ألمانيا منقسمة مثل الولايات المتحدة ولكنها تتكيّف مع الانقسام بعكس أمريكا

مرشحو الأحزاب الألمانية قبل مناقشة متلفزة بعد النتائج الأولية في الانتخابات البرلمانية الفيدرالية في 26 سبتمبر 2021 في برلين، ألمانيا
مرشحو الأحزاب الألمانية قبل مناقشة متلفزة بعد النتائج الأولية في الانتخابات البرلمانية الفيدرالية في 26 سبتمبر 2021 في برلين، ألمانيا المصدر: بلومبرغ
Andreas Kluth
Andreas Kluth

Columnist at Bloomberg Opinion. Previously editor-in-chief of Handelsblatt Global; 20 years at The Economist. Author of "Hannibal and Me."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بدت الانتخابات البرلمانية الألمانية للوهلة الأولى انتصاراً للمعتدلين وهزيمة للمتطرفين. خسر كل من الحزبين الشعبويين، البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف واليسار في ما بعد مرحلة الشيوعية على النقيض الآخر، مقاعد برلمانية، فيما ذهبت أغلبية الأصوات إلى إحدى الكتل الحزبية الوسطية الأربع رغم التأرجح الكبير بينها.

ألغى الناخبون بهذا الحكم واقعياً خيار الائتلاف الوحيد الذي كان من الممكن أن يكون راديكالياً، وهو التحالف اليساري الكامل بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحزب الخضر المهتم بالبيئة، وحزب اليسار. بدلاً من ذلك، سيضم تشكيل الحكومة المقبلة مزيجاً من يمين الوسط ويسار الوسط، وربما قد تميل بشكل أكبر نحو الأخير.

لكنك إذا توغلت في النتائج حسب المنطقة، فستظهر لك صورة مختلفة تماماً تشير إلى الانقسام الشديد في ألمانيا. في الولايات المتحدة، تمتد خطوط الصدع الأحمر/الأزرق بين المناطق الريفية والحضرية، وبين مناطق مثل أقصى الجنوب ونيو إنغلاند على سبيل المثال. أما في ألمانيا، فهم يفصلون أيضاً بين المدن الكبرى والريف، لكنهم، قبل كل شيء، ما زالوا يرسمون الحدود بين ألمانيا الغربية والشرقية السابقة، حتى بعد 31 عاماً من إعادة التوحيد.

إن قمت بتصفّح الخرائط الانتخابية التالية لألمانيا، والتي أعدتها "بلومبرغ نيوز"، تظهر لك نقاط القوة النسبية للأحزاب جغرافياً، وبكل وضوح تنطق الأجزاء المظللة للأحزاب الصغيرة على وجه الخصوص بالكثير من تفاصيل علم الاجتماع والتاريخ معاً.

اقرأ أيضاً: بعد ميركل.. "سوبر ماريو" الوحيد القادر على قيادة أوروبا

لنبدأ بالحزب الديمقراطي الحر، المؤيد للأعمال التجارية والسوق، والذي يفضل ريادة الأعمال، والفردية، والعمل الحكومي المحدود، وهي العناصر المكوّنة لمصطلح "الليبرالية" الصحيح، كما يسميه الأوروبيون على عكس الأمريكيين. يحظى الحزب بأقوى دعم له في غرب ألمانيا، لا سيما ولاية بادن-فورتمبيرغ الجنوبية الغربية، التي تهوى وصف نفسها بأرض الهواة والمخترعين. تعتبر هذه الولاية المدهشة في قلب وسط البلاد معقلاً للشركات العائلية، وصانعي السيارات، وأبطال التصدير الآخرين.

الآن، تحقق من حزب الخضر، الذي نشأ من رحم الثقافة المضادة في ألمانيا الغربية، والحركات المناهضة للأسلحة النووية. تتشابك حدود معاقل الحزب تقريباً حتى اليوم مع خريطة "جمهورية بون" السابقة، مثلما لقّبها الغرب قبل إعادة التوحيد. يميل المعجبون بالحزب نحو العالمية، ويتمتعون بالتعليم، والثقافة، والاهتمام الشديد بالبيئة، مما يُفسّر سر قوتهم في المدن الكبرى بشكل خاص، بينما يحتقرهم سكان الريف، خصوصاً في ما كان يعرف بالشرق سابقاً.

يظهر الستار الحديدي مرة أخرى بشكل صارخ عندما تدقق في الحزبين المتطرفين: البديل من أجل ألمانيا واليسار. تقفز أمامك المناطق المظلمة وكأنها خريطة ألمانيا الشرقية السابقة تقريباً. حظي حزب البديل من أجل ألمانيا بالمرتبة الأولى في بعض أجزاء من المنطقة، تماماً مثل حزب اليسار، المنحدر من النظام الشيوعي بألمانيا الشرقية السابقة، والذي يُمثل إلى حد كبير حركة احتجاجية من الشرقيين الذين يشعرون بالاغتراب والاستياء من وسائل الإعلام الرئيسة والنخب الثقافية. هم لا يختلفون كثيراً عن مؤيدي ترمب في الولايات المتحدة من الناحية النفسية.

الاختلاف الأكثر بروزاً بين الولايات المتحدة وألمانيا، البلد الذي يفخر بتعلّم الدروس من جمهورية فايمار (بين الأعوام 1919 و1933)، يتمثل في كيفية تفاعل كل من السياسيين والناخبين مع هذه الانقسامات. فمثلما يشير النقاد من الوجهات المتباينة، لم يعترض أحد على الفرز، ولم يحاول أحد حشد المؤيدين "لوقف السرقة"، ولم يُشيطن أحد المعارضين.

بدلاً من ذلك، تعقد الأحزاب الرئيسة الأربعة حالياً مفاوضات مطوّلة وسرية لمعرفة أي مجموعة منها يمكن أن تتوصل إلى حل وسط أفضل. لم تسر الأمور بشكل درامي على الإطلاق، بل تُكرّس الصورة الديمقراطية في أفضل حالاتها، ويحق للألمان الفخر بما حققوه.