عام 2020 شهد عودة سيطرة الدولة.. يجب علينا الحذر

الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي المصدر: بلومبرغ
Ferdinando Giugliano
Ferdinando Giugliano

Ferdinando Giugliano writes columns on European economics for Bloomberg Opinion. He is also an economics columnist for La Repubblica and was a member of the editorial board of the Financial Times

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مثل الحروب، تؤدي الأوبئة إلى تغييرات لا بد أن تدوم طويلاً. فلقد ساعد الطاعون الأسود في منتصف القرن الرابع عشر على رفع الأجور في جميع أنحاء أوروبا، حيث أصبحت العمالة نادرة ويمكن للعمال الحصول على علاوة من مالكي الأراضي.

وبالمثل، يبدو أن جائحة كورونا سيكون لها عواقب طويلة المدى على الاقتصاد – وجزء ليس بالقليل من هذه العواقب بسبب مقدار القوة التي استولت عليها الدولة في معظم أنحاء العالم الغني. ما لم تتم إدارتها بعناية، فإن عودة ليفياثان أو ما يُعرف بـ(الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة) مُمكن أن تُعرقل النمو الاقتصادي والإنتاجية لسنوات عديدة قادمة.

دفع الوباء الحكومات إلى التدخل بطريقتين رئيسيتين: فرض السياسيون قيوداً غير مسبوقة، مثل الإغلاق على الشركات والأفراد لإبطاء العدوى وتقليل الضغط على أنظمة الرعاية الصحية. وفي الوقت ذاته، قدمت الحكومات دعماً اقتصادياً واسع النطاق، بما في ذلك ضمانات القروض وضخ الأسهم للشركات المتعثرة. وفي أوروبا، خفف التكتل مؤقتاً قواعد منح مُساعدات الدولة ليتمكن من نشر شبكة الأمان بالغة الأهمية هذه.

وكانت الحجة لمثل هذا التدخل الحكومي في الاقتصاد دامغة. فعلى مر التاريخ، كانت الأوبئة بمثابة صدمات مؤقتة، حيث عادت الحياة إلى طبيعتها بمجرد انتهاء الأزمة الصحية.

ولذلك لن يكون من المنطقي السماح للشركات القابلة للحياة بالذهاب نحو الحائط فقط لأنها تواجه فترة عابرة من تقييد السيولة. إن موجة الإفلاس ستؤخر ببساطة الانتعاش الاقتصادي المُتوقع. ومع ذلك، يبدو أن الحكومات الأوروبية مُترددة في لعب دور مؤقت فقط في دعم الشركات. وحتى قبل أزمة كوفيد، كان الرأي الذي اكتسب شعبية هو أنه لا يمكن الوثوق بالسوق في حد ذاتها لتحقيق الرخاء.

وبعد الأزمة المالية، تدخل المُنظمون لإصلاح العيوب في النظام المصرفي. وبدأ السياسيون، ولا سيما في الاتحاد الأوروبي، في استهداف شركات "التكنولوجيا الكُبرى"، لأنهم يخشون من أن هيمنتهم المُتزايدة ستضغط بشكل غير عادل على المنافسين.

الفوز في المستقبل

لقد عزز الوباء هذا الاعتقاد بأن الحكومة يجب أن تتدخل. فمن إيطاليا إلى المملكة المتحدة، يرى السياسيون أنفسهم بشكل مُتزايد أفضل من رواد الأعمال من القطاع الخاص في الاستثمار في تقنيات الفوز في المستقبل. وفي بريطانيا، كانت الحكومة على خلاف مع الاتحاد الأوروبي في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشأن خُططها لتخفيف قواعد مُساعدات الدولة بهدف الاستثمار بكثافة في قطاع التكنولوجيا.

وفي إيطاليا، أصبحت شركة " كاسا ديبوست اي بريستيتي"، المُقرض الحكومي، واللاعب المركزي في العديد من المعارك الصناعية، حيث تهدف إلى توسيع نطاق اختصاصها في الاتصالات والطرق السريعة.

وبالطبع، للقطاع العام دور يلعبه في مُساعدة الاقتصاد على التعافي من جائحة كورونا، وهذا يتجاوز توفير سُبل العيش للعاطلين عن العمل. ساعدت كل من عملية "راب سبيد" في الولايات المُتحدة، والدعم المالي الألماني لشركة "بيوأنتك" على تسريع تطوير وتوزيع لقاحات ضد فيروس كورونا.

لكن مخاطر العودة إلى الأساليب التدخلية القديمة التي اتسمت بها بريطانيا في السبعينيات وإيطاليا في الثمانينيات باتت وشيكة. فشركة السيارات البريطانية المُتعثرة "بريتيش ليلاند"، وشركة الطيران الإيطالية "أليتاليا إس بي إيه"، التي تتكبد خسائر مُزمنة، هما تذكيران بالكيفية التي يمكن أن يُؤدي بها التأميم إلى إهدار لا نهاية له للمال العام دون أي تحول حقيقي.

وإذا فشلت الحكومات في التخلي عن سيطرتها على الشركات الفاشلة بعد الوباء، فإن ذلك سيضيف تكاليف كبيرة للمحافظ العامة، في وقت يمكن فيه توجيه هذه الأموال نحو مُساعدة العائلات بشكل مباشر. ستعاني المُنافسة، خاصة إذا أصبحت الروابط السياسية أكثر أهمية من الكفاءة في الوصول إلى الموارد العامة والمُشتريات.

شركات الزومبي

ومن شأن هذا أيضاً أن يُمهد الطريق لحدوث زيادة في شركات الزومبي المدعومة من الدولة - تلك التي لن تكون قادرة على الاستمرار في الحياة على المدى الطويل لولا الدعم الحكومي. وستمنع هذه الشركات العمال ورأس المال من الانتقال إلى مُنافسين أكثر إنتاجية. ومثل هذا الركود سيكون في نهاية المطاف عبئاً على نمو في الإنتاجية.

وسيكون التحدي الذي يُواجه الحكومات هو إيجاد التوازن الصحيح بين تقديم الدعم الأساسي والسماح لبعض الشركات بالفشل. وستجد بعض الشركات نفسها ببساطة غير قابلة للحياة نتيجة للوباء وتأثيراته طويلة المدى على عادات الاستهلاك والإنتاج.

وعلى سبيل المثال، لا بد أن تبدو صناعة البيع بالتجزئة بشكل مُختلف تماماً، حيث تعتاد المزيد من الأسر على التسوق عبر الإنترنت. ويمكن أيضاً تقليص رحلات العمل، حيث أصبحنا أكثر اعتياداً على المؤتمرات عبر الهاتف.

ويجب ألا يسعى السياسيون إلى الحفاظ على جميع هذه الأنشطة التجارية قائمة، لأن من شأنه هذا أن يتداخل مع اتباع هؤلاء العُمال مسارات أحدث وأكثر فائدة. ويجب عليهم بدلاً من ذلك مساعدة العمال على التدرُب على وظائف جديدة في القطاعات التي تشهد زيادة في الطلب.

وكما كتبت مجموعة (الثلاثين) وهي مجموعة من الأكاديميين والمُمولين البارزين، بما في ذلك كبار المصرفيين المركزيين السابقين مثل "ماريو دراجي" و"وراغورام راجان"، في تقرير مؤثر نُشر في ديسمبر، أنه "يجب على الحكومات تشجيع التحولات التجارية الضرورية أو المرغوب فيها والتعديلات فيما يتعلق بالتوظيف. وقد يتطلب هذا قدراً مُعيناً من "التدمير الإبداعي" حيث تتقلص بعض الشركات أو تُغلق وتفتح شركات جديدة ".

إن سياسة السماح بهذا التحول وحتى تشجيعه ستكون صعبة للغاية. وإن الاستمرار في ضخ الأموال في شركة مُتعثرة أسهل بكثير من إغلاقها وإعادة تدريب عُمالها على وظائف جديدة. ومع ذلك، فإن التعافي طويل الأمد من الوباء يتوقف على قدرة السياسيين على فهم حدودهم الخاصة. ويجب أن تظل قوة ليفياثان تحت السيطرة.