غوغل وأمازون وأبل يواجهون خيار "الردع النووي"

جهود مكافحة الاحتكار السابقة بقيت قاصرة
جهود مكافحة الاحتكار السابقة بقيت قاصرة المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

هناك سبب وجيه لاعتبار أنّ تفكيك عمالقة شركات التكنولوجيا يندرج في منزلة خيار "الردع النووي". لكن إذا سار كل شيء كما هو مخطط له، فلن يكون هناك ضرورة للقيام بذلك.

فقد أعلنت رئيسة مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي مارغريت فيستاجر، ومفوض السوق الداخلية تييري بريتون مؤخراً عن مجموعة من الأدوات الجديدة لمعالجة التجاوزات من قِبل كبرى الشركات الأمريكية، بما في ذلك القدرة على تفكيكها. وإن أحدث التشريع الجديد التأثير المطلوب؛ فستبقى التدابير الأكثر تطرُّفاً في هذا المجال مُستبعدة بالوقت الراهن.

غرامة المخالفين تصل لـ10% من الإيرادات وِفق القوانين الجديدة

يملك الاتحاد الأوروبي الحقَّ في التسلح بمواجهة هذه الشركات، إذ لم تفعَّل جهود مكافحة الاحتكار ضد "ألفبت"، الشركة الأم لـ"غوغل"، منذ عقد من الزمن، بما في ذلك فرض غرامات تجاوزت 8.2 مليار يورو (10 مليارات دولار)، سوى القليل لإبعاد شركات التكنولوجيا الأخرى عن اتباع سلوك مناهض لقواعد المنافسة.

وتُمحِّص المفوضية الأوروبية حالياً عن مخالفات شركات "أمازون"، و"فيسبوك" و"أبل". في حين تعمل اللجنة الفرعية لمكافحة الاحتكار في مجلس النواب الأمريكي على تجميع مقترحاتها التشريعية الجديدة للسبب نفسه، وهو أنَّ الأطر القانونية الحالية لم تحقق "الردع" بما يكفي.

وتهدف اللوائح التي اقترحتها المفوضية الأوروبية يوم الثلاثاء الماضي، المتمثِّلة في قانوني الأسواق الرقمية، والخدمات الرقمية، إلى إصلاح تلك الأطر.

ويعتمد قانون الأسواق آلية تصنيف لتلك الشركات. فعلى سبيل المثال؛ فإنَّ منصات الإنترنت التي تزيد مبيعاتها السنوية في أوروبا عن 6.5 مليار يورو، ولديها أكثر من 45 مليون مستخدم، ستُصنَّف على أنَّها في خانة "حراس البوابة" – أي التي تجمع بيانات المستخدمين – مما يجعلها خاضعة لقواعد جديدة تحظر الأنشطة التي تضرُّ بشكل غير عادل بالمنافسين.

وتصل غرامة المخالفين حتى نسبة 10% من الإيرادات، وفق قوانين مكافحة الاحتكار الأوروبية الحالية. لكن غالباً ما يتمُّ تغريم الشركات بشكل أقلّ على أرض الواقع، فعقوبة 10% بالنسبة لـ"أبل"، على سبيل المثال، تساوي غرامة بمقدار 27 مليار دولار، بناءً على إيرادات السنة المالية الماضية.

في حين يهدف قانون الخدمات الرقمية، في الوقت عينه، جعل هذه المنصات تتخذ إجراءات أكثر استباقية ضد السلع، والخدمات، والمحتوى غير القانوني، عبر فرض غرامات تصل إلى 6% من المبيعات.

ويمكن لشركات التكنولوجيا أن تمتص أثر الغرامات بالحجم المذكور بسهولة، بالنظر إلى أنَّ التدفق النقدي الحر لديهم (السيولة النقدية المتوفرة بعد تغطية نفقات والتزامات الشركة كافةً)، يُتوقَّع أن يبلغ 19% من حجم المبيعات هذا العام كمتوسط. ولهذا السبب، فإنَّ قانون الأسواق الرقمية ينصُّ أيضاً على أنَّ تكرار الانتهاكات من قِبل شركة مصنفة على أنَّها "حارس البوابة"، يمكن أن يؤدي إلى تجريدها من استثماراتها قسرياً، وهو ما يعني خيار "الردع النووي".

قانونا الأسواق والخدمات الرقمية يُتوَّقع أن يُصبحا نافذين خلال عام

يُمكن للتشريع الجديد أن يُصبح قانوناً مُقراً، بنظام أساسي في غضون عام، على أن يدخل حيز التنفيذ بعد ذلك بستة أشهر، غير أنَّ ذلك سيعتمد بالطبع على المدة التي سيستغرقها تمرير القانون عبر البرلمان الأوروبي. لكن تجدر الإشارة إلى أنَّه حتى الآن، يبدو أنَّ المقترحات تحظى بتأييد واسع النطاق من الدول الأعضاء، باستثناء إيرلندا.

ولا تشكل معارضة إيرلندا مفاجأة باعتبارها موطناً لمقار العديد من شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة في أوروبا. ومع أنها مسؤولة عن ضمان التزام هذه الشركات بالقواعد الحالية، مثل اللائحة التنظيمية العامة لحماية البيانات، فإنَّها فشلت إلى حدٍّ كبير في أداء ذلك الدور، الأمر الذي أثار استياء شركائها في الاتحاد الأوروبي. وانتقدت وكالة الخدمات الرقمية الأوروبية بشكل ضمني إيرلندا لعدم تطبيق اللائحة على تلك الشركات.

وفي حين أنَّ البلد الأوروبي الذي يضمُّ المقر الإقليمي لشركة تكنولوجيا عملاقة، سيظلُّ مسؤولاً عن تطبيق القواعد الجديدة؛ فإنَّ المفوضية الأوروبية وِفق القانونين الجديدين، وعلى عكس اللائحة التنظيمية العامة لحماية البيانات، سيكون لديها القدرة على التدخل، وتولي المسؤولية إذا لم تؤدِ الدولة العضو المعنية دورها بهذا الصدد، بما يُشكِّل اتساع الفجوة مع إيرلندا.

إلى ذلك، يشير هذا الموقف الواضح إلى أنَّ الاتحاد الأوروبي يأخذ تطبيق القانون على نحو أكثر جدية. لكن كما هو الحال مع أيِّ ردعٍ للنووي؛ لا يمكن عدّ أسلحة الردع المقترحة ناجحة، إلا إذا لم تضطر القوى إلى نشرها، أو استخدامها أبداً.. ومن مصلحة شركات التكنولوجيا عدم منحها الحافز للقيام بذلك.