صندوق النقد الدولي بحاجة لمواءمة سياسته تجاه بيلاروسيا مع الغرب

الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو
الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو المصدر: أ.ف.ب
Nigel Gould-Davies
Nigel Gould-Davies

Editor, Strategic Survey, and Senior Fellow for Russia & Eurasia, IISS. Author, “Tectonic Politics" (Brookings 2019). Former Ambassador to Belarus. Views mine.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في 9 أغسطس، فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا جولتها الأخيرة من العقوبات على بيلاروسيا، وبعد يومين فقط وافق صندوق النقد الدولي على تزويد البلاد بـ 910 مليون دولار كجزء من التخصيص العالمي لحقوق السحب الخاصة (SDRs).

ونتيجة لذلك، وبينما تُصعِّد الدول الغربية العقوبات المفروضة على بيلاروسيا رداً على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي، فإن صندوق النقد الدولي، وهو منظمة لا يزال الغرب يهيمن عليها، يمول النظام، وهو ما يعتبر تناقضاً ينبغي التصدي له.

مساعدة طارئة

هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الأمر، ففي عام 2008، وفي مواجهة ضغوط مالية شديدة ناتجة عن الأزمة المالية العالمية، ناشدت بيلاروسيا صندوق النقد الدولي لتلقي مساعدة طارئة.

وكنت أحد السفراء القلائل في مينسك الذين ألقوا نظرة عن كثب على الأمر، فمع بدء المفاوضات، أمضيت أنا وممثل صندوق النقد الدولي الكثير من الوقت سوياً، غالباً في نزهات طويلة بعيداً عن آذان المتطفلين، لاستكشاف حل من شأنه مساعدة بيلاروسيا وتعزيز حقوق الإنسان أيضاً عبر شكل من أشكال الربط.

وحاولت أيضاً إقناع وزارة الخزانة البريطانية بدعم هذا النهج، لكن افتقارها للخيال أشعرني بخيبة أمل.

في النهاية، حصلت مينسك على اتفاق للاستعداد الائتماني يتيح لها الحصول على 2.5 مليار دولار، لكن دون أي شروط تتعلق بحقوق الإنسان.

في ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضاً يفرضان عقوبات على بيلاروسيا، لكن الإجراءات المتخذة كانت محدودة والسياق مختلف تماماً عما هو عليه اليوم.

وسعياً إلى إقامة علاقة أفضل مع الغرب في مواجهة الضغوط الروسية المتزايدة، كان نظام الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو متحفظاً نسبياً في القمع الذي يمارسه ضد المجتمع المدني. فقد كانت الأمور تمضي في الاتجاه الصحيح، وإن كان ببطء، وثبت أيضاً أنها كانت تسير بطريقة عكسية.

وبرغم أنني لم أخبر السلطات البيلاروسية بأي شيء عن جهودي لتأمين القرض، إلا أنهم شكروني بهدوء.

اشتداد القمع

مع ذلك، أصبح الوضع اليوم مختلفا تماماً، حيث تعتبر حملات القمع في بيلاروسيا قاسية بشكلٍ لم يسبق له مثيل وتزداد سوءاً.

كما أن الإجراءات الدولية التي اتخذها النظام- مثل إجبار طائرة "ريان إير" رقم 4978 على الهبوط في مايو، والأنشطة التهديدية لأجهزته الأمنية في الخارج، والعبور الجماعي للمهاجرين من الشرق الأوسط إلى الحدود الليتوانية لإجهاد موارد أحد جيران الاتحاد الأوروبي- تحوله من نظام دكتاتوري إلى نظام منبوذ.

وكل هذه الأفعال تشير إلى أن لوكاشينكو يحرق الجسور الموصولة مع الغرب إلى الأبد، لكن على الرغم من ذلك، فإن صندوق النقد الدولي قوَّض العقوبات التي كانت تستهدف الضغط على النظام.

كذلك، يعمل صندوق النقد الدولي على حث روسيا على دعم نظام فقد شرعيته في نظر معظم السكان، وبالتالي قدمت روسيا قروضاً جديدة إلى بيلاروسيا منذ بدء الأزمة السياسية قبل عام.

روسيا تدعم النظام السياسي

وبلا شك، تدرك روسيا أن الأزمة المالية هناك قد تؤدي إلى زيادة ضعف حكم لوكاشينكو وتسريع الانتقال المحتمل نحو نظام ديمقراطي، كما فعلت الأزمات السابقة في الأنظمة الاستبدادية الأخرى.

وبالتالي، فإن ما تفعله روسيا يحافظ على نظام يستمر في انتهاك حقوق الإنسان على نطاق لم نشهده منذ عقود في أوروبا.

كما أنها تفرض شروطها الجيوسياسية الخاصة من خلال السعي للحصول على مقابل للاندماج البيلاروسي الأعمق في روسيا، وحينها قد ينطوي هذا الأمر على حقوق إنشاء قواعد عسكرية، وهي مسألة تثير قلقاً شديداً لدى الغرب، خاصة أن هناك ثلاث دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "ناتو" تقع على حدود بيلاروسيا.

هدية إلى بيلاروسيا

في ظل هذه الخلفية، فإن تخصيص صندوق النقد الدولي غير المشروط لحقوق السحب الخاصة ليس فقط هدية إلى بيلاروسيا، بل إنه يدعم أيضاً هدف روسيا المتمثل في إبقاء لوكاشينكو في السلطة.

في عام 2008، كان الجمع بين العقوبات والقروض أمراً لافتاً للنظر، لكن اليوم أصبح هذا الأمر غير مقبول. وأصبحت هناك الآن دلائل تشير إلى وجود نهج مختلف، فصندوق النقد الدولي لن يسمح لفنزويلا بالوصول إلى حقوق السحب الخاصة الحالية أو المستقبلية، مستشهداً بالخلافات التي تدور حول ما إذا كان نيكولاس مادورو هو الزعيم الشرعي للبلاد.

يأتي ذلك رغم أن الصندوق لا يزال يصدر حقوق السحب الخاصة إلى بيلاروسيا رغم رفض الحكومات الغربية الاعتراف بانتخاب لوكاشينكو في أغسطس 2020.

تعامل كارثي مع "كورونا"

هناك مفارقة أخرى، وهي أن الغرض من تخصيص حقوق السحب الخاصة هو مساعدة بيلاروسيا على مواجهة تداعيات كوفيد-19، بيد أن تعامل لوكاشينكو مع هذا الأمر كان كارثياً، فقد استنكر الوباء وأهان أولئك الذين لقوا حتفهم بسببه.

وفي يونيو 2020، رفض شروط قرض صندوق النقد الدولي المتعلقة بالصحة مثل الحجر الصحي والعزل، قائلاً: "ما هذا الغباء؟.. لن نترنح من أجل أي شخص".

ويشير الاختراق الأخير للخوادم الحكومية من قبل النشطاء البيلاروسيين إلى أن العدد الحقيقي لحالات الوفاة الناتجة عن الوباء في البلاد البالغ 32 ألفا، أعلى بـ 14 ضعفا من الأرقام الرسمية.

ويبدو أن النظام البيلاروسي سينفق أموال صندوق النقد الدولي على الأرجح على قمع الأرواح أكثر من إنقاذها.

في الوقت نفسه، من شأن مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات أن تصعب حالياً على بيلاروسيا الوصول إلى الأسواق المالية الغربية، كما فعلت في جمع 1.25 مليار دولار من إدراج السندات السيادية في بورصة لندن في يونيو 2020.

لكن صندوق النقد الدولي لا يزال يقدم الأموال لنظام وحشي، مسترشداً في ذلك بالشروط التقنية الضيقة فقط، وهذا الوضع الشاذ غير مستدام من الناحية الأخلاقية ولا الاستراتيجية.