لحظة بلحظة.. كيف سارت مفاوضات الأيام الأخيرة للتوصل إلى اتفاق "بريكست"؟

بريكست
بريكست المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لم تخل المفاوضات حول الاتفاق التجاري بعد بريكست بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي من التركيز على عمليات الصيد والتي وصلت في الساعات الأخيرة إلى مناقشة صيد أسماك القدر والماكريل.

وفي نهاية المطاف، تمكن رئيس الوزراء البريطاني من الإعلان عن التوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد تسعة أشهر من المفاوضات التي سعت من خلالها دول الاتحاد إلى الحفاظ على علاقات وثيقة مع واحدة من أكبر الاقتصادات العالمية.

وفي الوقت الذي تم التوصل فيه إلى الاتفاق على النقاط الرئيسية ظهر يوم الأربعاء، فقد استغرقت مناقشة النص القانوني للاتفاق ليلة كاملة، وتركزت المفاوضات في الساعات الأخيرة حول تفاصيل المسودة النهائية المتعلقة بمخزون الأسماك، والتي أجلت الإعلان عن الاتفاق إلى ما بعد ظهر ليلة عيد الميلاد، حيث تحول الموقف في الساعات الأخيرة ليصبح أكثر سخونة بسبب الخلافات حول كيفية حساب البيانات الإحصائية.

كانت لحظة التوصل لاتفاق بمثابة وقت الخروج من الظلام لنحو 200 مسؤول عانوا أثناء مناقشاتهم التفاصيل الدقيقة، بعد ما أمضوا أكثر من 2000 ساعة في غرف مغلقة يتسلل إليها القليل من ضوء النهار الذي ينعدم أحياناً، حيث تناقلوا اجتماعاتهم فيما بين لندن وبروكسل في الوقت الذي طغت على الأحداث أعداد الوفيات والتداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، والتي غطت على تفاصيل مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

الحرب الباردة

وبدت المفاوضات وكأنها أحد فصول الحرب البادرة، فعلى الرغم من تعلم البعض احترام ما يقدمه الآخرون من أرقام وبيانات، إلا أنها تضمنت شكوكا متبادلة واضطرابات شخصية والاستياء في بعض الأحيان، والذي زاد بسبب القيود التي تم فرضها لمكافحة انتشار كوفيد 19. وعلى الرغم من ذلك، كانت الحياة تسير بطبيعتها حيث المحادثات الحميمية في المقاهي واستمرار اللقاءات في الحدائق، الأمر الذي جعل أحد الدبلوماسيين البريطانيين يطلق عليها "بريكست نوير" أو بريكست الأسود.

وقد فرضت فرنسا حظراً على أكبر موانئ بريطانيا قبل عيد الميلاد. السبب الظاهري لهذا الإجراء أنه لمنع انتشار السلالة الجديدة من فيروس كورونا إلى باقي أنحاء القارة. ولكن يبدو أن فرنسا أرادت أن تظهر لبريطانيا أن فوضى إيقاف آلاف الشاحنات أصبح على المحك. وقد علق مسؤولون على ذلك الحظر بأنه زاد من التركيز على إنهاء المفاوضات، فيما وصفه ميشيل بارنييه كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بأنه "الدفعة الأخيرة".

اقتلاع الرموش واحدة تلو الأخرى

وعلى صعيد المفاوضات، فقد قضت وفود التفاوض الجزء الأكبر من العام 2020 في مناقشة تطورات متلاحقة لا تتوقف بدءاً من مناقشات الشحن الجوي وبيانات مراجعة بصمات الأصابع. ولكن تعلق الجزء الحاسم من المفاوضات بمناقشة 100 نوع مختلف من الأسماك حيث وصف أحد المسؤولين المفاوضات بأنها مثل "اقتلاع الرموش واحدة تلو الأخرى".

لقد عاش المفاوضون يحملون حقائب سفرهم على مدار موجتين متتاليتين من انتشار عدوى فيروس كورونا والتي أجبرت الكثير على العزل. الأمر الذي وصل إلى حد البكاء في بعض المناسبات عند اعتقادهم أنهم على وشك الفشل. وقد استمر ذلك الشعور حتى صباح اليوم الذي تم فيه الإعلان عن التوصل إلى اتفاق، وفي نهاية المطاف، قامت طائرة من سلاح الجو الملكي البريطاني بنقل العديد منهم من بروكسل ليحتفلوا في منازلهم بعيد الميلاد.

ويأتي ذلك الوصف لكيفية سير المحادثات وفقاً لما قاله العديد من المسؤولين الذين تم التواصل معهم ممن لديهم معرفة وثيقة بما جرى. وقد طلب كل واحد منهم عدم الكشف عن هويته.

من صفقة مستحيلة إلى اتفاق مُريح

وفيما يشعر الجميع بالارتياح والاحتفال بالتوصل إلى اتفاق نهائي، كان الأمر مختلفاً تماماً قبل أيام قليلة، وتحديداً في العاشر من ديسمبر، عندما أخبر ديفيد فروست كبير المفاوضين البريطانيين أعضاء فريق عمله أثناء اجتماعهم في غرفة الاجتماعات بالطابق الثالث في مبنى الحكومة البريطانية في بروكسل أن التوصل إلى صفقة يبدو شبه مستحيل، وقد تزامن ذلك مع تحذيرات بوريس جونسون لبلاده أن فشل المفاوضات يبدو أمراً محتملاً.

في الليلة التي سبقت ذلك الاجتماع، لم يكن مخططاً أن يجتمع بوريس جونسون على العشاء مع رئيسة المفوضية أورسولا فون ديرلاين في الطابق الثالث عشر من مقر المفوضية الأوروبية في بيرلايمونت ببروكسل، وقد بدأ الاجتماع بتحذير أورسولا لجونسون علناً من ضرورة "الابتعاد" بعدما نزعوا الكمامات، وفي الاجتماع، استمر الجدال حول نفس النقاط الخلافية التي عرقلت المفاوضات منذ البداية.

إصرار الاتحاد الأوروبي

وفي وقت سابق من المفاوضات، قام مساعدو فون ديرلاين بعرض توضيحي لجونسون كان الاتحاد الأوروبي قد نشره في فبراير الماضي، حيث تضمن التركيز على التقارب الجغرافي بين بريطانيا وأوروبا ما يزيد من فرص التبادل التجاري فيما بينهما، وهو ما يجعل الاتحاد الأوروبي مُصراً على التوصل إلى قواعد عادلة بشأن المنافسة التجارية.

وذكرت مصادر قريبة من المفاوضات، أن بريطانيا رفضت ما جاء في ذلك العرض، ما جعل الجميع يشعر بالعودة إلى المربع الأول. وقال مسؤول بريطاني أن أعضاء الوفد في صباح اليوم بعدما اجتمعوا مع كبير المفاوضين فروست الذي عرض عليهم تلك التطورات: "كنا مُخدرين" فيما قال مسؤول آخر مُحاولاً الامتناع عن البكاء: "كنا نريد فقط أن نعرف متى يمكننا العودة إلى الديار ورؤية عائلاتنا".

وحتى يتشتت انتباههم عن ضياع تلك الجهود دون جدوى، عمد فريق المفاوضات البريطاني إلى تنظيم مسابقة حول من يكتب أفضل "هايكو". ولكن على العشاء، بدا أن شكل الاختلافات أصبح واضحاً على الأقل – فبينما يتناولون قائمة صغيرة من الأسقلوب والطربوت – بدا جونسون وفون دير لاين على قدر من الاهتمام.

تنازلات وأرباح

تم التوصل إلى حلول توافقية بشأن إحدى النقاط الخلافية منذ فترة طويلة والمتعلقة بتكافؤ الفرص والمنافسة العادلة، حيث تم إقرار قواعد تضمن عدم حصول أي من الشركات البريطانية أو الأوروبية على ميزة تنافسية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. حيث تبين لبريطانيا إمكانية التوصل لاتفاق في حال تنازلها عن بعض الاعتراضات المتعلقة بقدرة الاتحاد الأوروبي على فرض رسوم جمركية في حالة عدم تقيد بريطانيا بقواعد الاتحاد الخاصة بالعمالة والبيئة والمسؤولية المجتمعية.

وقد جاء تنازل بريطانيا عن اعتراضها للحصول على شئ آخر في المقابل، إذ ركزت الأيام الأخيرة من المفاوضات على حقوق الصيد في المياه البريطانية، وفي الوقت الذي كثف فيه كل من جونسون وفون دير لاين من الاتصالات الهاتفية، بدا أن هناك تقارباً بينهما رغم تصريحات المسؤولين عن استمرار المحادثات.

حان وقت الاتفاق

في 19 ديسمبر، عندما كان رئيس الوزراء البريطاني يستعد لفرض إجراءات صارمة تصل إلى إغلاق لندن وحظر التجمع في أعياد الميلاد لمنع انتشار سلالة جديدة أكثر ضراوة من فيروس كورونا، ألمح جونسون إلى فروست أن الوقت قد حان للتوصل إلى اتفاق.

فوجئ فريق التفاوض البريطاني أثناء المحادثات التي تناولت حقوق الصيد، بتمسك الاتحاد الأوروبي بمطالبه وهو ما لم يكن متوقعاً بالنسبة لهم، وفي الليلة التالية بدت الأمور أكثر صعوبة.

يوم الاثنين، وفي محاولة للتوصل إلى اتفاق، أجرى جونسون وفون دير لاين مكالمتين هاتفيتين بدا فيهما التوتر. حيث قالت رئيس المفوضية أن الاتحاد الأوروبي، وفرنسا على وجه الخصوص، لن يقبل بتخفيض يزيد عن 25% من كمية الأسماك التي يمكن أن يتم اصطيادها في المياه البريطانية. وكان ذلك العرض الأخير الذي تم تقديمه.

وقد اقترح جونسون، الذي كان يضغط من قبل للخفض بنسبة 80% ، إلى التخفيض بنسبة 30%، وهو ما يصعُب أن يحصل على موافقة حزب جونسون في البرلمان. وعاد الطرفان إلى التوتر والشعور باحتمال عدم التوصل لاتفاق قبل عيد الميلاد. ولم يتراجع كل من جونسون وفون دير لاين عن مواقفيهما في محادثة جديدة جمعتهما بعد ظهر يوم الثلاثاء.

حق الانتقام المتبادل

إلا أن كل شئ تغير مساء اليوم التالي الثلاثاء، فبعد إجراء محادثات هاتفية مكثفة بين بروكسل وباريس وبرلين، قدم الاتحاد الأوروبي عرضاً جديداً وصل إلى كبير المفاوضين البريطانيين فروست عن طريق مستشارة فان دير لاين بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستيفاني ريسو، التي أبلغته بتخلي الاتحاد الأوروبي عن حقه في فرض تعريفات جمركية على بريطانيا في الأجل الطويل في حالة تم فرض قيود على الوصول إلى الأسماك في المياه البريطانية فيما يعرف باستخدام حق الانتقام المتبادل.

وكان ذلك بمثابة وضع القطعة الأخيرة قبل حل اللغز، حيث اتصلت إدارة فريق التفاوض البريطاني بأعضاء الوفد الذين كانوا قد عادوا بالفعل إلى فنادقهم في بروكسل لحزم حقائبهم من أجل العودة للديار في عيد الميلاد. ليعودوا إلى العمل مجدداً وعلى الفور في وقت متأخر من ليلة الثلاثاء للإعداد للتفاوض بشأن حقوق الصيد.

نهاية الرحلة الطويلة والشاقة

وبحلول يوم الأربعاء، تحدث جونسون وفون ديرلاين -أربع مرات على مدار اليوم- ويبدو أن الخطوط العريضة للصفقة باتت نهائية، حيث وافق جونسون على تخفيض نسبة الصيد إلى 25% مقابل تنازل الاتحاد الأوروبي عن حق الانتقام المتبادل. مع الاتفاق على أن تكون هناك فترة انتقالية مدتها خمس سنوات ونصف بحيث يكون لبريطانيا الحق في يونيو 2026 والذي يوافق الذكرى العاشرة لاستفتاء الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، بسط كامل سيطرتها على المياه البريطانية.

وفي مؤتمر صحفي تم عقده في بروكسل يوم الخميس، قالت فون دير لاين: "تلك اللحظة تمثل نهاية لرحلة طويلة" وأضافت "في نهاية مثل تلك الرحلات عادة ما نشعر بالفرح، ولكني اليوم أشعر بالرضا والراحة والسماح لبريطانيا بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي".

ومع وصول تلك الرحلة إلى مرحلتها الأخيرة في مارس الماضي، لم يتم إحراز تقدم يُذكر حتى إلى ما بعد نهاية فصل الصيف بسبب فيروس كورونا الذي أخرج كافة الترتيبات عن مسارها على الفور.

كورونا وأصعب أجواء للتفاوض

حيث لم يعد، بعد فترة وجيزة من جولة المفاوضات الأولى، بإمكان العديد من أعضاء فريقي التفاوض، بما في ذلك فروست وبارنييه الاجتماع، إما لإيجابية فحوصات كورونا أو لظهور بعض الأعراض عليهم. ولذلك أكملوا المحادثات من خلال مؤتمرات الفيديو ولم يتمكنوا من الاجتماع مباشرة مرة أخرى حتى نهاية يونيو.

ولهذا، لم يعد بإمكان المفاوضين بناء علاقات فيما بينهم، حيث قال أحد المسؤولين من وفد الاتحاد الأوروبي: "لم تكن هناك مصافحات، ولا ترتيب لأنشطة لطيفة بعد الظهر، او فرصة للمحادثة حول موضوعات غير رسمية أثناء الراحة وتناول المشروبات". وأضاف المسؤول الأوروبي "هكذا تكون طبيعة إتمام الصفقات ".

فلم تكن هناك أوجه للعلاقة الشخصية بين المفاوضين سوى من منازلهم أثناء التواصل عبر الكاميرات، حيث عمل أحد مفاوضي الاتحاد الأوروبي من غرفة حمراء بجانبه قفص طيور، بينما تحدث مسؤول بريطاني من أعلى سطح منزله في مدينة ميدلاندز الإنجليزية. فيما ظهرت إحدى أعضاء الوفد البريطاني من مطبخها وحولها باقة من الزهور والسكاكين وقد علق أحد المشاركين في المحادثات على صورتها قائلاً: "كان الأمر مثالياً بالنسبة لها".

وعانى الفريقان من بعض المشاكل الفنية الخاصة بتكنولوجيا التواصل عبر الفيديو كما أبدوا قلقهم بشأن مناقشة قضايا حساسة عبر الإنترنت، فيما كانت هناك صعوبات في تبادل الوثائق فيما بينهم.

شارل ديغول

ومع استئناف الاجتماعات والمفاوضات المباشرة، حاول الجانب البريطاني استمالة بارنييه، فقد استمع فروست للرجل الفرنسي خلال تناولهما العشاء بشكل منفرد الصيف الماضي في كارلتون غاردنز، وهو منزل منفصل وأنيق في لندن يعود إلى القرن التاسع عشر. وقد تم اختياره بعناية، حيث كان يمثل المقر الرئيسي لحكومة "فرنسا الحرة" في المنفى خلال الحرب العالمية الثانية بقيادة شارل ديغول، الذي يعد السياسي الملهم والبطل بالنسبة لبارنييه وكان ديغول أيضاً الزعيم الفرنسي الذي اعترض على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

ومرت أشهر من المفاوضات، ووصلت الأمور لطريق شبه مسدود. ورداً على طلبات فروست بتكثيف المفاوضات، قال بارنييه له إنه إذا كان لابد من الذهاب إلى غواصة عليك التأكد من إغلاق الأبواب بإحكام. وقد قال أحد المفاوضين: "كنا نخبر بعضنا بعضا مرات عديدة بنفس الشئ تماماً عن الأسماك دون أن نشعر بأن ذلك نوع من الجنون".

أضواء الشموع

وتأثرت المفاوضات منذ بدايتها بانتشار فيروس كورونا. فوفقاً للمواعيد المُعدلة للقطارات تحت القناة الإنجليزية، لم يكن هناك سوى رحلة واحدة إلى بروكسل في الصباح وأخرى إلى لندن في الليل. ومع فرض قيود الإغلاق على الحانات والمطاعم، كان المفاوضون يضطرون إلى تناول عشاء فاتر في أكياس ورقية بمفردهم في الفندق. وقد استمر ذلك لعدة أيام متتالية.

وقد عمل بارنييه من منزله على ضوء الشموع بعد انقطاع التيار الكهربائي عن جزء من بروكسل في شهر نوفمبر الماضي أثناء وجوده في الحجر الصحي وذلك بعد مخالطته لأحد أعضاء فريقه الذي ثبتت إصابته بفيروس كوفيد 19.

في الواقع، لقد سيطر الظلام على المحادثات. في لندن، تم عقد الاجتماعات في مركز مؤتمرات تابع لإدارة الأعمال في الحكومة البريطانية والذي يقع تحت الأرض ويطلق عليه "الكهف"، أما في بروكسل، فقد تم عقد الاجتماعات في مركز بورشيت الكئيب والذي تم تصميمه على طراز السبعينات. وقد استمرت اجتماعاتهم من الصباح الباكر وحتى وقت متأخر من الليل ما اضطرهم إلى تناول حبوب فيتامين (د) في ظل حرمانهم من استنشاق الهواء النقي أو ممارسة الرياضة.

تنصت بريطاني

وهنا يأتي معنى "نوير" بسبب الظلام الذي ساد الاجتماعات. وفي المرحلة الأولى للمفاوضات في العام 2018، أبلغت سابين وياند رئيسة المفوضية التجارية للاتحاد الأوروبي مرافقيها أن لديها قلقا من تنصت المخابرات البريطانية عليهم الأمر الذي نفته بريطانيا بشدة. فيما ذكر أحد دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي بعد عامين، استمرار ذلك الشك، حيث كانوا يطلبون من جونسون ومساعديه تسليم هواتفهم قبل مقابلة فون دير لاين لتناول العشاء.

وكان مسؤولوا بروكسل، الذين يسمحون للصحفيين محل الثقة بالدخول إلى مكاتبهم في الأوقات العادية ويعرضون عليهم بعض الوثائق الحساسة للغاية على بريدهم الإلكتروني، يخفون ما يحملون من وثائق بين صفحات صحيفة المساء Le Soir أثناء تناولهم للقهوة في الشارع.

ومع توتر كلا الجانبين، كانت صياغة القرار الحاسم تتم في مكان آخر. حيث تبادل جونسون رسائل نصية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. كما كان فروست على اتصال بأوي كورسيبيوس كبير مستشاري المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بشكل منتظم.

وقد قضى الطرفان ساعات معاً ولكنهما كانا يتحدثان معظم الوقت دون أرضية مشتركة. حيث وصف مسؤولون محادثة جونسون مع فون دير لاين عبر الهاتف بأنهما كانا يتحدثان من مواقف مختلفة تماماً.

السيادة البريطانية

حالة من الدهشة كانت سائدة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي حول أسباب خروج بريطانيا من الاتحاد الذي لم يكن مفهوماً لديهم. وفي الوقت الذي أصبحت كلمة "السيادة" شعاراً لبريطانيا على مدار تسعة أشهر، كان مفاوضو الاتحاد الأوروبي يستخدمونها للتهكم فيما بينهم. كما كانوا يستبعدون إحراز تقدم خلال الأيام التي تتبع استخدام كبير المفاضين البريطانيين فروست لتلك الكلمة في تغريده على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد أشارت فون دير لاين في كلمتها يوم الخميس إلى ذلك بوضوح، عندما قالت إن على الجميع أن يسأل نفسه ماذا تعني له كلمة السيادة في القرن الحادي والعشرين.

استفزاز وتوتر اللحظات الأخيرة

وكانت المفاوضات على وشك الانهيار في العديد من الأوقات، خاصة عندما هددت الحكومة البريطانية بخرق القانون الدولي وإلغاء جزء من اتفاقية الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. لكن الاتحاد الأوروبي تعامل مع تلك التهديدات بأنها مجرد استفزاز. حيث كان من الواضح أنه رغم كل ما يحدث، إلا أن هناك رغبة حقيقية من الجانبين في التوصل إلى اتفاق.

في الواقع، لقد عادوا دائماً إلى طاولة المفاوضات، وقد زاد التوتر مع اقتراب عيد الميلاد وانتهاء الفترة الانتقالية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. حيث قال مسؤولون بريطانيون إنهم لاحظوا تقطع الكلمات بين بارنييه وكبار أعضاء فريق الاتحاد الأوروبي، في المقابل أفاد شهود، سماعهم صراخاً من جهة الوفد البريطاني في لندن.

وعند سؤال أحد أعضاء الوفد البريطاني عن كيفية تخطيطهم للاحتفال بالصفقة جاء رده سريعاً وكأنه كان يعرف ماذا سيفعل: "أنا ذاهب إلى النوم".