الدروس المستفادة من تجرِبة العمل من المنزل

العمل من المنزل في أيام "كورونا"
العمل من المنزل في أيام "كورونا" بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما أغلق وباء كورونا المكاتب حول العالَم، تلقّى الموظَّفون في كل مكان دورة مكثفة حول مساوئ وفوائد العمل من المنزل، كما احتدم الجدل حول ما إذا كان أداء الموظَّفين من المنزل بنفس جودة أدائهم في مكان العمل منذ أن جعلت التكنولوجيا مثل هذا التحوّل ممكنًا لأول مرة. وكانت عمليات الإغلاق التي استمرَّت على مدى أشهر، وإن لم يكُن مخططًا لها، بمثابة تجرِبة مضيئة، تبدو مؤكدة لجعل العمل من المنزل جزءًا أكبر من حياة معظم الموظفين، حتى إنه قد يصبح نمطًا يوميًّا بالنسبة إلى كثيرين.

1. كيف تكيَّف الموظَّفون مع الوضع الجديد؟

ووفقًا لاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" للاستشارات، فقد تضاعفت نسبة الأمريكيين العاملين من المنزل في غضون أسابيع إلى 62% في أبريل. وفي ظلّ إغلاق المدارس، يعاني الآباء من الجمع بين العمل والتعلُّم عن بُعد. كما تزايد استخدام الموظفين للتطبيقات التي تعمل بتقنية مؤتمرات الفيديو ووسائل التعاون مثل منصة "سلاك". وسرعان ما تلاشت حداثة هذا التحوّل لدى البعض، بحيث أصبحت أيام العمل الطويلة هي القاعدة (ثلاث ساعات إضافية في الولايات المتحدة، وفقًا لأحد التقارير)، بينما اجتذبت المرونة، التي ينطوي عليها العمل من المنزل، كثيرين.

2. هل يستمرّ العمل من المنزل؟

يبدو ذلك، على الأقل بالنسبة إلى بعض المهن. وقالت شركات شهيرة، بما في ذلك "تويتر" و"فيسبوك" وبنك "يو بي إس" السويسري، إنّ هذا التحوّل قد يصبح دائمًا بالنسبة إلى ثلث موظفيها أو أكثر. ومن ناحية أخرى، أشارت استطلاعات إلى أنّ غالبية الأشخاص لم يرغبوا في العودة إلى نظام عملهم القديم، حتى عندما يصبح الوضع آمنًا. ووفقًا لنتائج استطلاع للرأي، شارك فيه 6000 شخص في مايو، فإنّ ثلث الموظفين فقط في ألمانيا وفرنسا وهولندا يريدون العودة إلى المكتب بدوام كامل. ويبدو أن الحظر أعطى فرصة للناس لإعادة تخيُّل التوازن بين عملهم وحياتهم الخاصة، كما فوجئ كثيرون باكتشافهم أن التخلّي عن الذهاب إلى العمل يوميًّا يزيد من الإنتاجية، ويقلل من التوتر، ويعزز أسلوب حياة أكثر صحّة.

3. ما مدى إمكانية استدامة هذا الوضع؟

وفقًا لتحليل نشره المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية في أبريل، يمكن القيام بنحو 40% من الوظائف من المنزل بشكل كامل في الولايات المتحدة. ويشمل ذلك التدريس، الذي يشير التقرير إلى أنه لم يُعتقد عمومًا أنه ممكن قبل الوباء، كما كان الاتجاه لتقليل افتراض الممكن هو السائد. وتوقعت شركة "فيرايزون كوميونيكيشنز" أن يتمكن نحو 45000 من موظفيها الأمريكيين، البالغ عددهم 120000، من العمل من المنزل بشكل مبدئيّ. وبحلول أبريل، كان العدد الفعلي لموظفي الشركة العاملين من المنزل 115000.

ولكن ما بات يُعرف باسم "العمل من المنزل" لا يُعتبر خيارًا بالنسبة إلى عديد من المهن في مجالات مثل البناء والزراعة، والخدمات منخفضة الأجر مثل المطاعم وتجارة التجزئة، وهو واقع آخر سلّط الوباء الضوء عليه.

وظهر التفاوت على المستوى الدولي أيضًا، إذ وجد باحثو المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية أنّ أكثر من 40% من الموظفين يمكنهم أداء وظائفهم من المنزل في المملكة المتحدة والسويد، مقارنة بأقلّ من ربع الموظفين في المكسيك وتركيا.

4. ماذا عن أماكن العمل المنظمة مثل شركات التمويل؟

ثبت أنّ المخاوف الأولية من معاناة أجهزة الكمبيوتر المنزلية للتعامل مع البرامج والبيانات اللازمة لتنفيذ تداول الأوراق المالية مُبالَغ فيها. وجاء الاختبار الكبير في مارس، عندما تراجعت الأسواق وارتفع التداول. وعلى الرغم من أنه لا شيء يضاهي ضجيج أرضية التداول الصاخبة، فإنّ البنوك استطاعت تحقيق مليارات الدولارات من خلال معاملاتها.

وخلال تلك الفترة، كان 98% من موظفي شركة "غولدمان ساكس غروب" يعملون عن بُعد، بينما قدرت "جاي بي مورغان" عدد موظفيها العاملين عن بُعد بـ70%. كما كانت هناك بعض المشاكسات من قِبل إدارات الامتثال لمراقبة المكالمات وحركة البيع عبر الكمبيوتر تحسبًا لسوء السلوك المحتمل، فضلًا عن سعي الشركات للحفاظ على عدد كافٍ من المتداولين في الموقع لضمان سير العمليات بشكل صحيح.

5. هل الموظَّفون مِن بُعد مُنتجِون؟

وجدت دراسات ما قبل الوباء أنّ كفاءة الموظفين العاملين عن بُعد بنفس كفاءة نظرائهم في المكاتب بالفعل، بل قد يكونون أكثر كفاءة، إذ يسجل بعضهم الدخول قبل موعد العمل ويستمرّون في العمل بعد المواعيد الرسمية. وكانت التقارير عن تفاوت الإنتاجية في أثناء الإغلاق شائعة، فقد كشفت إحدى الدراسات التي أجرتها شركة "برودوسكور" لصناعة البرمجيات عن تحقيق مكاسب إضافية بنسبة 47% عن العام السابق، إذ أجرى الموظفون مزيدًا من المكالمات، وبدؤوا في إجراء مزيد من المحادثات وإرسال مزيد من رسائل البريد الإلكتروني، كل ذلك مع جدولة اجتماعات أقلّ. ولكن زادت التكلفة في المقابل، بعد أن أظهر أحد الاستطلاعات أن 45% من العمّال قالوا إنهم أُنهِكوا بسبب عبء العمل المتزايد، والتلاعب بالحياة الشخصية والمهنية، ونقص الدعم من صاحب العمل.

6. كيف يغيِّر ذلك مجرى الأمور؟

إنّ التحرر من قيود العمل من المكتب يعني أنّ العمّال يمكنهم اختيار الانتقال إلى مناطق أقلّ تكلفة، فقد قالت شركة "فيسبوك" إنها ستتبنى التحوّل للعمل من المنزل جزئيًّا كونه سيوسع نطاق المواهب لتعيين موظفين محتملين من أي مكان، على الرغم من أن الموظفين الذين يغادرون قاعدتها في كاليفورنيا قد يشهدون تخفيض أجورهم للتوافق مع المعايير المحلّية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشركات التخلي عن العقارات، إذ صرّحت كل من "جاي بي مورغان" و"باركليز" و"مورغان ستانلي" بأنهم قد يقلِّلون المساحة المكتبية ويطلبون من الموظفين العمل عن بُعد أكثر. وعلى الجانب الآخر، يخشى بعض المديرين التنفيذيين من أن التحوّل الواسع النطاق إلى العمل عن بُعد ينطوي على مخاطرة بفقدان بعض الصداقات الحميمة والتعاون والإبداع كمهارات عُزِّزَت خلال اللقاءات المباشرة، وبذلك يُعتبر تقسيم أسبوع العمل بين المنزل والمكتب حلًّا وسطًا لتلك القضية.