أيرلندا تضغط بقوة على لوبي المزارعين لتحقيق أهدافها المناخية

المصدر: غيتي إيمجز
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تعتبر الماشية التي تسرح في الحقول الأيرلندية جزءاً ساحراً من طبيعتها الخلّابة، ولكنها أيضاً سبب في تبوء البلاد للمرتبة الثالثة كأكبر مُصدّر لغازات الاحتباس الحراري للفرد في أوروبا.

أمام أيرلندا فرصة مثلى لتحقيق هدف الاتحاد الأوروبي بشأن المناخ، المتمثل في الوصول إلى انبعاثات صفرية بحلول 2050، وهي إيجاد وسيلة لخفض تلك الانبعاثات، والطريقة الواضحة للقيام بذلك تستدعي تقليل عدد الأبقار التي تربيها البلاد. إن تأثير كمية الميثان التي تطلقها في الغلاف الجوي يزيد بأكثر من 80 مرة عن تأثير ثاني أكسيد الكربون في احترار الكوكب في العقدين الأولين.

مع ذلك، يعني تقليص هذا القطيع أن الحكومة ستضطر إلى مواجهة لوبي المزارع القوي الذي يحظى بدعم المجتمعات الريفية، والتي تكره أن يملي عليها أحد بشأن كيفية استخدام أراضيها.

إقرأ أيضاً: بروتوكول أيرلندا الشمالية يجدد الخلاف في مجلس اللوردات البريطاني

يقول بريان روش، نائب رئيس اتحاد المزارعين الأيرلنديين: "من السهل طرح أفكار مثل تقليص القطيع، وهي حجة أكثر دقة من ذلك بكثير. يتحدث السياسيون الأيرلنديون عن قطيع وطني، لكنه ليس قطيعاً وطنياً".

تقل أحجام مزارع أيرلندا وتتنوع ملكيتها عن مثيلاتها في الدول المتقدمة الأخرى ذات القطاعات الزراعية المهيمنة، حيث يصل متوسط حجم 130 ألف مرزعة إلى 32 هكتاراً، مقارنة بـ55 هكتاراً للمزارع الفرنسية والألمانية، وفقاً للبيانات الحكومية. ويضم متوسط القطيع الأيرلندي 100 بقرة على الأقل، وهو ما يصل إلى ربع الأبقار في المزارع النيوزلندية.

ارتباط عاطفي بالأرض

لا تحقق المزارع الصغيرة المملوكة للعائلات أرباحاً في الغالب. يعمل العديد من الملاك في وظائف إضافية في قطاع آخر لزيادة مداخيلهم، إلا أنهم يواصلون تشغيل المزارع نظراً لارتباطهم العاطفي العميق بالأرض. وفي كثير من الحالات، استغرق الأمر أجيالاً للسيطرة على قطع الأراضي، بما في ذلك استعادة العقارات من الملاك البريطانيين بعد نيل أيرلندا استقلالها عن بريطانيا. وتباع قطعة الأرض الأيرلندية مرة واحدة فقط كل 400 سنة.

إلى ذلك، يتجلى اعتراض صناعة المزارع من خلال طرق عدة، تشمل التقليل من حجم تأثير الاحتباس الحراري للميثان، وصولاً إلى الدعوة لإيجاد حلول تقنية بدلاً من تقليص أعداد القطيع. وبدورها، حاولت الحكومة تحفيز المزارعين على تحويل أراضيهم إلى مخازن كربون، من خلال الانضمام إلى برنامج غرس الأشجار بدلاً من معاقبتهم على تلويثها، تماماً مثل النهج الذي تدرسه نيوزلندا.

تهدف الحكومة إلى إضافة 8000 هكتار من الغابات سنوياً لامتصاص 21 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول 2030، ما يُشكّل أربعة أخماس الحجم الكلّي لثاني أكسيد الكربون الذي تريد أيرلندا إزالته من الغلاف الجوي، لكي تحقق هدفها المتمثل في خفض الانبعاثات بنسبة 51% في نهاية هذا العقد.

مع ذلك، يعاني المزارعون الذين قبلوا العرض الحكومي من تأمين الأوراق الصحيحة لبدء زراعة الأشجار، وتشابك نظام التصاريح مع تراكم الطلبات، وفقاً لديرموت هوليهان، رئيس جمعية مستشاري الغابات الأيرلندية.

يقول هوليهان، إن عدد المزارع الجديدة كان الأدنى في العام الماضي منذ 1935، باستثناء فترة الحرب العالمية الثانية، بينما قالت شركة الغابات التجارية، "كويلت" (Coillte)، المملوكة للدولة، إنه تمت إضافة 2000 هكتار فقط من الغابات العام الماضي. ويُقدّر اتحاد المزارعين الأيرلنديين أنه تم تعليق حوالي 6000 ترخيص لزراعة الأشجار، بسبب مسائل تخص متطلبات تتعلّق بزراعة أشجار محددة.

يقول هوليهان: "لقد انهار برنامج التشجير. فقد المزارعون اهتمامهم بزراعة الأشجار بسبب الصعوبات في التعامل مع مخططات خدمات الغابات، وصعوبات الحصول على الموافقة على زراعة الأشجار أولاً. لم يعد يعتبر الكثيرون التشجير خياراً في مزارعهم".

على الجانب الآخر، تعمل الحكومة على تحسين عملية استصدار التصاريح، لكن الالتزام طويل الأجل لا يزال رادعاً، إذ يتعيّن على المزارعين الذين يشتركون في البرنامج إعادة زراعة الأشجار في حال قطعها، ولا يُسمح لهم بالعودة إلى الزراعة لاحقاً.

تعتبر مسألة معالجة الانبعاثات الناتجة عن الزراعة، والتي تمثل 15% من الاحتباس الحراري العالمي، قضية ملحة دون حل سهل. لا تزال تقنيات الحد من انبعاثات الميثان من الأبقار في طور التجريب، ولا تتوافر بأسعار زهيدة على نطاق واسع. في شهر أبريل، قال جيري بويل، رئيس هيئة الزراعة والتنمية الغذائية الأيرلندية، المعروفة باسم "تيغاسك" (Teagasc) للمشرّعين، إن "الفهم العلمي الحالي يشير إلى أن الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة من الزراعة الأيرلندية بالوسائل التقنية يمثل تحدياً".

كما تعتبر تربية الحيوانات مسؤولة عن أكثر من ثلث الانبعاثات في أيرلندا. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إن "الأمة تستطيع قيادة الطريق" لحل المشكلة. تخطط الحكومة لنشر خطة العمل المناخي هذا الخريف، ووصفها رئيس الوزراء مايكل مارتين بأنها تعكس طموحاً أكبر في خفض الانبعاثات، بعدما شدّد التقرير البارز للأمم المتحدة على الحاجة الملحة لخفض انبعاثات الميثان.

ضغوط على الحكومة

تتعرض الحكومة الائتلافية، التي تضم حزب الخضر كشريك صغير، لضغوط لكي تقوم بتقديم سياسات مناخية أكثر عدوانية، من قبل الناخبين في المناطق الحضرية الذين دفعوا الدولة أيضاً إلى اتخاذ خطوات تقدمية بشأن قضايا مثل زواج المثليين والإجهاض.

مع ذلك، يرغب هؤلاء في اتخاذ مزيد من الإجراءات بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري، ما يعكس الانقسام مع سكان الريف الذين يظلون حماة قطاع الزراعة في البلاد. ولا يستطيع الحزبان الحاكمان، "فيانا فايل" و"فاين غايل"، تحمّل خسارة دعمهما، إذ يأتي حوالي 58% من المشرّعين من دوائر انتخابية خارج أكبر المدن الأيرلندية.

يقول وزير البيئة وزعيم حزب الخضر إيمون رايان: "لا تُجدي طريقة إخبار الناس بما يجب عليهم فعله، والتظاهر بأنك تعرف كل شيء. المجتمع الزراعي يفهم ذلك، ويدرك أن مستقبل أطفاله على المحك هنا".

تشير التقديرات إلى أن الطقس القاسي سيضر بإنتاجية المحاصيل بنسبة تصل إلى 30% على مستوى العالم بحلول منتصف القرن، وفقاً لدراسة أجراها ألكسندر كوبرل، زميل باحث في معهد "غرانثام" في "كلية لندن الإمبراطورية". تقرير آخر صادر عن وكالة حماية البيئة الأيرلندية وباحثين آخرين، تم نشره خلال هذا الشهر، أشار أيضاً إلى زيادة ظروف الجفاف المحتملة منذ عام 1992، خصوصاً في شرق البلاد.

يقول رايان: "كيف يمكننا تطوير الريف الأيرلندي في الوقت ذاته الذي نتعامل فيه مع هذا التحدي المناخي؟ أعتقد بأن هذا ممكن، ولكنه يتطلب تغييراً كبيراً للغاية، أي تغيير في النظام، لكنه تغيير نحو الأفضل".