة القادمة لن تجلب أي نقص في الأزمات التي تتطلَّب اهتمام القوى العظمى المتأرجح.

تعود جذور البؤس الأمريكي في الشرق الأوسط إلى أنَّ مصالح الولايات المتحدة هناك حقيقية، وأنَّ التهديدات التي تتعرَّض لها قد ثبت أنَّها مستعصية على الحل إلى حدٍّ ما. لكنَّ المفارقة الساخرة في سياسة بايدن هي أنَّها قد تزيد من حدَّة هذه المعضلة.