البيت الذي بناه "جاك ما" هو من صنع الصين نفسها

جاك ما، مؤسس ورئيس مجموعة علي بابا
جاك ما، مؤسس ورئيس مجموعة علي بابا المصدر: بلومبرغ
Tim Culpan
Tim Culpan

Tim Culpan is a Bloomberg Opinion columnist covering technology. He previously covered technology for Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في حال قرر المشرعون الصينيون أنَّ مجموعة "علي بابا" التي أسسها "جاك ما" بمثابة امبراطورية احتكارية، يتعيَّن عليهم مباشرة التوجه لبكين، للحصول على تفسير عن كيفية حدوث ذلك.

ويوم الخميس، أعلنت الصين عن تحقيق في الممارسات الاحتكارية المزعومة من قبل عملاقة التجارة الإلكترونية، ومقرها هانغتشو. كما تقع "آنت غروب كو" أيضاً في مرمى النيران في ظلِّ استدعاء البنك المركزي، ومراقب القطاع المصرفي بشكل منفصل شركة التكنولوجيا المالية التابعة لـ"ما" إلى اجتماع. وتوضِّح ردة الفعل السريعة لسعر الأسهم، مع تراجع سهم "علي بابا" بما يعادل 7.9% في تداولات هونغ كونغ، أنَّ المستثمرين يأخذون هذه التحقيقات على محمل الجد.

ومع ذلك، فإنَّ صعود "علي بابا" لهذه المكانة العالية يعود بقدر كبير إلى السياسات الحكومية التي قدمت الحماية، ودللت قطاع الإنترنت المزدهر حالياً، وتحت غطاء الأمن القومي، طبَّق القادة المتعاقبون رقابة وقيوداً على ملكية الأجانب وغيرها من الحواجز التي قضت على المنافسة من الخارج.

الدرع الواقية وقص الأجنحة

وعلى مدار سنوات، أُشيد بشركات مثل "بايدو إنك"، و"علي بابا"، و"تنسنت هولدينغز" - الذين يعرفون مجتمعين كـ"BAT" - لأنَّها نماذج على الابتكار والحداثة في الصين. ولا أقصد انتقاص مؤسسي تلك الشركات؛ فهم بنوا أعمالاً مذهلةً من الصفر. ولكن عدم الاضطرار للتعامل مع أمثال "مايكروسوفت كورب"، و"غوغل"، و"أمازون دوت كوم"، و"فيسبوك إنك"، أعطاهم درعاً واقية، وفي الوقت نفسه، ساعدت الأجواء المتساهلة خلال فترات تطورهم الوليدة على احتضان هذه الشركات ليصبحوا ما هم عليه الآن، كما سمحت بكين بحدوث ذلك، بل وشجعته.

تم إلغاء الطرح الأولي لشركة "آنت" في نوفمبر في اللحظة الأخيرة بعد أسابيع من خطاب "ما" في شنغهاي الذي انتقد فيه المشرِّعين

والآن أصبحت إمبراطورية "علي بابا" ضخمة للغاية، وتريد الصين قصَّ أجنحتها، وهي خطوة غير متوقعة، وتمَّ إلغاء الطرح الأولي للجمهور لشركة "آنت" في نوفمبر في اللحظة الأخيرة، الذي لو تمَّ لكان الأكبر في العالم، بعد أسابيع من خطاب "ما" في شنغهاي، الذي انتقد فيه المشرِّعين. ومن المرجَّح أن تشهد الشركات الأخرى التدقيق نفسه. وكتبت "بيبولز دايلي"، الناطقة بلسان الحكومة الصينية، بعد وقت قصير من الإعلان عن التحقيقات، أنَّ بكين تسعى لتحسين تنظيم وتوجيه نمو اقتصاد الإنترنت. وأشارت إلى الهيكل الذي تُقدَّم من خلاله الشركات عدَّة خدمات من خلال التطبيق نفسه، أو الموقع الإلكتروني. وأضافت أنَّ هذه الخطوات لا تعكس أيَّ تغيير في الموقف تجاه دعم القطاع وتشجيعه، وإنما تهدف لمكافحة الاحتكار الذي أصبح قضية ملحة مع تدفق الموارد لأكبر الشركات.

وجه التشابه الصيني الأمريكي

ومن المغري أن نقارن هذه الأحداث بخطوات مشابهة في الولايات المتحدة وأوروبا، إذ تخضع جميع الأسماء الكبيرة الآن لشبح تحقيقات مكافحة الاحتكار. ولكن الاختلافات كبيرة، فالمشرِّعون الأمريكيون يأملون فقط، لو أنهم يستطيعون إعاقة نمو أسماء مثل "غوغل"، و"فيسبوك"، و"أمازون"، ولكنَّ هيكل الحرية الاقتصادية هناك يعني أنَّ أفضل ما تستطيع واشنطن القيام به هو الانتظار حتى تصبح الشركة كبيرة بما يكفي ليطلق عليها وصف "احتكارية". حينها يمكنها التدخل لكبحها أو تفكيكها.

أما في الصين، فإنَّ القبضة القوية للحكومة في كلِّ مكان -صراحة وضمناً- يضطر المديرون التنفيذيون للسير على خط رفيع بين التقرُّب من المسؤولين، أو التقرب بشدة. وأصبحت الشركات في البر الرئيسي أعظم أبطال الأمة، وفي أحيان أخرى أعتى أشرارها.

تخضع جميع الأسماء الكبيرة الآن لشبح تحقيقات مكافحة الاحتكار

وسواء تمَّ اعتبار "علي بابا" شركة منخرطة في ممارسات احتكارية أو لا ،فهو أمر غير مهم؛ لأنَّ مجرَّد احتمال كبحها كافٍ لإجبار المديرين التنفيذيين على التحرك، وربما إبداء الندم. ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال" فإنَّ "جاك ما" عرض بنفسه التخلي عن بعض أجزاء "آنت"، فيما بدا عرضَ سلام لبكين قبل إيقاف الطرح الأولي للجمهور. وقارنوا ذلك مع المواجهة الهادئة التي قدَّمها مارك زوكربيرغ في وجه تحقيق من قبل الكونغرس.

وفي النهاية، قد تكون عروض السلام غير كافية، بعد أن ساعدت بكين على خلق شركات الإنترنت في الصين، ستقرر وحدها ما الذي ستفعله بها.