معضلة طالبان تجمع الخصوم حول أفغانستان

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي شنّها تنظيم القاعدة على برجيْ مركز التجارة العالمية في نيويورك قبل 20 عاماً، اجتمعت الولايات المتحدة مع أوروبا والصين وروسيا وحتى مع إيران حول قضية مشتركة نادرة تقضي بإسقاط نظام طالبان في كابول الذي حوّل أفغانستان إلى قاعدة للإرهاب العالمي.

واليوم، تلتقي مصالح هذه المجموعة الغريبة من الخصوم الجيوسياسيين من جديد، ولكن هذه المرّة من أجل تمكين قادة حركة طالبان أنفسهم من إعادة النظام إلى الدولة التي تضمّ 38 مليون نسمة، والتي يهدد انهيارها الاقتصادي بحدوث أزمة إنسانية وأزمة لاجئين تزعزع الاستقرار.

دعا قادة العالم الواحد تلو الآخر، في الأسابيع التي تلت سقوط كابول في أيدي مقاتلي طالبان في 16 أغسطس، إلى إقامة تعاون دولي على الرغم أنهم كانوا يتسابقون فيما بينهم على كسب نفوذ في أفغانستان من خلال ملء الفراغ الكبير الذي خلّفه الانسحاب الأمريكي.

هؤلاء القادة يواجهون معضلة مشتركة تتمثل بكيفية دعم دولة مهددة بالمجاعة بدون تعزيز حكومة طالبان التي تضمّ في صفوفها إرهابيين معروفين لا تزال نواياهم، من معاملة الأجانب والنساء إلى دعم تنظيم القاعدة، غير واضحة، وربما تكون أسوأ، وغير مستساغة.

كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد قال إن "بلاده سوف تبذل كلّ ما بوسعها من أجل مساعدة روسيا والولايات المتحدة وأوروبا على التعاون بفعالية، لأننا نتشارك المصالح عينها والرامية إلى ردع الهجرة غير الشرعية والإرهاب.

برنامج عمل دولي

تعرض فرنسا وألمانيا اليوم إقامة برنامج عمل بقيادة الاتحاد الأوروبي يمكّن جيران أفغانستان من تنسيق استجابة مشتركة، بحسب وثيقة اطلعت عليها بلومبرغ في الأسبوع الماضي. وتقترح الخطة دعوة منظمات دولية ودول مثل الولايات المتحدة والنرويج وتركيا من أجل المساعدة في تمويل هذا الجهد، و"التفكير بشكل خاص" بضمّ الصين وروسيا أيضاً.

من جانبه، قال وزير الخارجية الباكستاني سيد محمود قريشي في تغريدة على تويتر بعد لقاء الأسبوع الماضي مع نظرائه الصيني والإيراني والطاجيكي والتركماني والأوزبكي إن "الأولويات الأساسية هي منع حصول أزمات إنسانية واتخاذ خطوات من أجل تجنب حدوث انهيار اقتصادي"، مشيراً إلى أن ذلك "يتطلب تحسين انخراط المجتمع الدولي".

تملك الولايات المتحدة والدول الأخرى وسائل ضغط يمكن أن تستخدمها من أجل حثّ طالبان على تشارك السلطة واستبعاد الإرهابيين والسماح بتعليم النساء والتخلي عن الانتقام من المواطنين الذين عملوا وقاتلوا إلى جانب الولايات المتحدة وحلفائها، ويتضمن ذلك إمكانية حجب الاعتراف الدبلوماسي عن طالبان وفرض عقوبات اقتصادية.

التحديات الإنسانية

لكن في حال استخدمت الدول هذه الوسائل ضد حكومة طالبان، فهي قد تحرم البلاد من الأموال والدعم الإنساني اللازم لمنع الانهيار. إذ شكلت المساعدات الأجنبية 43% من الاقتصاد الأفغاني في عام 2020، بحسب البنك الدولي، حيث لا تزال البلاد مصنفة من بين الأفقر في العالم، وقد بلغ نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي 509 دولارات في العام نفسه.

وقال عدنان مازرائي، استشاري برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أفغانستان الذي أشرف على عمل صندوق النقد الدولي هناك من عام 2009 إلى 2015 إن "المعضلة التي تحيّر العالم هي كيفية التعامل أولاً مع الأزمة الإنسانية التي تلوح في الأفق".

ويرى مازرائي، الذي يشغل اليوم منصب زميل غير مقيم في معهد بيترسون في واشنطن إن عودة طالبان إلى السلطة أشبه بالثورة، ما سيكون له تأثيرات قاسية على الإنتاج المحلي في أفغانستان، وأيضاً على التجارة العالمية. فالموظفون البيروقراطيون الأكفاء غادروا البلاد، فيما تقوم طالبان بطرد النساء من أماكن العمل ومن الاقتصاد غير الرسمي، حيث كنّ يلعبن أدواراً فعّالة.

وفي ظلّ غياب حكومة معترف بها، أوقف صندوق النقد الدولي وغيره من الجهات المانحة برامج الدعم المالي، بحيث لن تعود هذه البرامج قادرة على سدّ الفجوات في دخل الأسر التي تسهم السياسات التي تنتهجها طالبان في اتساعها.

مع ذلك، فإن حسّ الهدف المشترك بين الدول التي تحاول تجنّب وقوع الأزمة ليس واضحاً دائماً. إذ كانت الشماتة وليس التضامن هي الشعور الطاغي في ردة الفعل تجاه محاولة أمريكا الفاشلة لبناء الدولة في أفغانستان. وقد صوّر المسؤولون في طهران وموسكو والصين الانسحاب الأمريكي العاجل على أنه هزيمة مهينة لقوة عظمى في طور الانحدار.

إلى ذلك، لكلّ من روسيا والصين مصالح مهمة في أفغانستان، وهما في مكانة جيدة تخوّل لهما لعب دور صناع القرار الإقليمي. وفي حال بكين، سيكون ذلك من خلال المستثمرين بشكل خاص.

كان الكرملين قد بنى علاقات مع طالبان على مدى سنوات، على الرغم من أنه حظر الحركة من خلال تصنيفها كجماعة إرهابية، إذ أثنى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على قادة طالبان ووصفهم بـ"الأشخاص المنطقيين" بعد محادثات عقدت في موسكو في يوليو الماضي.

كانت روسيا قد أرسلت تعزيزات عسكرية إلى قاعدتها في طاجكستان، وسوف تقوم بمناورات عسكرية مشتركة مع دول المنطقة هذا الشهر.

من ناحيتها، تسعى الصين لمنع أي دعم إسلامي لحركات الإيغور في إقليم شينجيانغ الذي تسكنه غالبية مسلمة، إذ كانت بكين قد استغلت الهجمات الإرهابية في السابق من أجل تبرير الاضطهاد الجماعي الذي تمارسه ضد الإيغور والذي ينتقده الغرب ويصفه بنوع من الإبادة الجماعية. كما تحرص الصين على حماية استثماراتها التي تقدر بـ50 مليار دولار ضمن مبادرة "الحزام والطريق" في باكستان، فيما توجّه نظرها نحو ثروة أفغانستان المعدنية التي تقدر بأكثر من تريليون دولار.

الخوف من تدفق اللاجئين

كان المتحدث الرئيسي باسم حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد، وصف في مقابلة مع صحيفة "لا ريبوبليكا" في 3 سبتمبر الاستثمارات الصينية بـ"الأساسية اقتصادياً".

مع ذلك، لا تبدو أي من الصين أو روسيا على عجلة في التعامل مع مشكلة سبق وأذلّت القوى الخارجية، بينها الاتحاد السوفياتي، لعقود إن لم يكن لقرون. كما أنهما لا تريدان دفع فاتورة ما تصفانه بالفوضى التي خلّفتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي.

على جانب آخر، يواجه الاتحاد الأوروبي صعوبة في التعامل مع حكومة طالبان التي تتعارض مع قيم منغرسة في جينات الناخبين في الدول الـ 27 الأعضاء في التكتل. مع ذلك، سبق للاتحاد الأوروبي أن دفع الأموال لدول أخرى من أجل منع اللاجئين من الوصول إلى حدوده، بينها اتفاق بقيمة 3 مليارات دولار مع تركيا في عام 2016.

كان وزير الخارجية الصيني وانغ يي قد أبلغ نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن في اتصال هاتفي في 29 أغسطس أن على الولايات المتحدة أن "تعمل مع المجتمع الدولي كي تمدّ أفغانستان بالمساعدات الاقتصادية والإنسانية الملحّة"، وأضاف أنه "يتعين على جميع الأطراف التواصل مع طالبان وتوجيهها بشكل حثيث"، بحسب ما أفادت به وزارة الخارجية الصينية.

في غضون ذلك، أبدت روسيا استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة، وفق أندري كورتونوف، رئيس مجلس الشؤون الخارجية الروسي الذي أسسه الكرملين. إلا أنه غير متأكد من وجود إرادة سياسية في واشنطن على هذا الصعيد. إذ حذّر من أن منع المساعدات الغربية بسبب تدهور وضع حقوق الإنسان "سيسبب فوضى اقتصادية كبرى ستكون لمصلحة خصوم طالبان الراديكاليين"، داعياً لأن يكون "الأمن مصدر القلق الرئيسي".

فرصة طالبان

بالنسبة لطالبان، هذه فرصتهم لإثبات أن بإمكانهم أن يحكموا بعيداً عن مجموعات مثل تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية، ويبدو أن الكثير من الدول تراهن على أن الحركة سوف تستغل هذه الفرصة. ويمكن للمساعدات الدولية اللازمة أن تساعد طالبان في إحكام سيطرتها على السلطة.

مع ذلك، الكثير من الأمور لا تزال غير واضحة، والمتفائلون قلائل. فتصريحات طالبان وسلوكياتها تظهر أنها تعتزم بالفعل العودة إلى سياساتها القمعية السابقة ضد النساء التي كانت تطبقها في التسعينيات.

فيما لم تفرج الولايات المتحدة بعد عن أصول بقيمة 9.5 مليار دولار مجمدة من أموال المصرف المركزي الأفغاني، تبحث إدارة بايدن سبل استخدام المساعدات المالية من أجل مساعدة النساء والأطفال، فيما تحول دون وقوع هذه الأموال تحت السيطرة المباشرة لحركة طالبان، وذلك بحسب مصدر مطلع على القضية طلب عدم الكشف عن هويته.

كان بلينكن قد أعلن يوم الإثنين أن الولايات المتحدة سوف تقدم مساعدات إنسانية جديدة لأفغانستان بقيمة 64 مليون دولار "لن تمرّ عبر الحكومة" بل عبر المنظمات غير الحكومية. وفي الوقت نفسه، تدرس الولايات المتحدة أشكال المساعدات الثنائية للحكومة في كابول، بحسب ما صرّح به المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحافيين في 9 سبتمبر.

وقال برايس "حين يكون من مصلحتنا التواصل مع طالبان على أسس مصلحتنا الوطنية، فسوف نقوم بذلك".